بأقلامهمعربي فواز طرابلسي… محمود درويش: ذكاء القلب by admin 11 أغسطس، 2021 written by admin 11 أغسطس، 2021 46 صفحة الكاتب فواز طرابلسي facebook \ المدن على مدى ربع قرن، نعمت بصداقة محمود درويش. من بيروت السبعينيات الى بيروت القرن الواحد والعشرين نما هذا التواطوء وتطور عابرا البحار والبلدان. خلال حصار بيروت صيف ١٩٨٢، كانت اللقاءات شبه اليومية. لم تكن فرصتي للافلات من شقتي وقد تحولت الى مقر للرفاق وغرفة عمليات عسكرية وحسب. وانما كانت اللقاءات ايضا فسحات استثنائية للصداقة والتضامن والامل. وكان محمود قد انتقل حينها من شقته الى احد فنادق شارع الحمراء حيث الماء متوافر للحمّام اليومي، والكهرباء بالكاد تنقطع، وعلى البار بيرة مثلجة وعازفة على البيانو. هكذا أخذنا نرجم الحصار بالموسيقى والشعر. وفي غرفته في ذاك الفندق تلا عليّ وعلى سعدي يوسف الآيات الاولى من تلك الملحمة التي سوف تسمّى «مديح الظل العالي»: «إقرأ بإسم الفدائي الذي خلقا/من جزمة أفقا». وفي تلك الغرفة انعقدت حلقات الوداع بين رفاق السلاح والقضية الواحدة على اختلاف بلدانهم العربية. وحده محمود يرفض مغادرة بيروت: انا شاعر لست بمقاتل. لكنه سوف يضطر الى المغادرة بعد ان احتلت القوات الاسرائيلية المدينة. تشاء صدف حياة كل منا ان نعود لنلتقي في باريس بعد عامين وفي اسرة تحرير «الكرمل». وخلال آحاد باريس الهانئة عندما تنعقد الجلسات حول الكبة النيّئة اللبنانية تعدّها نوال عبود يرطّبها كأس عرق، يصرّ محمود على ان يزيّن الكبّة بـ«الحوسة» الفلسطينية (قليّة لحم وبصل) يطبخها بنفسه. يغازل جنى اليافعة: «جُ تيم» وتجيبه: «موا اوسّي». ولإسم جنى آنذاك عنده ذكريات. وعندما أصيب منه القلب في المستشفى النمسوي ومات ميتته الاولى لثوان سألت: – ما الموت؟ – لونه ابيض. اردفت: – انتبه الى قلبك. انه عضو عادي عند سائر البشر. اما القلب عندك فهو أداه انتاج. فإنطلق في تساؤلات طفلية عن غرائب الاحدية والعدد في الجسم البشري: كيف يعقل ان يكون للمرء مليون شعرة وقلب واحد فقط! رقّصنا الساحة في إشبيلية مع الياس صنبر وفاروق مردم لحضور مؤتمر للمثقفين الاسبانيين بدعوة من خوان غويتيسولو. وطيّرنا الحمام بعد ان خرجنا من مخزن الالبسة وقد اختار كل منا، عن غير انتباه، السترة الجلدية عينها التي اختارها الآخر. ولم يرق لمحمود التشابه فلم يطل به الامر حتى أهدى سترته الى احد الاصدقاء. ولم لا؟ «إن التشابه للرمال وأنت للازرق». ومن «ايامنا» معا اننا اعتزمنا رحلة الى اليمن على امل تنفيذ مشروع فيلم عن امريء القيس يكتب محمود السيناريو ويخرجه الصديق ميشال خليفة. قررنا ان نسير على خطى الشاعر الامير في دوعن ببلاد حضرموت. وصلنا صنعاء والجو متوتر بين الحزبين الحاكمين. وبين الرئيس ونائبه. وكالعادة، بل فوق العادة في تلك المرة، توتر محمود الى ابعد حد قبل امسيته الشعرية. لم يكن يعرف ماذا يتوقع من الجمهور اليمني. ولكن بقدر توتر محمود، كان انفراج الناس الذين تفاءلوا بأن شيئا لن يحصل لأن محمود موجود بينهم. فتوافدوا بكثرة للقاء الشاعر. مع ذلك، لم يطق محمود المكوث اياما في الفندق بعدن بانتظار طائرة الى وادي حضرموت فقفلنا راجعين فلا اقتفينا اثار شاعر «قفا نبكِ» ولا ذقنا عسل دوعن. محمود اليومي لطالما عجبت كم ان محمود لا يشبه سائر الشعراء، او انه لا يشبه على الاقل الصورة النمطية الشائعة عن الشاعر. لا اثر فيه للبوهيمية. لا لحية له. ولا شارب. وهو حليق كل الوقت. ليس حزينا ولا مكتئبا. او انه لا يريك وجهه اذا ما سيطر عليه الغمّ. انيق منتهى الاناقة. نظيف. جميل. ومجامل احيانا. منظّم ودقيق في مواعيده بطريقة مدهشة. ثابت في طقوسه. يكتب صباحا على مكتبه. يكوّر يده امام الورقة، مثل الاولاد ايام الامتحانات، يخفي ما يكتب عن فضولي غير مرئي يتلصص عليه. او يريد ان ينقل عنه. سألته لماذا. قال لست ادري. ربما خفرا. وربما لأني لست واثقا من اني سوف ابقي على ما كتبت. لا يتردد في تمزيق قصيدة لم تصل الى مستوى يريده. ولا يتردد في اهمال قصيدة اذا ما قرأ قصيدة افضل منها. مزّق قصيدة في رثاء بابلو نيرودا بعدما قرأ قصيدة إتيل عدنان «بابلو نيرودا شجرة موز». بعد الغداء والقيلولة، يقرأ بنهم. الروايات خصوصا. لا يخفي انه يحلم بكتابة رواية. ولكنه يسارع الى الاعتذار لأنه لن يجيد كتابة الروايات. وهو محقّ في ذلك. فعلى نحو غير إرادي، يتحوّل الكلام بين يديه دوما الى موسيقى. وفي المساء يمارس الصداقة. يشرب في السهرات ولكنه لم يصل مرة الى السُكر، على حد معرفتي. ولا يطيل السهر على كل حال. هذا شاعر لا مهنة له الا الشعر وإن امتهن الصحافة للقيام بالأود. نادرا ما يترك وراءه نصّا بخط اليد. نادرا ما يكتب الرسائل. لا يريد ان يبقى منه الا شعره. ليس يريد ان يبقى منه شيء إلا الشعر. الـ«انا» والـ«هنا» وَخَزَتْه فلسطين الى الشِعر منذ شهق الطفل: «من اين جاءوا؟» وصرخ غاضبا في وجه اهل لم يستطيعوا منع انفصال الجسد عن المكان الاول. ولَسَعه الضابط الاسرائيلي بسوط الهوية عندما رفض تسجيل إسمه في عداد ابناء قريته ظناً منه ان الفتى الاشقر الشَعر من ابناء جِلدته. فردّ الفتى: «سجّل! انا عربي!». مذذاك وشعر محمود درويش يشتغل على استعادة وصل الجسد بالمكان. فعلى وقع جدلية الـ«هنا» والـ«انا» ولدت شاعريته ونمت وخصبت ونضجت وجَمُلت وتأوجت. ”المكان الرائحة الاولي/قهوة تفتح شباكا. غموض المرأة الاولى./ابٌ علّق بحراً فوق حائط/المكان/خطوتي الاولى الى اول ساقين اضاءا جسدي/المكان المرض الاول…/والمكانْ/هو ما كان وما يمنعني الان من اللهو./ المكان الفاتحةْ/المكان السنة الاول. ضجيج الدمعة الاولى/التفاتُ الماء نحو الفتيات. الوجع الجنسي في اوله، والعسل المُرّ…“ وإن يتسامح الشاعر مع مكان ليس هو «ما كان»، فقد يتسامح مع بيروت، الخيمة الاخيرة والنجمة الاخيرة. وإذ حرم بيروت، حرم المنفى والوطن معا («لا منفى لي/ لاقول لي وطنُ/الله يا زمنُ). ومع ان مفتاح شعر محمود هو جدل الهنا والانا، يظل الشاعر عصياً عن التصنيف. رومنطيقي؟ يجوز قول ذلك في وجه من اوجه نتاجه المتعددة. مثل الهنود الحمر، يلجأ الى الطبيعة ليقاوم بها الات القتل التي يحملها الرجل الابيض. يقاوم بالشجرة والحصان والقمر. لكن الطفل الذي فيه يريد ان يعبث بكل شيء حتى بالطبيعة: («لو استطيع اعدتُ ترتيب الطبيعة/ههنا صفصافةٌ وهناك قلبي/ههنا قمر التردد/ههنا عصفورة الانتباه/هناك نافذة تعلّمكِ الهديلا/وشارع يرجوكِ ان تبقي قليلا»). شاعر غنائي؟ لا يكفي. فهو عطف اوذيسةِ العودة الى حيث الام تنتظر على إلياذةٍ فلسطينية أودعها «ايام» شعب باكمله. ذاكرة شعب. نعم. ولكنها مفتوحة على المسقبل لا متشبثة بالماضي. كُتب على محمود درويش ان يكون «شاعر القبيلة» فلم يكتفِ بالنطق بإسمها، صار مربّيها ومعلمّها. رفض ان تذهب القبيلة بالصوت الفردي. بل ارتفعت نبرة صوته الفردي فوق ضجيج القبيلة. يريدونه نواحا بكاء، فيما هو يربّي الامل مثلما يربيّ المزارع النحل. ازعم ان هذا الرجل هو ابرز مفكر سياسي عند الشعب الفلسطيني. ليس فقط في معرفته الاستثنائية بالصهيونية ودولة اسرائيل، وحسّه العميق بنبض شعبه، بل بفضل قوة المخيلة عندما الشعر يجد حلولا استعصت على السياسة واهلها، كما قال ماياكوفسكي. لقد اجبر محمود درويش الفلسطيني ليجبر الاسرائيلي على ان يتأنسن. وفرض بالشعر حق شعب في ارضه. يجوز القول إن الشعر لا يستطيع الكثير في نزاع مع اسلحة الدمار. ولكنه مع ذلك يستطيع. فمن يعرف حالات عديدة نشبت خلالها ازمات وزارية حول تدريس قصائد لشاعر بحدة الازمة التي نشبت داخل الحكومة الاسرائيلية إذ انقسمت بين مؤيدي ومعارضي تدريس شعر محمود درويش في المدارس. واي انتقام، ولو رمزيا، للضحية من جلادها ابلغ من ان يضطر الجلاد آرييل شارون الى الاعتراف بأنه يقرأ شعر محمود درويش ويعجب به. اما السلطة فإقترب منها ولكن دون ان يتماهى معها او ان يخدمها. ولسان حاله: ما اضيق الدولة/ ما اطول الرحلة/ما اوسع الثورة. ثم انه ليس مجرد شاعر هوية. الهوية عنده مفتوحة على ألامام والامل والتقدّم، الثالوث الذي يقضّ مضاجع الما بعد حداثيين. اليس هو القائل في قصيدة «طباق» التي بها رثى ادوارد سعيد: «ان الهوية بنت الولادة ولكن/في النهاية إبداع صاحبها/ لا وراثة ماضٍِ»! ذكاء القلب محمود درويش هو الذكاء الذي ليس هو مجرد عقل. والقلب الذي ليس هو مجرد عاطفة وشعور. والموهبة المصقولة بالثقافة وبشغف لا يشبع الى المعرفة. وهو كتلة احاسيس ترفعها المخيلة الى ارقى مستويات النبل والجمال. الجمال لذاته وبذاته. شعر محمود درويش هو ذكاء القلب. ندّابون عدميون يتساءلون: ماذا قدّم العرب للثقافة العالمية؟ ببساطة، قدمنا محمود درويش. دعك من التخليط. هذا شاعر لا يعوّض. وانسان لا يعوّض. وصديق لا يعوّض. ولا حاجة الى البلاغة واللعب علي الكلمات عن الموت. فالمعنى هو عند المتنبي العظيم، اكبر ملهمي محمود: إن الموت ضربٌ من القتل. محمود درويش قتيل. وهذه جريمة لا عقاب عليها. وكل ما كتبه محمود عن الموت يدور مدار هذه المأساة: الموت هو الجريمة الوحيدة التي لا مكان لها في القانون الجزائي. انها الجريمة الوحيدة التي لا عقاب عليها! يطير الحمام/يحطّ الحمام سنة اخرى 16 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post American tourists return to Niagara Region’s attractions as border reopens next post China court upholds death sentence against Canadian Robert Schellenberg You may also like ساطع نورالدين يكتب عن: “العدو” الذي خرق حاجز... 24 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: شالوم ظريف والمصالحة 24 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ 24 نوفمبر، 2024 مها يحيى تكتب عن: غداة الحرب على لبنان 24 نوفمبر، 2024 فرانسيس توسا يكتب عن: “قبة حديدية” وجنود في... 24 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: وقف النار في الجنوب... 24 نوفمبر، 2024 مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: حين ينهار كلّ شيء... 19 نوفمبر، 2024 16 comments what is a rhetorical analysis essay 13 نوفمبر، 2021 - 1:29 ص Hi there, well put together web page you’ve got at this time there. http://multiessay.com/ Reply hollywood casino online 15 نوفمبر، 2021 - 8:48 ص Great looking internet site. Assume you did a bunch of your very own html coding. https://casinogamesmachines.com/ Reply playable online sex games 18 نوفمبر، 2021 - 12:12 م You’re an extremely valuable web site; could not make it without ya! https://winsexgames.com/ Reply sex games for android phones 19 نوفمبر، 2021 - 8:47 ص The info is quite unique. https://sex4games.com/ Reply adults sex games 19 نوفمبر، 2021 - 3:33 م Thanks regarding delivering this sort of well put together written content. https://sexygamess.com/ Reply adults sex games 19 نوفمبر، 2021 - 3:33 م Thanks regarding delivering this sort of well put together written content. https://sexygamess.com/ Reply chili on keto diet 20 نوفمبر، 2021 - 8:57 ص I enjoy this site – its so usefull and helpfull. https://ketogendiet.net/ Reply keto diet how to start 20 نوفمبر، 2021 - 1:38 م Highly educational looking ahead to coming back. https://ketogenicdietinfo.com/ Reply keto diet and fibromyalgia 20 نوفمبر، 2021 - 10:09 م Astonishingly user friendly site. Astounding info readily available on few gos to. https://ketogendiets.com/ Reply keto diet and fibromyalgia 20 نوفمبر، 2021 - 10:09 م Astonishingly user friendly site. Astounding info readily available on few gos to. https://ketogendiets.com/ Reply food list for keto diet 21 نوفمبر، 2021 - 10:06 ص Thanks for the purpose of supplying these sort of superb data. https://ketogenicdiets.net/ Reply online casinos with no deposit bonus 9 يناير، 2022 - 7:47 م You’ve terrific thing on this website. online casinos with no deposit bonus Reply gay catholic dating 12 يناير، 2022 - 5:42 ص older gay dating sites chub mature gay bisexual dating gay dating for ftm’s gay catholic dating Reply essaysitesreviews.com 12 يناير، 2022 - 10:11 ص essay template to fill in writing a persuasive essay free apa essay template essaysitesreviews.com Reply gay christian dating app 12 يناير، 2022 - 11:01 م gay crossdresser datinggay christian dating appgay teen dating for wyoming dating hung gay macho hiv negative dating an hiv positive gay man Reply good gay chub dating sites 13 يناير، 2022 - 9:24 م feminen gay dating sites gay dating long term relationship oriented guys gay conservative dating app good gay chub dating sites Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.