ثقافة و فنونعربي “في انتظار غودو” للصامت الأكبر محور فيلم لا يتوقف عن الكلام by admin 3 نوفمبر، 2020 written by admin 3 نوفمبر، 2020 31 يوم قال صامويل بيكيت إن ذلك الغياب كان أفضل ما حدث لمسرحيته اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب ذات يوم قبل رحيله بفترة سُئل صامويل بيكيت عن رأيه في ذلك التقديم العجيب أو بالأحرى اللاتقديم الذي كان من نصيب مسرحيته الأشهر “في انتظار غودو” في أحد أكبر المسارح السويدية، فأجاب غير مازح أنه يرى أن “غياب ذلك العرض واختفاء ممثليه عند رفع الستارة كان أفضل ماحدث لمسرحيّتي هذه”. ولمن لا يعرف هذه الحكاية نذكر أن التقديم كان من المفترض أن يتوّج جولة لعدد من السجناء الهواة للمسرحية بدأت في سجنهم لتحقق نجاحاً كبيراً قاد السجناء مخفورين من بلدة إلى أخرى ومن مدينة إلى قرية ليقدموا العمل وقد تدربوا عليه وسط مصاعب وتردّد بقيادة ممثل ومخرج عنيد تمكن من أن يجعل عدداً من المجرمين يتحولون إلى ممثلين مدهشين. وكان التتويج بناء على دعوة من المسرح الرئيسي في السويد وسط ظرف عمّت فيه شهرة المسرحية وممثليها السويد كلها. لدى تلقي الدعوة وانتصار الجهود التي بذلها المخرج لإقناع السلطات القضائية بالسماح لممثليه بتقديم العمل في حفل صاخب، حدث ومن دون توقع أن تمكن المعتقلون وقد خفّت الحراسة عنهم، من الهرب للوصول إلى آفاق حرية منشودة علمتهم المسرحية نفسها قيمتها، قبل دقائق من الوقت المحدد لفتح الستارة. وحين تيقن المخرج من أن ممثليه لن يعودوا قرّر أن يفعل ما لم يكن متوقعاً: صعد إلى المسرح وتحدث عن الأمر راوياً كيف تدرّب ممثلوه وكيف تطوروا مشيراً إلى أن هروبهم يبدو منطقياً على ضوء مضمون المسرحية نفسه. والحقيقة أن تلك “المونودراما” البديعة العامرة بقيم الحرية والفن والإنسانية والتي أداها المخرج بنفسه من دون أن يكتبها بيكيت ولا تبدو ظاهرياً على علاقة بمسرحيته، نالت من تصفيق الحضور وإعجابهم وردود فعل النقاد ما جعله يقرر استعادتها في عروض تالية سيعتبرها بيكيت جزءاً أساسياً ومكملاً لمسرحيته. فإذا كان غودو لم يصل أبداً إلى حيث ينتظره الصعلوكان في المسرحية الأصلية، هام الصعاليك أنفسهم يستنكفون عن الحضور حتى وإن كان المخرج سيبدو وكأنه غودو بديل سيحضر هو هذه المرة فيما يغيب منتظروه! من السويد إلى فرنسا هذه الحكاية التي حدثت في السويد وضجّ بها أهل المسرح وأثارت إعجاب بيكيت، تحولت أخيراً إلى فيلم سينمائي فرنسي عرضته الدورة الأخيرة من مهرجان الجونة السينمائي بعدما عُرض في الدورة الأخيرة لمهرجان “كان” افتراضياً. والفيلم الذي أخرجه إيمانويل كوركيل وقام فيه الممثل الجزائري الأصل كاد مراد بدور المخرج وتحوّلت الأحداث من السويد إلى فرنسا، حمل اسم “الضربة الكبرى” ووُفّق صانعوه إلى حد لا بأس به في اقتباس الحكاية وأفلمتها، وكان في وسعهم أن يكونوا أكثر نجاحاً لولا ازدحام الفيلم من أوله إلى آخره بكلام لا يتوقف، من دون أية لحظات صمت ولو احتراماً لصمويل بيكيت نفسه الذي اشتهر بصمته واختصاره حوارات مسرحياته إلى أدنى الحدود. لكن ما العمل والفيلم فرنسي وتعرف السينما الفرنسية عادة بثرثرتها المتواصلة بحيث يمكن القول مثلاً أن إيتيان (مراد)، المخرج في المسرحية داخل الفيلم، فتح فمه في اللقطة الأولى ولم يغلقه حتى اللقطة الأخيرة. ومع هذا أتى الفيلم وبعض حواراته أمينين لروحية بيكيت وغائصين بعمق في عوالم المسرحية الأصلية التي كانت علامة فنية كبرى عند منتصف القرن العشرين. بداية تاريخ مسرحي جديد حتى وإن كان من غير الطبيعي، عادة، تحديد يوم معين باعتباره اليوم الذي ولد فيه تيار أدبي أو فني، إذ من المعهود أن يتخمّر أي تيار على مدى سنوات، وتكون ولادته متعددة التواريخ، يمكن القول، من دون أية مجازفة، أن يوم الثالث من يناير (كانون الثاني) 1953، شـهد ولادة ما سوف يسمى لاحقاً “مسرح العبث” وبشكل خاص الحداثة الحقيقية في فن المسرح العالمي. ففي ذلك اليــــوم أقيــــم العرض الأول لمــسرحية “في انتـــظار غودو”، التي سوف تؤسس لحداثة مسرحية في الوقت الذي تعكس قلق الإنسان المعاصر الذي كانت حروب القرن العشرين، والفلسفات الوجودية بخاصة، قد رمته عارياً وسط صحراء الجدب وفراغ الذهن. كانت “في انتظار غودو” العمل المسرحي الأول الذي يقدم من أعمال بيكيت الكاتب الإيرلندي الأصل، الذي عاش معــــظم ســـنيه في فرنـسا، وكتب العدد الأكبر من أعماله فيها ومعظمه باللغة الفرنسية. وكتابة بيكيت هي التي ستخيم على الفكر المسرحي، بل على كثير من عوالم الشعر والقصة، خلال الربع الثالث من القرن العشــرين، متواكبة في هذا مع نصوص يوجين يونسكو وآرثر أداموف وت أس إليوت، على اختلاف مشاربهم ونزعاتهم. إذ في حين عبّرت كتابة يونسـكو عن أقصى درجات العبث عبر اللجوء إلى استخدام التباسية اللغة والمواقف، وفي حين ربط أداموف عبثيته بنوع من الفكر التقدمي المستقى من ماركس وبريخت في آن معاً، وفي حين جعل إليوت نصوصه صورة لإيمان عميق بالإلهي عبر نزعة كاثوليكية واضحة، عبّر بيكيت في مسرحه عن عبثية الشرط الإنساني، بأسلوب مخالف تماماً للذي عبّر الفكر الوجودي به عن تلك العبثية. لدى بيكيت كل شيء خواء وفراغ وانتظار لا جدوى منه. لكن ما الذي يعنيه يا ترى أن نستخدم الكلمات وصور الذكريات كمبرّر لحياتنا؟ وماذا ننتظر في هذه الأرض اليباب؟ وهل نحن حقاً قادرون بعد على أي فعل؟ تلك هي الأسئلة التي طرحها بيكيت من خلال مسرحياته لا سيما منها الكبرى والمؤسسة “في انتظار غودو” التي يطالعنا فيها الشريدان إستراغون (غوغو) وفلاديمير (ديدي) واقفين قرب شجرة عارية في أرض عارية ينتظران وصول “غودو” الذي وعد بالمجيء. في الفصل الأول سيتواصل انتظارهما حيث يزجيان الوقت في محاولة تذكّر ماضيهما، وفي محاولة تلاوة سطور من الكتاب المقدس، أو في مناقشة الشجرة القائمة عارية بالقرب منهما، ومناقشة حضور غودو و”تصوير” مفهومهما عنه، ناهيك بروايتهما الفكاهات المختلفة وأحلامهما. قبل نهاية النهار يصل السيد والعبد بوزو ولاكي، حيث يعبّران عن علاقة حادة بينهما. وعند نهاية الفصل يأتي رسول من لدن “غودو” يقول إنه لن يأتي اليوم لكنه سوف يأتي غداً. ويتواصل الانتظار الفصل الثاني يدور في اليوم التالي، حيث يتابع ديدي وغوغو الانتظار بينما نلاحظ أن الشجرة قد ارتدت بعض الأوراق. وتغيرت العلاقة بين بوزو ولاكي فعُميَ الأول وازدادت بلاهة الثاني. ينتهي هذا الفصل أيضاً برسول يأتي من لدن غودو ليقول إنه لن يحضر اليوم أيضاً، لكنه سوف يحضر غداً بالتأكيد. أمام هذه الوضعية غير المجدية يقرّر ديدي وغوغو الانتحار بشنق نفسيهما على الشجرة، لكنهما لا يفعلان وتنتهي المسرحية. هذا العرض الذي أسس لشهرة بيكيت كما أسس لمسرح العبث كله، قُدّم من إخراج روجيه بلان، في مسرح بابل في باريس. ومنذ تلك اللحظة لم يعد المسرح هو نفسه ولا صورة الشرط الإنساني كما يعبر عنها الفن هي الصورة القديمة نفسها. فالإنسان الآن لم يعد ذاك الذي غرق في المادة وارتضاها وسيلة لتقدمه وصورته. بل صار الذي يجد نفسه عارياً في عالم نسي إلهه. وما الانتظار في المسرحية سوى انتظار عودة هذا الرب، الذي من دونه لن تصبح حياة الإنسان سوى فراغ وعدم. تلك هي الرسالة التي حاول بيكيت بمسرحه وقصصه وعباراته القصيرة وصمته الطويل أن ينقلها إلينا. ونجح في ذلك، لأن مسرح بيكيت مثّل أقسى يقظة طالت إنسان قرننا العشرين هذا عن طريق الفن، جاءت أشبه بالصدمة: التي شكلت أساس وعي جديد كان أحد عناصر فكر الإنسان خلال الخمسينيات والستينيات، حتى جعل لمسرح العبث تلك المكانة الأساسية في الحياة الفنية والفكرية. المزيد عن: صامويل بيكيت/مسرحية/الصامت الأكبر/فرنسا/الجونة 1 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post إيفان بونين أكثر أدباء روسيا اهتماما بالحضارة العربية next post ياسمينة خضرا يفكك آليات الإرهابيين المهاجرين وأفكارهم You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 1 comment Monte 3 نوفمبر، 2020 - 6:07 ص Do you have a spam problem on this blog; I also am a blogger, and I was wondering your situation; we have developed some nice methods and we are looking to exchange strategies with others, why not shoot me an e-mail if interested. Also visit my blog post … Universal Life Insurance Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.