ثقافة و فنونعربي عندما فشل الألماني فيم فيندرز في استعادة حلمه الأميركي وآماله الكبيرة by admin 9 ديسمبر، 2022 written by admin 9 ديسمبر، 2022 14 هزيمة وهم الانعتاق وضمانات أموال شركات التأمين في “لا تأت قارعاً بابي” اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب كان واضحاً أنه يريد من فيلمه الجديد في ذلك الحين أن يكون “خبطة” العودة إلى أضواء السينما الطليعية، بعد غياب عن هذه الأضواء، إنما ليس عن السينما نفسها، دام أكثر من عقدين من السنين. ففيم فيندرز الذي كان، خلال سبعينيات القرن الـ20 وثمانينياته، أحد أبرز وجوه السينما الجديدة في العالم، ووصل إلى نيل جوائز عن بعض أبرز أفلامه لتلك المرحلة، صار بالتدريج مخرجاً لا يثير اهتماماً حقيقياً بعد ذلك. وراح كثر يسألون عما إذا كان صاحب “باريس/ تكساس” (سعفة “كان” الذهبية 1984) و”أجنحة الرغبة” (جائزة الإخراج في “كان” أيضاً 1987) قد انتهى. صحيح أنه عرض أفلاماً عدة في “كان” وغيره منذ ذلك الحين، وفاز ببعض الجوائز (“بعيداً… قريباً”- جائزة لجنة التحكيم الكبرى في “كان” 1993، “حكاية لشبونة” – 1995، لكنه لم يتمكن من العودة أبداً إلى مستواه القديم إلا نسبياً، وفي فيلم تسجيلي لا روائي هو “بوينا فيستا” عن الموسيقى الكوبية). من هنا، كان على فيندرز أن يعود ليثبت مكانته قبل أن يُنسى تماماً، أو قبل أن يحول إلى “المتحف”. وكان من المشروع له أن يعتقد أن فيلمه الجديد “لا تأتِ قارعاً بابي” سيؤمن له ما يريد. فهذا الفيلم كانت احتشدت له كل العناصر الكفيلة بإنجاحه: تصوير في فساحة أميركا ومدنها الغامضة، سيناريو كتب مع سام شيبارد، أحد أعمدة الأدب والفن الطليعيين في أميركا، الذي كان كتب معه “باريس/ تكساس”، ثم بخاصة موضوع من ذهب، يدخل في صلب الأساطير التي دائماً ما كونت هواجس فيندرز (أميركا وبراريها، السينما، الشيخوخة، الابن، العلاقات المستعادة، واللقاءات العابرة)، وكل هذا على خلفية “سينما الطريق” التي كان فيندرز أحد روادها منذ أول فيلم أطلقه عالمياً “على مر الزمن” (1976). شيء غامض ومع هذا كله عجز “لا تأتِ قارعاً بابي” عن إعادة فيندرز إلى الواجهة من الباب العريض. عجز عن أن يعيد له تألق “باريس/ تكساس”، مع أنه يمت إلى هذا الأخير بعديد من الصلات. هناك إذاً، شيء غامض حول الفيلم الجديد، جعل استقباله فاتراً، وأبعده حتى عن ترجيحات الجوائز حين عرض في “كان”. هل هو الإحساس بأن ما في الفيلم قد شوهد من قبل؟ هل هو الضجر العام من نظرة فيندرز إلى أميركا وهي نظرة تتهم بالسطحية، هل هي الحبكة التي لفرط ما هي واقعية، أي بديهية، بدت مفبركة، أم هو تاريخ فيندرز الذي بات يقف عقبة في وجه حاضره ومستقبله؟ ربما يكون الجواب واحداً من هذا كله، أو كله مجتمعاً. لحظات رائعة ومع هذا لا بد من القول إن في “لا تأتِ قارعاً بابي”، لحظات كثيرة رائعة، كما أن صورته، التي تبلغ في بعض المشاهد روعة لوحات إدوارد هوبر، في إحالة لم تأت صدفة على أي حال، أتت جديدة في أحيان كثيرة. كما أن الفيلم انطلق في بدايته انطلاقة متميزة أعطت المتفرجين انطباعاً بأنهم يشاهدون عملاً استثنائياً، ولقد تعزز هذا الانطباع عند منتصف الفيلم ليختفي بعد ذلك تماماً، حين اكتشف بطل الفيلم أن له، بدل الولد الواحد، ولدين (صبياً وبنتاً)، وحين في النهاية، وبعد سلسلة مشاهد مملة وغير مقنعة، وجد نفسه يعود صاغراً إلى ما كان هرب منه أول الأمر. ولنوضح أن ما يهرب منه هوارد سبنس (سام شيبارد) منذ المشاهد الأولى للفيلم هو واقعه كممثل أفلام رعاة بقر في براري الغرب الأميركي، فالأفلام ثانوية الأهمية، وأدواره متشابهة بحيث أحس ذات لحظة، وقد أغرقه سأمه في إدمان المخدرات والمشروب والنساء أن عليه أن يوقف هذا كله. فيفعل ويهرب، مبدلاً ثيابه وأساليب ركوبه على الطريق وسط مشاهد قلما صورتها كاميرا سينمائية على ذلك الشكل الرائع من قبل. أما وجهته فهي أمه التي لم يرها منذ 30 عاماً، في نوع من العودة إلى الرحم ومحو كل تلك السنوات. طفل ستيني لكن الأم لا تبدو مستعدة لاحتضان طفلها وقد أربى على الـ60، خصوصاً أنه من دون أن يعرف، أب الآن لفتى في الـ20 أنجبته له زوجة سابقة كان هجرها منذ ذلك الحين. وإذ تخبر الأم ابنها المكتهل بهذه الحقيقة، يتحول صاحبنا من البحث عن ماضيه كملجأ، إلى البحث عن ابنه كذريعة لمواصلة الحياة. ويلتقي الابن بالفعل، في وقت كانت ثمة فتاة تحمل إناء فيه رماد أمها وتتجول، باحثة عنه هي الأخرى، لأن أمها أخبرتها أنه أبوها المبتعد منذ زمن. إذاً، منذ تلك اللحظة يفقد “لا تأتِ قارعاً بابي” سياقه، حتى وإن كانت موسيقاه وصوره وحتى أداء الممثلين فيه، بقيت كلها في تميزها وتذكيرنا بلغة فيندرز السينمائية. ما يهوي هنا هو السيناريو، هو تتابع الأحداث الذي يقترب من حدود “الكليشيه”: “الكليشيه” العام، بمعنى أن كل شيء من الآن وصاعداً، يبدو متوقعاً: رفض الابن الاعتراف بأبيه مع شيء من الاحتقار، اللقاءات الفاشلة بين سبنس وزوجته السابقة (جيسيكا لانج) حين يحاول استعادة العلاقة معها، سطحية شخصية الفتاة صديقة الابن. ردود الفعل التي يبديها سبنس نفسه إزاء كل ما يحدث له وصولاً إلى الجزء من الفيلم المتعلق بمطاردة عميل شركة التأمين للبطل، لكي يعيده بالقوة لاستكمال الفيلم، و”الكليشيه” الخاص (المشهد التهريجي الذي يهاجم فيه لصوص سبنس ويشتبكون معه، وهو مشهد يذكر إلى حد بعيد بمشهد الاشتباك بين المخرج والمنتج في فيلم، رائع، سابق لفيلم فيندرز هو “حال الأمور”. انصياع للقدر في النهاية، إذاً، لا يكون أمام هوارد سبنس إلا أن ينصاع لقدره، ويعود مكبلاً برفقة عميل شركة التأمين (تيم روث، في أسوأ ظهور له على الشاشة منذ سنوات بعيدة)، لكي يواصل تمثيل الفيلم. والحال أن البعد الإخراجي المسطح لهذا القسم كله، حال بينه وبين أن يحمل أي دلالة حقيقية، كان يمكن له أن يحملها مفسراً، مثلاً جزءاً من علاقة النجم (أي نجم)، بالفيلم، أو حتى جزءاً من علاقة فيم فيندرز نفسه بالسينما في شكل عام. وهنا، قد يدهش المرء حقاً، ما يقوله فيندرز من أنه اشتغل على سيناريو الفيلم، مع سام شيبارد نفسه طوال عامين كاملين، كانا يكتبان فيهما معاً وفي شكل يومي، مضيفاً أنه كان يحلم بالعودة إلى العمل مع شيبارد منذ تعاونا في كتابة “باريس/ تكساس” قبل ذلك بـ20 عاماً، لكنه كان دائماً يؤجل أملاً في عودة كبرى! طبعاً، القسم الأول من الفيلم يبرر ويفسر مثل هذا القول، وبخاصة الافتتاحية التي تحيلنا مباشرة، وربما أيضاً بشكل أجمل، إلى افتتاحية “باريس/ تكساس” إذ لدينا شخص يطلع من اللامكان، ليجد نفسه في لب أحداث الفيلم المرتبطة مباشرة بماضيه، وبعجزه عن استعادة ذلك الماضي بعد كل الانقطاع. غير أن ما كان جديداً قبل 20 سنة، بات يبدو عادياً زمن تحقيق “لا تأتِ قارعاً بابي”. دور المكان كالعادة في سينما فيندرز، يلعب المكان في هذا الفيلم دوراً أساسياً، ففيندرز، الذي بدأ حياته السينمائية قطباً من أقطاب التجديد السينمائي في ألمانيا السبعينيات (إلى جانب فاسبندر وهرتزوغ…) كاد ينفرد بتلك المكانة التي يضفيها على الجغرافيا، خصوصاً أنه كان من رواد ما تسمى “سينما الطريق“. ولقد تعزز وجود المكان لديه، بخاصة في أفلامه الأميركية (“الصديق الأميركي”، “هاميت” و”باريس تكساس”). ومن هنا لم يكن غريباً أن يبدو فيلمه هذا وكأنه بني كله من حول المكان، المكان الذي يبدو هنا كالحلم. ولقد تحدث فيندرز عن هذا الأمر قائلاً “لقد صورت هذا الفيلم في مدن بوت، إلكو وموآب. وكنت أعرف بوت منذ عام 1978، قبل سنوات من بدء اشتغالنا شيبارد وأنا على كتابة السيناريو. وباكراً اقترحت أن نجعل من هذه المدينة مكاناً للتصوير، إذ كنت أرغب دائماً في أن أحكي قصة تدور في المدينة وكنت قرأت في مقابلة قديمة أن داشيل هاميت (الكاتب البوليسي الذي حقق فيندرز فيلماً عن حياته)، استوحى هذه المدينة لوصف مدينة بويزونفيل الأسطورية في أولى رواياته “الحصاد الأحمر”. وهكذا توجهت بالسيارة يومها لزيارة بوت وصعقت: أبداً في حياتي لم أكن رأيت مكاناً مثل هذا يمتلئ بأبنية بنية شاهقة، ولكن لا يسكنها أحد. المزيد عن: فيم فيندرز\لا تأتِ قارعاً بابي\حكاية لشبونة\بوينا فيست\اداشيل هاميت\سام شيبارد\مدينة بويزونفيل الأسطوري\ةسعفة كان الذهبية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الفتى “بينوكيو” يبث الدهشة في مهرجان البحر الأحمر next post أي أثر ترك زمن الانفتاح في الرواية السعودية الراهنة؟ You may also like استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024