ماريو بارغاس يوسا يتلقى جائزة نوبل (أ ف ب) ثقافة و فنون كيف حقق بارغاس يوسا حلمه الذي أسعده أكثر من جائزة “نوبل”؟ by admin 23 يوليو، 2024 written by admin 23 يوليو، 2024 76 “عن أهمية أن تدخل محفل عظماء الأدب وأنت شاب بالكاد بلغت الثمانينيات” اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب في عام 2016 وبعد أعوام عديدة من فوزه المدوي بجائزة نوبل الأدبية مكرساً بذلك انتماءه إلى ما يسمى فورة الأدب الروائي الأميركي– اللاتيني على خطى آخرين كثر كبار من أبناء القارة مثل آستورياس وماركييز وغيرهما من الذين تمكنوا طوال القرن الـ20 من إيصال إبداع روائيي القارة إلى العالم، تيقن الكاتب البيروفي ماريو بارغاس يوسا من أن يتحقق من صحة القول المأثور إن السعادة لا تأتي كما حال التعاسة فرادى. ففي وقت كان لا يزال فيه يرتب شؤون نشر وإعادة نشر طبعات جديدة من معظم كتبه القديمة وترجماتها، حدث له أن وصل إلى برشلونة في إسبانيا يقوم فيها بزيارة وكيلة أعماله وناشرته. وفي يوم كان يزور فيه مكتب تلك السيدة العملية التي سيعترف دائماً بفضلها الكبير في إدارة شؤون كتبه وعقوده، ناولته السيدة رسالة كانت تفضها قائلة له بقدر قليل من الأهمية: “خذ، ماريو، هذه الرسالة تخصك أكثر مما تخصني!”. تناول الرسالة ليجد أنها لا تحمل سوى سطر واحد وباللغة الفرنسية: أعتقد يا عزيزتي أن الوقت قد حان لإصدار أعمال صديقنا بارغاس يوسا مترجمة إلى الفرنسية في مجموعة “الثريا”. والحقيقة أن السيدة لم تدرك في اللحظات الأولى فحوى رد الفعل المذهل الذي أبداه الكاتب الكبير والذي منذ فوزه بـ”نوبل” كان يبدو أنه لم يعد يهمه في مثل هذه الأمور شيء. ففي النهاية كانت الرسالة تحمل توقيع أنطوان غاليمار. صحيح أن غاليمار ناشر كبير وربما أكبر ناشر للأعمال الأدبية في فرنسا. ولكن هل حقاً تحتاج رسالة واردة من ناشر كهذا كل ذلك الفرح الذي شاهدته على وجه بارغاس يوسا وهو يقلب الرسالة ويقرأ التوقيع ويعيد قراءته كأنه لا يصدق عينيه؟ التفسير على الفور كان الأمر مدهشاً حقاً من جانب كاتب يتدافع الناشرون في شتى أرجاء العالم ولغاته للحصول على حقوق ترجمة وإعادة ترجمة مؤلفاته. لكن الأمر الذي استغرق السيدة دقائق وشيئاً من التفسير لإدراكه إنما كان خارج ذلك السياق. كان أمراً يخص بارغاس يوسا أكثر من أي أمر آخر. فهذا الكاتب الذي يجلس إلى وكيلته وصديقته فاغر العينين أحس في تلك اللحظة نفسها وأمام السطر الذي تحتويه الرسالة والتوقيع الذي يمهرها أنه رجع إلى الوراء نحو ثلثي قرن إلى وقت كانت قد أدركته فيه باكراً “حرفة الأدب” كما يقال. لكن ذلك الإدراك لم يكن بعد يحمل أية إشارة إلى جائزة نوبل هو الذي كان المجد الأدبي الأكبر بالنسبة إليه يتمثل فقط بكلمة “لا بلياد” تلك الساسلة الفرنسية من الكتب الفريدة من نوعها في عالم النشر، ليس في بلده البيرو بل تحديداً في فرنسا. وإذا كان يوسا قد تعرف إلى تلك السلسلة باكراً فما هذا إلا لأن ارتباطه المبكر بالأدب خصوصاً كان قوياً جداً وحتى من قبل أن يتقن اللغة الفرنسية من دون أن يكتب بها حتى وإن كان قد درس في فرنسا ومن طريق الحياة الثقافية التي انخرط بها باكراً لا سيما في باريس، قد تعرف إلى آداب العالم لكنه من خلالها أيضاً أغرم بأناقة الكتاب وصناعته وموسوعية الفرنسيين في التعامل معه. ومن هنا لم يكن غريباً بالنسبة إليه أن يغرم بسلسلة “لابلياد” (الثريا) التي بدأت منشورات غاليمار تنشرها منذ زمن طويل على أساس أن يضم الكتاب الواحد في المجموعة معظم إن لم يكن مجمل أعمال كتاب البشرية الكبار منذ هوميروس وحتى صدور الكتاب مع دراسات تحليلية وتقديمية وهوامش نقدية وافية. وكل ذلك على ورق خفيف (يسمى عادة ورق الكتاب المقدس)، وشديد الأناقة وفي تجليد استثنائي موحد من الجلد الخالص البني اللون. والحقيقة أن هذا كله قد جعل من مجموعة لابلياد التي أصدرت حتى اليوم مئات المجلدات التي يمكن أن يشكل اقتناؤها حلم كل محب حقيقي للكتب هاو للأدب. وطبعاً من العبث هنا محاولة إحصاء الكتاب الذين ظهرت أعمالهم في السلسلة. وبالطبع ولا حتى أولئك من خاصة الخاصة من قراء العالم الذين قد لا يتسع حلمهم لأكثر من اقتناء مجلدات ولو محدودة منها. ففي النهاية هي غالية الثمن إلى حد كبير. مجموعة من كتب ماريو بارغاس يوسا (وسائل التواصل) مكتبة فرنسية في ليما منذ بداياته الأدبية إذا كان حلم بارغاس يوسا وهو بعد في بلده مجرد قارئ ضحل المدخول لا تسمح له قدرته يوماً بشراء هذا الجزء أو ذلك من أجزاء المجموعة. لكنه أمام استحالة ذلك وجد طريقة أخرى مكنته من أن يستعير نسخة من كل جزء جيد يصدر ويصل إلى مكتبة فرنسية الهوى والهوية تقع عند مفترق شارع رئيسي في مدينته ليما عاصمة البيرو. كانت تدير المكتبة سيدة مثقفة ذات ثقافة فرنسية طيبة لفت الشاب نظرها إذ اعتاد أن يدخل المكتبة بين الحين والآخر سائلاً عن وصول أجزاء المجموعة. وتدريجاً راحت تطارحه الحديث بالفرنسية التي يتقنانها بصورة أو بأخرى، ثم راحت تدريجاً تعيره ما لديها من أجزاء يراجعها ويحتفظ بها زمناً ثم يعيدها. والحقيقة أن ذلك الفعل في حد ذاته قد نقله من عالم التمني إذ راحت الأجزاء تتوافر بين يديه بشكل شبه دائم بأن يصبح يوماً من مقتني “لالبلياد” إلى عالم الحلم: ترى هل سيقيض له يوماً وهو الذي بدأ يمارس الكتابة بالفعل منذ تلك السن المبكرة، أن ينشر كتبه في السلسلة بالفعل؟ هل سيمكنه يوماً أن يصبح من كتاب البلياد إلى جاب إميل زولا وبلزاك وألكسندر دوماً وشكسبير وأوسكار وايلد؟ طبعاً كان السؤال يبدو له أول الأمر مضحكا والفكرة بعيدة من التحقق سنوات ضوئية… ولكن ما دامت المسألة حلماً في حلم وما دام أحد لن يسمعنا ويسخر منا، لن يكلفنا الأمر شيئاً سنحلم وليكن ما يكون! والحقيقة أن هذا الحلم بقي جزءاً من الحديقة السرية في حياة بارغاس يوسا. حلم مستحيل لم يكن على أي حال من نوع الحلم المؤجل بل من نوع الحلم المستحيل. بل حتى حين نال الكاتب جائزة نوبل الأدبية، في عام 2010 لم يجرؤ على إيقاظ الحلم من مخبئه الدفين. ظل معتبراً إياه حلمه السري الذي لا يشير إليه ولا يفاتح به أحداً. بل يخيل إليه أن لن يجرؤ أبداً على ذلك. كان يرى في أعمق أعماقه أن حصوله على جائزة نوبل التي يحلم بها كل كاتب في العام رغبة تنتمي إلى ما يشبه ضربة الحظ الممكنة الحدوث. لكن “البلياد”… “البلياد شيء آخر تماماً. هي الرغبة السرية التي لا يجرؤ المرء حتى إلى الإشارة إليها عرضاً! وطبعاً كل هذا سيتبدل تماماً في ذلك الصيف الدافئ في برشلونة عام 2014 حين وصلت رسالة أنطوان غاليمار متسائلة: ألم يحن الوقت بعد؟ هل حان الوقت فعلاً؟ تساءل حينها كاتبنا وهو ينظر بذهول إلى ناشرته ووكيلة أعماله. وهو وحتى قبل أن يفيق من ذهوله راح يروي للسيدة التي راحت تستمع إليه بدهشة، تلك الحكاية التي لم يكن قد سبق له أن رواها لأحد من قبل، الحكاية التي تبدأ منطلقة من المكتبة الفرنسية الواقعة في شارع رئيس في ليما لتتوقف في ستوكهولم وهو يبحث بعينيه عما إذا كان أنطوان غاليمار موجوداً بين حضور حفل تتويجه النوبلي في القصر الفخم الذي نال فيه جائزته من يدي ملك البلاد السويدية. طبعاً كان غاليمار حاضراً وهو أمر ربما تتذكره السيدة مضيفة على الأرجح: “وهو ذكرني في تلك اللحظة بالذات بأنه يفكر في إصدار رواياتك الكبرى في مجلدين وسألني أن أعطيه رأيي في الأمر فوعدته بأن أفاتحك في المشروع قريباً لكني فضلت التريث ريثما ننتهي من فرحة نوبل ومستتبعاتها قبل ذلك”. “تقولين إنه ذكرك؟” “أجل لأنه أمر كان سبق أن تحدثنا عنه قبل ذلك”. ويمكننا الآن أن نتخيل كم زاد ذهول ماريو بارغاس يوسا، أمام البساطة التي تحدثت بها السيدة عن… حلم حياته! في النهاية طبعاً صدر المجلدان عن سلسلة “لابلياد” في عام 2016 وقوبل صدورها بضجة وترحاب استثنائيين. المزيد عن: ماريو بارغاس يوساجائزة نوبل للأدبآستورياسغابرييل غارثيا ماركيز 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post محمد زفزاف الحاضر فينا أبدا next post ماذا تخفي “قهقهة” هاريس؟ You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024