الروائي الإيرلندي بول موراي (صفحة الكاتب - فيسبوك) ثقافة و فنون “لدغة النحلة” ملحمة إيرلندية حديثة عن انهيار أسرة by admin 31 مارس، 2024 written by admin 31 مارس، 2024 164 الروائي بول موراي يسلك خط ويليام فولكنر بالتوازي مع جيمس جويس ليكتب أزمة جيل الألفية الثالثة اندبندنت عربية / سناء عبد العزيز ترشحت رواية “لدغة النحلة” للكاتب الإيرلندي بول موراي لعديد من الجوائز المرموقة، منذ صدورها في يونيو (حزيران) 2023 عن دار هاميش هاميلتون. منها قائمة البوكر القصيرة التي كان من المفترض أن تفوز بها، لكن “أغنية النبي” لنظيره الإيرلندي بول لينش تغلبت عليها من دون إجماع الهيئة المانحة للجائزة. لم يمر وقت طويل حتى أعلنت جائزة “نيرو الذهبية للكتاب/ Nero Gold Prize ” عن فوز رواية موراي بـ”الإجماع” في حفلة أقيمت في لندن في الـ14 من مارس (آذار)، حيث ظهر موراي مبتسماً وهو يتسلم 30 ألف جنيه استرليني من رئيسة لجنة التحكيم برناردين إيفاريستو، الكاتبة الحائزة البوكر التي وصفتها بأنها “رواية طموحة ومذهلة عن عائلة تنهار على خلفية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في إيرلندا في أواخر القرن الـ20، مع مجموعة من الشخصيات المعقدة يعوقها ماضيها، ويغرقها حاضرها بينما تتوق إلى مستقبل مختلف”. بيت آيل للسقوط تقع الرواية في 650 صفحة، وهي ليست من نوع الروايات التي تمنح نفسها من القراءة الأولى للقارئ، فهو إذا ما أراد فك شفراتها المعقدة عليه أن يعاود الرحلة من جديد! أهي مغامرة في زمن لم يعد يعبأ بالتفاصيل، لا سيما جيل الألفية الثالثة المهووس باختزال الأحداث إلى حد التسطيح؟ إنها مغامرة بالفعل، ليس لطول صفحاتها، بل لمجازفة الكاتب بتعقيد نسيج السرد على اعتبار أن الواقع شبكة معقدة بالفعل، ومما يجعل الأمر أكثر رعباً أنه يزداد تعقيداً يوماً عن يوم، فلا مسوغ إذاً لاختزاله أو ضغطه في عدد مثالي من الصفحات. يقر موراي في حوار معه: “من الصعب إقناع القراء برواية ضخمة، أنا شخصياً أشعر بالقلق من الكتب الكبيرة، فالأمر يدخل في دائرة الالتزام، بيد أن هذا محض وهم. إذا كان الكتاب جذاباً فلن تبالي بعدد صفحاته، والعكس صحيح، إذا كان مملاً فلن يستمر القارئ حتى لو اقتصر على 200 صفحة”. موراي على حق، فالأعمال المكتوبة بمهارة وذكاء تستغرقنا من دون أن نحسب حساباً للوقت، وهو ما ينطبق على ملحمته الكوميدية العائلية التي تدور أحداثها في ريف إيرلندا، في أعقاب الانهيار المالي عام 2008. وعلى رغم أن مداها الزمني لا يتعدى أشهراً بعد الكارثة، فإنه لا يتوقف عند رهبة الحاضر، بل يتحرك ذهاباً وإياباً عبر أربعة عقود ليروي قصة عائلة بارنز المؤلفة من أربعة أشخاص، الأم إيميلدا والأب ديكي وكاسي الابنة التي تستعد لدخول الجامعة، وبي جي الابن البالغ من العمر 12 سنة. هؤلاء الأربعة متباينو العمر والجنس والخبرة والميول هم رواة “لدغة النحلة”. لقد استيقظوا من غفوتهم ليجدوا أنفسهم في ورطة كبيرة بسبب كساد سوق السيارات، مورد رزق الأب الذي يدير معرضاً ورثه عن أبيه بعد أن رفض أفراد عائلته تولي المسؤولية. لكن الكارثة المباغتة اختلف صداها من فرد إلى فرد على النحو الآتي: يلجأ ديكي إلى الغابة وتضطر الزوجة إلى بيع مجوهراتها ومقتنياتها على موقع “إي باي”، بينما تتبدل حياة كاسي الطالبة المجتهدة المتفوقة فتهيم على وجهها في الحانات مع صديقتها اللعوب لاصطياد رجال مقرفين، ويخطط بي جيه للهرب من الخراب القادم. عالم رباعي الأبعاد رواية “لدغة النحلة” (أمازون) يتناوب أفراد أسرة بارنز الحكي، كل في 100 صفحة تقريباً، مستغلين كل صيغ الضمائر، فهناك أقسام يرويها المتكلم، وبعضها الغائب، أما الجزء الأخير فيتخذ من ضمير المخاطب “أنت” صيغة للحكي بحيث تختلط الأصوات ويصعب تمييز من يتحدث ومع من. ويبدو تأثر موراي الواضح بفوكنر، أكثر الروائيين تأثيراً في أجيال من الكتاب سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. يقر موراي: “كانت رواية ويليام فولكنر واحدة من أولى روايات (الكبار) التي قرأتها. أعطتني إياها والدتي – أعتقد أن هناك تقارباً بين ذلك العالم الجنوبي الذي يصفه فوكنر والجزء من العالم الذي تنتمي إليه. وكان لذلك تأثير كبير، من الناحية النغمية، وربما أكثر من الناحية الهيكلية”. هناك تقارب أيضاً في تنظيم الحبكة وطريقة توليد الأحداث، فضلاً عن البراعة في تلوين الأصوات بمرونة مدهشة، وبما يتناسب مع الشخصية التي جاء عليها الدور لتحكي، كما شأن الرواية البوليفونية المتعددة الأصوات بحيث تفسر الواقع من وجهات نظر متعددة ومتراكبة في الآن ذاته، وتمثل “دون كيخوته” لثيربانتس نقطة الانطلاق لهذا النوع الأدبي. ولعلنا نتفق معه في تلك الزواية المستخفة بأحادية المنظور مع كل ما سجله موقع الرائي من مغالطات وفقاً لنسبية أينشتاين وما ترتب عليها من تسليم بحقيقة أن أبعاد الصورة ليست حقيقية! وهذا ما يفسر تعقد الأحداث ومدى الإفراط في طول الرواية، فهي هنا لا تصبح مجرد حكاية، بل تصير عملاً كونياً. هناك تقارب أيضاً في الفكرة الرئيسة التي يفحصها العمل، مفادها أن الماضي لم يمت ويدفن، لأنه في الواقع لم يمض أبداً. مع ذلك، يقول موراي: “تدور أحداث معظم الرواية في الحاضر، مع كل ما يصاحبها من أهوال صعود الفاشية، وإباحية الواقع، أردت أن أكتب عن تغير المناخ. وهذا الشعور بالهلاك الوشيك هو شيء يبدو مختلفاً عن التهديد النووي، على سبيل المثال، ويعطي طابعاً جديداً للحاضر. ما يهمني ليس عودة الماضي بقدر ما تهمني الطرق التي تحجب الحاضر وتمنعنا من احتضان المستقبل”. كائنات ملائكية يبدأ القسم الأول بصوت كاسي وهي في السنة الأخيرة في المرحلة الثانوية. ومن خلال هذا القسم وما يليه، نتعرف إلى حياة المراهقين والمنعطفات الخطرة والصداقات السامة والتوق إلى الفرار من البلدة الضيقة حيث تشعر بالنظرات تترصدها من كل اتجاه، و”يبطئ الناس سياراتهم ليروا من أنت حتى يتمكنوا من التلويح لك”. علاوة على افتقار بلدها الريفي إلى متاجر مناسبة، لا “ستاربكس” ولا “ماكدونالدز”، بل مجرد مقاه غبية “لا يمكنك حتى شراء لفائف النقانق من دون أن تضطر إلى إخبار شخص ما بقصة حياتك”. يعتمد مواري على كاسي لتفجير إشكالية فطرية تم تناولها في كتابات المرأة في الآونة الأخيرة تتعلق بتلك المشاعر الغامضة تجاه الأم، ما إن تشب الفتاة عن الطوق. فعلى رغم شخصية أبيها المعيبة، فهي “فتاة أبيها”، أما سهام كرهها فهي توجهها إلى أمها الجميلة التي تراها فلاحة وسطحية وتافهة: “قضاء الوقت مع والدتها يعني الخروج بتعليق مستمر على محتويات عقلها، وابل متواصل من الأفكار والملاحظات العشوائية”. كاسي لا يهمها سوى مستقبلها، إذا كان للعالم أن ينهار، فليحدث ذلك بعيداً منها هي وصديقتها التي تحمل لها مشاعر غامضة وتصفها بأوصاف تنم عن شبقها إلى حد الحمى. في القسم الثاني نفطن إلى ضلالات عقل بي جيه في مرحلته العمرية الغضة، كأن يجرب قسوة التنمر من زميل له يعتقد أنه سرقه، ويتخبط في عزلته مسلماً زمام أمره إلى ألعاب الفيديو وأفلام الخيال العلمي والمواد الإباحية. كل هذا على أثر انهيار عالمه الآمن وسقوط مظلة الأبوة التي كانت مضمونة حتى الأمس، وما دامت انهارت الآن فلماذا لا ينهار العالم بأكمله. نفاجأ بأفكار بي جيه الغريبة عن يوم القيامة بعد أن شاهد فيلماً للمخرج ستيفن كينغ يدور حول مقبرة تخرج قاطنيها وتعيدهم إلى العالم. لكن الأشياء حين تعود، يلاحظ الصبي، “تعود بشكل مختلف”. وهو ما ينطبق على الشخصيتين التاليتين، إيميلدا وديكي. أما ديكي فيتوسع الكاتب في مرحلة شبابه، حين كان طالباً في كلية ترينيتي لا يعرف شيئاً عن الجنس، فإذا به يغرق في المثلية مع صديق له، مثيراً سؤالاً حول ميول ابنته. في لحظة تحول قدرية، بعد أن يموت أخوه فرانك في حادثة سيارة، يقرر أن ما حدث هو خطأه، وأن عليه أن يدفع الفاتورة المستحقة جراء “مساعيه الدنيئة” في دبلن. يعود ديكي إلى بلدته ويتزوج خطيبة فرانك ويدير معرض السيارات كصاحب عمل أو موظف، تاركاً شخصيته في المدينة بعد أن فضل الحلول في شبح أخيه بدلاً من مطاردته. يلفت موراي انتباهنا إلى أن التنازل يبدأ بخطوة، ثم يسحبك الطريق ببساطة من دون أن تحتاج إلى القيام بأي مجهود. ومع تفاقم مشكلاته المادية يظهر تحول آخر، فينهمك لساعات طويلة في بناء مخبأ في الغابة يحميه من أزمة المناخ وتداعياتها على القرى المجاورة، في شكل فيضانات أو جفاف. وحين يعود إلى بيته لأخذ استراحة كل فترة طويلة، يبدو مختلفاً، لا يمكن التعرف إليه تقريباً، جامداً في لحظات وفائراً بالغضب لحظات أخرى، وكأن حاجزاً يفصله عن محيطه فيظن أنها إرهاصة الموت: “يبقى العالم من حولك، مثل حبيب لا يرغب في أن يؤذيك بالرحيل، لكنه في الروح قد رحل بالفعل”. “عوليس” جويس يندلع الطوفان “الجويسي” (جيمس جويس) في نهاية الكتاب مع ظهور إيميلدا على طريقة “مولي بلوم” في الفصل الأخير من “عوليس”: الرومانطيقية، والميلودراما، والكوميديا المذهلة، والذروة السينمائية المثيرة للتوتر… فالجزء المخصص لها يروى عبر تيار الوعي. نشأت إيميلدا في فقر مدقع مع أب عنيف. تعلمت الخياطة لأنها ببساطة تعودت أن تخيط جروح إخوتها بعد أن يضربهم، وجربت رعب أن يداهمهم الغرباء في كوخهم المتهدم لينتقموا منه. وهبتها الطبيعة جمالاً خارقاً جعل رجلاً مثل فرانك نجم الملاعب الوسيم، وابن أغنى رجل في المدينة، يرغب في الزواج منها، لكن طريق الصعود من طبقتها يشبه الحكايات الخرافية. في يوم زفافها ترفض خلع الحجاب وهو ما تأخذه كاسي دليلاً على غرور أمها، والحقيقة أن نحلة لدغتها في الطريق، وتحت الحجاب، كانت إيميلدا تخفي عينها المتورمة. المونولوغ الدائر كالفيضان في ذهن إيميلدا ينبهنا إلى مغالطات كاسي في شأن أمها، إذ يكتشف القارئ من أول وهلة، أنها أكثر الشخصيات إثارة للاهتمام والإنصات إليها، نبرتها اللاهثة الغاضبة المنغومة تشبعها بالفولكلور الإيرلندي، طريقة تفكيرها ومحاولتها المستميتة لإنقاذ المنزل بينما يخطط الجميع للفرار من المركب الغارق. تتذكر إيميلدا حكاية سمعتها عندما كانت طفلة، عن مسافر هده الطريق في ليلة شديدة البرودة، وإذا به يكتشف باباً في جانب التل، وعلى الجانب الآخر من الباب، قاعة احتفالات كبيرة مليئة بالطعام والشراب وأشخاص زرق العيون، شقر الشعر. عندما يلمحونه، “يطلقون هتافاً كما لو كانوا ينتظرونه ليبدأوا حفلتهم”. يأكل الرجل ويشرب ويرقص، وفي صباح اليوم التالي يستيقظ بارداً ومتيبساً على سفح التل، وليس هناك أي علامة على الباب. وحين يصل إلى قريته بعد طول عناء، يجد كل شيء قد تغير، منزله كومة من الحجارة، وزوجته وأطفاله ماتوا منذ زمن طويل، لأنه بينما كان يرقص ويشرب، مرت 100 عام! هكذا تمضي الحياة في رقصة أو انشغالة أو خيار غير مدروس، ليستيقظ المرء بعد انقضاء العمر، على عالم تغير فيه كل شيء. المزيد عن: روائي إيرلنديروايةالعائلةالإنهيار الإقتصاديملحمة سرديةجيمس جويسالسردالصراعات 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post خبراء: انقطاع الطمث ليس مرضا وهناك مبالغة في علاجه next post إعلان رحيل المدربين في منتصف الموسم بين دفعة للاستفاقة وزيادة الأزمات You may also like مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024 رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري… الراسخ في... 26 ديسمبر، 2024 محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024