لا يزال حياً: كان فيلم "فرانكنشتاين الشاب" رابع أفلام المخرج الكوميدي المبتكر ميل بروكس (فوكس) ثقافة و فنون كيف حوّل ميل بروكس فرانكنشتاين إلى كوميديا خالدة؟ by admin 13 أغسطس، 2024 written by admin 13 أغسطس، 2024 75 لمناسبة مرور 50 عاماً على إصدار الكوميدية المبتكرة لقصة الوحش الشهير، نستعرض إرث وعملية صناعة فيلم “فرانكنشتاين الشاب” الذي يعد واحداً من أروع الاقتباسات السينمائية الساخرة للبطل الذي ابتكرته ماري شيلي اندبندنت عربية / جيفري ماكناب في هوليوود يُعتبر فرانكنشتاين شخصية يمكن إحياؤها إلى ما لا نهاية على رغم أنها بلا حياة، وعلى مدى الـ 100 عام الماضية اقتبست شخصية فرانكنشتاين في عدد لا يُحصى من الأعمال، قام كثير منها بتشويه وتحريف رؤية ماري شيلي الأصلية لدرجة بات من الصعب التعرف عليها. وتضمنت هذه الأعمال إنتاجات رومانسية ورسوماً متحركة وكوميديا، إلى جانب أفلام الرعب التقليدية بالطبع، ومن آندي وارهول إلى آبوت وكوستيلو، حاول الجميع صنع نسخهم الخاصة من قصة الوحش هذه. وقريباً ستتاح للجماهير فرصة للتعرف مرة أخرى على واحد من أفضل أفلام فرانكنشتاين الطويلة، إذ سيعود فيلم “فرانكنشتاين الشاب” Young Frankenstein الصادر عام 1974 للمخرج ميل بروكس إلى الشاشة هذا الخريف للاحتفال بذكرى مرور 50 عاماً على إطلاقه، وكان التصور الأصلي للفيلم ليكون محاكاة كوميدية تسخر من رواية شيلي “فرانكنشتاين أو بروميثيوس العصري” Frankenstein; or, the Modern Prometheus الصادرة عام 1818، وكذلك من المعالجات السينمائية التي قدمها جيمس ويل خلال الثلاثينيات وظهر فيها بوريس كارلوف كوحش رقبته مثبتة ببرغي، وما يثير الإعجاب في الأمر، على كل حال، هو أن “فرانكنشتاين الشاب” لا يزال يبدو جديداً وحيوياً حتى اليوم. في الواقع لم يبد مشروع هذا الفيلم واعداً على الإطلاق، فالممثل جين وايلدر الذي كان قد تألق للتو في فيلم رعاة البقر الساخر الذي أخرجه بروكس عام 1974 “سروج ملتهبة” Blazing Saddles، كان يطمح إلى كتابة وإخراج نسخته الخاصة، وكما ذكر في سيرته الذاتية الصادرة عام 2006 فقد استأجر منزلاً صغيراً على خليج ويست هامبتون بيتش في نيويورك، وبدأ بكتابة السيناريو بخط اليد مستخدماً قلم حبر. يستذكر وايلدر أنه “في أعلى الصفحة كتبت ‘فرانكنشتاين الشاب… ولادة وحش’ ثم كتبت صفحتين أتصور فيهما ما قد يحدث لي إذا كنت الحفيد الأكبر لبوفورت فون فرانكنشتاين واستدعيت إلى ترانسيلفانيا لأنني ورثت عزبة فرانكنشتاين”، ومن هذه البداية الهشة بدأ المشروع ببطء ينبض بالحياة ويتحول تدريجاً إلى كيان قائم. كان جين وايلدر على معرفة ببروكس منذ أن مثّل على خشبة المسرح أمام زوجة المخرج آن بانكروفت في اقتباس مسرحي لرواية “الأم الشجاعة وأبناؤها” Mother Courage and Her Children للكاتب الألماني برتولت بريخت عام 1963، وقد تألق وايلدر بالفعل في فيلم “المنتجون” The Producers (1967)، وهو أول فيلم روائي لبروكس، إضافة إلى “سروج ملتهبة”. من جانبه كان بروكس يرى في وايلدر مصدر إلهام وكان يستمتع بقدرة الممثل الذي اشتهر بدور ‘ويلي ونكا’ [في فيلم “تشارلي ومصنع الشوكولا”] على “الجمع بين الحزن والمرح في آن واحد” على غرار تشارلي شابلن، وكان يندهش من “براءته المتألقة”، وكان محقاً، فحتى عندما يؤدي وايلدر أكثر المشاهد سخرية وجرأة كان يبدو دائماً مثل صبي وديع. الأحدب المميز: مارتي فيلدمان الذي لا يُضاهى في فيلم “فرانكنشتاين الشاب” (فوكس) عندما اقترح وكيل أعمال وايلدر، مايك ميدافوي، بروكس كمخرج محتمل لفيلم “فرانكنشتاين الشاب” صُدم الممثل، وكان متأكداً من أن معلمه القديم لن يرغب في “إخراج أي شيء لم يكن من ابتكاره”، لكن وايلدر كان مخطئاً فقد انقض بروكس بكل حماسة لاقتناص فرصة إخراج فيلم وحوش، ولم يبد حتى أي تذمر عندما طلب منه وايلدر ألا يظهر في الفيلم خوفاً من أن يكون حضوره الذي يسلب الأضواء مصدر تشتيت قوياً. عمل الرجلان بجدية تامة على كتابة السيناريو حين تقاسما أوقات العمل وهما يتناولان أكواب الشاي وبسكويت النخالة، وسرعان ما اتفقا على أن مفتاح النجاح هو التعامل مع المشروع بكل جدية، وفي النسخة النهائية من الفيلم يظهر فرانكنشتاين ووحشه وهما يرقصان مرتديين قبعات وقمصاناً رسمية على أنغام موسيقى “إيرفينغ برلين”، والنص مليء بالنكات القديمة التي من شأنها أن تجعل الجمهور يتنهد. (مثل “المستذئب؟ إنه هناك” “Werewolf?” “There”)، [هناك لعب على الكلام حيث أن المستذئب بالإنجليزية تنطق كالسؤال: أين الذئب؟] ويحوي أيضاً نكاتاً فظة حول “الصدور الكبيرة” التي قد تكون مصدر إحراج لبيني هيل أو راس ماير [اشتهرا بالاسكتشات الفكاهية الدائرة حول مواضيع الجنسية الخفيفة]. تسود العبثية الفيلم، لكن “فرانكنشتاين الشاب” يمتلك أيضاً أساسات فيلم رعب حقيقي حرفياً، فقد استعان صانعو الفيلم بجماجم حقيقية لإضفاء لمسة من الواقعية على المشاهد الأولى. تولى بروكس ووايلدر عملية البحث بجدية تامة، ودرسا رواية شيلي بعناية، وشاهدا وأعادا مشاهدة فيلمي جيمس ويل “فرانكنشتاين” و”عروس فرانكنشتاين” Bride of Frankenstein وكانا مصممين على أن يكونا أمينين للرؤية البصرية وإيقاع فيلمي ويل، وكما ذكر بروكس لاحقاً “رأينا كيف كان متأنياً، فقد أراد ويل أن يكون كل شيء مظلماً وجاداً”. تركز حبكة الفيلم على الدكتور فريدريك فرانكنشتاين، الأكاديمي الأميركي اللامع الذي يشعر بالخجل العميق من تجارب أسلافه الأوروبيين “الغريبة” لإحياء الموتى، (ولتمييز نفسه عن قريبه المشين يصر على نطق اسم عائلته “فرونكنشتين”)، ومع ذلك فعندما يرث عزبة عائلته في ترانسيلفانيا يجد نفسه مجبراً على تكرار هذه التجارب عينها. (يتم تقويض رؤيته الجريئة لخلق حياة جديدة عندما يجلب مساعده الدماغ الخطأ بدماغ يعود لشخص ذي قدرات عقلية غير طبيعية). يتميز فيلم “فرانكنشتاين الشاب” بدرجة من التحفظ (ويمكن القول إن هذا ما يجعله على الأرجح أكثر إضحاكاً) من بعض المعالجات الكوميدية غير المتماسكة التي قدمها بروكس لاحقاً (جهود ركيكة مثل “دراكولا: ميت ويحب ذلك” Dracula: Dead and Loving It و”روبن هود: رجال يرتدون جوارب نسائية” Robin Hood: Men in Tights). أحد القرارات الأساس التي أرعبت ممولي “فرانكنشتاين الشاب” كان اختيار تصوير الفيلم بالأبيض والأسود، ولا يوجد أي عنصر في الشارة الافتتاحية للفيلم التي يرافقها عزف مخيف على الكمان، وبرق يبهر الأبصار ورعد مدو، واقتراب الكاميرا ببطء من قلعة مظلمة بعيدة يوحي بأن هذا العمل كوميدي على الإطلاق، عليك الانتظار دقيقتين في الأقل حتى تتمكن من الضحك فعلياً (يعود الفضل بذلك لهيكل عظمي يقدم عرضاً فكاهياً). وإذا كان الفيلم يشبه بصورة لافتة أفلام بوريس كارلوف التي ألهمته، فذلك ليس مصادفة، فقد تمكن بروكس وفريقه بطريقة ما من الوصول إلى المعدات المخبرية التي استخدمتها شركة “يونيفرسال” قبل 40 عاماً في فيلمي ويل، وكانت هذه المعدات مخزنة داخل مرآب في سانتا مونيكا يمتلكه مصمم الإنتاج ومُبدع المؤثرات الكهربائية الخاصة كينيث ستريكفادن الذي استعان به ويل، قال بروكس “بأعجوبة كانت جميعها تعمل”، متحدثاً عن الأجهزة التي كانت تستخدم لتوليد البرق الشهير المسؤول عن إعادة كارلوف للحياة. تعاون جين وايلدر وبروكس على كتابة سيناريو “فرانكنشتاين الشاب” (فوكس) ولتفادي انتهاك حقوق الملكية الفكرية لم يمتلك الوحش (الذي جسده بصورة رائعة الممثل الضخم بيتر بويل) البرغي الشهير الذي يثبت رقبته، ولذا ثبتوها بسحّاب بدلاً من ذلك، لكن كل الأشياء الأخرى كانت على مستوى عال من الدقة، بدءاً من الماكياج ووصولاً إلى باروكة الشعر الشبيهة بقفير النحل التي ارتدتها إحدى الشخصيات في وقت لاحق، والتي تتطابق تماماً مع تسريحة الشعر المنفوشة الشهيرة لإلسا لانشستر في فيلم “عروس فرانكنشتاين” Bride of Frankenstein (1935). ومن الغريب أن فيلم “فرانكنشتاين الشاب” أكثر وفاء بكثير للمصدر الأصلي من معظم المعالجات السينمائية الأخرى التي سبقته أو جاءت بعده، وصحيح أن هذا الإخلاص ليس واضحاً للوهلة الأولى عندما تشاهد “الحدبة المتحركة” لمارتي فيلدمان التي (تتنقل بين كتفيه طوال الفيلم) أو عينيه الضخمتين في دوره كمساعد فرانكنشتاين الأحدب إيغور. وبخلاف بروكس قررت شيلي عدم كتابة مشهد يصور رجلاً أعمى مسناً (جسّده جين هاكمان) يمسك إصبع الوحش على أنه سيجار ويشعله، ولن تجد أيضاً أياً من النكات الفاحشة عن “العضو الذكري الضخم للوحش” في كتاب شيلي، ومع ذلك وعلى رغم الدعابة والسخف والإشارات الجنسية المتكررة، يتضمن العمل الكوميدي الكلاسيكي لبروكس تقريباً جميع العناصر التي نجدها في النسخ الأخرى الأكثر تقليدية. التجسيد الرومانسي والجذاب الذي قدمه وايلدر لشخصية فرانكنشتاين العصري بشعره المموج الذي يذكر بشعر ألبرت أينشتاين، لا يزال يحتفظ بألقه وسحره، وكذلك لم تفقد براعة الممثلين مثل كلوريس ليتشمان (التي جسدت دور ‘فراو بلوخر’ الشريرة ولكن الجذابة، وسُميت على اسم القائد البروسي المنتصر في معركة واترلو)، تيري غار (في دور ‘إنغا’ الخادمة الترانسيلفانية الفاتنة التي تحب الاستلقاء في التبن)، كينيث مارس (الذي قدم أداء بمهارة بيتر سيلرز في شخصية مفتش شرطة ضخم بحضور مميز ولهجة ألمانية غير مفهومة وذراع اصطناعية ونظارة أحادية على عينه العمياء)، ومادلين كان (في دور ‘إليزابيث’ الخطيبة المتزينة بفراء المنك والتي تنجذب بشدة نحو الوحش). ومع ذلك قد تثير بعض عناصر الفيلم الاستياء لدى المشاهدين المعاصرين، فسياساته الجنسية قد تكون غير ملائمة مثل مشهد الوحش الذي يجسده بويل ويبدو وكأنه سيغتصب إليزابيث (التي تنطلق بعد ذلك في ملحمة من النشوة بعد أن مارسا الجنس سبع مرات متتالية)، أو مشاهد الدكتور فريدريك وهو يضع مساعدته إنغا بكل عفوية في السرير، بالتأكيد لن تكون مشاهد مضحكة في يومنا هذا. على كل حال يظل هذا الفيلم قادراً على إدهاشك برقته وابتكاره حين تأتي أفضل اللحظات عندما تتوقع أن يقوم الوحش بقتل الطفلة الصغيرة، لكنه بدلاً من ذلك يجلس على لعبة التوازن ويتسبب وزن جسده الضخم بقذفها في الهواء ثم تحط بأمان على سريرها. لم يخش وايلدر وبروكس استكشاف الأفكار المجردة، ففي مشهد الدرس الرائع في بداية الفيلم يشرح فرانكنشتاين الذي يجسده وايلدر الفارق بين النبضات العصبية الانعكاسية والطوعية بطريقة واضحة للغاية، وذلك عبر ركلة غير متوقعة لخصيتي الرجل مسن. وليس هناك وقت أفضل من يومنا هذا لإعادة إحياء “فرانكنشتاين الشاب” على الشاشة الكبيرة، فهوس الوحوش يشتعل من جديد حين بيعت نسخة من الطبعة الأولى لرواية شيلي في مزاد بولاية تكساس هذا الصيف بسعر مذهل بلغ 843 ألف دولار (650 ألف جنيه إسترليني)، ويتم الآن إنتاج عملين منافسين تدور أحداثهما في عالم فرانكنشتاين، أحدهما من إنتاج “نتفليكس” ومن إخراج غيليرمو ديل تورو ويلعب بطولتها جاكوب إيلوردي نجم مسلسل “نشوة” Euphoria في دور الوحش وأوسكار آيزاك في دور فيكتور فرانكنشتاين. أما العمل الآخر الذي يحمل عنوان “العروس” The Bride فهو من إخراج ماغي غايلنهال وبطولة كريستيان بيل في دور الوحش وجيسي باكلي في دور رفيقه. بروكس الذي احتفل ببلوغه عامه الـ 98 الشهر الماضي وصف “فرانكنشتاين الشاب” بأنه “أعظم إنجازاته كمؤلف ومخرج”، وبينما لا يمكن تجاهل عبقرية أعماله السابقة مثل “المنتجون” و”سروج ملتهبة” إلا أنه من الصعب مجادلة تقييمه، فهذا المزيج من الكوميديا وقصص الوحوش مفعم بالحيوية لدرجة تجعل معظم أفلام فرانكنشتاين الأخرى تبدو جثثاً هامدة مقارنة به. سيُعاد إصدار فيلم “فرانكنشتاين الشاب” في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل © The Independent المزيد عن: فرانكنشتاينماري شيليالمخرج ميل بروكسالفيلمأفلام كلاسيكية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post التوأم الرقمي… جسر بين العالمين المادي والافتراضي next post كامالا هاريس قد تصنع التاريخ كأول رئيسة عملت في “ماكدونالدز” You may also like المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024 أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لنوفمبر 2024 15 نوفمبر، 2024 “بناء العقل الثاني” يواجه أخطار التكنولوجيا وإدمان الإنترنت 15 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: التشخيص والتجريد يتآلفان في... 15 نوفمبر، 2024 عندما لاعب التلفزيون الذكي كاسباروف على رقعة الشطرنج 15 نوفمبر، 2024