اللورد بايرون من جانب مغاير في مئويته رحيله الثانية (غيتي) ثقافة و فنون عندما سخر اللورد بايرون من سكوت ووردزورث وكولردج وأشعارهم by admin 24 أبريل، 2024 written by admin 24 أبريل، 2024 88 عودة إلى جانب “شبه مجهول” من إبداع الشاعر الإنجليزي لمناسبة المئوية الثانية لرحيله المبكر اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب منذ أريستوفان و”الضفادع” ونحن نعرف أن الشعراء كما حال كتاب المسرح والناثرين عموماً يشكلون مادة خصبة لسخرية زملائهم الشعراء، ناهيك بالرأي السلبي الإجمالي الذي ينظر به إليهم “عموم الناس” بمن فيهم على أية حال محبو الشعر والذين يطربون له. وعلى أية حال ثمة دائماً في مسلك الشعراء وتصرفاتهم ما يغري بالسخرية منهم دون أن يسري ذلك على شعرهم نفسه. ونعرف دائماً أن الشعراء أنفسهم وربما على غير حال زملائهم من الأدباء والكتاب الآخرين، كثيراً ما يتعاملون مع الأمر كله بكثير من التفكه والأريحية، وهم الذين لا يغيب عنهم أن في حياتهم وشكلهم وتصرفاتهم بل حتى في شعرهم ما يغري دائماً برؤية الغرابة، حتى وإن تكن شيئاً آخر غير “الغرابة المثيرة للقلق” التي يتحدث عنها فرويد في واحد من أجمل نصوصه. ولعل في وسعنا إن نحن نقبنا في التراث العالمي أو في التراث العربي حتى بما أن هذا الأخير هو الأقرب إلينا، أن نرى كيف أن الشعر سخر دائماً من الشعر، ويحضرنا في هذا الإطار بيت يتحدث فيه الشاعر العباسي أبو نواس (الحسب بن هانئ)، عن شعراء الجاهلية من الذين كانوا دائماً ما يفتتحون أشعارهم وخصوصاً معلقاتهم بالبكاء على الأطلال، قائلاً: “قل لمن يبكي على رسم درس/ واقفاً ما ضر لو كان جلس”. والحقيقة أن أي عصر من عصور الشعر لم يخل من هذه السخرية أو من هذا الهجاء. اللورد على الخط ولكن لئن كان يبدو طبيعياً صدور هذا النوع من المواقف عن شعراء ساخرين كبترارك وأبي نواس وأريستوفان وأفلين فو وغيرهم، فإن ما يمكن استغرابه حقاً هو أن يكون واحد من أكثر الشعراء الإنجليز رومانسية، أي اللورد بايرون الذي ينظر إليه على أنه، في آن معاً، شاعر البطولة وشاعر العواطف الحادة والإنسان الذي قضى شاباً في سبيل مبادئه ومواقفه وكثيراً ما بكى هو على أطلال اليونان يوم شارك في ثورتها ضد العثمانيين، أن يكون في الوقت نفسه الشاعر الذي قدم في اللغة الإنجليزية واحدة من أقسى القصائد الساخرة من الشعر والشعراء في زمنه. وهي قصيدة طويلة نعود إليها هنا لمناسبة احتفال العالم الأنغلوساكسوني بالذكرى المئوية الثانية لرحيله. وهذه القصيدة هي تلك المعنونة “شعراء إنجليز ونقاد اسكتلنديون”. ففي هذه القصيدة التي كتبها بايرون عام 1809، وكان بعد في الـ21 من عمره، يبدو واضحاً أن الشاعر إنما يثأر بسبب النقد والاحتقار اللذين قوبل بهما ديوانه الشعري المبكر “ساعات العبث…” كما يفيدنا مؤرخون كثر كتبوا عن سيرته وشعره متوقفين بخاصة عند ذلك الجانب من نشاطه الكتابي الذي لا يمكن توقعه، ويضيفون كيف أن بايرون قد نظم، شعراً بالطبع، ذلك النص الهجائي اللاذع، فلم يهاجم فيه رئيس تحرير مجلة “إدنبره ريفيو” التي احتقرت ديوانه وحسب، بل هو هاجم أيضاً الكتاب والشعراء سكوت ووردزورث وكولردج وسذي، وراح يسهب في شتم كل شعراء أو “شعارير” المدرسة الرومانسية من دون تمييز، بينما كان بوب ودرايدن محل إعجابه، وكذلك زميلهما في الكتابة بحسب التقاليد الكلاسيكية روجرز كامبل. السير والتر سكوت: كما جنت على نفسها براقش (غيتي) قصيدة أم برنامج عمل؟ هذه القصيدة، إذاً، تبدو غريبة واستثنائية في مسيرة بايرون. ومع هذا، يرى باحثون إنجليز في حياة بايرون وأعماله، أن هذه القصيدة بالذات تبدو، من خلال مواقف صاحبها من زملائه الشعراء فيها، أشبه ببرنامج عمل موارب لما يرى بايرون أن الشعر يجب أن يكون عليه، شكلاً ومضموناً. غير أن ما ينبغي قوله هنا هو أن هذا البعد يكاد لا يلوح إلا للخبراء، تحت هالة اللغة الساخرة التي تناول بها الفتى العشريني كبار شعراء عصره. ويبدأ بايرون قصيدته – ونستعين لعرضها هنا بترجمة للقصيدة أنجزها الراحل الدكتور عبدالوهاب المسيري وآخرون – بدعوة صاحبه إلى أن يشاهد “جماهير عدة من جماعات الكتبة/ مولعة بذيوع الصيت، تسير في الاستعراض الطويل:/ كل منهم يحث فرس شعره المنهك/ والشعر المقفى والمرسل يتواكبان/ وتتزاحم السونيتات والأغنيات، الواحدة فوق الأخرى،/ “روايات الرعب” تتدافع على الطريق/ والأوزان التي لا وزن لها ولا حصر تسير إلى الأمام،/ فـ”السفاهة” بابتسامتها البلهاء، مولعة بالأغنية المتقلبة النغمات/ ثابتة على وفائها لبلادة الإحساس الغريبة الشاذة/ معجبة بما لا تفهم من نغمات”. وإذ يستعرض بايرون وصاحبه هذا المشهد، الذي من الواضح هنا أن لغة الترجمة العربية لم تفه حقه معبرة عما في لغته الإنجليزية الأصلية من روح سخرية وتهكم ومرح، ينتقل إلى أول الشعراء المهجيين السير والتر سكوت. وهنا لا يكتفي بايرون بالسخرية من سكوت كشاعر عبر قوله تحت عنوان فرعي هو “والتر سكوت”: “وهكذا تنتحب أغاني المنشدين” أدعو الله أن تكون هذه آخرها باكية للريح العاصفة على قيثارات مرخية الأوتار…”، بل إنه يحاكمه أيضاً كروائي حين يخاطبه قائلاً، بعد عرض مجموعة من مواقف ترد في رواياته: “… وهل تعتقد يا والتر سكوت أنك قادر/ أن تفرض على الناس رواياتك المملة/ لأنك تستخدم تشبيهات فارغة؟ حتى لو اجتمع تادي وميلر معاً، ودفعا لربة شعرك/ نصف قرش عن كل بيت، فإن هذا لن يجدي فتيلاً…”. وهنا يصل بايرون إلى فقرة عنونها “الشعر الكلاسيكي” يقول فيها، متحسراً على “زمان الشعر الحقيقي الذي ولى”: “ولى الزمان الذي كانت فيه ربة الشعر فتية/ حينما كان هومير يعزف جسوراً على قيثارته وكان مارو/ يصدح بملحمته التي صمدت أمام عشرات القرون/ في أسماع أمم تحيي الاسم السحري بالرهبة والإجلال:/ إن أعمال كل شاعر خالد/ تبدو كمعجزة لا تحدث إلا مرة كل ألف عام./ لقد زالت إمبراطوريات من على وجه الأرض/ واندثرت لغات اندثر الناطقون بها/ إلا تلك اللغات التي صدح شعراؤها بمثل هذه الأنغام/ فمنحوها البقاء والجلال وسط ركام اليباب”. تعريج على أزمنة خسيسة وواضح بعد هذا أن بايرون لم يذكر عظمة هذا الشعر الكلاسيكي، إلا لكي يقول لنا كيف أن ذلك الزمان العظيم ولى ليحل مكانه زمان آخر خسيس من أعلامه الشعراء الذين يحتقرهم. والمثال على هؤلاء خصماه اللدودان هنا: وليام وردزورث وصمويل تايلور كولردج. فماذا يقول عنهما؟ عن وردزورث يقول بايرون: “ثم يأتي بعد ذلك مريدك البليد/ ذلك الأبله المرتد عن أصول الشعر/ وردزورث الساذج… مؤلف أنشودة/ رقيقة كالمساء في شهره المفضل مايو/ الذي ينبه صاحبه “أن يترك الكد والتعب ويهجر كتبه خشية احدوداب الظهر”/ والذي يرينا بوصاياه وأمثاله/ أن النثر نظم، والنظم إن هو إلا النثر/ مقنعاً الجميع بناصع بيانه/ إن أرواح الشعراء تبتهج بالنثر المجنون/… كذلك هو يروي لنا حكاية بتي فوه/ الأم البلهاء لولد أبله:/ صبي غبي به مس من الجنون ضل طريقه، يخلط كشاعرنا بين الليل والنهار/ والشاعر يطيل التأمل في كل مشهد مفجع/ واصفاً كل مغامرة برفيع الألفاظ/ حتى إن كل من يرى الأبله في مجده/ يدرك أن الشاعر هو بطل الحكاية”. لن يمر دون تعليق! وأما عن كولردج فيقول بايرون: “وكولردج الوديع الذي تمجده الأغاني المعقدة/ والمقطوعات المتورمة هل سيمر من دون تعليق/ ومع أن المواضيع البريئة هي ما يدخل المسرة على قلبه/ إلا أن الغموض يقابل بالترحاب/ ولذا رفض الوحي أن يمد يد العون/ إلى الشاعر الذي يتخذ من عفريتة عابثة ربة لشعره/ فإنه لم يوجد بعد من يتفوق في شعره/ على هذا الشاعر الذي يحلق عالياً ليرثي حماراً/ لقد وافق الموضوع مزاجه النبيل حتى إنه نهق/ أمير الشعراء ذوي الآذان الطويلة”. ولم تكن هذه آخر ما كتب بايرون من شعر هجائي ساخر، إذ إنه عام 1822 رد أيضاً في قصيدة حملها عنوان “حلم بيوم الحساب” على قصيدة تحمل عنواناً مشابهاً هو “حلم يوم الحساب” كان الشاعر سذي هجاه بها. وبايرون لم يعش على أي حال طويلاً لكي يزيد باعه في الشعر الساخر، فهو الذي ولد عام 1788 ومات في عام 1824 كما أشرنا أعلاه، صريع الحمى خلال مساندته اليونانيين في حربهم. ولقد كانت سنوات حياته على أي حال كافية له ليكتب كثيراً من القصائد والمسرحيات الرومانسية. ومن أهم أعماله قصيدة “أسفار تشايلد هارولد” الطويلة، وقصيدة “لارا”، و”باريزيتا” و”عرس أبيدوس” وملحمة “دون جوان” الهجائية في 16 كتاباً، ومسرحيات مثل “ساردانابال” و”مارينو فالبيرو” و”السماء والأرض”. المزيد عن: اللورد بايرونكولردجوردزورثوالتر سكوت 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post النقد الموسيقي العربي عندما يسلك طريق التحليل والذائقة next post One Day author David Nicholls on writing the British love story that’s left the world heartbroken You may also like بول شاوول يكتب عن: أمير القصة العربية يوسف... 25 ديسمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن.. جولان حاجي: الكتابة... 25 ديسمبر، 2024 (20 رواية) تصدّرت المشهد الأدبي العربي في 2024 25 ديسمبر، 2024 “الحياة الفاوستية” رحلة في عوالم غوته السرية 25 ديسمبر، 2024 “أن تملك أو لا تملك” تلك هي قضية... 25 ديسمبر، 2024 أضواء جديدة على مسار فيكتور هوغو السياسي المتقلب 24 ديسمبر، 2024 صبحي حديدي يقارب شعر محمود درويش بشموليته 24 ديسمبر، 2024 الثنائي هتلر – ستالين في ما هو أبعد... 24 ديسمبر، 2024 رحيل محمد الخلفي الممثل الرائد الذي لم ينل... 24 ديسمبر، 2024 كاتب مسلسل “يلوستون” أبدع قصة ويسترن معاصرة وصنع... 24 ديسمبر، 2024