الذئب" هذه المرة يمضي قدماً في طمس هوية الفلسطينيين (رويترز) ثقافة و فنون طمس الهوية أداة حرب والعين مشغولة بالقتل by admin 7 سبتمبر، 2024 written by admin 7 سبتمبر، 2024 50 “جريمة ترتكب بنية تدمير جماعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية كلياً أو جزئياً” اندبندنت عربية / أمينة خيري أوكرانيا تتهم روسيا بمحاولة محو الهوية الثقافية لأوكرانيا، وجمعيات حقوقية تقول إن الصين تعمل على محو هوية مسلمي “الإيغور“، وكثيراً ما توصف الحرب التي شهدتها يوغوسلافيا السابقة في تسعينيات القرن الماضي بحرب محو هوية أهل البوسنة والهرسك، ويندرج تحطيم مقاتلي “طالبان” لتمثالي بوذا في باميان بأفغانستان عام 2001 تحت بند طمس الهوية، كذلك فعل مقاتلو “داعش” في العراق وسوريا عبر تدمير جانب كبير من التراث التاريخي في مدن عراقية وسورية، وبين الحين والآخر تتعالى أصوات تذكر العالم بما قام به المستوطنون في أميركا من تفكيك ممنهج لهويات السكان الأصليين، وهو ما فعله الاستعمار الأوروبي نفسه في دول أفريقية عدة. أطفال أفغان يلعبون أمام المقعد الفارغ لأحد تمثالي بوذا اللذين دمرتهما “طالبان” عام 2001 في وادي بامبيان (أ ف ب) ويبقى ما جرى غير مرة في أرمينيا من قتل ممنهج للأرمن وقت الخلافة العثمانية قبل أكثر من 100 عام، ومستمر إلى حد ما عبر صراع مستمر مع أذربيجان نموذج لطمس الهوية عبر مذابح لم يقر بها مقترفوها بعد. انشغال العين ومن الحاضر الممتد من الماضي، والمستمر في المستقبل، تقف جهود إسرائيل العتيدة وخطواتها التي لا يخطئها عقل، حتى وإن انشغلت العين بفداحة ما يجري على الأرض. أسلحة الحرب التقليدية والحديثة، ونتائجها من قتل وتدمير وتهجير ونزوح واضحة وزاعقة، لكن سلاح طمس الهوية، سواء بطمس السكان حرفياً أو طمس هويتهم بعيداً من العين. رجل يرتدي قناعاً يرمز إلى قمع الصين لأقلية “الإيغور” (أ ف ب) حروب محو أو طمس الهوية، أو بالأحرى أحد أكثر أسلحة الحروب قدرة على الفتك والتفكيك، تأتي تارة ضمن آلة عسكرية تستخدم فيها الدبابات والصواريخ والمسيرات للقتل والتدمير، وأخرى تنفيذاً لمخططات فقدت الاهتمام العالمي بسبب الإفراط في اللجوء لنظريات المؤامرة. لذلك وعلى رغم اتضاح معالم “مؤامرات” طمس الهوية مثل ما يجري في غزة على سبيل المثال، يعتقد العالم أن أحدهم يعاود الصياح “الذئب الذئب”. الذئب في غزة “الذئب” هذه المرة يمضي قدماً في طمس هوية الفلسطينيين، بدءاً بتدمير المباني السكنية ودور العبادة والمدارس وأماكن العمل والآثار وأماكن الترفيه، مروراً بالتهجير والنزوح القسري، وانتهاءً بقتل أكبر أعداد ممكنة من السكان، إذ الإبادة الجماعية أقصر الطرق وأسرعها لطمس الهوية. وإذا كانت الأمم المتحدة تعرف الإبادة الجماعية بأنها “جريمة ترتكب بنية تدمير جماعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية كلياً أو جزئياً”، فإن طمس الهوية إحدى أهم أدوات تنفيذ هدف التدمير. ناجون من مجازر الهوتو ضد قبيلة التوتسي في رواندا (أ ف ب) في عام 2013، وهو العام الذي اتسم بوقوع عديد من جرائم نهب وتدمير وطمس مواقع أثرية في دول عدة، حذرت “يونيسكو” (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) من تحول نهب المواقع الأثرية ومعالم التراث الإنساني في مناطق الصراع إلى أداة حرب، ووسيلة لإخضاع الخصم وطمس هويته. في هذا العام والأعوام القليلة التالية، تكررت عمليات النهب والتدمير لمناطق أثرية في سوريا على يد الأطراف المتقاتلة، وهو ما فاقم من حجم المأساة التي فجرها الصراع المسلح، فأضاف إليها بعداً ثقافياً كارثياً هدفه محو التاريخ والذاكرة والثقافة. تعميق الجروح في ذلك العام، تحدثت المديرة العامة السابقة لـ”يونيسكو” إيرينا بوكوفا عن تعميق جروح السوريين والصدمة التي ستصيبهم على المدى الطويل بسبب حجم نهب وتدمير المعالم الأثرية في بلدهم. من قلعة صلاح الدين أو قلعة الأكراد أو قلعة الحصن التي تحولت موقعاً عسكرياً، إلى المدينة القديمة في حلب، والتي تم نهبها، إلى صومعة المسجد الكبير التي تم تدميرها، إلى آثار القصف والتدير التي تلاحق الأعين في دمشق وتدمر وبصرى. وما جرى في سوريا من جهود طمس الهوية دار أيضاً في مالي التي كانت قد دخلت صراعاً مريعاً هي الأخرى عام 2012، فقد حرقت الجماعات المتطرفة عديداً من الزوايا، وأتلفت محتويات المكتبات من كتب ووثائق ومخطوطات، وهو ما وصفته المنظمة الأممية بـ”عمل مقصود بهدف محو هوية شعب وإرهاب السكان”. منظر عام للمنطقة المتضررة من القصف على المدينة القديمة في حلب في 12 أكتوبر 2016 (رويترز) وقبل ذلك بعقد كانت “طالبان” قد حفرت اسمها في تاريخ التخريب الثقافي وتدمير الهوية حين تابع العالم في ذعر ومقاتليها يدمرون تمثالي بوذا في وادي باميان، وكانا ضمن كنوز العالم التاريخية. فالهوية لـ”طالبان” ينبغي أن تقتصر على هوية بعينها صنعوها، ولا مجال للتاريخ أو حتى الجغرافيا للمشاركة. محو الهوية صنعة محو الهوية صنعة واحتراف. تحقيقها صعب، ويحتاج إلى تضافر الجهود العسكرية القاتلة المدمرة مع الخطوات المدنية والإعلامية الفاعلة، والتي تراوح ما بين التجاهل والتهوين، والاكتفاء بالتركيز على القتل والدمار، مع تحويل دفة الاهتمام بعيداً قدر الإمكان ولأطول فترة ممكنة لحين تحقيق عملية الطمس. مديرة “يونيسكو” السابقة إيرينا بوكوفا كانت قد تحدثت عن صعوبة جذب الانتباه للإبادة الثقافية في خضم الصراعات المسلحة وهول وبشاعة الأزمات الإنسانية المترتبة عليها. وحذرت عام 2013 من أن “الإرث الثقافي الإنساني الذي كان ينظر إليه في السابق على أنه اهتمام من الدرجة الثانية أثناء الصراعات المسلحة، تحول حالياً إلى واجهة الصراعات المسلحة في الحروب الجديدة التي يشهدها القرن الـ21، ليس فقط في الصراعات بين الدول، بل أيضاً في بعض النزاعات الداخلية”. أما لماذا يستهدف الإرث الثقافي من آثار ومكتبات ودور عبادة ومراكز فنون وغيرها بصورة مباشرة ومقصود؟ فهذا لأن هذا الإرث يحمل القيم والمعالم الرئيسة التي تحافظ على هوية شعب أو مجموعة ما، وهو ما يجعل، نظرياً وفي عالم مثالي، الحفاظ عليه والتدخل السريع لإنقاذه، جزءاً لا يتجزأ من عمليات حماية الأرواح. تحويل شعوب إلى أسطورة يقول أستاذ الفلسفة في جامعة “ييل” الأميركية جايسون ستانلي إن جريمة الإبادة الجماعية تنطوي على محاولة مثبتة لتدمير مجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية كلياً أو جزئياً لمحو كل آثارها ثقافياً وجسدياً، ويتم تحقيق هذا الهدف بأساليب مختلفة مثل القتل الجماعي والاغتصاب والاختطاف والإجهاض والتعقيم غير الطوعي. ويشير ستانلي في مقال عنوانه “هوية الإبادة” (منشور على موقع “بروجيكت سينديكايت” 2022) إلى أن “الغالبية حين تفكر في الإبادة تحزن بالطبع على الضحايا، لكن بعيداً من العنف الجسدي الذي لا يوصف، فإن محو الهويات وتحويل شعوب بأكملها إلى أسطورة، أمر مأسوي للغاية، وهو ما لا يمكن فهمه إلا بفهم منظور مرتكبي الجريمة أيضاً”. وعلى رغم أن ستانلي كان يتحدث في مقاله عما “تقترفه” روسيا في أوكرانيا، فإن ما يسري من قواعد إبادة هناك يفترض أن يسري هنا أيضاً. ويقول، “لعبت الإبادة الجماعية دوراً فعالاً في التاريخ الوطني لعديد من البلدان، وحدثت الإبادة في بعض الحالات نتيجة قرار واعٍ ومدروس من قبل شعب يريد تعريف هويته وتحديد جوهرها بالقضاء على مجموعة أخرى”. ويجيب ستانلي عن سؤال يطرحه، وهو: ما الذي يمكن أن يدفع شعباً ما إلى ربط هويته الوطنية بالإبادة الجماعية الصريحة لشعب آخر؟ يقول، “بحكم التعريف، فإن خطاب الإبادة الجماعية يستهدف فئة اجتماعية معينة ويبرر القضاء عليها. وحين تكون هناك مجموعة من الناس تحمل أيديولوجيا معادية تجاه وجود جماعة أخرى، فإن مفهوم هذه المجموعة عن نفسها وبقائها يعتمد على محو الجماعة الأخرى، وهذا يؤدي إلى الشكل الأكثر تطرفاً وعداءً من أشكال الفكر العدائي”. ويضيف أنه من خلال تقديم روايات كاذبة عن التاريخ، تغذي المجموعة ذات الفكر الأيديولوجي العدائي الخطاب السائد بفكرة قوامها أن وجود الجماعة المستهدفة من الأصل فيه تهديد وجودي لها. على مدار التاريخ استخدمت الحروب أدوات محو الهوية جنباً إلى جنب مع أسلحة القتل والتدمير، من هدم المعابد وحرق المكتبات، إلى تسوية المباني والمؤسسات بالأرض واستهداف دور العبادة والمزارات السياحية والتاريخية، وتظل أعين المتصارعين، سواء الدول أو الذئاب المنفردة مركزة على التراث الثقافي وتفاصيل الحياة اليومية. وحرمان الناس من هوياتهم هو استهداف صريح لإحساسهم بكيانهم وتاريخهم وجغرافيتهم وكيانهم. وعلى رغم عدم شيوع الكلمة بعد، فإن كلمة Identicide أو قتل الهوية يجب أن يجري تعميمها والاعتراف بها طالما الفكرة موجودة، وعمليات الطمس تمضي قدماً، شأنها شأن “جنوسايد”. قتل الهوية “قتل الهوية وأكل لحوم البشر ثقافياً: شهية الحرب لرمزية المكان” عنوان ثاقب وصارخ لورقة بحثية كتبتها الأستاذة الجامعية الكندية المتخصصة في إعادة البناء الاجتماعي والثقافي والاقتصادي بعد الحروب والكوارث سارة جاين مهارج عام 2001. وتقول إن استهداف الأماكن ذات الرمزية والمعاني الدينية والثقافية والعلمية أثناء الحروب جرى عن عمد عبر التاريخ، ويبقى الهدف واحداً: تدمير الهوية، أو بالأحرى قتلها عبر تدمير ثقافة البشر. اليوم، وبعد مرور 23 عاماً على نشر هذه الورقة، يستمر قتل الناس في الحروب، فهذه سمتها، لكن يمضي قتل الهوية قدماً من دون أن يلفت كثيراً من الانتباه. أو الإبادة الجماعية بمعناها الكلاسيكي ربما لا تحقق الغرض منها، فربما يتبقى بضعة أشخاص يعيدون ترتيب أنفسهم وبناء حياتهم، لكن قتل الهوية هو حرب في العمق، تأثيراتها دائمة ونتائجها في الغالب غير قابلة للإصلاح أو إعادة البناء، هذا القتل يغير حياة الناس وسماتهم وأحوالهم للأبد. والقتل رواية يعرفها كل البشر، وتجربة تجمع بين كل من ينجو منها، من دون النظر إلى الاختلافات في الثقافات والعادات والتقاليد واللغات والمعتقدات. أما قتل هذه الاختلافات، فهو طمس دائم للهوية وقتل لها، لا يرجى بث الحياة فيها مجدداً. المزيد عن: حروب محو الهويةحرب غزة البوسنة والهرسكأفغانستانحركة طالبانبوذااليونسكوالأرمنروانداالإيغور 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post محمد بدر الدين زايد يكتب عن: غزة ليست إلا حلقة في انهيار الترتيبات الدولية القائمة next post أزياء نساء السلطة “رسائل” سياسية وثقافية You may also like المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024 أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لنوفمبر 2024 15 نوفمبر، 2024 “بناء العقل الثاني” يواجه أخطار التكنولوجيا وإدمان الإنترنت 15 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: التشخيص والتجريد يتآلفان في... 15 نوفمبر، 2024 عندما لاعب التلفزيون الذكي كاسباروف على رقعة الشطرنج 15 نوفمبر، 2024