الإثنين, نوفمبر 18, 2024
الإثنين, نوفمبر 18, 2024
Home » “عودة المواطن” لتوماس هاردي: أهواء جامحة وطبيعة مدهشة

“عودة المواطن” لتوماس هاردي: أهواء جامحة وطبيعة مدهشة

by admin

عندما دعا الكاتب قراءه لتغيير النهاية على هواهم

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس  باحث وكاتب

كم تبدو الهوة واسعة بين الطبيعة المدهشة في جمالها وهدوئها الأبدي، وبين أهواء البشر الجامحة، حتى ولو انتفضت الطبيعة بين الحين والآخر مزمجرة صاخبة، وقاتلة حتى، كنوع من تأنيب البشر لتجاوزهم خطوط اًحمراً لا يجدر بهم تجاوزها. ترى أفلن يكون هذا واحدا من الدروس التي سيطلع بها البشر، إن استوعبوها، من الكارثة “الكورونية” التي يعيشونها حاليا وتكاد توصلهم إلى أبواب الجحيم؟ والحقيقة أن كثرا من المبدعين ولا سيما في الأزمنة الأقرب إلينا قالوا هذا ودقوا نواقيس الخطر. ومن بينهم توماس هاردي. ولعل قراءتنا لواحدة من أشهر رواياته وهي “عودة المواطن”، تكفينا لوضع “رسالته” في مكانها الصحيح باعتبارها رسالة تحذير في هذا السياق حتى وإن كان أدبه يتسع ليشمل أبعادا كثيرة أخرى.

بعيدا من الخير والشرّ

في “عودة المواطن” (1878) يضعنا هاردي، كعادته في معظم رواياته الكبرى، في مواجهة عدد من شخصيات تتصارع فيما بينها، أو تترك لأهوائها أن تخوض تلك الصراعات، غير عابئة بذلك السحر الذي من شأن الحياة أن تحمله إليهم فيكفيهم للوصول إلى السعادة في ذلك الريف الإنكليزي الساحر. طبعا لا يمكن الزعم أن هاردي يقول هذا بكل وضوح، ولكن حسبنا أن نرصد حتى الفوارق في قاموسه اللغوي حين يتحدث واصفا الطبيعة، أو حين يحاول الغوص في أعماق معظم شخصياته. وطبعا لن نقول هنا أن ثمة لديه شخصيات شريرة وأخرى طيبة، حتى ولو كان التمايز واضحا بين الشخصيات الإيجابية وتلك السلبية. كل ما في الأمر أن هاردي يكشف منذ البداية عن تلك الشخصيات التي تترك أهواءها تتحكم بها فتوصلها إلى جحيمها. فما الحكاية هنا؟

حكاية بسيطة تتمحور من حول أربع أو خمس شخصيات سيكون محرك علاقاتها عودة الواطن كليم يوبرايت من باريس حيث كان يعمل في التجارة إلى بلدته الريفية الإنجليزية وقد حقق من الثراء ما سيجعله وجيها في البلدة ومحط أنظار الحسناء اوستاسيا فاي التي تجد في كليم ضالتها آملة أن يأخذها إلى باريس. لكن كليم يقرر أن يبقى هنا. وهكذا بعد مرحلة أولى ترتبط فيها أوستاسيا بكليم رغم معارضة أمه، تعود سراً إلى علاقتها القديمة مع صاحب النزل دامون وايلديف رغم ارتباط هذا بابنة عم كليم توماسين.

وهكذا انطلاقا من أهواء أوستاسيا تنقلب الأمور والعلاقات غير مستثنية سوى ديغوري الذي رغم ثرائه يقوم بصبغ الخراف بالألوان الحمراء المشيرة إلى مالكيهم. وعند هذا المستوى تبدأ الأحداث تتوالى، ودائما في علاقة مع الطبيعة، من موت الأم يوبرايت بلسعة أفعى لتلحق بها أوستاسيا حين تتفق ذات ليلة على الهرب مع وايلديف خاصة بعد أن يرث من المال ما يجعله صالحا لها. لكنهما خلال هربهما يغرقان في بحيرة كانا مضطرين لاجتيازها. وفي النهاية يتحول كليم إلى داعية دينيّ، فيما يتزوج ديغوري من توماسين بعدما كان مغرما بأوستاسيا.

طبعا قد تبدو هذه الأحداث مفرطة في ميلودراميتها، لكن علينا أن نتجاوز سطح الأمور والعلاقات لنغوص مع هاردي في الحياة التي يعيشها هؤلاء الناس مقارنة بما يتطلعون إاليه. ثم أفلا يقول لنا هاردي ذات لحظة أن تلكم هي النهايات التي يقترحها ويمكن للقارئ أن يبدل منها على هواه؟

هيبّي قبل الأوان

لعل أكثر ما يثير العجب في شخصية توماس هاردي وأدبه، أنه كان من شأنه أن يكون زعيما للهيبيين ومرشدا لأنصار الطبيعة وحياة الريف الهادئة، لو أن هؤلاء اكتشفوه كما كان يتعين عليهم أن يفعلوا، إبان عصرهم الذهبي في الستينات. لكن «إعادة اكتشافه» جاءت متأخرة. وكانت السينما هي التي اكتشفته، وتحديدا في البداية عن طريق مخرجين كبيرين في فيلمين ارتبطا باسميهما مع أنهما مأخوذين عن أجمل روايتين كتبهما هاردي: “تس داربر فيل” (من إخراج رومان بولانسكي) و”بعيدا عن الجمهور المثير للجنون” ( من إخراج جون شسليسنغر)، دون أن ننسى اقتباس مايكل ونترباتوم لروايته الأشهر “جود الغامض”. وهكذا حتى وإن كانت كل هذه الأفلام قد حققت نجاحا كبيرا، فإن المعنيين بالأمر فاتهم أن يتنبهوا إلى القرابة، التي تكشف عنها بصرياً بين توماس هاردي من ناحية وجان – جاك روسو والهيبيين من ناحية ثانية. والحال أنه لئن كان مؤرخو الأدب، منذ سنوات قليلة بدأوا يلتفتون إلى مدى ما في معظم أدب توماس هاردي من تمرد وثورية، فإن نزعة العودة إلى الطبيعة ومعاداة التقدم وانتقاد الحداثة، في أدبه ليست من الأمور التي دُرست بما فيه الكفاية حتى الآن. وهي لو دُرست لكشفت عن كاتب يمكن بمعايير اليوم وصفه بأنه «ما – بعد – حداثي».

لم يبدأ هاردي الذي رحل عن عالمنا في العام 1928 عن عمر يناهز الثامنة والثمانين، حياته أديبا، بل مهندسا معماريا. وهنا يكمن التناقض الأول في شخصيته، التناقض بين مهنة كانت في قمة الحداثة أواسط القرن الفائت، حين مارسها هاردي، وبين أدب أتى على النقيض منها، تماما، ناعيا الحداثة والمدينة داعيا إلى الطبيعة والشاعرية في حس رومانسي واضح.

من الهندسة إلى الرواية

المهم، ولد توماس هاردي العام 1840، وصار وهو في السادسة عشر من عمره مساعدا للمهندس المعماري الشهير في ذلك الحين، جون هيكز، لكنه سرعان ما تركه ليرتحل إلى لندن حيث عمل، بدءا من العام 1862، لدى المعماري آرثر بلوفيفلد. وفي لندن راح يحلم بأن يصبح شاعرا، وكتب قصائد «ريفية – رعوية» لم تلفت نظر أحد. لذلك طوى حلمه الشعري، وبدأ يجرب حظه في كتابة الرواية منطلقا من رصد دقيق للحياة الاجتماعية الانجليزية. وهو كان في السابعة والعشرين حين عرض رواية أولى له عنوانها «الفقير والسيدة» على ناشر رفضها ثم عرضها على آخر فلم يكن مصيرها أفضل. لذلك تخلى عنها ودمج أحداثها وشخصياتها في رواية كتبها في العام التالي بعنوان «فضيحة في حياة وريثة» ونشرت هذه، لكنها لم تلفت نظر الكثيرين. بعد ذلك حين حلت سبعينيات ذلك القرن، نشر هاردي روايات عدة، مليئة بالمغامرات… وكان الحظ إلى جانبه هذه المرة، حيث بدأت رواياته تُقرأ على نطاق واسع. وكان من أشهرها – في ذلك الحين – «ضروب الترياق الميؤوسة» و«تحت أوراق الشجر الخضراء» وخصوصا «عينان زرقاوان» التي روى فيها حكاية حبه الصاخب لايما لافينيا التي تزوجها في العام 1874.

بيد أن الشهرة الحقيقية لم تأته الا مع نشر روايته «بعيدا عن الجمهور المثير للجنون» في العام 1876، وهي الرواية التي بدأ بها سلسلة أعماله الكبرى والتي جعلت منه أشهر كاتب روائي انجليزي في تلك السنوات ومنها طبعا «عودة المواطن» (1878) و«عمدة كاستربردج» (1886) و«الحطابون» (1887) ثم «تيس داربرفيل» (1891) و«جود الغامض» (1895).

… ولئن عاش توماس هاردي حتى العام 1928، فان العام 1892 كان هو العام الذي نشر فيه آخر رواية كتبها، إذ أنه بعد ذلك عاش في منزل له ابتناه في دورشستر، وأعلن انه سئم كتابة الرواية وقرر تكريس وقته لكتابة الشعر، ولإعادة النظر في قصائد عدة كان كتبها أيام الشباب ولم ينشرها أبدا. وعلى الرغم من اهتمام توماس هاردي بالشعر وحبه له وتفضيله إياه على الرواية، فإنه أبدا لم ينجح كشاعر نجاحه كروائي، مع أنه نشر أكثر من عشر مجموعات شعرية، يرقى بعض ما فيها إلى أجمل ما كتب في اللغة الانجليزية خلال الربع الأول من هذا القرن. أما آخر ما كتبه توماس هاردي، قبل خمس سنوات من رحيله فكان مسرحية مأساوية عرضت بالفعل بعنوان «مأساة ملكة كورنواي الشهيرة» وهي مقتبسة عن حكاية «تريستان وإيزولت» في قالب شعري بليغ. لكنها رغم جمالها لم تلق ما كانت تستحقه من نجاح ويبدو في أيامنا هذه أنها طويت في ملفات النسيان.

المزيد عن: توماس هاردي/رواية عودة المواطن/الأدب الإنجليزي

 

 

You may also like

31 comments

зарубежные сериалы в хорошем HD качестве 22 مارس، 2024 - 6:13 م

I couldn’t resist commenting. Very well written!

Reply
бот глаз бога телеграмм 11 أبريل، 2024 - 5:23 ص

Superb site you have here but I was curious about if you knew of any discussion boards that cover the same topics talked about in this article? I’d really love to be a part of group where I can get comments from other knowledgeable individuals that share the same interest. If you have any recommendations, please let me know. Many thanks!

Reply
steam cs 2 gamble site 8 مايو، 2024 - 8:02 ص

This is my first time go to see at here and i am truly impressed to read all at alone place.

Reply
Francisk Skorina Gomel state University 16 مايو، 2024 - 9:11 ص

Крупный учебный и научно-исследовательский центр Республики Беларусь. Высшее образование в сфере гуманитарных и естественных наук на 12 факультетах по 35 специальностям первой ступени образования и 22 специальностям второй, 69 специализациям.

Reply
Гостиничные Чеки СПБ купить 25 مايو، 2024 - 12:40 ص

Exceptional post but I was wondering if you could write a litte more on this topic? I’d be very grateful if you could elaborate a little bit more. Kudos!

Reply
удостоверение тракториста машиниста купить в москве 31 مايو، 2024 - 3:25 ص

This is a topic that’s close to my heart… Cheers! Where are your contact details though?

Reply
国产线播放免费人成视频播放 4 يونيو، 2024 - 2:03 ص

I don’t know if it’s just me or if everyone else experiencing problems with your blog. It appears as if some of the text within your posts are running off the screen. Can someone else please comment and let me know if this is happening to them too? This could be a problem with my browser because I’ve had this happen before. Thanks

Reply
хот фиеста slot 13 يونيو، 2024 - 8:09 ص

Hi, yeah this piece of writing is truly pleasant and I have learned lot of things from it regarding blogging. thanks.

Reply
хот фиеста играть 14 يونيو، 2024 - 8:45 ص

Wow, this piece of writing is pleasant, my sister is analyzing these things, so I am going to inform her.

Reply
hot fiesta casino 14 يونيو، 2024 - 8:16 م

Useful info. Fortunate me I found your web site by chance, and I am surprised why this coincidence did not happened in advance! I bookmarked it.

Reply
хот фиеста 15 يونيو، 2024 - 7:30 ص

This website really has all of the info I wanted about this subject and didn’t know who to ask.

Reply
Теннис онлайн 28 يونيو، 2024 - 8:52 ص

I absolutely love your blog and find the majority of your post’s to be exactly what I’m looking for. Do you offer guest writers to write content available for you? I wouldn’t mind composing a post or elaborating on some of the subjects you write regarding here. Again, awesome web log!

Reply
Теннис онлайн 29 يونيو، 2024 - 1:20 م

great submit, very informative. I’m wondering why the other experts of this sector do not understand this. You should continue your writing. I am sure, you have a huge readers’ base already!

Reply
Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 2:24 ص

Hi Dear, are you in fact visiting this site daily, if so then you will absolutely take good knowledge.

Reply
Теннис онлайн 1 يوليو، 2024 - 4:05 ص

There is definately a lot to learn about this subject. I like all the points you made.

Reply
Прогнозы на футбол 2 يوليو، 2024 - 8:53 م

Good day! This post couldn’t be written any better! Reading this post reminds me of my old room mate! He always kept talking about this. I will forward this page to him. Pretty sure he will have a good read. Thank you for sharing!

Reply
Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 10:31 ص

Normally I do not read article on blogs, however I wish to say that this write-up very pressured me to try and do so! Your writing taste has been amazed me. Thank you, quite great article.

Reply
Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 11:55 م

you are in reality a good webmaster. The site loading velocity is incredible. It sort of feels that you are doing any unique trick. In addition, The contents are masterpiece. you have performed a wonderful activity in this topic!

Reply
автомойка самообслуживания под ключ 6 يوليو، 2024 - 8:29 ص

“Строительство автомойки под ключ” включает все от проектирования до ввода в эксплуатацию. Ваш бизнес-проект будет безопасен и эффективен с нами!

Reply
строительство автомойки под ключ 7 يوليو، 2024 - 12:26 ص

“Мойка самообслуживания под ключ” привлекает владельцев автомобилей своей оперативностью и качеством. Инвестируйте в перспективу еще сегодня!

Reply
мойка самообслуживания под ключ 8 يوليو، 2024 - 1:21 ص

Строительство автомоек под ключ – наша специальность. Мы заботимся о каждой детали, чтобы обеспечить надежное и прибыльное хозяйство.

Reply
Прогнозы на футбол 10 يوليو، 2024 - 5:38 م

Pretty! This was an extremely wonderful post. Thanks for providing this info.

Reply
Прогнозы на футбол 11 يوليو، 2024 - 7:47 م

Hi there, its pleasant article concerning media print, we all understand media is a enormous source of data.

Reply
строительство автомойки 15 يوليو، 2024 - 5:55 ص

Строительство автомоек под ключ – наша специальность. Мы заботимся о каждой детали, чтобы обеспечить надежное и прибыльное хозяйство.

Reply
Jac Амур 19 أغسطس، 2024 - 11:18 ص

Post writing is also a fun, if you know then you can write otherwise it is difficult to write.

Reply
theguardian.com 24 أغسطس، 2024 - 3:56 ص

Wow that was strange. I just wrote an very long comment but after I clicked submit my comment didn’t show up. Grrrr… well I’m not writing all that over again. Anyway, just wanted to say superb blog!

Reply
theguardian.com 25 أغسطس، 2024 - 11:51 ص

It’s not my first time to go to see this website, i am visiting this web site dailly and get nice data from here daily.

Reply
theguardian.com 26 أغسطس، 2024 - 5:30 م

Hmm is anyone else experiencing problems with the images on this blog loading? I’m trying to figure out if its a problem on my end or if it’s the blog. Any feed-back would be greatly appreciated.

Reply
theguardian.com 28 أغسطس، 2024 - 1:23 ص

Hi my loved one! I want to say that this article is awesome, great written and come with almost all significant infos. I’d like to see more posts like this .

Reply
theguardian.com 29 أغسطس، 2024 - 4:15 ص

Excellent post. I am facing some of these issues as well..

Reply
theguardian 29 أغسطس، 2024 - 5:36 م

You’re so awesome! I don’t suppose I’ve read anything like this before. So great to find someone with some original thoughts on this topic. Really.. thank you for starting this up. This site is something that’s needed on the web, someone with a little originality!

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00