الروائي السعودي هاني نقشبندي(موقع الكاتب) ثقافة و فنون عبده وازن يكتب عن..هاني نقشبندي: الجوائز تسيء إلى الرواية… نحن نترجم الغرب ونقرأه وهو لا يقرأنا by admin 25 سبتمبر، 2023 written by admin 25 سبتمبر، 2023 95 روايته “قصة حلم”تصوّر مسلسلاً لتلفزيون ابو ظبي اندبندنت عربية \ عبده وازن يكاد هاني نقشبندي يهجر الإعلام نهائياً متفرغاً للكتابة الروائية بعد مسار طويل في عالم الصحافة المكتوبة والتلفزيونية. لكن هاني الروائي عرف كيف يفيد من تجربته الصحافية ويوظفها في صميم الكتابة والبحث عن الشخصيات والوقائع والمواقف ونبش أوراق التاريخ. ترأس هاني تحرير مجلة “سيدتي” و”المجلة” وقدم برنامجاً حوارياً في تلفزيون “دبي” وكتب الكثير من المقالات في السياسة والثقافة. أعماله الروائية تحتل موقعها في الحركة الروائية السعودية والعربية وبعضها يتحول قريباً إلى مسلسلات تلفزيونية: اختلاس، سلّام، ليلة واحدة في دبي، نصف مواطن محترم، طبطاب الجنة. هذا اللقاء مع هاني نقشبندي تم في بيروت خلال زيارته الأخيرة لإطلاق المسلسل التلفزيوني “صانع الأحلام” المأخوذ من رواية “قصة حلم”. * هاني نقشبندي جئت الرواية من عالم الصحافة مثل عدد غير قليل من الروائيين العرب، لكنك سعيت إلى توظيف الخبرة الصحافية في صميم العمل الروائي ونجحت في هذا الخيار وما أكد نجاح هذا الخيار روايتك الأولى “اختلاس”. كيف نجحت في هذا الجمع بين العمل الصحافي والعمل الروائي؟ – بدايتي أتت مع الكتاب قبل الصحافة. فقد كنت مطلع حياتي عاشقاً له، أكثر من الإعلام. لكني كنت قليل الحيلة حينها، وفي مجتمع قلما اهتم، في تلك الفترة، بالأدب الروائي، باستثناء والدي الذي كان يطلب مني التريث والإكثار من القراءة قبل الشروع في الكتابة. عندما أنجزت كتابي الأول، وكان ذلك في العام 1982، بعنوان “يهود تحت المجهر”، لم أجد من يقرأه، لأستفيد من رأيه، ناهيك عن نشره. فنشرته على نفقتي الخاصة. وقد أتت النتيجة مخيبة جداً. بعد عام كامل، لم أبع أكثر من 20 أو 30 نسخة من طريق مكتبات “تهامة”. انصرفت بعدها إلى العمل الصحافي كمتعاون مع بعض الصحف المحلية. لكني لم أيأس، فأصدرت كتابي الثاني وهو بعنوان “لغز السعادة/ الذاتية والتطور” وذلك في العام 1986. وقد لاقى المصير نفسه للكتاب الأول. لكني فخور بتجربتي، بخاصة مع الكتاب الثاني الذي أنوي إعادة إصداره مع دار نشر كبرى في القريب. فهو عميق ومفيد، أو هكذا أراه على الأقل. المهم أن علاقتي بالكتاب سبقت علاقتي بالصحافة. لكن انصرافي للأخيرة لفترة تزيد عن العشرين عاماً، قبل العودة إلى العمل الروائي، أفادتني في تنويع الأفكار، وتوطيد العلاقة مع الإعلام. اليوم أنا شديد الإيمان بما لا أحب الإيمان به، وهو أن علاقات الكاتب بالإعلام تلعب دوراً في انتشار أعماله أكثر من جودة الأعمال نفسها. وربما هذا ما حدث معي. لكني في الحالين استفدت كثيراً من تجربتي الصحافية، سواء في صوغ النصوص، او صناعة الجمل القصيرة، وبالطبع في العلاقات العامة. * أثر الصحافة تخطى روايتك الأولى “اختلاس” وظهر في روايات أخرى لك تتميز بطابع البحث أو التحقيق والغوص في هموم الواقع والمجتمع والجماعة وكذلك الفرد. أين الصحافي هاني من الروائي نقشبندي؟ – كلاهما موجود داخلي. أحياناً أشعر أن هاني الصحافي في إجازة مفتوحة لصالح هاني الروائي. يسعدني هذا الشعور. أبتهج به كثيراً. ربما لأن الصحافة تشبه سفينة جميلة ورائعة، ولكن مهما طالت الرحلة عليها، فلا بد من الرسو يوماً في ميناء. لا يمكن أن تعيش على السفينة أبد الدهر. تحتاج إلى أرض ثابتة تحت قدميك. وهكذا أرى العمل الروائي مقارنة بالإعلامي. نعم، كانت فائدتي من الصحافة بصفة عامة كبيرة. لن أقول إنه لولا الإعلام ما دخلت عالم الرواية، لكني سأقول إنه لولا الإعلام، وتجربتي فيه، ما كنت حققت مكانة لا بأس بها في عالم الأدب. بطبيعة الحال، التجربة الأدبية رائعة بحد ذاتها. وأعتقد عن قناعة بأن الأديب الحقيقي، وليتني كنت كذلك، هو من توجد جرثومة مباركة تأبى الصمت على طرف قلمه، أياً كانت تجاربه في الحياة، والمناصب التي شغلها، كبيرة أم صغيرة. الكتابة الروائية ليست عملاً صعباً، أو مستحيلاً، لكنها أيضاً تحتاج إلى موهبة، ولو قليلة، مع الكثير والكثير من الصبر والمحاولة تلو المحاولة. لا يمكن أن يأتي النجاح بين يوم وليلة. بل أحياناً لا يأتي أبداً. وربما مات الكاتب وله من الإصدارات الكثير من دون أن يسمع به إلا قلة قليلة. وأنا عندما أتحدث عن النجاح هنا، فلا أعني به المادي أو الأدبي، بل الانتشار. ذلك أنه وفي رأيي الخاص والمتواضع أرى أن مجرد أن يكتب الإنسان ما هو مؤمن به، فهو عمل ناجح، ولو لم يقرأه سوى ثلة أصدقاء فقط، أو حتى لا أحد. لذلك أقول دوماً وأكرر، أن الروائي الناجح، هو الأناني بالمطلق. بمعنى أن يكتب ما يؤمن هو به، وما يراه صحيحاً، لا ما يؤمن به الناس، عارضوه أو وافقوه. * يحمل بطل “اختلاس” ملامح منك فهو رئيس تحرير مجلة نسائية تصدر في لندن… هل سعيت في هذه الرواية إلى خلق قرين لك لتكتب شيئاً من سيرة ذاتية؟ لماذا اختبأت وراء هذا البطل؟ هل هي لعبة قناع؟ – “اختلاس” كانت روايتي الأولى. قل إن التجربة لم تكن ناضجة بعد، قل إني كنت خائفاً، قل إني لم أكن واثقاً في نفسي بما يكفي كي أظهر العمل كسيرة ذاتية على شكل سرد قصصي. قل أشياء كثيرة، وستجد أني أوافقك عليها. لكن المهم أن هذه التجربة قد نجحت. أولاً، لأني عريت فيها شخصية الرجل الشرقي، سواء أنا أو غيري. إنه نحن من يتوارى أكثرنا وراء أقنعة تخفي شخصية أخرى لا تظهر للآخرين. ثانياً، لأني أرفض ضعف المرأة. أحب أن أراها قوية. ليس لأني إنسان مثالي، على الأطلاق، أبعد الناس عن المثالية هو أنا، لكن حبي للمرأة القوية يأتي انعكاساً لشخصية أمي رحمها الله. فقد ترملت وهي في ريعان الشباب وستة أيتام في رقبتها، في مجتمع ذكوري حتى الطبقة السابعة من السماء. كنت أرى كل من حولي يقتنص فرصة ضعف في هذا البنيان القوي. ومن هنا أتى اسم “اختلاس” لأني أذكر ذات يوم، وأنا طفل بعد، أني كنت أنتظر مع أمي لقضاء أمر في دائرة حكومية. فكان الرجال يختلسون النظر إليها وهي وراء سترها، حتى لتكاد نظراتهم تخترق غطاء وجهها وحجابها. عرفت حينها أن المرأة القوية، هي القادرة على بناء مستقبل قوي ليس لأبنائها فقط، وإنما للمجتمع ككل. لهذا أتت رواية “اختلاس” وكأنها تكشف شخصية الرجل الشرقي المتحين للفرص الأنثوية دوماً، وفي الوقت ذاته، لتحرّض المرأة على رفض ضعفها. وهذا ما يجعلني أقول دوماً، إن المرأة الحقيقية اليوم هي تلك التي تحب أن تتدفأ بحنان رجل قوي، فتكون له مكملاً لا تابعاً، لا أكبر من شخصيته ولا أدنى من كرامتها. * في روايتك “سلاّم” تلج عالم الأندلس من خلال قصر غرناطة، لكن روايتك تختلف عما كتب روائياً عن الأندلس فأنت تبتعد، سواء في التخييل أم في خلق وقائع سردية غير مألوفة. ماذا أردت أن تقول في هذه اللعبة الخطرة مجازياً؟ – رواية “سلاّم”، بتشديد اللام، هي الأقرب إلى نفسي. عالم متخيل، كما هي الأندلس في أذهاننا عالم متخيل. ما وصلنا منه يبعد كثيراً عن حقيقته. هل تعتقد أن تاريخنا في الأندلس كان علماً وعبادة وثقافة وحضوراً مشرفاً؟ أنا أرى غير ذلك. نعم، كان هناك شيء من العبادة، والكثير من الدم. ثمانية قرون هناك… ماذا فعلنا فيها؟ لم نبنِ سوى مدينة واحدة هي مدريد، أو مجريط، كما كانت تسمى. ماذا غيرها. جامع قرطبة وقنطرتها؟ هل هذا فقط ما صنعناه هناك في ثمانمئة عام؟ لم ننشر ثقافة أو حضارة، لأننا لو فعلنا ما كنا خرجنا منها. ربما تخرج اللغة العربية أو الثقافة العربية، لكن يبقى الإسلام على الأقل. الذي حدث بالفعل، أنه لا بقي هذا ولا ذاك. بل خرجنا وكأننا لم نكن في الأندلس يوماً. الآن، كلنا يتغنى بهذه الأندلس التي لا نعرف سوى أنها جنة أنهار وحدائق ونساء جميلات. من هنا تأتي رواية “سلاّم” لتروي تاريخاً أندلسياً من شخصية متخيلة، هو “سلاّم” الذي بنى قصر الحمراء، والذي يرفض أن يعيد بناءه لأي أحد كان، لأنه يرى القصر رمز شؤم وصراع مع الآخر، أكثر منه رمز حضارة وتسامح- قد يخالفني بعضهم- بل كثيرون قد يخالفونني الرأي ويغضبون مني، وهذا ما حدث حتى عند تقديم الرواية في بعض المناسبات. فقد أثارت الكثير من النقم والضغائن علي. لكني أقول لمن يعارضني، لدي الحجة، فما حجتكم أنتم؟ إن أردتم المناظرة فعلت، وإن أردتم الاستشهاد بكتب التاريخ فسأقول إن التاريخ ليس هو توثيقاً لما حدث، بل هو توثيق ما تمنينا لو أنه حدث. هاني نقشبندي مع فريق مسلسل “صانع الأحلام” (مجلة سيدتي) * غالباً ما تقول إن الجوائز التي تمنح روائياً تسيء إلى الحركة الروائية ولا تخدمها، وهذا رأي تتبناه قلة من الروائيين الذين يرفضون التقدم إلى الجوائز بينما يعارضه الكثيرون الذين يرون في الجوائز فرصة للاستفادة إعلامياً ومادياً وترويجياً، خصوصاً بفتح باب الترجمة أمامهم. كيف تبرر موقفك هذا؟ أليس من مبالغة فيه – تتحدث هنا عن شيئين منفصلين: الجوائز والترجمة. بالنسبة إلى الجوائز فمعارضتي الشديدة لها تأتي من تأثيرها السلبي العظيم في الأدب والأدباء بصفة عامة. تخيل أنت… تصدر كل عام مئات، إن لم تكن آلاف الروايات. من هو الذي استطاع أن يقرأها كلها ليقول إن هذه أفضل من تلك؟ أضف إلى ذلك أنك عندما تكرم عملاً واحداً، وأديباً واحداً، فأنت في الوقت ذاته تطمس بقية الأعمال التي لن ينتبه لها أحد وسط نشوة الرواية الفائزة. كلهم سيبحثون عن هذه الأخيرة، وينسون ما عداها. حتى تلك التي تكون على اللائحة القصيرة أو الطويلة، ستنسى، لأن الناس تريد الرقم واحد فقط. ثم من هو الذي اختار الرقم واحد؟ عقول مثل عقولنا، وبشر مثل بشريتنا، وأناس كما نحن أناس. ذائقات أدبية متعارضة ومتناقضة. فما يعجبني قد لا يعجبك. كيف إذا أسلم مصير الأدب لأشخاص تختلف مشاربهم وذائقاتهم الأدبية ونفسياتهم، لتقرر ما أقرأ أنا وما تقرأ أنت؟ نحن بذلك ندمر الأدب من دون أن نعي. نسقي وردة واحدة في منتصف الحقل، وندوس على الورود الأخرى. أي عدل هذا، وأي تكريم هذا؟ إنه التدمير الكامل بصورة أنيقة. وأذكر هنا ما قال يوماً الأديب الأيرلندي برنارد شو: قد أغفر لنوبل اختراع الديناميت، لكني لن أغفر له أبداً اختراع جائزة للأدب. وسأضيف هنا أنه لو قدر لي أن أؤسس ملتقى أو منتدى أدبياً، فسيكون على رأس أهدافه، إن لم تكن كل أهدافه، محاربة جوائز الأدب. أما ما تحدثت عنه بخصوص الترجمة، فهذا شأن آخر. وهو أيضاً يضيف إلى مثالب الجوائز الأدبية. فعندما تفوز رواية وتتم ترجمتها، فهل معنى هذا أن هذه الرواية وحدها تستحق الترجمة؟ أدعي أني قارئ جيد. وقد رأيت أعمالاً فائزة لا تستحق حتى أن تقرأ، إن قارناها بأعمال أدبية أخرى، ناهيك عن ترجمتها إلى لغات أخرى. لماذا لم تفز روايات غيرها إذاً؟ لأسباب كثيرة، منها اعتبارات شخصية أحياناً. أو قلة حيلة الكاتب والأديب، أو صعوبة وصوله إلى منصات الجوائز بسبب تعثر خطوه مع دور النشر. فهل تعتقد أن دور النشر لا تخطئ الاختيار، أو أنها لا تغفل كثيراً بعض الكتاب الذين سيكون لهم ذات يوم شأن كبير؟ هذا ما يحدث للأسف. فأكثر دور النشر تكاد تتوقف عجلة إنتاجها عند بضعة أسماء معروفة، خشية الخسارة. ولست ألومها إن تحدثنا عن الربح والخسارة هنا، ولكن كيف سنصنع كتّاباً جدداً إذاً، ناهيك عن ترجمة أعمالهم؟ إنه دور المؤسسات الثقافية الرسمية. فلماذا لا تتولى هي تمويل نشر هذه الأعمال لمن لا يستطيع؟ أليس هذا أفضل من أموال تصرف على دعاية سياسية لا تحقق ربع ما تحققه الدعاية الأدبية والثقافية؟ * من الواضح أن الرواية السعودية تشهد منذ سنوات حالاً من الغليان، فالأعمال ازدادت في شكل واضح وبرزت أسماء جديدة وتبرز باستمرار، وتمكنت الرواية السعودية من الفوز بجوائز مهمة… الكم كثير كما يقال لكن هذا الكم هل يكفي وحده ليصنع حركة روائية قائمة بذاتها؟ كيف ترى إلى هذه الظاهرة من ناحيتيها الإيجابية والسلبية؟ – في الواقع كانت هناك حالة من الغليان، وليس الآن. فلبضعة أعوام خلت شهدنا فورة في الروايات السعودية، وهذا صحيح. أكثرها تمّ نشره على نفقة أصحابها. وأنا أرى الظاهرة صحيحة وليتها استمرت، ولو بدعم حكومي رسمي لأعمال النشر والترجمة أيضاً. ولكن في ظل غياب مثل هذا الدعم المباشر وغير المباشر، أحجم عدد من أصحاب التجارب المبكرة عن الاستمرار. ما أدرانا لو كان بينهم من سيصبح يوما أحد رواد الأدب العربي؟ ما أدرانا لو أن بينهم من أسس مدرسة جديدة في الأدب الروائي؟ أتمنى أن تعود حالة الغليان تلك كما وصفتها. فهي أفضل بكثير من حالة الركود. لا تعول كثيراً على مسألة الجوائز كما ذكرت، فأعظم جائزة للكاتب هي أن يرى عمله وقد أبصر النور. اليوم، الكتاب السعوديون المعروفون هم قلة. كان بالإمكان مضاعفة عددهم ليس مرة بل مرات. إلا أنني شديد التفاؤل، بخاصة مع الانفتاح الكبير الذي تشهده السعودية. فالتحول القائم فيها أكبر مما كنا نتخيل إمكانية حدوثه في عقود مقبلة. ما يعني أن هناك أملاً، وأملاً كبيراً جداً، أن يأخذ هذا الانفتاح بيد الأعمال الأدبية، والحركة الثقافية بشكل عام. لا يمكن أن تبني حضارة بلا أدب. لا يمكن أن تبني مجتمعاً أو تكتمل رؤيته المستقبلية من دون أن تكون للأدب والثقافة إسهام فيها. عندما قصفت دبابات هتلر أبواب موسكو، لم يحرض ستالين جنوده على القتال دفاعاً عن المدينة، أو الفكر الشيوعي، بل قال لهم: دافعوا عن أرض تولستوي. الكتاب حصن شامخ في وطنه وسفارة كاملة خارج هذا الوطن. * من الملاحظ أخيراً الإقبال الكبير من دور النشر العربية على ترجمة الروايات الأجنبية، حتى أصبحنا في العالم العربي ننافس الدول الغربية ولا سيما في سرعة ترجمة بعض الأعمال أو الأسماء، والسبب معروف وهو أن معظم الناشرين العرب لا يدفعون حقوق الترجمة. ما سر الإقبال على ترجمة الروايات وما سر إقبال القراء العرب على قراءة هذه الروايات المترجمة؟ – ما ذكرت هو صحيح. فدور النشر العربية بمعظمها لا تدفع حقوق ترجمة. وهذا يعيدني قليلاً إلى جوابي في السؤال السابق: لماذا لا تنشر تلك الدور أعمالاً لشباب عرب، وأسماء جديدة؟ هم لا يطلبون مالاً، ولا حقوق نشر، يريدون فقط أن يروا أعمالهم وقد نشرت وتداولها الناس. وهذا حق بسيط ومشروعي وجميل لهم. لكني لست ألوم دور النشر وحدها. القارئ العربي له دور في هذه الأزمة الثقافية. فنحن لا نثق كثيراً في كتّابنا الشباب. في الأسماء الجديدة. نريد أن نقرأ فقط للأسماء المعروفة. ألم تكن هذه الأسماء المعروفة أسماء مجهولة ذات يوم؟ بلى، بل كانت لا شيء، نكرة. لكن تبني دور النشر لها، وتقديمها إلى قارئ نهم، هو ما جعل لها اسماً. دار النشر، والقارئ الجيد، يصنعان اسماء كبيرة. لست اذكر من قال هذه العبارة، وأعتقده فوكنر: لا يوجد كاتب جيد وكاتب سيّئ، هناك قارئ جيد وقارئ سيئ. دور الإعلام هنا شديد الأهمية أيضاً، إذ بقدر ما يسهم هو في صناعة الأسماء، بقدر ما يقضي على بعض الأسماء عندما يتجاهلها. قد لا يتعمد تجاهلها، أو قد يفعلها بضغط سياسي أو ديني أو ثقافي، لكنه في جميع الحالات يتشارك المسؤولية في صناعة الأسماء الكبيرة، جنباً إلى جنب مع دور النشر والقراء. شيء آخر… في العالم العربي جملة مؤسسات، رسمية في أغلبها، تعنى بمسألة الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية. لا داعي لوجودها، لأن المطلوب هو العكس، أي تشجيع الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية. لماذا نبقى عمرنا كله ونحن نأخذ أعمال الآخرين من دون أن نقدم أعمالنا نحن لهم؟ * هل تعتقد أنك ستترك الصحافة نهائياً لمصلحة الرواية؟ – بإمكانك القول إني قد تركت الصحافة بالفعل. لي بعض المساهمات الإعلامية في بعض القنوات الأجنبية كمحلل سياسي من حين لآخر، أما كمتفرغ للعمل الصحافي أو الإعلامي بالمجمل، فلا. وليس هو بسببي، فلن أخجل من القول إنني قد تقدمت لشغل بعض المناصب الإعلامية، لكني لم أوفق. ولعل السبب في ذلك هو حاجة الإعلام حالياً إلى الوجوه الشابة الجديدة القادرة على التعامل مع عقلية الشباب والتطور التكنولوجي. اليوم، الرواية هي عالمي. وأنا مؤمن تماماً بأن التفرغ للعمل الروائي، هو أقل ما يمكن أن أقوم به شخصياً لتكريم الأدب. لا يعني هذا أنني سأكتب الروائع، او سأكون مبدعاً فيما أقدم، لكني سأحاول. سأتفرغ لهذا الكائن الذي أسمه الكتابة. سنكون وحدنا، نمضي في عتمة الليل وضوء الصباح. ننام معاً ونستيقظ معاً حتى يمل أحدنا الآخر، أو يفارق الحياة. * بدأت بعض رواياتك تترجم إلى لغات عدة وبدأ بعضها يتحول إلى مسلسلات درامية. ماذا تحدثنا عن هاتين البادرتين؟ هل يسيء المسلسل الدرامي إلى الرواية أم يخدمها؟ – كان لي موقف معارض من تحويل العمل الروائي إلى عمل مرئي، سواء كان تلفزيونياً أو سينمائياً. والسبب هو أن الرواية ليست مجرد قصة تروى، بل هي نص. هي جملة وعبارة يقضي الكاتب أحياناً بضعة أيام من أجلها. عندما تحولها إلى عمل مصور، يفقد النص قوته. أضف إلى هذا أنه يندر أن يتطابق العمل المكتوب مع العمل المرئي، ما يعني أن العمل المرئي هو إعادة كتابة جديدة للعمل المكتوب في الأصل. إذاً هو استنساخ لا اقتباس. وهذا ما كنت أرى ضرره الكبير على الحركة الأدبية. لكن من الناحية الأخرى، وجدت أن تحويل المكتوب إلى مرئي يصب في صالح الأول أكثر من الثاني. كما أن الرواية، وإن تم تحويلها مرة أو عشر مرات، إلى عمل مرئي، فهي ستبقى كما هي، ثابتة راسخة. وهذا ما جعلني أسير وراء نهج تحويل العمل الأدبي إلى عمل مرئي. روايتي الأخيرة “قصة حلم” ستصبح مسلسلاً تلفزيونياً لمصلحة تلفزيون أبو ظبي بعنوان “صانع الأحلام”. رواية “سلاّم” يتم البحث حالياً في تصويرها في إسبانيا، وبالمثل رواية ثالثة تم تقديمها إلى شركة إنتاج ألمانية. بعض رواياتي صدرت باللغة الإسبانية، ولغات أخرى وأنا سعيد بذلك. لكنني ما زلت في البداية. المزيد عن: الروايةالسعوديةالترجمةالغربهاني نقشبندي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post السعودية تودع الصحافي والروائي هاني نقشبندي next post فرض الرقابة على مذكرات آن فرانك بحجة “حياتها الجنسية” You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024