الفيلسوف بريشة بهرام حاجو (صفحة الرسام - فيسبوك) ثقافة و فنون عبده وازن يكتب عن: مشير عون يكشف ركائزه الفلسفية في “استنطاق الصامت” by admin 23 ديسمبر، 2024 written by admin 23 ديسمبر، 2024 14 كتاب يرسخ التعددية الحضارية والحق الانساني الشامل ويواجه ازمات العالم المعاصر اندبندنت عربية / عبده وازن تمكن مشير باسل عون من ترسيخ مشروعه الفلسفي خلال أعوام باكرة من مساره الذي انطلق فيه أستاذاً جامعياً ثم باحثاً أكاديمياً وكاتباً ومترجماً ومشاركاً رئيساً في لقاءات الحوار الديني في بعده الحضاري، حتى استحق عن جدارة لقب الفيلسوف، في ما يفترض هذا اللقب من معايير وضعها أرباب الفلسفة منذ العهد الإغريقي حتى العصر الحديث. في أوروبا والغرب عموماً بات الحصول على لقب فيلسوف أسهل مما هو في العالم العربي الذي ما برح يتهيب الفلسفة والفلاسفة لأسباب شتى، ومعروف أن عون درس الفلسفة في لبنان أولاً ثم انتقل إلى الدراسة الاكاديمية بين فرنسا وألمانيا، فحصل على مرتبة الدكتوراه عقب تقديمه دراسة معمقة وفريدة في “فلسفة هايدغر”، وقد غدا أحد المتخصصين النادرين فيه عربياً، وله مؤلفات شتى بالعربية والفرنسية وترجمات عن الفرنسية والإنجليزية والألمانية، ومشاركات جمة في مؤتمرات وتآليف موسوعية غربية، وإشراف على موسوعة الفلسفة الفرنسية المعاصرة التي صدرت منها أربعة أجزاء، وموسوعة الفلسفة العربية المعاصرة عطفاً على معجم الفلسفة العالمية الذي أطلقه “بيت الفلسفة” في الفجيرة، وعلى إدارته ترجمة موسوعة “العوسج المشتعل” للفيلسوف الفرنسي آلان غريش بأجزائها الأربعة. الكتاب الفلسفي الجديد (دار سائر المشرق) أما ما يتفرد به مشير عون بصفته فيلسوفاً فهو العزلة التي اختارها أو حال النسك الفلسفي، منصرفاً إلى الكتابة والتأليف والترجمة، على أن ما يكسرها هو تدريسه الفلسفة في الجامعة اللبنانية وجامعات أخرى سابقاً، وقد جعل من التقائه الطلاب مناسبة للاطلاع على هموم الجيل الجديد ومتابعة معاناة هذا الجيل، في بلد كان ولا يزال على شفا هاوية تقترب حيناً وتبتعد حيناً. وما يميزه أيضاً، ولا سيما عن جيل الفلاسفة السابقين أو الاساتذة، هو متابعته ولو من بعيد أحوال العالم المعاصر وثوراته العلمية والتكنولوجية، والتحولات التي تشهدها حضارة العصر ما بعد الحديث، وكأنه شاء أن يكون فيلسوفاً متنسكاً ولكن في قلب العالم، ولعل هذا الحضور حمله على كتابة مقالات ودراسات حول القضايا الراهنة، دينياً وأيديولوجياً واجتماعياً وعلمياً، ملقياً نظرة على الحاضر بصفته مستقبلاً. مفاتحات فلسفية ولعل كتابه الجديد وعنوانه “استنطاق الصامت: مفاتحات فلسفية في الاجتماع والدين والسياسة” (دار سائر المشرق- 2024) يمثل بعضاً من معالم فلسفته عبر مجموعة من الحوارات كان أجراها مع الصحافة ومنها مجلات متخصصة، لكنه شاء أن يكتب بنفسه أجوبته عن الأسئلة، مما جعلها نصوصاً أو مقاربات مرجعية، هادئة ومتعمقة. أما المقدمة التي وضعها لهذه الحورات أو “المفاتحات” كما يعبر فهي أقرب إلى بيان فلسفي يوضح فيه الأصول الثلاثة التي تقوم عليها نظريته التفلسفية الساعية إلى تأصيل التعددية الحضارية التي يقول بها، والأصول هي التسالمية الحضارية المقترنة بالتعددية الكونية، وتكاملية القيم الإنسانية في تناولاتها التاويلية المتبانية، والحيادية الحاضنة في العلمانية الهنية، وقد عمد إلى صوغ النظرية التي ترعى هذه الأصول في هيئة مراتب ثلاث، وفي رأيه أن المبدأ الفلسفي القائل بـ “تنوع تجليات الوجود” ينعقد في هذه المراتب. مشير باسيل عون (دار سائر المشرق) وتشمل المرتبة الأولى مبادئ شرعة حقوق الإنسان المعروفة لدى الجميع والمرضي عنها، وتضم المرتبة الثانية قيم الروح ومثل الروح العليا، ويعدد منها التغافر والعطاء المجاني والاستضافة والمحبة والتضحية وبذل الذات، وهذه فعلاً من أرقى القيم والمثل الروحية والعقلية. أما الثالثة فتحوي ما يسميه عون “تذوقات الإنسان الوجدانية الجوانية الصوفية المقترنة بالاختبارات الإيمانية والتعابير اللاهوتية”، ولعله عبْر هذه المراتب يرسخ المعنى الذي يجسد في الوعي الإنساني عصارة المسعى الوجودي الذي يبدو هنا، حاوياً الاختبارات الإنسانية الممكنة وفق مستويات عدة، منها الشرعة العالمية، والروحانيات الدينية والعلمانية، والانظومات الدينية العقائدية. ويفترض مبدأ التراتبية، بحسب عون، أن الانتقال من مرتبة إلى أخرى يجب أن يكون انتقال “الائتمار” بإرشادات المرتبة السابقة، مما يجعلها متواصلة بعضاً ببعض، ويرى أن الناس إذا راعوا هذه التراتبية فسيتسنى لهم أن يحيوا حياة سليمة تعصمهم من “الاضطراب والاصطراع أو التحارب”، وتتيح أمامهم فرصة تدبر قضايا “المعية الإنسانية” وشروط العيش الكريم في نطاق المدنية الإنسانية. التحديات المصيرية لكن عون لا يتغافل البتة هنا عن “أعتى التحديات المصيرية” التي قد تقذف بالإنسان في “لجة الهلاك”، ويؤكد أن الإنسان يحتاج إلى “السكينة والوجدانية والتسالم الحضاري والوداعة اللينة في العلاقات الاجتماعية”، فينصرف إلى “الاضطلاع بمسؤوليات ادارة الحياة اليومية وتدبر إشكالاتها الخُطُر”. كتابه عن فلسفة هايدغر (نيل وفرات) ونظراً إلى إلمامه بالأخطار الحديثة وما بعد حديثه التي تحوق بالإنسان، فهو يعلن أنه يتغاضى عن كل ما ينغص حياة الإنسان اليوم ويهدد كينونته ويضع مستقبله في مهب الريح، ويوضح ما يقصد بوعي تام وشامل، متحدثاً عن المعضلات المعطوبية الكيانية و”الانجراحية النفسية والانحرافية المسلكية والالتباسية الأخلاقية والالتوائية التي تصيب الشأن السياسي، والاندثارية المتربصة بموارد الطبيعة، ويتناول أيضاً “الاختلالية الناشبة في صميم التدبير العلمي الذي يروم أن يضبط بواسطة الذكاء الاصطناعي الأعمال البحثية الناشطة في المختبرات الطبية والتكنولوجية والاستنساخية، وما إلى ذلك من مخططات تطوير البنية الجينية في الكائن البشري والبنية الفيزيائية الكيميائية في الكائنات الطبيعية، ويستخلص أنه “لا بد لنا، والحال هذه، من التروي في استخراج المعنى الهادي حتى لا يتحول المسار الوجودي هذا إلى سبب للعثار والاضطراب والاقتتال”. ولا شك في أن ما يقترح عون في نصوصه وأبحاثه من تدبير عقلاني حكيم يرعى تنوع التصورات الثقافية، يتيح للبشر أن يعتصموا ببعض من السلام الكياني، وأن ينظروا “نظراً حصيفاً في معضلات العالم الشائكة”، كما يقول. وعلى رغم أن كتاب “استنطاق الصمت” لا يتخطى الـ 200 صفحة، فهو على كثافته يضم خلاصات من الفكر الفلسفي الذي يختزنه مشير عون، ومقارباته المتعددة لقضايا الوجود والكائن والجماعة، وشؤون الدين والحضارة والسياسة والاجتماع، وشجون التاريخ والعلم والمستقبل و”المعية” الإنسانية والحوار والعلمانية التي تتيح، في نظره، للأفراد والمجموعات “المعايشة الخلاقة التي تصون الاختلافات في نطاق الانتماء إلى المدينة الإنسانية الواحدة”. نداءات الوجود ومن تعيينه المهمات العديدة للفلسفة “التبصر في نداءات الوجود المنبثقة من صلب المعاناة الإنسانية، الفردية والجماعية”، وفي شأن فلسفة الحوار الذي يعد من أركانه، يرى بجرأة واضحة أن على الناس أن يعتصموا بـ “نسبية اختباراتهم الأشياء”، وأن يكفوا عن “الادعاء الثقيل أن كلماتهم واختباراتهم هي الصورة الأمينة المثلى التي تصور لهم جور الأشياء”، فما من أحد ولا من جماعة يمكنهما أن يعلنا امتلاك الحقيقة، متجاهلَين مواقف الاخرين وآرائهم المختلفة أو المتعارضة معهما. وينادي عون بما يسميه “إنسية كونية” تتجاوز الانتماءات الأيديولوجية الضيقة من سياسية ودينية “تستند إلى مؤالفة جريئة بين عقلانية الحداثة الغربية ورقّة الوجدان الشرقي العربي الحدسي”، ويؤكد ألا أخوة من دون تسالم ولا تسالم من غير إنصاف ولا إنصاف بلا حرية، ويقول إن “الحرية عندي هي الأصل”. ويتطرق عون إلى فلسفة الدين التي من خصائصها وبركاتها أنها تستطيع “أن تتفكر في الاختبار الإيماني من دون أن تخضع خضوعاً مربكاً لإملاءات سلطة الخطاب الديني”، ويتوقف عند علاقة العرب بالفلسفة وفي رأيه أن الإنسان العربي لا يبدو مقبلاً على اعتماد السبيل الفلسفي في اكتساب مهارات التبصر في حقائق وجوده التاريخي، ويعيّن أسباباً عدة منها ما يتصل بأزمة الهوية العربية، وما يتعلق بـ “إغواءات اليقينيات الدينية الجاهزة”، ومنها أيضا ما يرتبط بإغراءات الإيديولوجيات السياسية التي تحمل وعوداً عدة، ومنها كذلك ما يتصل بـ “مقام الفلسفة في زمن العولمة الكوني وفي الزمن العربي المعطوب”، ثم يتوقف عند أزمة الهوية العربية ومفهوم الحداثة العربية المضطربة، وأثر العولمة في العرب وواقع التخلف والربيع العربي، والترجمة الفلسفية التي تعاني الأمرّين عربياً، وسواها من القضايا التي لا يمكن حصرها في مقالة. يمكن أن نطلق على هذا الكتاب صفة “المقدمة” ولكن الموجزة إلى فلسفة مشير عون، فهي تفتح أمام القارئ سبلاً إلى ولوج عالمه الفلسفي الرحب المتعدد الطبقات والمختلف الشواغل، والذي رسخته كتبه الـ 40 حتى الآن ومداخلاته وترجماته والموسوعات التي أشرف ويشرف عليها، وكذلك نسكه الفلسفي وانصرافه شبه التام عن إغراءات العالم، وهنا اذكر طرفة لا بد منها، فكلما التقيت بالفيلسوف الفلسطيني أحمد البرقاوي مؤسس “بيت الفلسفة” في الفجيرة يسألني عن مشير عونن وأول ما يقول لي “أما زال متنسكاً، لا يخرج ولا يسهر خارج البيت؟”. لعل عون أصاب في مستهل المقدمة عندما تحدث عن صمته، الصمت المصحوب بـ “نضج النظرة الواقعية” التي يتناول عبرها حقائق الوجود الإنساني في جميع أبعاده، ويقول “آثرت الكتابة باكراً فأرهقني الفِكر حتى أصمتني بعد 40 عاماً من الإنتاج المطرد”، ولكن من فوائد هذه “الصحوة الفتية” تقصيرها المسافات واختزال المعادلات واستباق الانضاجات، كما يعبر، أما نقمة هذه الصحوة، كما يقول أيضاً، فإفضاؤها به إلى “الاكتفاء والانكفاء حتى اختبار العزلة في اختتام العقد الخامس الذي يجسد ذروة العطاء”. وختاماً لا بد من الإشارة إلى اللغة الفلسفية العربية التي يتفرد بها مشير عون، وإلى الاسلوب الذي يمتلكه وإلى ميله إلى ضرب من الفصاحة أو البلاغة الحديثة والحية والبعيدة عن التقعر، فهو على دراية بأسرار العربية وعلم الاشتقاق، ولا يني يشتق مفردات وتراكيب وخصوصاُ عندما يترجم، تصب في صميم الإدراك اللغوي. المزيد عن: فلسفةفيلسوفالتعددية الحضاريةمقارباتالحقوق الإنسانيةالحريةالعلمانيةالدينالمجمتعالعالم المعاصرمخاطر التكولوجيا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سينما “متروبوليس”… صرح ثقافي يعيد الحياة لبيروت next post هل تلجأ أميركا إلى حلفائها الجدد لوقف التمدد الروسي في ليبيا؟ You may also like “الذراري الحمر” يحصد جائزة “أيام قرطاج” وضجة حول... 23 ديسمبر، 2024 أوديب: الأسطورة المتجددة عبر العصور 23 ديسمبر، 2024 سينما “متروبوليس”… صرح ثقافي يعيد الحياة لبيروت 23 ديسمبر، 2024 محمد علي اليوسفي: كل ثورة تأتي بوعود وخيبات 22 ديسمبر، 2024 سوريا والمثقفون الانتهازيون: المسامحة ولكن ليس النسيان 22 ديسمبر، 2024 حين انطلق “القانون في الطب” غازيا مستشفيات العالم... 22 ديسمبر، 2024 “انقلاب موسيقي” من إيغور سترافنسكي في أواخر حياته 21 ديسمبر، 2024 الإرهابيون أرسلوا رأس الصبي إلى أهله في “الذراري... 21 ديسمبر، 2024 “هند أو أجمل امرأة في العالم” لهدى بركات:... 21 ديسمبر، 2024 جواد الأسدي يسجن شخصياته المقهورة في “سيرك” 21 ديسمبر، 2024