لوحة تمثل مشهداً من الحروب الدينية الفرنسية (موسوعة الفن الكلاسيكي) ثقافة و فنون فولتير يخلد الصراع بين “هنري” الطيب و”هنري” الشرير بقصيدة by admin 21 مايو، 2025 written by admin 21 مايو، 2025 13 “الهنرياد” ملحمة غنائية في 10 أناشيد تغوص في التاريخ الفرنسي على طريقة فيلسوف التنوير اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب في عام 1723 كان الكاتب والمفكر الفرنسي فرنسوا ماري – آرويه الذي سيخلده التاريخ تحت اسم فولتير، في الـ29 من عمره، حين قرر يوماً إن يغوص في مرحلة من مراحل التاريخ الفرنسي القديم، عبر محاولة شعرية منه تقوم على كتابة ملحمة لم يكن من الغريب، والنماذج الإغريقية واللاتينية كانت ماثلة أمامه، أن يطلق عليها في نهاية الأمر عنواناً سيقول لاحقاً إنه كان هو – أي العنوان – مما حركه وحفزه منذ البداية. وكان العنوان بكل بساطة “الهنرياد” في انطلاق من اسم مشترك لملكين من الملوك الفرنسيين، دار بينهما ذات مرحلة من مراحل التاريخ الفرنسي السابق على زمن فولتير نفسه، صراع عنيف، قبل أن يتصالحا. ومن الواضح أن تصدى فولتير لتلك الحقبة التاريخية من خلال ملكين يحملان الاسم نفسه، إنما كان يهدف لأن يخبرنا أن حقيقة الصراع أنه صراع على السلطة حتى وإن اتخذ شكل الصراع الأيديولوجي بين واحد منهما يصفه فولتير بهنري الطيب، والآخر الذي يكاد يوحي لنا بأنه هنري الشرير. ولنتذكر هنا، على أية حال، أن تلك السمة الأيديولوجية تتأتى من كون الثاني كاثوليكياً تنطح للدفاع عن البابوية في فرنسا، بينما كان الأول، “الطيب”، أقرب إلى الهوغونوت الكالفينيين. وكان ذلك في خضم الحروب الدينية الفرنسية. وطبعاً لن يكون موضوعنا هنا تلك الحروب والتمييز الأيديولوجي الديني بين خائضيها، بل الجانب الفني أي كيف تناول فولتير، كشاعر ومفكر، تلك الأحداث مفرقاً بين هذا من الهنريين وذاك. اختيارات كاتب مما لا شك فيه أن فولتير في قصيدته التاريخية تلك لم يُحدث تبديلاً في الأحداث التي جرت حقاً بين “الملكين” القريبين من بعضهما عائلياً، ولا هو كان في وارد ترجيح واحدهما على الآخر بصورة جلية. كل ما في الأمر أنه رسم صورة لتعاطفه من خلال لغته الشعرية وأسلوبه الأنيق من دون أن يبدو أنه يفعل ذلك. ولعلنا لا نصادر على الحكاية هنا إن نحن أشرنا إلى أن التعاطف الذي يبديه فولتير في شعره، يذهب في اتجاه من يسميه “هنري الطيب” ويبتعد عن الآخر الذي هو هنري الثالث، الملك الشرعي لفرنسا على أية حال، والذي إنما خاض الصراع ضد هنري الآخر، باسم الشرعية منطلقاً من أن الثاني ناوأ تلك الشرعية. وهو أمر يبقى في التاريخ الفرنسي على أية حال، موضع جدل لا يزال قائماً حتى اليوم. غير أن ذلك الجدل لم يكن هو الهدف الرئيس لكاتب “الهنرياد”. بالنسبة إلى هذا الأخير، كان المطلوب في المقام الأول إعادة الاعتبار إلى هنري الرابع الطيب ملك نافار الذي كان هو من سيفوز في الصراع في النهاية. وباختياره بأكثر مما بالمنجزات العسكرية. ومن المعروف على أية حال بأن هذا السياسي الذي عرف، كما يدل لقبه، بطيبته عندما رأى أن الصراع يتفاقم ويصبح أكثر وأكثر دموية، سارع إلى التخلي عن انتمائه إلى المذهب الكالفيني البروتستانتي، وعاد إلى الكاثوليكية، دين أكثرية الشعب الفرنسي، مما مكنه من الصعود إلى العرش في باريس. وواضح أن هنري الثالث، إذ وجد نفسه يحاصر باريس مناصراً لهنري ملك نافار ضد أعدائهما المشتركين المتجمعين في ما يسمى “الرابطة” لم يتوان عن طلب العون لمقاومة تلك المناورة، من الملكة الإنجليزية إليزابيث الأولى، وهو يرسل لتلك الغاية هنري دي بوربون النافاري إلى الديار المجاورة. فرنسوا – ماري آرويه (فولتير) (غيتي) ملك وسط عاصفة وهنا عند هذه النقطة من الحدث التاريخي المعروف، نتحول في حديثنا عن الملحمة الفولترية، من التاريخ الحدثي إلى التاريخ كما يصوره يراع الكاتب. وهكذا نصل في النشيد الأول من القصيدة إلى هنري دي نافار وهو يتوجه إلى إنجلترا لإقناع ملكتها بدعمه. وتهب هنا عاصفة عاتية تضطره للجوء إلى جزيرة في البحر بين البلدين ينتظر فيها قليلاً ريثما تهدأ العاصفة ويزول خطرها. وعند ذلك يحدث له أن يلتقي رجلاً عجوزاً يكاد يكون عرافاً يتنبأ له بالوصول إلى العرش واعتناق دين غير دينه. ويكون هذا موضوع النشيد الأول الذي يليه النشيدان الثاني والثالث، حيث يحدثاننا عن لقاء المبعوث الفرنسي بالملكة الإنجليزية فيروي لها الأهوال التي تعيشها فرنسا. ولا سيما أهوال مذبحة سان بارتيليميو والأحداث التي تلتها وحتى القتال ضد الرابطة، والذي يخوضه الملك هنري الثالث بعد مصالحته مع ملك نافار. وإثر ذلك يعود المبعوث الملكي وتعود معه الأحداث إلى باريس، حيث يطالعنا الرهبان وقد تسلحوا وألبوا طلاب السوربون وعمت المذابح العاصمة الفرنسية ليحس أعضاء الرابطة أنهم سيخسرون إن لم يحصلوا على عون خارجي فيتوجهون إلى روما. وفي النشيد الخامس تتمكن مؤامرة معقدة من الإجهاز على هنري الثالث فينادى بهنري دي نافار ملكاً للبلاد مكانه، ولكن باسم هنري الرابع. وإذ ينال هذا السياسي الطيب دعماً حتى من القديس لويس الذي يظهر ظهوراً عجائبياً ليتنبأ له هو الآخر بحكم مديد وازدهار لعائلته ولفرنسا كلها، يشتد ساعد الملك الجديد فيما لا تتوقف القصيدة الفولترية عن امتداحه وشد أزره والحديث عن طيبته، في النشيدين السادس والسابع على وجه الخصوص… غير أن النشيد الثامن يأتي هنا حافلاً بالمعارك والمجازر وشتى ضروب الحصار، حيث تتوالى أسماء وأخبار المعارك التي يعرفها تاريخ فرنسا، وصولاً بخاصة إلى حديث معركة إيفري غير بعيد من باريس. غير أن النشيد التاسع سرعان ما يحاول الابتعاد عن ذلك كله، إذ يحدث هنا في هذا النشيد أن الملك يقع في هوى الحسناء غابريال ديستري ويبدو عليه أنه بات على وشك التخلي عن واجباته كسيد للبلاد من أجل تكريس وقته وحياته من أجلها، لكن معاون الملك وكاتم أسراره دوبليسس موراي يتنبه إلى ذلك الواقع الجديد فيتدخل لدى الملك مذكراً إياه بواجباته السياسية وضرورات الحكم الذي “يفترض يا مولاي تهدئة لواعج القلب وإخلاء المكان لنبض العقل يملي علينا ما يجب القيام به”. وبالفعل يعود “مولانا إلى صوابه”، كما يقول المعاون فرحاً. باريس وطيبة الملك وهكذا تستعيد الحرب زخمها وتتتابع المعارك العنيفة والأحداث المتشابكة. غير أن ذلك كله لا يمنع باريس، وبحسب ما يخبرنا النشيد العاشر والأخير من الملحمة، من اختبار طيبة الملك الجديد وعدله ورجاحة عقله… بل إن الشعب سرعان ما يعتبره مسؤولاً بكل صفاته الطيبة والعقلانية، عن انتهاء المعارك واستتباب الأمن والسلام، مما مكَّن شعب باريس وشعب فرنسا من أن ينعما بالهدوء والحكم الصالح. والحال أن فولتير إنما كتب هذه الملحمة في محاولة منه ليس لرواية تاريخ ما، بل للحديث عن كيف يمكن لملك ما أن يكون صالحاً، ولرجل سياسة أن يكون راجح العقل قادراً مهما تشابكت الظروف وتمادت الأيديولوجيات، على اتخاذ القرار الصحيح في اللحظة المناسبة لينقذ أمته وشعبه مما هو أسوأ. ومن هنا، من الواضح أن الكاتب الذي كان يستعد في تلك المرحلة المبكرة من حياته والهامة من تاريخ بلاده، إنما كان يسعى إلى التعبير عن درس في الحكم وفي التاريخ، من دون أن يلتزم حقاً بالوقائع التاريخية، فإن التزم كثيراً منها، على أية حال، فإنه إنما يفعل ذلك خدمة للزمن الراهن الذي كان يعيش فيه مسخراً في سبيل ذلك، ليس التاريخ فحسب، بل الأساطير القديمة والحكايات الشعبية والمواعظ الأخلاقية من تلك الأمور التي نجدها محشوة حشواً في تلك القصيدة المفرطة في طولها والمتشعبة في حكاياتها إلى درجة ربما كانت في خلفية امتناع عدد من المسرحيين منذ ذلك الزمن المبكر عن اقتباسها مسرحياً، بينما كان كثر يتوقعون لها مصيراً طيباً من ذلك النوع. ومهما يكن من أمر، حتى وإن كان مؤرخو الأدب قد حكموا دائماً بأن فولتير (1694 – 1778) قد أخفق في أن يجعل من هذه القصيدة تلك “الإلياذة الفرنسية” التي كان يتطلع لخلقها، فإنه نجح في الأقل من أن يرسم في “الهنرياد”، درساً في الحكم والسياسة أثار اهتمام وشغف الكثيرين. المزيد عن: الفيلسوف الفرنسي فولتيرالتاريخ الفرنسي القديمالأدب الفرنسيالشعر الفرنسي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post 9 طرق يمارس فيها الذكاء الاصطناعي التمييز ضد النساء next post فلسفة “الترانسإنسانية” تعمل على تحسين البشرية عبر العلم والتكنولوجيا You may also like “سعفة كان” الفخرية تفاجئ دينزل واشنطن: أنا متأثر 21 مايو، 2025 فلسفة “الترانسإنسانية” تعمل على تحسين البشرية عبر العلم... 21 مايو، 2025 هور الحويزة… نبض الأرض “المحمية” يهدد إرث العراقيين 19 مايو، 2025 حضارة الفاو… مجد مدفون ونهاية غامضة حيرت المؤرخين 19 مايو، 2025 “موجة جديدة” يثير حنين عشاق السينما في مهرجان... 19 مايو، 2025 طفل في حضن أبيه يلهم شوبرت موسيقى مفعمة... 19 مايو، 2025 هل يعالج الإغلاق “قصور” الثقافة المصرية؟ 18 مايو، 2025 الأم ليست كما عرفناها: سرديات مغايرة في مهرجان... 18 مايو، 2025 معرض بيروت للكتاب يتعافى ببطء من وعكة المدينة 18 مايو، 2025 قاتل كخنزير بري… لافونتين وقصيدة الغرام المستحيل 18 مايو، 2025