الخميس, مايو 22, 2025
الخميس, مايو 22, 2025
Home » كيف يستفيد الروائيون العرب من الواقعية السحرية؟

كيف يستفيد الروائيون العرب من الواقعية السحرية؟

by admin

 

عن المخيال الشعبي في رواية المصرية مي حمزة “مقام سيدي القطقوطي”

اندبندنت عربية / لنا عبد الرحمن

تشكل رواية “مقام سيدي القطقوطي” (دار العين) للكاتبة المصرية مي حمزة، لوحة سردية يتداخل فيها الواقعي والفانتازي مع الخرافة الموروثة، بهدف إعادة تشكيل الواقع والكشف عن تعقيدات نفسية واجتماعية عبر أربعة أجيال، من خلال تحليل ثيمات الإيمان والخرافة والجهل والجشع في نسيج العلاقات الإنسانية ضمن عائلة واحدة ممتدة، تعيش داخل حي منسي على هامش مدينة كانت يوماً مركز العالم.

تستند الكاتبة في روايتها هذه إلى الواقعية السحرية كإطار سردي يمكّنها من دمج الواقع التاريخي بالخيال الأسطوري، مما يخلق نسيجاً روائياً يتجاوز الحدود التقليدية، وإن كانت الكاتبة قد استعانت بهذا الدمج أيضا في روايتها الثانية “ميلاد هادئ” التي منحت السرد فيها لمهد طفل صغير منذ لحظة ميلاده وحتى نهايته.

تحضر الواقعية السحرية مع السطور الأولى في بوح الطفل الوليد كرم الذي اختارت له الكاتبة أيضاً البدء من لحظة الميلاد، تلك اللحظة التي أدت لموت أخته التوأم، ومنذ ذلك الحين حصل كرم على لقب قاتل أخته، وتمنح بطلها حمزة دور السارد العليم للرواية ولأسطورة عائلة القطقوطي، فهذا الراوي الصغير تسرح روحه ليلاً في هيئة قطة سوداء، وتستلهم الكاتبة ما يحدث له من حكايات منثورة في الموروث الشعبي في أكثر من ثقافة إنسانية تؤمن أن القطط مسكونة بالأرواح، لنقرأ “لا يُصدق كثير من الناس أني، والعديد من الأطفال، تسرح أرواحنا في الليل وتحل في أجساد القطط لنمرح ونتمتع بالحرية”.

هذه القدرة التي تمنحها الكاتبة للطفل كرم يتلقاها القارئ في البداية كعنصر خيالي يحمل دلالة إحساسه بالاغتراب داخل أسرته، وبأنه غير محبوب من أمه التي كانت تنتظر طفلة، لكن الكاتبة تحيل الواقع عبر هذه الحيلة السردية إلى فضاء رمزي يتيح اكتشاف التوتر بين الفرد والمجتمع، وبين الحقيقة والوهم، حين يحدث تواطؤ جمعي على أن الخرافة هي الحقيقة، وأن الأسطورة تمضي جنباً إلى جنب مع الحقيقة، إذ يصعب انتزاع أحدهما من الأخرى، وهذه المساحة الملتبسة في السرد مكنت الكاتبة من تسليط الضوء على صراعات التجربة الإنسانية، مبرزة التناقضات الكامنة في الثقافة الشعبية تحديداً.

وتتجلى الواقعية السحرية أيضاً في شخصية سيدي القطقوطي الذي يُروى عنه أنه امتلك سبع أرواح كالقطط، أو أنه كان يُسخر الجان بالنظر في عيون القطط، ثم تنمو أسطورة القطقوطي من احتفال متواضع بخيمة واحدة عام 1955، ليصبح مولداً شعبياً يبتلع المنطقة بأكملها، وتقول الجدة نادرة إن المولد بدأ صغيراً لكنه تضخم مع تراكم الأقوال والمعجزات التي يتشبث بها الناس، وهذا التحول يكشف عن نزعة بشرية لخلق الأساطير كآلية لتفسير الواقع ومواجهة غموضه، لنقرأ “الحقيقة أن الشؤم وسوء الطالع هما أكثر ما تشتهر به عائلتنا من زمن بسبب نذر نذرته جدة جدي، الحاجة ناهد كحيلة، التي كانت في عامها الـ 100 يوم ولدت، وإذا كنتَ لا تعرفها فهي زوجة صاحب المقام، جدي الأكبر الشيخ سيد القطقوطي الذي سُميت الحارة التي نسكن فيها باسمه. كانت الحاجة ناهد قد نذرت أن تذبح عجلاً بيديها لكل مولود من أحفادها، غير أنها لم تستطع أن توفي بنذرها إلا للحفيد الأول ياسين”.

ومن خلال تقديم وصف دقيق لما يحدث من طقوس داخل مولد سيدي القطقوطي، تُظهر الرواية كيف يتحول الدين إلى طقوس اجتماعية تتجاوز الروحانية إلى حيز الطابع الكرنفالي النفعي الذي يشترك فيه جميع شخوص الرواية من دون استثناء، مما يكشف عن صعوبة التمرد الفردي ضمن السياق الجماهيري الجمعي الذي يفرض الخضوع والطاعة.

الوهم والحقيقة

تشكل الشخصيات العمود الفقري للرواية، إنها مرايا الوهم والحقيقة، يعكس تنوعها وتعقيدها آثار الذاكرة الشعبية وتشعب مساراتها، ويُجسد الجد طه، المفتون بالموت، قلقاً وجودياً يتناقض مع حيوية المولد الشعبي وعنفوان زوجته نادرة، بينما تمثل كريمة، المصابة بالفالج، وصابر المصاب بالصرع، الهشاشة البشرية أمام تقلبات القدر، أما تحية اليهودية، الجارة التي تقدم خدمات جنسية، وترفض الرحيل إلا بعد علاقة مع أحد رجال عائلة القطقوطي، فتضيف بعداً من الغموض والتحدي للأعراف الاجتماعية. أما سعدية أخت كريمة التي تتخيل نفسها هند رستم على رغم افتقارها إلى الجمال، فتعبر عن رغبتها بالهرب من واقعها القاسي حين تلجأ غاضبة إلى مقام القطقوطي على رغم سخريتها منه، وللمفارقة فإنها تتزوج من ياسين بعد موت أختها كريمة وتنجب منه طفلاً على رغم يأسها من الحمل، أما ياسين الذي يعشق نادرة زوجة أخيه طه، فإنه يكشف عن تعقيدات العلاقات العاطفية حيث “كل شيء في عائلة القطقوطي يمكن تبادله، الأطفال والملابس والأزواج والنساء”.

لكن الخرافة الأسطورية تولد من جديد بعد احتراق المقام والبيوت من حوله (غلاف الرواية – دار العين)​​​​​​​

 

وتضيف شخصية الخالة الجشعة عدولة، التي تمارس السحر، بُعداً آخر للواقعية السحرية، فتوصف بأنها “بدأت تخطو خطواتها الأولى تجاه أسرار العالم السفلي” مما يجعلها رمزاً للسلطة الخارقة التي تتحدى النظام الاجتماعي، ومع ذلك تظهر الرواية كيف تصبح عدولة، على رغم معارضة عائلتها في البداية، قوة لا تقاوم ويلجأ إليها الجميع.

هذا التحول يكشف عن هشاشة المقاومة أمام الخرافة ويبرز قدرة الكاتبة على تصوير الشخصيات كمرايا لتناقضات المجتمع حيث تتداخل الرغبات الفردية مع الضغوط الاجتماعية، وهذا التصور يكشف عن تفكك الحدود الأخلاقية، كما يُبرز السرد التناقض المذهل في قناعات الأبطال وسلوكهم، وتشكيل أعراف خاصة تجعل أفراد هذه العائلة يمتلكون قدرة على دفن أمواتهم ليلاً بلا رهبة، لظنهم أن الملائكة ينتقلون بخفة في الظلام، وبالتالي يمكن رؤية هذا كله بالتوازي مع اعتبار الحي الذي يسكنون فيه والذي حمل اسم العائلة، فضاء للصراعات الإنسانية الموجودة أيضاً في مجتمعات أكثر اتساعاً.

التمرد والعبث

تقوم الكاتبة بقفزات زمنية ولا تعتمد على المشهدية الدقيقة، بل تترك للقارئ مساحة للخيال، فالوجه الآخر من أسطورة القطقوطي هو أن المدعو سيد عبدالرحيم، بائع فطائر اللحم الشهير، الذي يلتف حوله الناس لشراء فطائره اللذيذة، كان يطوف الشوارع منادياً بصوت منغم تتداخل مفرداته، وهو يقول “فطير بلحم البِسبِس لم ننكر”، وأنه حين جاء الشرطي ليقبض عليه وفر منه ليصطدم بسيارة أحد البكاوات، لحظتها قال الناس إن الله انتقم من سيد لأنه أطعمهم لحم القطط، بيد أنه بعد لحظات حين وقف سيد لينفض جلبابه وكأن شيئاً لم يحدث له، وقف غير مكسور القدم ولا الساق ولا مشقوق الرأس، فكبّر الناس معلنين إيمانهم بعدالة الله الذي لا يظلم إنساناً، لأن سيد لم يكذب وكان طوال الوقت يصدح بأنشودته التي يعترف فيها بأنه يبيع لحم القطط.

تستلهم مي حمزة حكايات من الموروث الشعبي في أكثر من ثقافة (صفحة الكاتبة على “فيسبوك”)

 

لكن إذا كان الجد الأكبر يذبح القطط ويجعل منها طعاماً للناس، فإن المفارقة تكمن أيضاً حين يتحول الحفيد ليلاً إلى قطة تجوب البيوت وتصعد إلى المقام وتكشف الأسرار وتشعل الحرائق، وتصل الأحداث إلى ذروتها قرب النهاية مع تمرد كرم على خالته الساحرة عدولة، إذ أرادت الكاتبة أن تهدم الأسطورة الكبرى لمقام القطقوطي ومن خلاله تنهي السلطة التقليدية للخرافة، لكنها تعود وتنقلب على هذه الفكرة أيضاً من خلال الكشف عن مدى إيغال الوهم في المخيال الشعبي وغياب القدرة على التجرد منه، فتطلب عدولة من كرم، أثناء سرحانه كقطة ليلاً، تحريك عمامة صاحب المقام للدلالة على مصير أحد الزوار، تقول “عمامة اليوم توضع عند القدم، فالزائر هذه الليلة يستحق الموت”، فيرفض كرم الانصياع بل يختار “وضع نقطة النهاية أمام طغيان أهل الحي وغيهم”، وهذا الفعل ليس مجرد تمرد فردي بل لحظة تحرر لروح كرم، لكن الخرافة الأسطورية تولد من جديد بعد احتراق المقام والبيوت من حوله.

تُعد “مقام سيدي القطقوطي” عملاً أدبياً مُحكماً حقق عبر أسلوب فانتازي ساخر نقداً لتحول المقدس إلى أداة للسيطرة الاجتماعية، مما يمنح الرواية عمقاً معرفياً يتجاوز السرد التقليدي ويتيح للقارئ مساحة للتأمل ونقد الخرافة، والتساؤل حول الحقيقة والأسطورة المخترعة من العبث.

المزيد عن: الرواية في مصرمي حمزةالواقعية السحريةالروائيون العربالموروث الشعبيالحقيقة والأسطورة

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili