ثقافة و فنونعربي كوميديات شكسبير تواكب تطور المجتمعات وتبدلاتها by admin 7 ديسمبر، 2020 written by admin 7 ديسمبر، 2020 14 مسرحه الجاد يكشف عن عبقرية تجمّد الأزمنة وتحددها اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هناك عادة في عالم الكتابة المسرحية، ومنذ فجر هذه الكتابة، نوع من التخصص. فأن يكون كاتب ما كاتباً تراجيدياً معناه أن مسرحياته ستبقى تراجيدية على الدوام وحتى ولو اقترب أحياناً من الهزل في مشهد من هنا أو مشهد من هناك. والشيء ذاته حين يكون درامياً أو كاتباً للمسرحيات الهزلية أو للمسرحيات التي تسمّى تاريخية أو عاطفية. هي قاعدة جرى العمل بها على الدوام تقريباً وندر من خرقها. خارق استثنائي شكسبير كان من الخارقين لها، فقد خاض في كل المجالات التي عدّدناها وكان مبدعاً فيها جميعاً على قدر المساواة وإلى درجة عززت ما راح عدد من المؤرحين يقولونه إن من المستحيل أن يكون شخص واحد هو كاتب كل هذه المسرحيات. وهم في هذا السياق حين يستخدمون عبارة “كل هذه المسرحيات” لا يعنون العدد طبعاً، فعدد مسرحيات شكسبير لم يكُن كبيراً. الإسباني كالديرون كتب أضعاف أضعاف ما كتبه شكسبير وكان ناجحاً مثله في كل مسرحياته، على سبيل المثال. ما كانوا يعنونه إنما يتعلق بالتنوع وبالانتقال وأحياناً في حقبة زمنية واحدة، من كتابة مسرحية درامية إلى أخرى تاريخية، فثالثة هزلية وهكذا. بالنسبة إليهم، يبدو هذا مستحيلاً، ما يعني أن كتّاباً عديدين كانوا المؤلفين الحقيقيين لتلك المسرحيات. غير أن أحداً لم يتمكّن من إثبات ذلك لا لغوياً ولا علمياً ولا تاريخياً. وبقيت ثمة حقيقة ساطعة أمام أعين الجميع، حقيقة تقول إن شكسبير كان كاتباً محترفاً، يعرف كيف يخوض كل الأنواع مكرّساً لها مواهبه وذاكرته وإمكاناته التقنية لأنه كان مسؤولاً عن مسرحه وفرقته وكان يريد لهما أن يكونا متفرّدَين. أنواع شكسبيرية متعددة وكانا متفرّدَين بالفعل، تحديداً انطلاقاً من ذلك التنوع الذي ندر أن طبع كتابات كاتب واحد في تاريخ المسرح. ومن هنا حين يجري الحديث عن المسرح الشكسبيري يكون ممكناً تقسيمه إلى أنواع عدة. فمثلاً، تنتمي “ماكبث” و”الملك لير” و”هاملت” وغيرها طبعاً إلى نوع، وتنتمي إلى نوع آخر مسرحياته المعروفة بالرومانية، وهناك نوع عاطفي، ثم مثلاً المسرحيات التي تتناول التاريخ الإنجليزي أو بشكل أكثر تحديداً المسرح المتعلق بحكايات الملوك الإنجليز المتعاقبين وهو، كما نعرف، الذي عادة ما كان يوصل شكسبير ومسرحه إلى حافة الخطر. ونعرف أن كل المسرحيات التي تتوزع هذه الأنواع حققت لشكسبير مكانة هائلة وغالباً أولى في تاريخ المسرح العالمي. غير أننا ننسى أحياناً الاهتمام بجانب آخر من جوانب المسرح الشكسبيري: الجانب الهزلي. صحيح أن في مقدورنا أن نعثر على مشاهد كوميدية في بعض أكثر مسرحيات شكسبير قتامة. لكن هذا ليس ما نعنيه هنا. ما نعنيه هو المسرحيات الكوميدية الخالصة التي قد يكون ممكناً القول إنها تشكّل عددياً ما لا يقل عن ثلث نتاجات المسرح الشكسبيري. وكانت دائماً الأكثر نجاحاً من دون أن يفرد كثر تاريخاً خاصاً لشكسبير ككاتب هزلي قد يتفوّق أحياناً على كثر من كتّاب المسرح الهزلي في العالم. حسبنا أن نذكّر هنا ببعض أشهر مسرحيات شكسبير الهزلية لتوضيح ما نرمي إليه: “إنما الأمور بخواتمها” و”كما تحبها” و”كوميديا الأخطاء” و”خاب سعي العشاق” و”تاجر البندقية” و”زوجات وندسور المرحات” و”حلم ليلة صيف” و”ترويض الشرسة” و”أسمع جعجعة ولا أرى طحناً” و”حكاية شتاء”. وطبعاً يمكن لهذه اللائحة أن تطول لتضع القارئ أمام حقيقة تفقأ العين لكن لا أحد يتنبه إليها ولا إلى أن هذه المسرحيات بدورها تنقسم إلى نوعين أساسيين: المسرحيات العاطفية ومسرحيات المعضلات الاجتماعية، ناهيك عن مسرحيات الهزل الخالص، علماً أن هذه الأخيرة نالت دائماً حظوة كثر من الموسيقيين الذين إما موسقوها على شكل أوبريت، أو اقتبسوا منها أجواء خاصة، كما فعل مندلسون مثلاً مع “حلم ليلة صيف”. من زمن واحد إلى كل الأزمنة مهما يكن من أمر، في إمكاننا على أي حال أن نقول هنا إنه لئن كان معظم المسرح الشكسبيري يتطلع إلى معالجة قضايا زمنه وإشكالاته بما في ذلك الفواجع والمآسي ومسارح التاريخ الإنجليزي نفسه وهو أمر كُرّست له دائماً مئات الدراسات والمؤلفات بحيث بات من بين التحليلات ما هو قاطع وحاسم بجعله شكسبير ناقداً للمجتمع وللحياة الإنجليزية، إضافة إلى كونه يتعامل مع أخلاقيات كل الأزمنة. لا بد من أن نقول هنا إن الهزليات الشكسبيرية تبدو أكثر فعالية في انتقادها المباشر لأخلاقيات المجتمع ودنوّها الجريء مما له علاقة بالقيم المتعارف عليها. ومن هنا ما نلاحظه عادة من أن منظمات المجتمع المدني في أيامنا هذه تستند إلى الشكسبيريات الاجتماعية للحديث، سلباً أو إيجاباً عن المنطق الذي يحكم نظرة مجتمع ما إلى قضية معاصرة. ويذكر كاتب هذه السطور هنا في هذا السياق، يوم كان يناضل إلى جانب حزب يساري “متطرف” في إيطاليا في السبعينيات أنه قد شارك في ندوة أعقبتها تظاهرة تندّد بـ”عداء” شكسبير للمرأة في عدد من مسرحياته وصولاً إلى “ترويض الشرسة”! شكسبير مظلوماً طبعا كان الموقف ظالماً لشكسبير ويتضمن سوء فهم لمسرحه الهزلي ينطلق من محاولة محاسبة وعي الماضي على ضوء رغبات الحاضر، لكن المهم ليس هنا. المهم أن كوميديات شكسبير، من “إنما الأمور بخواتمها” إلى “سمبلين” و”خاب سعي العشاق” ونصف دزينة غيرها من أعمال لا تزال حيّة حتى اليوم، حاملة أفكارها والجرأة التي مكّنت شكسبير من أن يجمع على خشبة واحدة عدداً كبيراً من أشخاص وحيوانات حتى، كما في “ترويض الشرسة” مثلاً، وصراعات وعلاقات، هذه الكوميديات ربما تصوّر لنا سمات المجتمع الذي عاش فيه شكسبير واستخلص منه دروساً لا تزال تصلح لأيامنا هذه وتتحدث عن الحب والصراعات العائلية وصراعات الأجيال والصداقة والانتماء إلى الطبيعة والبحث عن آفاق مستقبلية تبدو مسدودة وتحتاج إلى جهود بشرية إضافية، بأكثر مما تفعل مسرحياته التاريخية أو تلك التي تعتبر عادة أكثر جدية. ومن هنا يمكن القول إننا إذا كان علينا أن نبحث عن شكسبير المفكر أو المؤرخ في ثنايا مسرحياته الجادة، علينا أن نتوجّه صوب مسرحه “الأقل جدية” لكي نبحث عن شكسبير الإنسان. وفي هذا السياق، ليس من قبيل الصدفة أن عدداً من مسرحيات شكسبير الهزلية، يُقتبس بشكل متواصل في السينما والتلفزيون، لا سيما في البلدان التي تعيش إشكاليات في مجال القيم، تواكب تطوراً اقتصادياً لا يتضافر معه تطور اجتماعي. واللافت هنا أن المجتمعات التي نشير إليها تنجذب إلى أعمال شكسبير الهزلية فتقتبس منها وغالباً من دون الإشارة إلى أصولها الشكسبيرية، على عكس ما يحدث بالنسبة إلى مسرحيات شكسبير المعروفة بالجدية، التي يصعب عادة التعامل معها من دون الإشارة إلى كونها من تأليف شكسبير. بين الإنسان والمفكر ومن المؤكد أن هذا يثبت الفكرة التي أشرنا إليها والمنطلقة من الفارق بين شكسبير الإنسان الذي يختبئ خلف الأفكار الاجتماعية التي تطبع هزلياته، وبين شكسبير المفكر والمؤرخ الذي لا يمكنه إلا أن يكون حاضراً في الواجهة حين يصار إلى التعامل مع مسرحياته التاريخية أو الدرامية أو فواجعه. ومن الواضح أن هذه الاقتراحات التي نرسمها هنا حول التفريق بين ما لا يقل عن نوعين من الأبعاد الشكسبيرية، لا يمكنها أن تكون نهائية وقاطعة، ولكن لا بد من التوقف عندها حين يكون من المطلوب البحث عن شكسبير و”مسارحه” وتأثيره في مجتمعاتنا تأثيراً يتطور ويتبدّل مع مرور الأزمان وتغيّر المجتمعات. ولننهِ هذا الكلام هنا بلفت النظر إلى واقع أن مرونة مسرح شكسبير الهزلي يمكنها أن تخلق قدرة لدى المجتمعات على تطويع تلك المسرحيات، فيما تتّسم هزليات هذا الكاتب الكبير بثبات حدثي وتفكيكي يجعلها مرتبطة بزمن محدد ندر أن كانت قادرة على الانفكاك عنه. المزيد عن: ويليام شكسبير/المسرح/الكوميديا/ماكبث/هاملت 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post فن الراي الجزائري يشق طريقه نحو تراث الإنسانية غير المادي next post المفكر المغربي عبدالسلام بنعبد العالي يمتدح أدب الشذرات You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.