ثقافة و فنونعربي «طرائف جمالية» لبودلير: الشاعر يدافع عن حساسية الفنان by admin 26 مارس، 2020 written by admin 26 مارس، 2020 129 نقد فني مدهش في انتظار عودة “أزهار الشرّ” المتأخرة قرناً اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب في العام 1865 أي قبل وفاته بعامين وبعد أن أقام عاما كاملا في بروكسل البلجيكية حاصراً اهتمامه بالفنون الجميلة محاولا أن يخوض اللعبة النقدية بشكل كلّي، وفي جعبته مجموعة من مقالات ودراسات “راكمها” كما سيقول هو نفسه في كتاب أطلق عليه عنوان “نتفاً جمالية”، عاد بولير إلى باريس معتقداً أن الناشرين سيفتحون له الأبواب وسيتدافعون لنشر الكتاب. صحيح أنه كان لا يزال في الرابعة والثلاثين لكن سمعته كانت قد كبرت خلال العقدين الفائتين وصار له أعداد كبيرة من القراء ولا سيما بعد “الفضيحة” التي كانها إصدار مجموعته “أزهار الشرّ” وما تعرضت له من محاكمة شغلت الحياة الثقافية الفرنسية وربما الأوروبية أيضا سنوات عديدة انتهت بحذف الكثير من قصائدها إن لم يكن بمنعها نهائيا، كما سنرى بعد سطور. بيد أن ما حدث كان عكس ذلك تماما: ما من ناشر رضي بتبني الكتاب بما في ذلك الناشر الذي كان قد جازف بنشر “أزهار الشر” في العام 1857. على الفور يومها غيّر بودلير العنوان إلى “طرائف جمالية” ولكن بلا جدوى. وهكذا إذ شعر بودلير بالخذلان والاختناق عاد إلى القطار متوجها إلى بروكسل يائسا من كل شيء، قابلا بجولة محاضرات بين المدن البلجيكية توفر له فتات المال وشيئا من إعادة الاعتبار. ولكن هنا مرة أخرى حدث أن المحاضرة الأولى التي كرسها لفن أوجين ديلاكروا وقدّمها في مقر “حلقة الفنون” في العاصمة البلجيكية لم تجتذب جمهوها إلا بالقطارة ما اضطره إلى إلغاء الجولة كلها. ولكن تلك المحاضرة بالذات عن ديلاكروا إضافة إلى مجموعة الدراسات التي رُفضت في ذلك الحين، عادت ونشرت في العام 1868 أي بعد عام من رحيل كاتبها عن عالمنا، وتعتبر اليوم من الكتابات التي أسست للحركة الفنية الحديثة في فرنسا. ولا بد أن نتذكر هنا الأساس الذي بنى عليه بودلير كتاباته النقدية في هذا الكتاب، وذلك انطلاقا من نصّ كان أصلا نشره في العام 1845 وقال فيه مؤسسا لازدواجيته الإبداعية اللاحقة كشاعر وناقد، هذا إذا غضضنا النظر عن كونه مترجما نقل أعمالا لإدغار آلن بو إلى لغة موليير وعرّف به في فرنسا: “إن على الناقد، كي يكون عادلا، أي كي يوجد لنفسه مبررا لوجوده، أن يكون منحازا وشغوفا وسجاليّاً. عليه أن تكون له وجهة نظر خاصة به… شرط أن تكون وجهة نظر تفتح على أوسع عدد ممكن من الآفاق”. حب الفن لجمع الكاتب بالفنان وسوف يضيف بودلير لاحقا أنه إنما يبني العلاقة بين الكاتب والرسام على حبه للفن، ولكن بعد ذلك على نظريات التقابلات التي تقول بأن “الروائح والألوان والأصوات تتجاوب مع بعضها بعضا”. والحقيقة أن النقد البودليري الذي يمكننا قراءته في تلك الدراسات التي يضمها الكتاب والتي كان قد نشر معظمها انطلاقا من جولاته في “الصالونات الباريسية” للأعوام 1845 و1846 و1846 نقد له برنامج نظري واضح يدافع عن حق الفنان في أن يتكل أول ما يتكل على فرديته منطلقا من فضوله الخاص وخياله ناهيك بحساسيته. ولعل هذا ما قسم القراء، ولا سيما نخبتهم في ذلك الحين، من حول الكتاب إذ صدر بعد موت صاحبه، في زمن كانت الإيديولوجيات قد بدأت تنهك الحياة الثقافية الفرنسية والأوروبية بصورة عامة. مهما يكن من أمر، حين صدر “طرائف جمالية” لم يلق النجاح الذي سيكون له بعد سنوات حين راجت النقاشات الكبرى حول الفن و”وظيفته الإجتماعية”. يومها إذ تغلب هذا التوجه برزت كتابات بودلير خصما عنيفا له معيدة إلى شاعرنا الناقد مكانته في الإبداع الفرنسي. ولسوف تستفيد مجموعة “أزهار الشر” من تلك العودة حتى وإن سيبقى عليها أن تنتظر اثنتين وثمانين سنة، قبل أن تصدر مكتملة، وبأمر واضح من القضاء الفرنسي. وبالتالي فإن شارل بودلير الذي كان قد رحل عن عالمنا في العام 1867 وهو غير دارٍ أبداً بالمصير الذي سيكتبه التاريخ لمجموعته الشعرية الأساسية كان عليه أن «ينتظر» طويلا بعد موته قبل أن يرقد، أخيراً، مطمئناً راضياً. قرن من الطبعات المنقوصة صحيح أنه لا يزال هناك حتى اليوم من يرى في «أزهار الشر» مجموعة من الشعر الإباحي الذي لا يجوز أن يُطلق من عقاله وأن يُقرأ بحريّة، ومن المعروف أن معظم الطبعات التي صدرت فيها المجموعة طوال ما يقرب من مئة عام، ومعظم الترجمات التي تحققت لها إلى اللغات الأخرى، ومنها بالطبع اللغة العربية التي نقلت اليها أشعار «أزهار الشر» مرات عدة، انطلقت كلها من الطبعة المنقوصة التي كان القضاء الفرنسي تدخل لجعلها هي الطبعة المتداولة. منذ بداية أربعينات القرن التاسع عشر كان شارل بودلير بدأ يشتغل بالتوازي مع اهتمامات كبيرة بالفن التشكيلي، على مجموعته الشعرية تلك، والتي كانت في الأصل تتألف من خمسة أقسام تضم مئة قصيدة، وكان بودلير يرى أن تلك القصائد إنما تلخص شعره كله، وأنه إذا صدرت مجتمعة على النحو الذي يرتئيه، لن يكون في حاجة لأن ينشر أية أشعار أخرى. وبالفعل اكتملت المجموعة بعد عمل دام خمسة عشر عاماً. وصدرت في طبعة أولى يوم 25 حزيران (يونيو) 1857، عند الناشرين «بوليه – مالاسي» و«برواز». خلال الأيام الأولى التي تلت صدورها، لم يقبل القراء بالطبع على شراء المجموعة بالشكل الجنوني الذي كان يمكن توقّعه. كان مصيرها في ذلك الحين مصير أية مجموعة أخرى: يشتريها هواة الشعر وهم نادرون، ويقرأونها في ما بعد، أي حين تتيح لهم أوقات فراغهم ذلك. أما إذا قرر النقاد أن يكتبوا عنها فلن تكون الكتابة الا بعد أسابيع وربما بعد شهور. كان ذلك هو المصير الطبيعي لأي عمل شعري. ولكن، كما أن خصوم الشيء هم الذين، في أغلب الأحيان، يحددون له مكانته، نشر في صحيفة «الفيغارو»، وبعد ثلاثة أسابيع فقط من صدور «أزهار الشر» مقال عنيف ضدها يتهمها بالإباحية حمل توقيع شخص شبه مجهول يدعى غوستاف بوردين. وهكذا انتقلت «أزهار الشر» من حالتها كمجموعة شعرية إلى قضية عامة، إذ أن المقال سرعان ما فعل فعله، وفي الوقت الذي كان فيه مئات، وربما ألوف القراء يتدافعون لشراء المجموعة في طبعتها تلك وقراءتها، بحيث أصبح بودلير بين ليلة وضحاها أشهر شاعر في فرنسا، في ذلك الوقت كان القضاء قد أمسك بالقضية وأمر بمصادرة النسخ الباقية من «الأزهار» الشريرة في المكتبات. ثم بعد مداولات صدر الحكم: يعاد نشر المجموعة شرط أن يمحو الشاعر منها ست قصائد هي الأكثر إباحية ولا أخلاقية في المجموعة. وإضافة إلى ذلك فرضت على الشاعر وناشريه عقوبات ماليّة ضخمة. ومنذ ذلك الحين أضحت «أزهار الشر» مجموعة شعرية ملعونة، حتى بصيغتها المخففة، وستظل تلك حالها إلى أبد الآبدين. تعديلات غير مأذونة مهما يكن فإن المجموعة، وقد اقتطعت منها القصائد المدانة، عاشت حياتها بعد ذلك، إذ فور صدور الحكم صدرت منها طبعة ناقصة كما أمرت المحكمة، وفي العام 1861 صدرت، في بروكسيل، الطبعة الناقصة ولكن بعد أن أضيفت إليها خمس وثلاثون قصيدة جديدة. وفي العام 1868 صدرت طبعة أخرى، وذلك في العام التالي لموت شارل بودلير، وهذه الطبعة الجديدة التي أشرف عليها ثيوفيل غوتييه الكاتب الذي كان بودلير أهدى إليه المجموعة الأصلية، سميت بـ «الطبعة النهائية» إذ أضيفت إليها خمس وعشرون قصيدة أخرى سبق أن طبعت سراً في بروكسيل. ومنذ ذلك الحين ظلت الطبعة الأخيرة هي المعتمدة، حتى كان الأول من حزيران 1949 حيث صدر حكم القضاء الفرنسيّ بإعادة القصائد المنتزعة إلى المجموعة. وتم ذلك بناء لطلب تقدمت به «جمعية أهل القلم» استناداً إلى قانون كان صدر يوم 26/9/1946 استخدمته المحكمة لتعيد إلى المجموعة التي يعتبرها تاريخ الشعر «فاتحة الشعر الحديث» في العالم، صورتها الأولى التي شاءها لها مؤلفها. المزيد عن: شارل بودلير/أزهار الشر/الشعر الفرنسي/الشعر الحر 24 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post 17 كاتباً عربيا يشهدون على لحظة العزلة التاريخية في “عالم كورونا” next post What Is It And How Does It Operate? You may also like أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024 24 comments зарубежные сериалы в хорошем HD качестве 23 مارس، 2024 - 11:44 م I am extremely inspired with your writing skills and alsosmartly as with the layout for your blog. Is this a paid subject matter or did you customize it yourself? Either way stay up the nice quality writing, it’s rare to see a nice blog like this one nowadays.. Reply глаз бога телеграмм бесплатно 11 أبريل، 2024 - 6:52 ص Thank you for some other magnificent article. Where else may just anyone get that kind of information in such a perfect approach of writing? I have a presentation next week, and I am at the look for such information. Reply steam cs2 live casino websites 2024 8 مايو، 2024 - 9:31 ص you are in reality a just right webmaster. The web site loading speed is incredible. It sort of feels that you are doing any unique trick. Moreover, The contents are masterpiece. you have performed a fantastic activity in this matter! Reply F. Skorina Gomel State University 16 مايو، 2024 - 11:53 م ГГУ имени Ф.Скорины Reply Гостиничные Чеки СПБ 25 مايو، 2024 - 3:34 م This design is spectacular! You certainly know how to keep a reader entertained. Between your wit and your videos, I was almost moved to start my own blog (well, almost…HaHa!) Great job. I really enjoyed what you had to say, and more than that, how you presented it. Too cool! Reply купить удостоверение тракториста машиниста 31 مايو، 2024 - 6:52 م Does your site have a contact page? I’m having a tough time locating it but, I’d like to send you an e-mail. I’ve got some suggestions for your blog you might be interested in hearing. Either way, great website and I look forward to seeing it expand over time. Reply 乱伦色情 4 يونيو، 2024 - 3:30 ص Hi friends, how is everything, and what you desire to say about this article, in my view its truly awesome for me. Reply Теннис онлайн 29 يونيو، 2024 - 2:13 م Im not that much of a online reader to be honest but your blogs really nice, keep it up! I’ll go ahead and bookmark your site to come back later. Cheers Reply Прогнозы на футбол 2 يوليو، 2024 - 6:59 ص Do you mind if I quote a couple of your posts as long as I provide credit and sources back to your weblog? My website is in the very same area of interest as yours and my visitors would definitely benefit from a lot of the information you present here. Please let me know if this alright with you. Many thanks! Reply Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 11:26 ص This is very interesting, You are a very skilled blogger. I have joined your feed and look forward to seeking more of your magnificent post. Also, I have shared your web site in my social networks! Reply Прогнозы на футбол 5 يوليو، 2024 - 2:09 ص I was more than happy to discover this great site. I want to to thank you for your time due to this wonderful read!! I definitely appreciated every little bit of it and I have you saved as a favorite to see new things on your blog. Reply автомойка под ключ 7 يوليو، 2024 - 1:20 ص 1Строительство автомойки – это инвестиция в стабильный бизнес. Мы сотрудничаем только с проверенными поставщиками и используем самые современные технологии. Reply автомойка самообслуживания под ключ 8 يوليو، 2024 - 2:06 ص “Строительство автомоек под ключ” с нашей командой гарантирует использование последних технологий и высочайших стандартов качества. Reply строительство автомойки 8 يوليو، 2024 - 1:36 م Строительство автомойки – это ответственный процесс, требующий знаний и опыта. Наша команда гарантирует качество и соблюдение всех норм. Reply строительство автомойки под ключ 9 يوليو، 2024 - 1:22 ص Мойка самообслуживания под ключ — это удобно и выгодно. Оборудование европейского качества обеспечит стабильную прибыль. Reply Прогнозы на футбол 10 يوليو، 2024 - 4:03 ص Because the admin of this website is working, no uncertainty very soon it will be well-known, due to its quality contents. Reply автомойка самообслуживания под ключ 15 يوليو، 2024 - 2:58 م Франшиза автомойки – шанс начать бизнес с минимальными рисками и максимальной поддержкой. Давайте расти вместе и достигнем успеха. Reply строительство автомойки под ключ 15 يوليو، 2024 - 11:32 م “Строительство автомойки под ключ” гарантирует высокую отдачу от инвестиций. Начните свой путь к успешному бизнесу с нами! Reply автомойка под ключ 16 يوليو، 2024 - 8:01 ص Ищете надежного партнера для строительства автомойки? У нас есть качественные решения под ключ, чтобы сделать ваш проект прибыльным. Reply строительство автомоек под ключ 16 يوليو، 2024 - 4:44 م Строительство автомойки под ключ – это выгодное вложение средств для начинающих предпринимателей. Компания берет на себя все этапы работ: от разработки проекта до запуска готового бизнеса. Reply строительство автомойки 17 يوليو، 2024 - 1:41 ص Выбирая франшизу автомойки, вы получаете готовый бизнес-план, маркетинговую поддержку и постоянное обновление технологий. Reply автомойка под ключ 17 يوليو، 2024 - 10:35 ص Заказав автомойку под ключ, вы получите полностью готовый и оснащённый бизнес. Ваша мойка будет работать безупречно! Reply Jac Амур 20 أغسطس، 2024 - 12:06 ص Hey this is kinda of off topic but I was wondering if blogs use WYSIWYG editors or if you have to manually code with HTML. I’m starting a blog soon but have no coding skills so I wanted to get advice from someone with experience. Any help would be greatly appreciated! Reply theguardian 24 أغسطس، 2024 - 5:10 ص Hi there, I enjoy reading all of your article. I like to write a little comment to support you. Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.