جون أوزبورن (1929 - 1994) (غيتي) ثقافة و فنون كيف حقق أوزبورن ثورته المسرحية الغاضبة بانفصاله عن بريخت؟ by admin 30 يونيو، 2024 written by admin 30 يونيو، 2024 81 مؤسس مسرح الغضب الإنجليزي فضل أن يعود إلى سيد الحداثة الألماني بدلاً من إعلان انتمائه لبازوليني الإيطالي الشاب اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب يرى كثر من مؤرخي ثورة الحداثة المسرحية الإنجليزية ممن يعتبرونها واحدة من أهم وأبقى الثورات المسرحية عند بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، أن تلك الثورة قد “اندلعت” تحديداً مع العروض الأولى لمسرحية جون أوزبورن، مؤسس “مسرح الغضب” الذي إنما استقى اسمه تحديداً من عنوان تلك المسرحية الذي سرعان ما بات على كل شفة ولسان، “انظر إلى الوراء بغضب”، وهو عنوان نعرف على أية حال أنه سرعان ما استخدم كشعار لثورات الشبيبة الأوروبية وغير الأوروبية التي سيعتبر ذلك المسرح “الغاضب” إيذاناً باندلاعها. والحقيقة أن ليس في مقدورنا القول إن هذا غير صحيح. وكذلك لن يمكن القول من ناحية أخرى إن ثمة مسرحيات أخرى لأوزبورن أو لأي من رفاقه الآخرين سبقت تلك المسرحية في إعلان الغضب. مع ذلك، وعدا عن نصوص لأوزبورن أو لهذا الرفيق أو ذاك من رفاقه، لن يكون منطقياً ما حاوله البعض من اعتبار أن ثمة مسرحيات غاضبة سبقت في “غضبها” تلك المسرحية التأسيسية التي لا تزال تشكل علامة كبرى في تاريخ المسرح في القرن العشرين. توضيح ضروري ومع ذلك قد يحتاج الأمر منا هنا إلى شيء من التوضيح الذي لا بد منه بين الحين والآخر. وهذا التوضيح يطاول بالنسبة إلينا مسار الكتابة المسرحية لأوزبورن نفسه، إذ يعتقد كثر أن “انظر إلى الوراء بغضب” كانت مسرحيته الأولى. ففي الحقيقة لم تكن أول ما كتب ولا أول ما عرض، هو الذي أتى إلى الكتابة المسرحية من التمثيل المسرحي والسينمائي. والحقيقة التي تبدو لنا ضرورة التعامل معها هنا، في هذا “التوضيح”، فحواها أن المسرحية الغاضبة الأولى كانت أولى إنتاجات أوزبورن في عالم الغضب الاجتماعي، لكنها كانت في الحقيقة مسرحيته الرابعة. فالواقع أن أوزبورن كتب “انظر إلى الوراء بغضب” وعرضها في عام 1956 مؤسساً بها التيار الذي نعرف، بعدما كان قد عرض قبلها ثلاث مسرحيات أخرى يرى كثر من مؤرخي المسرح الآن أنها كانت أكبر أهمية من المسرحية الغاضبة بل تتميز عنها، ومن بعيد في تجديدات شكلية تضافرت تماماً مع تجديدات المضمون التي سترتبط بمسرحية عام 1956. وإذ يرى مؤرخون ونقاد كثر اليوم أن ثمة ضعفاً طغت عليه وغطته سمعة تلك المسرحية ومكانتها السياسية، فإن تلك المكانة إنما أتت على حساب تراجع أكيد في التجديدات الفنية التي كان أوزبورن حققها في المسرحيات الثلاث الغاضبة. وكانت بالتحديد مستقاة في تلك المرة من إنجازات برتولد بريخت المسرحية التي دائماً ما كانت تحرص على أن تعطي للأبعاد الفنية مكانة أولى جاعلة البعد السياسي، بل حتى الأيديولوجي في مسرح بريخت خلال مرحلته الستالينية، يأتي كنتيجة للتجديدات الفنية (الجمالية) لا كمبرر لها. وفي هذا المعنى لا شك أن التأمل المعمق في تلك المسرحيات الثلاث التي قدمها أوزبورن تباعاً خلال مرحلته الأولى في الأعوام 1950 ثم 1955 فـ 1958 تباعاً – حتى ولو أن الترتيب الزمني لكتابتها يختلف كما كنا قد أشرنا في مقال سابق هنا –. بوستر مسرحية أوزبورن “لوثر” في أداء لألبرت فيني (موقع المسرحية) بريختية صريحة المهم أن أهم ما تتسم به تلك المسرحيات الثلاث هو بريختيتها الصريحة والمتحمسة، والتي كانت محاولة أوزبورن السير على خطى سيد الحداثة المسرحية الألماني في النصف الأول من القرن العشرين من أوضح محاولاته في السير على خطاها. وكانت تلك المسرحيات هي، على التوالي “الشيطان في داخله” التي كانت باكورة كتاباته في عام 1950، ثم “عدو شخصي” التي كتبها عام 1955 لتقدم فقط على المسرح عام 1958 قبل أن يطويها النسيان، ثم “شاهدة من أجل جورج ديلون” التي كتبت وقدمت في عام 1958 وبعد عامين من “انظر إلى الوراء بغضب”. والحال أن تلك المسرحيات كانت تحذو حذو بريخت ولا سيما في مجال تعبيرها الفني حتى وإن كانت بدورها قد حفلت بغضب… اجتماعي يفوق ما كان بريخت ينحو إلى التعبير عنه. ومهما يكن من أمر يبقى أن أوزبورن حتى من بعدما قدم “انظر إلى الوراء بغضب” التي حاول فيها من طرف خفي أن يقطع أواصره مع أستاذه ومثله الأعلى الأول بريخت معتبرا مسرحه تقليدياً، سيعترف لاحقاً أن تلك القطيعة لم تكن سهلة. فحتى ولو أنه حرص على إخفاء “عدو شخصي” وعلى التقليل من شأن نصوص “بريختية” أخرى بعد تقديم أول، عجز عن أن يمحو من الذاكرة ثلاثاً أساسية من مسرحياته ذات النزعة البريختية الواضحة وهي بالتحديد “شاهدة من أجل جورج ديون” التي أشرنا إليها، ولكن أيضاً “المدرب” التي كتبت وقدمت في عام 1957 من تمثيل لورانس أوليفييه الذي أغراه بالمساهمة فيها ذلك النجاح الكبير الذي حققته في العام الفائت “انظر إلى الوراء بغضب”، وربما كان هو من قدمها بأكثر مما فعل أوزبورن نفسه، والذي لم يكن الوقت قد اتسع له بعد كي يكتب عملاً يأتي في سياق مسرحه الغاضب لينجز قطيعته مع بريخت، والتي كانت قد باتت بالنسبة إليه حتمية على ضوء، أولاً التطورات السياسية والاجتماعية التي كانت قد بدأت تعصف ببريطانيا نافية عنها حتى اسمها الرسمي كإمبراطورية عظمى؛ وثانياً على ضوء الثورات المتعددة والمتنوعة لشبيبة راحت تدرك أن صراعاتها الأساسية باتت صراعات أجيال لا صراعات طبقية، وهو العنصر الذي يقف عند نقطة إنعطافية في مسرحية “المدرب”. على خطى غاليليو وتبقى من مسرحيات أوزبورن لتلك المرحلة، مسرحية أخرى تنتمي صراحة إلى بريخت، بل تحديداً إلى بريخت كما عبر عن نفسه في مسرحيته “حياة غاليلي”، الذي حرص على أن يبتعد في تلك المسرحية النهضوية التنويرية التي يرى فيها معظم مؤرخيه أقصى ما يمكنه ابتعاداً عن الستالينية بل حتى عن مفاهيم مثل الصراع الطبقي في تركيز مدهش على الصراع الفكري الأيديولوجي، ونعني بها بالنسبة إلى أوزبورن مسرحية “لوثر” التي لن تظهر على المسرح إلا بعد سنوات عديدة أي في عام 1961، فتبدو “غريبة” في السياق الذي كان قد آلى إليه مسرح بريخت الذي كان لا يزال غاضباً حينها لكنه كان لا يزال متمسكاً بأهداب كلاسيكية مسرحية. وهنا لا شك أن هذه العبارة الأخيرة تنطبق على المضمون، أما من ناحية الشكل الفني فإن ثمة تجديدات جمالية في هذا العمل تنتمي صراحة إلى أفضل التجديدات البريختية في هذا السياق. وكما يدل العنوان الذي يبدو على شكل محاكاة لعنوان مسرحية بريخت التي لا شك أن أوزبورن صاغ مسرحيته التاريخية هذه على سبيل محاكاتها، تتعلق “لوثر” باستعراض فصول أساسية من سيرة مؤسس المذهب البروتستانتي في الديانة المسيحية، لكنه هنا لا يقدم بوصفه رجل دين، بل تحديداً انطلاقاً من الاسم الذي سيعرف به مذهبه نفسه: المذهب البروتستانتي – ونعرف أن الكلمة تعني في نهاية الأمر، المحتج، أي أن المذهب استقى هنا اسمه من موقعه الاحتجاجي ليعرف به حتى اليوم -، أي انطلاقاً من اعتبار أوزبورن لبطل مسرحيته الاحتجاجي الأول على الكنيسة الباباوية ولأسباب اجتماعية تأتي تلك العقائد في خلفيتها. ومن هنا لم يتورع كثر من النقاد والمؤرخين عن اعتبار أن مسرحية “لوثر” إنما كتبت ضمن سياق مسرح الغضب، في محاولة للمزج بين الغضب والتاريخ على طريقة بريخت، في انطلاق ليس فقط من مسرحية “حياة غاليلي” البريختية، بل خاصة من رغبة سينمائية ربما تكون واتت كاتب الغضب المسرحي من اطلاعه على مشروع اشتغل عليه السينمائي الإيطالي بازوليني يتعلق بواحد من أفلامه الأولى، والأكثر سينمائية في سينماه على أية حال، وهو طبعاً “الإنجيل بحسب القديس متى” حيث صور مؤسس الإيمان المسيحي بوصفه ثائراً غاضباً يدافع بقوة عن إيمانه ومجمل معذبي الأرض، ويحاول ما وسعه ذلك عقلنة الإيمان في جولاته الغاضبة في فلسطين تلك الأزمنة. ولا ريب أن أوزبورن بدا في هذا العمل الغاضب والمغرق في شكلانية فنية مدهشة “مرغماً” على العودة ولو العابرة بالتأكيد إلى بريخت بدلاً من أن يبدو عليه وكأنه يحاول محاكاة سينمائي إيطالي شاب! المزيد عن: المسرح الإنجليزيجون أوزبورنمسرح الغضبثورات الشبيبة الأوروبيةبرتولد بريخت 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post حبوب مبتكرة تطلق روبوتات دقيقة لعلاج التهاب الأمعاء next post طلبة الأدب “الإمبرياليون” في الـ”سي آي أي” You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024