ثقافة و فنونعربي فرانسواز داستور: من هو زرادشت نيتشه ؟ 1 by admin 5 أبريل، 2020 written by admin 5 أبريل، 2020 79 موقع كوة / ترجمة : الحسن علاج من هو زرادشت نيتشه ؟ لا يمكن طرح هذا السؤال ، في الوقت الراهن ، من دون استحضار المحاضرة التي قام هيديغرHeidegger) ( بإلقائها في 8 ماي 1953 بنادي بريم Brême) ( بنفس العنوان (Wer ist Nietzsches Zarathustra ?) ، محاضرة استعاد فيها باعترافه الخاص ، موضوعا تمت معالجته بطريقة متقدمة جدا في الجزء الأول من الدرس الذي قدمه في 1951 ـ 1952 بجامعة فريبورغ أون بيرزغاو Fribourg – en – Brisgau) ( والذي تم نشره سنة 1954 تحت عنوان « was heisst Denken ?» ، عنوان يمكن فهمه بطريقتين : ” ماذا يعني التفكير ؟ ” . ففي محاضرة فصل الخريف 1951 ـ 1952 ، والتي تمحور موضوعها حول تعلم التفكير ، التقدم نحو الفكر ، تم استدعاء شخصية نيتشه ، مثل شخصية هذا المفكر الأخير للغرب حيث قولته ” الصحراء تتمدد ” تكثِّف كل معرفته 2 ، تعبر عن غياب الفكر الذي ينتشر تحت اسم ” تمثل ” بوصفه صيغة لوجود الإنسان ، الذي يتم تعريفه تقليديا ، كحيوان عقلاني 3 ويعلن أنه كان أول من اعترف ، أن شيئا ما في تاريخ الإنسان الغربي يسير إلى نهايته 4 . إن استعارة زرادشت ، التي فكر فيها هيديغر مليا بطريقة حصرية ، في محاضرة بريم ، قد تمت مُساءلتها ، هي أيضا ، في درس 1951 ـ 1952 مثل استعارة ذلك الذي أنجز الانتقال من ” الإنسان الأخير ” ، الذي يرى فيه هيديغر صورة للإنسان الميتافيزيقي 5 باعتباره رافضا تجاوزه الخاص ، إلى ذلك الذي يقود الإنسان التقليدي ، إلى حقيقته كما يحدد هذا الحيوان ، الذي لم يتم تحديده بعد ، الذي هو الحيوان العقلاني 6 . ولأن استعارة زرادشت تظل ملغزة ؛ فليس هو في واقع الحال ، بل ذلك المسافر الذي هو ” ظلـ” ـه 7 الذي يتلفظ ـ في الفصل المعنون ب” من بين بَنات الصحراء ” من الجزء الرابع للقصيدة الفلسفية المطولة ، هكذا تكلم زرادشت ـ أو بالأحرى ينشد الأقوال المستشهد بها ، منذ بداية اللعبة بواسطة هيديغر : الصحراء تتمدد . ويل لمن يحافظ على الصحراء ! ” ثم إن زرادشت ليس هو أكثر من الإنسان الأعلى ذاته ، الذي يوجه إليه أقواله ، بل فقط ، كما يؤكد ذلك هيديغر بشدة ، ذلك الذي هو الأول الذي يسير نحوه ، ذلك الذي هو قيد التحول إلى إنسان أعلى ـ der Werdende Ubermench) ( 8 . ومع ذلك ، فمنذ درس فصل خريف 1951 ـ 1952 ، قدم هيديغر جوابال لا لبس فيه عن السؤال المطروح ” من هو زرادشت ؟ ” : إنه ذلك الذي يعلِّم العود البدي للمثيل 9 ” ، مذكرا أنه منذ المسودات الأولى لعام 1883 للجزء الرابع من القصيدة ، اشار إلى ذلك نيتشه بوضوح 10 .ليس زرادشت فقط هو من يدعو إلى الإنسانية السامية والذي يجسدها مقدما ، لكنه أيضا من يعلِّم التحرر من إرادة ضغينته ، بالنسبة للزمن ، من خلال شكل إرادة العود الأبدي للمطابق 11 . فكما لاحظ ذلك هيديغر ، فإن زرادشت يعلم عقيدة الإنسان الأعلى ، لأنه هو من يعلِّم العود الأبدي للمطابق . وهكذا فإنه يعلم العقيدتين في وقت واحد ، لأنهما ترتبطان فيما بينهما 12 . إن زرادشت إذن ما هو إلا اسم رابطة الكينونة ( التي يتم تعريفها كعود أبدي للمثيل ) مع كينونة الإنسان ( الذي يتم تعريفه كإنسان أعلى وقد تجاوز بداخله خاصيته ” التمثلية ” بكل بساطة، من أجل أن يدخل في علاقة مع الكينونة ، علاقة سيكون بإمكاننا تسميتها ب” تعاون” بما أن توخي العود الأبدي ، بالنسبة للإنسان الأعلى ، هو الاتفاق مع التحديد الميتافيزيقي للكينونة ، كإرادة راغبة باستمرار في ذاتها 13 ) وعن علاقة الكينونة بكينونة الإنسان ، قال هيديغر بأنها تحمل كل شيء alles tragt) ( وأنها ليست مسماة فقط ، في بداية الميتافيزيقا الغربية في العبارات الأساسية ، التي أعلن عنها بارمنيد وهيراقليط ، بل لأنها تشكل في ذاتها بداية Anfang) ( الفكر الغربي 14 . ومع ذلك ، فإن هيديغر لم يتساءل ـ ولو بشكل أقل تطفلا ـ أن اسما من أصل فارسي ، زرادشت ، افترضه نيتشه لرابط الإنسان بالوجود ، الذي يكون الخاصية ذاتها للبداية الإغريقية للغرب . ففي محاضرة بريم ، استعاد هيديغر بطريقة مؤكدة الفكرة ذاتها : إن زرادشت هو بطريقة معينة ارتباط Zusammengehoren) ( هذين الشيئين اللذين يرتبطان فيما بينهما ، العود الأبدي والإنسان الأعلى15 . ومع ذلك ، يضيف أن زرادشت ، يظل ـ من خلال وجهة النظر هذه ـ لغزا Ratsel) ( ، على الأقل مثل الإنسان يظل مدركا كما كان إلى حدود الوقت الراهن ، بمعنى كحيوان عقلاني . يكرس هذا اللغز نفسه ، بحسب هيديغر ، في مشهد حيوانات زرادشت ، النسر والثعبان ، حيث يثير الانتباه ، من الآن فصاعدا ، إلى أنهما هما من قالا ـ في استهلال هكذا تكلم زرادشت ، إلى زرادشت بأنه هو من يعلِّم العود الأبدي 16 . ففي الاستهلال ، قيل أنه بينما كانت الشمس في منتصف النهار ، كان ثمة نسر يحلق في الهواء ، يرسم دوائر كبيرة ، ثم إن ثعبانا كان ملتفا على عنقه وديا 17 ، وألمح هيديغر إلى أن تلك الدائرة وتلك الحلقة اللتان تندمج إحداهما في الأخرى Kreis und Ring ineinandergefugt) ( تميطان اللثام عن لغز رابطة الكينونة ، بهذا الكائن الحي الذي هو الإنسان 18 . على أنه في نفس الوقت ، يلمح هيديغر ، بشكل جلي جدا ، أنه في درس 1951 ـ 1952 ، ـ أنه مع فكر العود الأبدي للمطابق ـ لم يتمكن نيتشه من تجاوز الضغينة ، وحتى أنها تظل ضمن عقلية انتقام مروحنة ، إلى أقصى درجة hochst vergeistigter Geist der Rache) ( 19 ثم إنه توصل إلى الشكل الأقصى للضغينة في معارضته ديونيزوس بالمصلوب ، ديونيزوس ، حيث زرادشت يلقب الناطق بلسانه 20 . كما أنه يدقق في ملاحظة تمت إضافتها إلى المحاضرة : ” فأن يؤول بنفسه ويدرك فكره الأكثر غورا ، انطلاقا من الديونيزوسي ، ينزع فقط إلى البرهنة أنه يتوجب عليه ، مرة أخرى ، التفكير فيه ميتافيزيقيا ، وأنه ما كان يمكنه التفكير فيه بطريقة مغايرة 21 . ” لأن ديونيزوس ، هذا الإله الذي يولد باستمرار من نفس عمق انهياره الخاص ، يرمز إلى تقريظ وتأليه الحياة ، التي تفهم كإرادة قوة وتعني التقوية ، في التعظيم ذاته ، تحت اسم ديونيزوسي ، لتجربة حساسة أساسية جدا وعريضة جدا ، عن التعارض الميتافيزيقي للمحسوس والمفهوم . يظل المعنى الحقيقي الأكثر غورا لفكره مغلقا بالنسبة لنيتشه ذاته ، فكر العود الأبدي مثلما سيكون قابلا لتخليصنا من روح الثأر والتأويل الميتافيزيقي للوجود ، الذي لا يتعارض مع ” مرور ” الزمن ولن يقلل من قيمته إلا من أجل أن يؤكد نفسه بشكل أفضل ، باعتباره أسمى منه 22 ، واضعا الصيرورة تحت حمايته سابغا عليها خاصية الوجود ، كما قال ذلك نيتشه نفسه في الملاحظة الموسومة ب” خلاصة خفية 23 . ” ولدى نيتشه نفسه ، تظل خفية ، حقيقة أن صورة زرادشت هي أقل من صورة مبشر بعصر جديد ، من صورة اكتمال الحقبة الميتافيزيقية ، لأنه في ذلك يصبح مرئيا بشكل غامض ، ما يشكل بصيغة ما رحما لها . يلفت هيديغر جيدا الانتباه إلى حقيقة أنه في أي مكان في تاريخ الميتافيزيقا الغربية ، فإذا لم تكن في بدايتها تماما ، لدى بارميندس ، ” وهناك فقط بعبارات مقنَّعة ” ، ـ فإن الصورة الأساسية للمفكر الذي يمثل في مرحلة معينة هذا التاريخ ذاته ، لم تتحول كما هو الحال لدى نيتشه ” موضوعا ” لإبداع شعري أو حتى موضوعا للفكر 24 ، لكنه لم يتساءل ، بمزيد من التفاصيل ، حول العناصر التاريخية التي كانت بمثابة مواد لهذا ” الإبداع ” ، لا يزال هناك تفسير ” ملازم ” لصورة زرادشت دون الاهتمام بالغوص حتى محترف المفكر ـ الشاعر حيث شكِّلت هذه الصورة . ومع ذلك فإنه من المحتمل فهم السؤال الذي طرحه هيديغر ” من يكون زرادشت نيتشه ؟ ” بطريقة مغايرة ، ومن دون البقاء عند المستوى الوحيد لتفسير محايث ، للقصيدة الفلسفية هكذا تكلم زرادشت ، بل بالتساؤل أيضا حول تخلُّق تلك الصورة التي ينبغي ، على التو ، التذكير بأنها ليست خيالية بأي حال من الأحوال ، وأنها تحيل جيدا على شخصية تاريخية محددة . وبالفعل ، فإن هذا الاقتباس لصورته الأساسية للمفكر في التاريخ ، ولاسيما في تاريخ سحيق جدا ، التي تشكل ، ليس أقل من الدور الذي يسنده إليها نيتشه ، الخاصية الملغزة لزرادشته . ينبغي التأكيد هنا على الأهمية التي يعزوها دائما نيتشه إلى المعنى التاريخي والإحساس الذي كان لديه ، كفقيه لغة ، للعمق الذي يتعذر سبره للتاريخ . ألم يكتب ، في واقع الحال ، في إنساني مفرط في إنسانيته : ” إن عيب المعنى التاريخي هو الخطيئة الأصلية لكل الفلاسفة ؛ وحتى أنهم كثيرا ما يتخذون بغير علمهم الشكل الأكثر حداثة للإنسان ، كما تم حدوثه تحت تأثير أديان محددة ، وحتى أحداث سياسية محددة ، كالشكل الثابت حيث يتعين علينا المغادرة (…) سرا ـ خفية بيد أن كل شيء تطور ؛ لا وجود البتة لوقائع أبدية : كذلك فلا وجود لحقائق مطلقة . لهذا السبب فإن الفلسفة التاريخية هي من الآن فصاعدا تعتبر ضرورة ، das historische Philosophieren) ( ومعها فضيلة التواضع 25 . ” فعلى ضوء تلك التاريخية الأساسية للكينونة البشرية ينبغي كذلك فهم تعريفه للإنسان كحيوان لم يتم تحديده بعد : فلأن الوهم الفائق لهذه الفلسفة الأبدية Philosophia Perennis) ( التي هي الميتافيزيقا للاعتقاد بشكل أبدي للإنسان وببشرية تتوفر على غرائز تظل متطابقة عبر الزمن ، في حين أنه على النقيض أن التفلسف التاريخي لا ينغلق في عالم الجواهر الثابتة ، لكنه يكرس نفسه لمهمة ” وراثية ” بالمعنى الصحيح للكلمة ، حيث يظل كتاب جنيالوجيا الأخلاق خير مثال على ذلك . فضمن هذا المنظور يبدو من الضروري أن يأخذ مكانه بجرأة ، في العرض التاريخي للوقائع في ” إبداعات ” فكر نيتشه . إن سؤال ” من هو زرادشت نيتشه ؟ ” يغير من ذلك الحين فصاعدا من معناه : يتعلق الأمر بالتساؤل في الوقت الراهن ، حول علاقة الصورة النيتشوية بالشخصية التاريخية ، التي تحمل نفس الاسم ، هذا الفارسي الذي يتم موضعة وجوده على وجه التقريب بين القرن X II و VI قبل ميلاد السيد المسيح ؛ ومن المعروف ، على الأقل ، أنه كان أول مؤسس لديانة جديدة . والحق يُقال ، فإن سؤال اسم زرادشت قلما طُرح بإصرار من قبل مترجمي الفكر النيتشوي ، جد سعيد أن يرى فيه اقتباسا متعسفا لقصة غير معروفة ، ومقتنعا جدا بالمرح الشعري لنيتشه ، الذي قام بشكل مرح بمزج القليل من القصة إلى كثير من الابتكار الحر . من بين الشراح ، تتتساءل قلة بجلاء حول أصل اسم زرادشت . على خلاف ذلك ، فإن كتاب السِّير ، عبر الخاصية التكوينية بالضبط لتحقيقهم ، قاموا على الأقل بدراسة المسألة : لاحظ أندلر Andler) ( جيدا ، في الجزء الثالث من كتابه المدهش نيتشه ، حياته وفكره ، الاقتباسات التي أخذها من الأسطورة الإيرانية ، على أنه للإضافة على التو : ” لا نبالغ فيما يمكن أن يكون هنا طابعا محليا . لم يستفض نيتشه في دراسة الشرق الإيراني 26 . ” ومع ذلك فهو أول من يشدد على تأثير كتاب فريدريش كروزر Friedrich Creuzer) ( على نيتشه ، والذي ظهر في 1810 ـ 1812 : رمزية ميثولوجيا قدماء الشعوب وخصوصا الإغريق ، لكن ما قرأه نيتشه في طبعة 1836 ( الطبعة الثالثة ) منذ السنوات الأولى من إقامته ببال : كما لاحظ أندلر ذلك بانسجام ، ما لاحظه جدا كروزر ، لا بد من إدراك يونان مجاورة للشرق القديم 27 . بدوره قَبل نيتشه بهذه الفكرة ، وهو ما تؤكده فقرة من كتاب نشأة الفلسفة في العصر التراجيدي الإغريقي : ” لا شيء أكثر عبثا من إسناد ثقافة محلية لليونانيين ؛ على خلاف ذلك فهم قارنوا الثقافة الحية لكل الشعوب الأخرى ، وإذا كانوا قد ذهبوا بعيدا ، فلأنهم كانوا يعرفون كيفية التقاط الرمح من أجل رميه بعيدا ، في حين أن شعبا آخر أبقى عليه ساكنا بدون حركة 28 . ” غير بعيد عنا ، طرح جورج موريل Georges Morel) ( في كتابه نيتشه ، مدخل إلى قراءة أولية ، مسألة اسم زرادشت وتساءل جيدا ” لماذا الفرس ولماذا زرادشت ؟ ” لكنه لم يقدم إجابة عن ذلك إلا باستدعاء إرادة مزعومة لنيتشه ب”تضليل المنحطين الحديثين ، بمنعهم من الاعتقاد بأنهم سيفهمون على وجه السرعة ، بالإيحاء إليهم بأن مذهبا مشابها لن يُعاش حقيقة ويُفهم إلا في ظل أزمنة متباعدة 29 “ولا يتردد في التأكيد ” أنه بين زروواستر Zoroastre) ( القديم وزرادشت النيتشوي ، لا وجود لرابط سلالي ” مع الاعتراف على الرغم من ذلك أن زرادشت نيتشه هو ” نقيضة البطل الفارسي 30 ” . يتوجب انتظار ترجمة كورث بول جانز Curt Paul Janz) ( من أجل العثور على بحث جد متقدم للمصادر الممكنة لزرادشت 31 ، ومن بينها ، [مصدر] كتاب كروزر . ومن المعلوم أن نيتشه اقتناه عام 1875 ، على أنه قام سابقا باستعارته من مكتبة بال سنة 1871 ، زمن اشتغاله بكتابة نشأة التراجيديا الإغريقية . وبالفعل فقد قام أثناء فصل خريف 1975 ـ 1976 بإلقاء درس حول ” العصور القديمة للعبادة الدينية عند الإغريق ” ، وهو الدرس الذي قام بمواصلته سنة 1877 ـ 1878 ، حيث أن الأجزاء الأربعة من كتاب الرمزية تتضمن قاعدة توثيقية مهمة ؛ وفيها يتم العثور على عرض تمت المساهمة به لصالح الديانة الآرية 33 ، بمعنى حول كتب الفرس الدينية Zend- Avesta) ( كتاب الزرادشتيين المقدس ، الذي لا يجهل نيتشه له أصلا 34 . فأن يكون نيتشه غير جاهل بالزرادشتية وهو ما يرغب كل من أندلر وموريل بإقناعنا به ، فإن عددا من ملاحظات عمل ما بعد الوفاة تنزع إلى إثبات ذلك ، والتي سوف يحيل عليها بدقة كبيرة فيما بعد . يتعلق الأمر بكل بساطة ، في الوقت الراهن ، بالإشارة إلى المعلومات التي تمكن نيتشه من العثور عليها في فصل كروزر الذي يستند إلى ” الديانة الآرية ” ، بمعنى ، كما يشير إلى ذلك العنوان الفرعي ، حول المذهب والعبادة البخترية bactrien) ( ، الميدية mède) ( والفارسية . بعد الإشارة إلى المصادر الإغريقية ( هيرودوت ، غزينوفون Xénophon) ( ، إلخ . ) والحديثة ، حيث يعتبر الفرنسي أنكوتيل دي بيرون Anquetil du Peron) ، من القرن VIII X الثامن عشر أول من قام بترجمة الأبستاق (الأفيستا ) سنة 1771، حيث يتم العثور على عرض للعقيدة المقدمة في شكل ثنائية ، لمبدأين متعارضين ، النور والظلمة ، ممثلة في روحين ، هرمز وأهرمان ، الخير والشر ، وبالرغم من ذلك يتم التخفيف من الثنائية عبر مصدرهما انطلاقا من مبدإ مشترك ، زرفان zervan) ( ، الزمن اللانهائي . إن الرسول الذي يعلِّم هذه العقيدة والذي يُقال عنه أنه عاش في القرن VI هو زورواسترا ، في اسمه الإغريقي ، لكن زيرادوشت Zeraduscht) ( أو زرادوستروZereoschtro) ( في اللغة الفارسية . تشير الفقرة الخامسة من هذا الفصل الموسوم ب” دراسة الشياطين ، نشكونية وأخرويات ” الانتباه حول نسق الأرواح الثانوية التي تساهم في الحرب التي تدور رحاها بين أهرمان وأهور مازدا ، حول خلق العالم بواسطة أهور مازدا ، حول إصدار الحكم على الأرواح التي تنتظر إما البعث ، وإما جحيما مثلَّجا ، ولاسيما حول القيامة النهائية للعالم ، للأجسام كما الأرواح ، تعقب انتصار أهور مازدا على أهرمان ، النور على الظلمة . يتم الإلحاح مرة أخرى على الخاصية الأخلاقية للديانة الزرادشتية التي تستوجب أن مقاومة الشر ومن أجل الصفاء ، ينبغي أن تُدار باستمرار ، حول الطقس الذي يرتكز على الصلاة وليس على التضحية ، حول خدمة النار التي يرى فيها الزرادشتيون رمزا لأهور مازدا ، وحول تنظيم وأهمية الطبقة الكهنوتية 35 . مما لا ريب فيه أن التقديم الذي خص به كروزر الديانة الزرادشتية يظل أكثر تبسيطا ثم إنه ـ جزئيا يعتبر مضللا كما أن الأعمال اللاحقة ، الألمانية والفرنسية على الخصوص ، تكوِّن عنه صورة دقيقة جدا . يعتبر تقديم كروزر غير دقيق للغاية ، حول نقطة ذات أهمية بشكل خاص : لا يمكن خلط الزرادشتية إطلاقا بثنائية ، تشكل تطورا لاحقا ، وهو [ تطور] الهرطقة المانوية ، التي تتضمن عناصر ذات مصادر مختلفة ، على أن الأمر يتعلق في واقع الحال ، كما يذهب الزرادشتيون إلى إسناد ذلك بشدة ، بوحدانية أصلية ، مبدإ الشر الذي يمتلك وضعا أونطولوجيا أدنى من الوضع الأنطولوجي للخير . ومع ذلك فإن عرض كروزر تم تقديمه مفصلا بالقدر الكافي ، كي يكون من الممكن خلق صورة ، ملموسة جدا ، لهذه الديانة ، التي ينبغي التأكيد على أنها مورست بشكل متواصل من قبل عدد قليل من المؤمنين ، في العصور القديمة حتى أيامنا هذه ، وأن هؤلاء المؤمنين توجب عليهم ، في فترة الاجتياح الإسلامي لإيران في القرن السابع VII ، بانسحاب البعض منهم إلى الهضاب العليا لإيران وعيش حياة من التقية أقرب إلى مرانيي Marranes) ( إسبانيا ، أو بالهجرة إلى الجزء الغربي من الهند والبقاء على هامش نظام الطوائف الاجتماعية ، مشكلين أقلية يشار إليها باسم بارزيس Parsis) ( ، الذي يحيل على إقليم منشإهم ، فارس الإيراني . إن نيتشه الذي يستحضر خلال مناسبتين اسم البارزيس في مخطوطاته 36 ، لم يكن يجهل ذلك البتة ، ليس أكثر من ذلك غالبية الألمان المثقفين لنفس الفترة 37 . لأنه يوجد في حوزتنا عدد معين من النصوص لنيتشه تبرهن على أن معرفته بتلك الديانة الشرقية ، لرسولها والشعب الذي يمارسها لم تكن معرفة ناقصة جدا . لا تكمن المسألة هنا من أن نجعل من ذلك إحصاء تاما ( الشيء الذي يصبح ممكنا تماما ) ، بل بتقديم فقط مثال أو مثالين دالين . أولا ، هذه الشذرة التي تعود إلى ربيع 1884 والقائلة : ” إني ملزم بتكريم زرادشت ، فارسي : الفرس هم أول من أدرك gedacht) ( التاريخ في مجموعه . سلسلة من التطورات كل واحدة منها يرأسها رسول . لكل رسول هازاره ( hazar ( ، سلطان من ألفي سنة 38 . ” يتم لفت الانتباه ، في هذه الشذرة ، إلى خصوصية بلاد فارس التي تعتبر هي الأولى في التفكير في التاريخ والتطور ، بمعنى إظهار الأفق الغائي لزمن خطي وموجه وليس دائريا . إن ابتكار الأخرويات هذا يسير جنبا إلى جنب مع ابتكار الأخلاق ، فهي الأخرى ترتبط بشكل ضيق مع فكرة العقاب والجزاء . ينبغي التعرف خاصة ، إلى ما يشير إليه كروزر 39 ، أن عبارة جنة ، paradeisos) ( باللغة اليونانية ، و pardes) ( بالعبرية ، مشتقة من الفارسية pairi- daeza) ( التي تفيد أرضا مسوَّرة والتي تعني بستانا ، متنزها محاطا بالحواجز . لا بد من الإشارة إلى كل الفقرات في شذرات ما بعد الممات ، أيضا في هكذا تكلم زرادشت ، حيث تم تقديم هذا الأخير مثل مُصلح ، مخرب ألواح القيم القديمة والباعث لألواح جديدة 40 : وبالفعل فإن زرادشت ال” حقيقي ” ليس هو المؤسس لدين جديد بقدرما هو مصلح للشرك إلى الوحدانية . وهو السبب الذي يجعل في المزدكية أن كل الآلهة القديمة تعتبر ، من الآن فصاعدا ، بوصفها شياطين ، يتم إبطال الأضحيات تماما لصالح صلاة كرابطة وحيدة مع الله ، والنظام الكوني تتم مماهاته بنظام أخلاقي . بيد أن النص الأكثر جلاء إلى حد بعيد لنيتشه حول زرادشت الفارسي هو الذي نعثر عليه في هذا هو الإنسان ، وفيه يلاحظ نيتشه ، بدقة كبيرة ، ” لم يُسأل عن ذلك ـ على أنه كان ينبغي مطالبته بذلك ـ ماذا يعني في فمه ، في فم اللاأخلاقي الأول ، اسم زرادشت 42 ” . ومع ذلك فإن ثمة إشارة جلية في القصيدة ذاتها للأصل الفارسي لزرادشت : في الفصل ” ألف هدف وهدف ” من الكتاب الأول ، فقد حمل نيتشه زرادشت على القول : ” قول الحقيقة والتعامل جدا مع القوس والسهام ” ـ كان ذلك يبدو مكلِّفا ، وعسيرا في نفس الوقت ، على الشعب الذي ينحدر منه اسمي ـ هذا الاسم الذي هو غالٍ بالنسبة إلي وصعب في ذات الآن 43 . ” باعتباره فقيه لغة ، فقد قام نيتشه فعلا بقراءة هيرودوت وكسينوفان ، كما يشير إلى ذلك في هذا هو الإنسان ، بأن الفضيلة الفارسية تكمن في قول الحقيقة والرمي بالسهام جيدا . وفي الواقع فإن تلك القدرة على إصابة الهدف الذي ، يتم نشدانه وعشق الحقيقة ، اللذان سوف يميزان أكثر بكثير من الأخلاق ، الخاصية العميقة لزرادشت . إن التعارض البين بين هذا الأخلاقي الأول ، هذا المبتكر للأخلاق الميتافيزيقية الذي هو زرادشت ، وهذا اللاأخلاقي الأول ، هذا المقوض للأخلاق الميتافيزيقية ، الذي هو نيتشه ، يمكن أن يتلاشى من ذلك الحين فصاعدا . على أنه سيتوجب عليه أولا الإدهاش وإثارة السؤال : كيف يمكن [التعارض] فعلا تفسير أن الناطق بلسان المقوض لهيمنة أكثر من ألفي عام لأخلاق يستعير بالضبط اسم ومميزات من ابتكرها ؟ لأن نيتشه شدد على ذلك ، أن ما يشكل الخاصية الوحيدة الضخمة die ungeheure Einzigkeit) ( لهذا الفارسي في التاريخ ، هو تحديدا ابتكاره للأخلاق . وبالفعل فإن ما يميز بطريقة فريدة زرادشت التاريخي ، هو التبسيط المفرط ، الذي كان قادرا على إنجازه ، انطلاقا من التعدد الاستثنائي ، الذي تم اختزاله إلى تجريد المبدأين المتعارضين للخير والشر . وقد فهم هيغل في السابق ، في كتاب فينومينولوجيا الروح ، ديانة الفرس ، كأول وأبسط صورة للدين الطبيعي حيث ” أن مظهر الروح يتصل ببساطة مع ذاته ” هو ” مظهر غياب المظهر ” وحيث يتجلى المطلق و ” مثل نور الشرق الذي يتضمن ويملأ الكل ويحفظ داخل جوهره بدوره شكل ” والذي [النور] يتعارض معه ” السلبي ليس الأقل بساطة ، الظلمات 44 ” . على أن زرادشت هو بالضبط ، بالنسبة لنيتشه ، أول من أدرك في أنه في الصراع بين الخير والشر ” العجلة المحركة الحقيقية لجريان الأشياء ” ، بمعنى التمكن من تمييز النظام الأخلاقي والنظام الكوني ، أو التمكن من إنجاز انتقال die Ubersetzung) ( الأخلاق إلى ميتافيزيقا وبهذه الترجمة يكمن عمله ، الذي يجعل من الأخلاق قوة ، سببا ، غاية في ذاتها ، مبدأ ميتافيزيقيا للكينونة . لكن نيتشه يضيف ، ” سوف يصبح ذلك السؤال [ سؤال التعارض بين الأخلاق في الأول زرادشت واللاأخلاقي الأول ، بمعنى نيتشه نفسه الذي سيصبح زرادشت بشكل مفارق لسان حاله ] في العمق هو الجواب ” . لأنه بالتحديد مبتكر ذلك الخطإ ” الكارثي ” الذي هو الأخلاق وهو أول من يتوجب عليه الاعتراف بها [الأخلاق] مثل خطإ . ويتذرع نيتشه بسببين لذلك . أولا التجربة الأوسع والأطول ، من تجربة أي مفكر آخر التي هي تجربة مبتكر الأخلاق ؛ لأن ما تعلمه التجربة ، هو رفض النظام الأخلاقي الكوني المزعوم ، هو البطلان الجذري ، للنقل الذي أنجزه زرادشت من الميتافيزيقي إلى الأخلاقي ، لا تكون الحياة ممكنة إلا حينما يكون الفسق هو المنتصر وليس الأخلاق ، التي يرى فيها نيتشه قوة للموت . على أنه كذلك ، والأكثر أهمية ، لأنه في أخلاقيته ذاتها ، يعتبر زرادشت الأكثر إخلاصا wahrhaftig) ( من كل المفكرين . لأن الفضيلة السامية لأخلاقه ، هي الصدق ، الWahrhaftigkeit) ( ، بمعنى رفض الكذب المسكِّن و ” جبن المثالي الذي يفر أمام الواقع ” . بإلحاحه على ” الشجاعة الفطرية ” Tapferkeit im Leib) ( لزرادشت الذي يضعه في مرتبة عليا من كل المفكرين الآخرين ، يستحضر نيتشه ، مرة أخرى ، الفضيلة الفارسية التي تكمن في الصدع بالحقيقة ورمي السهام بشكل جيد ، والصورة الفارسية المحض لرامي السهام التي تصيب الهدف بدقة والتي ترمز في ذاتها إلى حركة Selbstuberwindung) ( التي هي حركة الحياة ذاتها التي حملها نيتشه على القول بالضبط في هكذا تكلم زرادشت : ” أنا من ينبغي عليه دائما تجاوز ذاته ” ich bin das, was sich immer selbst uberwinden mus) ( 45 بالضبط كما لاحظ ذلك غرانييه Granier) ( جيدا ، محيلا حقيقة على الغاية skopos) ( الرواقية أكثر من الفضيلة الفارسية ، ” يرمز مجموع حركات رامي السهام على ال ( Selbstuberwindung) 46 ” . لأنه بالنسبة لإرادة القوة ، كل هذف يكون نسبيا ، كما تكون الغاية skopos) ( ، بما أنها تكون رغبة أقل في شيء ما أكثر من رغبة في الرغبة ، Begierde nach Begehren) ( ، كما يقول نيتشه في ” نشيد الليل ” من الجزء الثالث من هكذا تكلم زرادشت . يبدو أنه بالإمكان الإجابة بشكل إيجابي على السؤال الذي يطرحه نيتشه في نهاية الفصل الأخير الذي يحمل عنوان ” لم أنا قدر” والذي يركز على اسم زرادشت . ” هل فُهمت ؟ ” تساءل . ثم يفسر : تتجاوز الأخلاق ذاتها من أجل الحقيقة die Selbstuberwindung der Moral aus Wahrhaftigkeit) ( ، يتجاوز الأخلاقي ذاته في نقيضه ـ فهذا ما يعنيه بداخلي اسم زرادشت 47 . ” بدلا من أن نرى في هذا النص ـ كما يشير موريل إلى ذلك تسويغا متأخرا لاسم زرادشت ، كما لو أن ” المؤلف كان يستغل معدنا اكتشف على وجه الصدفة 48 ” ، ينبغي ، خلافا لذلك ، أن يؤخذ ذلك التغلب على الذات كليا ، على محمل الجد ، إلى نقيضه من الأخلاقي ، إلى اللاأخلاقي ، الذي يحدد ، في الوقت المناسب ، الخاصية الانتقالية لزرادشت ، الذي يظل حينئذ في فقرة Ubergang) ( بين الإنسان التقليدي أو الإنسان الأخير ( الإنسان الأخلاقي ) والإنسان المتحقق ، الذي توصل بالصدفة إلى حقيقته أو الإنسان الأعلى . زد على ذلك ، أن ذلك الانتقال ، باعتباره انتقالا من شيء إلى نقيضه ، هيئة ” جدلية ” ، ما يؤكد حقيقة أن نيتشه سوف يسعى إلى أن يستعمل، في نصوص أخرى ، معجم هيغل نفسه ويتكلم عن Selbstaufhebung) ( بدلا من Selbstuberwindung) ( . هذا هو الحال على سبيل المثال في الشذرة الرابعة من كتاب فجر ، حيث يكتب نيتشه : ” فينا يبلغ كماله ـ إن شئتم التعبير عن ذلك بصيغة ، التجاوز الذاتي للأخلاق die Selbstaufhebung der Moral) ( 49 . ” على أنه كيف يمكن تقديم تفسير لهذا التجاوز الذاتي للأخلاق ؟ أن تكون أخلاقيا يقود إلى غرس الحقيقة ، مثلما يبرهن على ذلك نموذج الفرس ، حيث تعرف الكينونة انطلاقا من رؤيتهم الأخلاقية للعالم . وهو ما يشير إليه نيتشه في شذرة يعود تاريخها إلى سنة 1887 : ” من بين الملكات التي تغرسها الأخلاق ، يوجد الصدق Wahrhaftigkeit) ( ؛ ينتهي به المطاف بأن يجد نفسه ضد الأخلاق ، عبر اكتشاف الغائية ، إن الاعتبارات المهتمة ، والآن ، اكتشاف تلك الكذبة المتأصلة الطويلة ، حيث يتم قطع الأمل بخصوص التخلص من ذلك ، يؤثر على شكل محرض 50 . ” وهكذا ، فإن النقد الذاتي للأخلاق يعتبر ظاهرة متحدرة من الأخلاقية . ثم إن نيتشه سوف يقول في الشذرة 357 من العلم المرح نفس الشيء عن المسيحية : ” يلاحظ أن الذي انتصر على الإله المسيحي ، هو الأخلاق المسيحية ذاتها ، فكرة الصق Wahrhaftikeit) ( التي تفهم بطريقة مطلقة ، إنها حدة ذهن الوعي المسيحي التي يتم شحذها ونقلهاubersetzt) ( بواسطة كرسي الاعتراف ، يتم تصعيدها sublimiert) ( أخيرا إلى وعي علمي ، إلى استقامة فكرة بأي ثمن 51 . ” يستجيب نوع من الترجمة المضادة أو تصعيد الأخلاق إلى لا خلقية و كفر ، لفائدة نقل للأخلاق إلى ميتافيزيقا تكوِّن الرؤية الأخلاقية للعالم التي يشيدها زرادشت التاريخي ـ هذا الكفر الذي يجسده زرادشت نيتشه ، الذي يدرك ” أن الإله قد مات ” ـ على الأقل الإله الأخلاقي ـ والذي ، كما يلفت نيتشه الانتباه إلى ذلك ، لن يؤمن إلا بإله يحسن معرفة الرقص 52 ، إله ديونيزوسي يتطابق مع إيقاع الزمن ذاته . تعتبر العدمية إذن نتيجة لصدق بلغ سن البلوغ ، وهي ذاتها ناجمة عن الإيمان بالأخلاق . على أنه من نتائج تلك العدمية ، تمزق لا يطاق ، بين النزاهة التي تقتضيها ، والاعتقادات القديمة ، التي كانت ترتكز عليها الحياة . وهكذا فإن المفكر يعتبر في الوقت الراهن مكان التمزق ذاته ، كما اعترف نيتشه بذلك في الشذرة 110 من العلم المرح 53 ، ولاسيما مفكر الفقرة الذي هو زرادشت ، الذي ” يعتبر ” في الوضع نفسه لSelbstuberwindung) . على أن قول ذلك ، هو فهم طبيعته الديونيزوسية بعمق ، بما أن ديونيزوس نيتشه ، يعني ، بالنسبة للإغريق ، إثبات الحياة في تمامها ، دون اقتطاع أي شيء منها ، وخاصة من دون حذف الألم منها . وبالفعل ، فإن زرادشت هو من ـ معلما للعود الأبدي ـ متصديا للفكر الأكثر غورا ، وقد توصل إلى عدم إيجاد فيه [الفكر] أي حجة ضد الوجود ، بمعنى إثبات كل ما تتضمنه الحياة الأكثر رعبا ، كما تؤكد ذلك شذرة بتاريخ 1888 ، تحت عنوان ” النموذجان : ديونيزوس والمصلوب ” ، وفيها يعرِّف نيتشه النموذج الديونيزوسي كذلك ” الذي يبتلع بداخله ويسترد التناقضات والتباسات الحياة 54 ” . من هذا المنطلق ، صار بالإمكان فهم تعارض ديونيزوس والمصلوب ، ومن خلال هذه القولة في هذا هو الإنسان : ديونيزوس ضد المصلوب ، Dionysos gegen den Gekreuzte,le gegen ) ( تمتلك أيضا معنى جوار ضيق 55 . هذا الجوار ، هو جوار عمق المعاناة المقتسمة ، في حين أن المعنى الذي مُنحت إياه يعتبر من كلا الجانبين مختلفا . ففي حالة ديونيزوس ، إنها الحياة ذاتها في فيضها الأزلي ، وعودها الأبدي الذي هو سبب المعاناة والتدمير . وفي حالة المصلوب ، إنها المعاناة التي تقدم شهادة ضد الحياة وتدينها . إن إثبات الخاصية الديونيزوسية لزرادشت لا يعني أبدا رؤيته من خلال ضوء ميتافيزيقي لا يزال ، كما يرغب في ذلك هيديغر ، بل على العكس من ذلك ، فهمه كالذي ينجز ذلك Selbstverwindung der Metaphysik) ( ، ذلك الشفاء الذاتي من الميتافيزيقا الذي سيزعم هيديغر أنه هو المبشر الحقيقي به . إن شخصية زرادشت ، زرادشت نيتشه بإمكانها إذن ، بسبب خاصيتها الانتقالية ، أن تبدو ميتافيزيقية في الوقت نفسه وكخارج ميتافيزيقية ، ومما لا شك فيه ألا يعتبر الأمر ممكنا الخروج من هذا الأمر ” المعقد جدا ” الذي يجسد اسم زرادشت نفسه في فم نيتشه . لابد ، من أجل وضع خلاصة لهذا البحث الوجيز والجزئي جدا حول اسم زرادشت ، لفت الانتباه إلى الحدة القصوى للمعنى التاريخي لنيتشه ، الذي ، في قلب القرن السادس الذي شهد نشوء الرؤية الأخلاقية والميتافيزيقية للعالم ، في الشرق كما في الغرب ، ـ بمعيته أولئك الشبه معاصرين الذين هم غوتاما Gautama) ( المسمى بوذا ومهافيرا Mahavira) ( الذي طور الديانة الجانية Jain) ( بالهند ، ما قبل السقراطيين بارمنيد ، هيراقليط ولاسيما أومبيدوكل ، الأقرب إلى زرادشت مثلما يدركه نيتشه ، وأخيرا ، أنبياء إسرائيل هم أيضا ، عبر جوارهم الضيق مع الزرادشتيين ، كانوا مبتكرين لأخرويات غير المعروفة من قبل اليهودية السابقة على المنفى 56 ـ لا ريب أنها امتلكت اختبار الصورة الأكثر قدما ، بالتأكيد الأقوى والأكثر تضادا من هذا العصر الجديد للعالم ، العصر الأخلاقي ، حيث لا زلنا من ورثته في الوقت الراهن وربما آخر ممثليه الهوامش فرانسواز داستور Françoise Dastur) ( . ولدت عام 1942 بمدينة ليون . درست بجامعة باريس ( السوربون ) من 1969 إلى 1995 ، وبجامعة باريس II Créteil)X ( من 1995 إلى 1999 وبجامعة نيس صوفياـ أنتيبوليس من 1999 إلى 2003 . أستاذ فخري بجامعة نيس صوفيا ـ أنتيبوليس ، ملحقة بأرشيفات هوسرل لباريس ( المدرسة العليا للأساتذة ) . يرتكز عملها ، بصفة خاصة ، على الفينومينولوجيا الألمانية والفرنسية ، و Daseinsanalyse) ( وتأويل هولدرلين . أصدرت فرانسواز داستور العديد من الأعمال والمقالات ، بصفة خاصة ، حول إدموند هوسرل ، مارتن هيديغر ، موريس ميرلو ـ بونتي ، جاك دريدا ، بول ريكور ، هانز جورج غادامر . مصدر النص : سلسلة دفاتر ليرنا) L’Herne ( تحت إدارة كونستانتان تاكو Constantin Tacou) (؛ وقام مارك كريبون Marc Crépon) ( بالإشراف على هذا الدفتر الذي خصص لفريدريك نيتشه . دور نشر ليرنا 2000 الصفحات : من 393 إلى 402 . 1 يشكل هذا النص ترجمة منقحة لمحاضرة أُلقيت بتاريخ 11 فبراير 1994 بجامعة نيس . 2 مارتن هيديغر ، ماذا يعني التفكير ؟ بوف PUF، 1959 ، ص : 48 . 3 نفس المرجع . ، ص : 105 . 4 نفسه . ، ص : 106 . 6 نفسه . ، ص : 55 . 7 هذا الظل الذي لا يمكنه أن يحب نفسه بعد الآن ، هو وهن زرادشت ، الذي فقد كل الأهداف ولم يعد يعرف إلا أبدية ما لا طائل تحته . على أنه ينبغي التفكير هنا في الكتاب الذي استعمل كملحق لإنساني مفرط في إنسانيته ، تحت عنوان المسافر وظله . ينفتح هذا النص على حوار بين المسافر وظله ، وفيه يتم تقديم هذا الأخير ليس كمنافس للنور ، بل كمن عمل على العكس على إبرازه من جديد . الظل هو ” ازدواج ” الذات التي بالنسبة إليها الصديق ، كما كُتب في هكذا تكلم زرادشت ، هي على الدوام تعتبر ثالثا ، ثم إنه يمثل تلك المسافة الضرورية للذات بالنسبة لذات المعتزل حيث الأفكار لا تنتمي إليه ، بل تأتي بالأحرى إلى ملاقاته . 8 نفس المرجع . ، ص : 56 . اُنظر أيضا الصفحة 55 : ” يجسد نيتشه من أجل البداية في صورة زرادشت تلك الطريقة في الوجود ، المدركة من قبله ، للإنسان الذي يتفوق على ذاته . ” 9 نفس المرجع . ، ص : 80 . 10 نفسه . ، ص : 81 . نلفت الانتباه إلى أن الجزء الرابع من هكذا تكلم زرادشت تم تأليفه بين خريف 84 وفبراير 85 ، الجزء الثالث بتاريخ يناير 84 ، الجزء الثاني يوليوز 83 ، والجزء الأول عام 1883 . 11 نفسه . ، ص : 79 . 12 نفسه . ، ص : 81 . 13 نفسه . ، ص : 80 و81 . 14 نفسه . 15 مارتن هيديغر ، دراسات ومحاضرات ، غاليمار ، 1958 ، ص : 143 . 16 نفس المرجع . ، ص : 120 . 17 نفسه . ، ص : 120 و 138 . 18 نفسه . ، ص : 145 . 19 نفسه . ، ص : 140 . 20 نفسه . ، ص : 143 . 21 نفسه . ، ص : 147 . 22 دراسات ومحاضرات ، مرجع سبق ذكره . ، ص : 131 . 23 نفسه . ، ص : 140 . 24 نفسه . ، ص : 143 . 25 إنساني ، مفرط في إنسانيته ، الفصل الثاني ، دونويل ـ غونتييه ، 1978 ، ص : 19 . 26 شارل أندلر ، نيتشه ، حياته وفكره ، الجزء III ، غاليمار ، 1958 ، ص : 249 . يشير أندلر في ملاحظة أنه ” ينبغي القبول بأن نيتشه يعرف من خلال تجربته الخاصة آدابا قديمة غالبية النصوص الإغريقية اللاتينية حول زرادشت ” . من الصعب ، فعلا ، تخيل أن نيتشه ، باعتباره فقيه لغة جيدا ، كان جاهلا بنصوص هيرودوت ، كزينوفان ، بلوتارخ وبلينوس Pline) ( ( الذي يروي على نحو خاص أن زرادشت ضحك عند ولادته ) والتي ضمنها ظهر هذا الاسم . 27 نفس المرجع . ، الجزء II ، ص : 197 . 28 نشأة الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي ، غاليمار ، 1938 ، ص : 27 . 29 جورج موريل ، نيتشه ، مدخل إلى قراءة أولى ، أوبييه ، 1985 ، ص : 135 . 30 نفس المرجع . ص : 137 . 31 ضمن مجلد الشروحات الذي إضافة كل من (Giorgio Colli et Mazzino Montinari) جورجيو كوللي ومازينو مونتناري إلى طبعتهما النقدية في 15 مجلدا من أعمال نيتشه ، فقد أحالا على صفحة كتاب مقالات إيميرسون ، وفيها تم استحضار صورة زرادشت وقد أشار نيتشه ودوَّن ملاحظات بخصوصها في نسخته الشخصية cf. F . Nietzsche , Kristische Studienausgabe, DTV/ de Gruyter , Berlin / New York, 1988 , volume , 13 , p. 280 , noté par la suite KSA ). من المعلوم أن نيتشه قام منذ شبابه بقراءة إميرسون Emerson) (، وأنه لم يسبق له أن سافر من دون كتاب مقالات ، وقد تم ذكر اسم زرادشت لأول مرة في فترة المعرفة المرحة ، في الشذرة (342 ) ، فقد صرح بأنـ(ـه) لم يسبق له أبدا الشعور بالارتياح ، كما أشعر بذلك في بيتي أثناء قراءة كتاب ” . وبالفعل فإن تأثير إميرسون على نيتشه لا يمكن تجاهله ومن المحتمل جدا ، كما يصور ناشرو كتاب Kritische Augabe) ( ، أن تلك الفقرة من مقالات تشكل المصدر الأول وفيها استعار نيتشه اسم زرادشت . 32 C. P. Janz, Nietzsche , Biographie, tome III, Gallimard , 1985, p ; 497 . 33 نلفت الانتباه إلى أن عبارة airya ( iranien) الإيرانية و arya sanscrit) السنسكريتية هي الاسم الذي كان تُعطيه القبائل الهندوإيرانية لنفسها . 34 ثمة شذرة 342 من المعرفة المرحة ، والتي ظهرت لأول مرة تحت عنوان ” ظهيرة وأبدية ” اسم زرادشت ، يشير هذا الأخير كمؤلف الأفستا . راجع KSA 9 , p. 519 . 35 وفيه يتم العثور على الخصوص على إشارة ـ الشيء الذي لا يخلو من فائدة بالنسبة لمؤلف هذه السطور ـ لتقسيم هذه الأخيرة إلى طبقات ، طبقة الإيربادات Herbededs) ( أو التلاميذ ، طبقة الموبيدات Mobeds) ( أو المعلمين ، وطبقة الدستور ـ موبيد ، أو المعلمون المكتملون . 36 راجع . KsA 7 ( شذرات ما بعد الممات لسنوات 1869 ـ 1874 ، ص : 106 . يتعلق الأمر بشذرتين لشهر شتنبر 1870 ـ يناير 1871 حيث تمت الإشارة إلى أن الفرس هم الشرقيون الوحيدون الذين لا يدخنون إجلالا للنار ، وهذا صحيح ، بالإضافة إلى اقتباس لا يحمل اسم مؤلفه الذي يفسر أن المجوسي يؤمن بإله يصلي من أجله ، ثم إن أخلاقه تكمن في التقيد بنقاء الأقوال ، الأفعال ، الأفكار ، كما أنه يؤمن بالقصاص من الشر ، بجزاء الخير ثم إنه ينتظر العفو الإلهي مغفرة الخطايا ، كل الأشياء العادلة ماعدا الأخيرة ، مقولة الخطيئة لم تكن في الواقع موجودة في هذه الديانة . 37 نشير بأنه سبق لكانط الإشارة إلى وجود المجوس بالهند في مقالة حول مختلف الأعراق البشرية دون الإحساس بالحاجة إلى تقديم المزيد من التفسيرات بهذا الخصوص ( راجع : كانط ، فلسفة التاريخ ، أوبييه مونتاني ، ص : 52 ، ملاحظة 1) . 38 إرادة القوة ، غاليمار ، 1947 ، جزء II ، شذرة 267 ؛ (KSA 11 ,p. 53 ) . 39 مرجع سبق ذكره . ، ص : 213 . 40 شذرة ما بعد الممات تحت عنوان ” خلاصة ” تنتهي على المعترضة التالية : ” N.B زرادشت ، عاملا على قلب كل القيم القديمة ، من خلال تبذير داخلي . ” اُنظر : إرادة القوة ، مرجع سبق ذكره . ، ص : 252 . 41 المزدكية هو الاسم المعتاد الذي يشار من خلاله إلى ديانة إيران القديمة . تصدر هذه العبارة عن إلهها الوحيد ، أهورا مازدا ، ( باللغة الفهلوية أورموزدا أو أوهورمازدا ) ، الإله الحكيم . 42 المعرفة المرحة ، غاليمار ، 1974 ، ص : 144 . 43 في الفترة التي ألف فيها الكتاب الأول من زرادشت ، كتب نيتشه في رسالته بتاريخ 23 أبريل إلى كوزليتز Koselitz) ( : ” اكتشفت في الوقت الراهن بالصدفة تفسيرا ل”زرادشت ” ، بمعنى ” النجمة الذهبية ” . وقد جعلتني هذه الصدفة سعيدا . كما لو أن تصور كتابي الصغير يصدر عن هذا الاشتقاق : على أني لم أكن أعرف عن ذلك شيئا ، حتى هذا اليوم لا شيء . ” إن كروزر هو من اقترح هذا الاشتقاق لاسم زرادشت في كتابه علم الرموز ، الذي سبق لنيتشه قراءته سبع سنوات قبل ذلك ، والذي أعاد قراءته على وجه الاحتمال منذ كان يشتغل على زرادشته . علاوة على ذلك ، فإن الاشتقاق المقترح من قبل كروزر ، المشيد على الشكل الإغريقي للزرادشتيين ، يظل مبهما ، ثم إن التفسير الحقيقي لاسم زرادشت هو أقل رومانسية بكثير : ” الذي يمتلك جِِمالا مسِنَّة ” . 44 هيغل ، فينومينولوجيا الروح ، أوبييه Aubier) ( ، الجزء II ، ص : 215 . 45 هكذا تكلم زرادشت ، II ، ” الانتصار على الذات ” Von der Selbsttuberwindung) ( ، Mercure de France , 1958 , p. 117 . 46 راجع جان غرانييه ، مشكلة الحقيقة في فلسفة نيتشه ، سوي ، 1966 ، ص : 415 . 47 هذا هو الإنسان ، مرجع سبق ذكره ، ص : 145 ( ترجمة معدلة قليلا ) . 48 جورج موريل ، نيتشه ، مدخل إلى قراءة أولى ، مرجع سبق ذكره ، ص : 136 . 49 فجر ، غاليمار ، 1970 ، ص : 19 ـ 20 . 50 إرادة القوة ، مرجع سبق ذكره ، جزء I ، شذرة 228 ، ص : 114 ؛ KSA 12 , p . 211 . 51 العلم المرح ، غاليمار ، 1950 ، ص : 317 . 52 هكذا تكلم زرادشت ، I ، ” قراءة وكتابة ” ، مرجع سبق ذكره . ، ص : 37 . 53 ” المفكر : هو ذا الآن الكائن حيث تحافظ الحاجة إلى الحقيقة والأخطاء القديمة عبر الحياة تنصرف إلى معركتها الأولى منذ أن تثبت الحاجة إلى الحقيقة نفسها مثل قوة تحافظ على الحياة ” ( العلم المرح ، مرجع سبق ذكره ، ص : 157 ) . 54 إرادة القوة ، II ، مرجع سبق ذكره ، ص : 345 ؛ KSA 13, p.266 . 55 تتضمن الكلمة الألمانية gegen) ( ، شأنها في ذلك شأن العبارة الفرنسية “ضد” ، معنى مزدوجا ل” تعارض مع ” و ” قريب من ” . 56 من المعلوم أن التوحيد التوراتي لم يظهر بالضبط ، عن ماض شركي طويل ، وعن الوثنية الفسيفسائية ، إلا مع أنبياء نهاية المنفى . لهذا السبب نجد أن مسألة تأثير المزدكية على تكوين التوحيد ما بعد المنفى تُطرح بطريقة أكثر إلحاحا باستمرار . إن نيتشه ، الذي كان يمتلك في مكتبته الProlegomena zur Geschichte Israels de J. Wellhausen) ( إن فيلهاوزن ، الذي سجل بطريقة قطعية تأويل العهد القديم لنهاية القرن X I X لقد سبق له العثور لدى هذا الأخير أساس التعارض الذي وضعه بين اليهودية القديمة الإيجابية و يهودية ما بعد المنفى الكهنوتي اللتان تميزان تجريد إله العدل ، إله متميز عن الالهة الأخرى ، ثم إن نشوة الشريعة ، حيث الطبقة الكهنوتية هي من تقدم تفسيرا لذلك . اُنظر بخصوص هذه النقطة بول فالادييه P . Valadier) ( ، نيتشه ونقد المسيحية ، سيرف Cerf) (، 1974 ، ص : 298 وما يليها . المزيد عن : الحسين علاج/ ترجمة /فرانسواز داستور /نيتشه 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كورونا: حوارات الفلاسفة وأشياء أخرى next post محمود درويش في “فرانس ٢٤”… بعيون أصدقائه You may also like أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.