ثقافة و فنونعربي لحظات “شرقية” حاسمة في المراحل الأخيرة من حياة آرثر رامبو by admin 15 أبريل، 2022 written by admin 15 أبريل، 2022 20 رحلة هروب الشاعر الفرنسي من مصيره إلى تجارة السلاح والضياع والمرض القاتل اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب يصعب على من يتعرف إلى أشعار الفرنسي آرثر رامبو ويتفاعل مع ما تحمله من حداثة وتجريبية وتفاعل متفاوت مع الحياة بسعاداتها وكآبتها، أن يصدق حكايات تلك النهاية التي كانت نهايته وقد تحول خلال المقلب الأخير من حياته إلى تاجر سلاح فاشل وإلى تائه في مناطق الشرق بدءاً من قبرص إلى الحبشة مروراً بمصر وعدن، يطارده الإفلاس والمرض والإحساس بالإحباط والخيبة ما وضع في نهاية الأمر نهاية لتلك الحياة التي كانت كثيرة الوعود، مغرقة في الرومانطيقية. ونعرف أن تلك “القلبة” في حياة صاحب “المركب الثمل” بل حتى “موسم في الجحيم” كانت وراء ذلك الجانب الذي يكاد يكون أسطورياً في مسار شاعر سوف يصبح بعد زمن طويل من موته ليس فقط أيقونة الشعر الفرنسي، بل حتى أيقونة التمرد على صروف الحياة والنزوع إلى البعيد. وهنا في سبيل الدنو من بعض جوانب تلك “الأسطورة” التي وضعت عنها المؤلفات والدراسات وأٌخضعت لشتى ضروب التحليل النفسي من قبل عشرات الدارسين، قد يكون من الملائم أن نتوقف عند لحظات بالغة الأهمية ربما تساعدنا على تفهم ما حدا برامبو إلى سلوك تلك الدروب التي ختمت حياته وتبدو في نهاية المطاف، متناقضة تماماً مع بداياته الشعرية، تناقضاً يجعلنا نفترض أن رامبو في النهاية لم يكن هو نفسه رامبو البداية. ومع ذلك فإن هذا الشاعر لم يعش سوى 37 سنة، لعل ما يلفت فيها أنها دارت في معظمها تحت شعار الترحال وارتياد الآفاق من دون أن ندري أكان ذلك هرباً من واقع ما أو بحثاً عن حلم مستحيل. حلم عسكري وتجاري واللافت في الأمر أن رامبو وبعدما بارح منطقته شارلفيل في الشمال الفرنسي للمرة الأولى وحيداً قاصداً باريس من طريق شارلروا البلجيكية في عام 1870 وكان لا يزال في السادسة عشرة لم يعد يرتحل وحده بل دائماً في رفقة أصدقاء من هواة الأدب مثله، ثم لاحقاً وغالباً في رفقة الشاعر فرلين الذي سيضحي رفيق شبابه ويعيش معه متنقلاً بين لندن وشتوتغارت ومدن أخرى حتى وقوع القطيعة النهائية بينهما في تزامن مع بداية حلم رامبو الشرقي الذي بدلاً من أن يكون رومانطيقياً ذا علاقة بالإبداع على خطى بعض كبار الأدباء والشعراء الفرنسيين والأوروبيين عموماً، سيكون، ذك الحلم، عسكرياً تجارياً بعيداً كل البعد من الإبداع الأدبي وكأن رامبو آثر أن يجعل من تجواله وحياته انجازه الإبداعي الأكبر. وكان عام 1876 هو عام البداية لذلك كله. إذ كان العام الذي التحق فيه رامبو وهو في الثانية والعشرين مجنداً في الجيش الكولونيالي الهولندي للهند الشرقية، وكان الجيش يقصد جاوا التي سيهرب فيها المجند الشاب ليعود إلى مسقط رأسه، ولكن ليس قبل أن يولد في رأسه ذلك التوق الشرقي الذي لن يلبث أن يقود خطاه. ولسوف تكون بداية ذلك التجوال في مصر حيث نرى رامبو في الإسكندرية التي سيتنقل لردح بينها وبين لارنكا القبرصية. وهو سيعود إلى الثغر المصري من جديد بعد حمى أصابته وأرجعته إلى مدينته. وهذه المرة سينتقل من الإسكندرية إلى مناطق البحر الأحمر بحثاً عن عمل. وهو وجد ذلك العمل في عدن لدى شركة استيراد وتصدير سرعان ما بعثت به إلى هرار في الحبشة التي ما لبث أن تركها ليعود إلى عدن ويبدأ التنقل بينها وبين هرار من جديد، ولكن هذه المرة ليكتب دراسة جغرافية من النوع الذي كان يكتبه الرحالة للمؤسسات الرسمية في بلدانهم تمهيداً لغزوها. وكانت الدراسة عن منطقة أوغادين الإثيوبية حينها، والتي أرسلها إلى “الجمعية الجغرافية الفرنسية” التي نشرتها في العام التالي 1883. وكان ذلك قبل عام من نشر فرلين كتابه “الشعراء الملعونون” الذي احتوى على أول نص يقدّم فيه آرثر رامبو بصفته شاعراً كبيراً. آرثر رامبو في الحبشة أواخر القرن 19 (غيتي) بطل العالم السفلي ولكن شاعرنا كان في تلك السنة قد بدأ يعد العدة لترك عمله في شركة الاستيراد والتصدير “العدنية” وقد قرر أن ينخرط بدلاً من ذلك في تجارة السلاح وتهريبه وتحديداً لحساب الملك منيليك وقد نمي إلى رامبو أنه في حاجة إلى أسلحة وأنه قادر على دفع أثمان باهظة لها. وهكذا انصرف خلال العامين التاليين إلى خوض مغامرات شديدة الصعوبة والأخطار في سبيل نقل كميات ضخمة من الأسلحة عبر البحار والصحاري والأدغال، في وقت كانت باريس تنشر فيه أشعاره وتقدمه رائداً من رواد الحداثة الشعرية الفرنسية والقراء، النخبويون خاصة، يقرؤنه بشغف من دون أن يخطر في بالهم أن هذا الشاعر الشاب الذي لا يزال دون الرابعة والثلاثين من عمره، يتنقل بين خطر وآخر ومرض وآخر في ذلك العالم السفلي، عالم التهريب، وحتى من دون أن يكون واضحاً أنه يسعى وراء أرباح مالية من جراء الغوص في ذلك العالم. والحقيقة أن الباحثين وفي مقدمتهم الباحث المعاصر آلان بورير الذي يعتبر من أغزر الذين كتبوا عن تلك الحياة المغامرة التي عاشها رامبو خلال السنوات الأخيرة من حياته ووصل إلى عدن والحبشة متبعاً خطى الشاعر – المهرب كي يصل إلى دوافعه، هؤلاء الباحثين لم يتمكنوا أبداً من الوصول إلى اتفاق حول الدوافع الحقيقية التي كانت تحرك الشاعر في خياراته تلك مستبعدين، في معظمهم إن لم يكونوا جميعاً، أن يكون تحقيق الأرباح المادية دافعه. ومهما يكن من أمر نعرف أن رامبو لم يكسب شيئاً من كل مغامراته تلك، هو الذي ستكون لحظة تعاسته الشرقية الكبرى في حضرة الملك ميلينيك الذي سيستولي على شحنات الأسلحة ويتمنع عن دفع أثمانها الموعودة… فيهنئ الرفاق رامبو بنجاته من القتل على يد الملك ناصحينه بالاكتفاء من الغنيمة بالإياب. ولسوف تتسبب تلك الصدمة للشاعر بإحباط لن يكون غريباً عن الأمراض التي راحت تفتك به منذ ذلك الحين وتعجل بنهايته. رحيل صاحب الساق المقطوعة مهما يكن فإن رامبو لم يفقد كل ما كان بناه من آمال. فهو بعدما خسر صفقته ورأسماله لدى ميلينيك عاد إلى القاهرة بما كان قد تبقى لديه من كميات ضئيلة من أسلحة عرف كيف ينقذها من براثن الملك الحبشي، وهناك تمكن من تصريف تلك الكمية ما مكنه من أن يخلد إلى الراحة في العاصمة المصرية حيث كتب دراسة حول هرار وشوة نشرتها مجلة “البوسفور المصرية”. وهو عاد مرة بعد ذلك إلى هرار وقد قرر التخلي عن تجارة الأسلحة فافتتح مؤسسة لبيع المصنوعات الأوروبية. غير أن هذا النشاط التجاري الجديد لن يدوم طويلاً، إذ إن رامبو ما لبث أن سقط فريسة مرض بدا غامضاً أول الأمر لكنه حين نقل محمولاً إلى عدن تبين أن ثمة ورماً خبيثاً في ركبته فنقل هذه المرة من عدن إلى مرسيليا حيث بترت ساقه وبدأت أوضاعه الصحية تتدهور وكان ذلك في ربيع عام 1891 أي نفس العام الذي سيفتك به المرض والتعب عند خريفه فيرحل مكللاً بالمجد كشاعر قبل أن يتعرف العالم إليه بعد حين، ليس كشاعر هذه المرة ولكن كمغامر لا يستقر له قرار… ومع ذلك ستظل شهرته كشاعر مجدد تطغى على سيرة حياته حتى أعادت شبيبة ربيع عام 1968 اكتشافه على خطى كبار الكتاب والشعراء الفرنسيين من الذين لم يتوقفوا عن الكتابة عنه وعن شاعريته ممجدين في طريقهم تلك الحياة الغريبة البائسة المتعبة المدهشة التي عاشها منفصلاً تماماً عن شاعريته، وهي الحياة التي سيعيد آلان بورير اكتشافها والخوض فيها، والتي أثارت إعجاب شبيبة ربيع 1968 الثائرة والتي ستتبنى عبارته الأشهر “تغيير الحياة” نفسها فتصبح على كل شفة ولسان ومطبوعة على الثياب تنافس في ذلك صور غيفارا وغيره من أيقونات ذلك الربيع. المزيد عن: آرثر رامبو \ الحبشة \ مصر \ عدن \ الجيش الكولونيالي الهولندي \ الجمعية الجغرافية الفرنسية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post بين الحقيقة والخيال: مسلسل “الإخفاق” عن أصغر مليارديرة في العالم next post رمضان كما تجلى برموزه في الأدب المصري المعاصر You may also like نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024