من صور إيفانز الشهيرة لسنوات الكساد (مركز بومبيدو) ثقافة و فنون صور واكر إيفانز ساندت روزفلت في معركته ضد الانهيار الاقتصادي by admin 13 أغسطس، 2023 written by admin 13 أغسطس، 2023 209 فرنسا كرمت المصور الفوتوغرافي الأميركي كواحد من مبدعي الفنون الحديثة اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب صحيح أن الكاتب الأميركي جيمس آجي كان في السادسة والعشرين حين صدر الكتاب الذي سيكون الأشهر بين نتاجاته طوال حياته، إذا وضعنا جانباً السيناريو الذي كتبه لفيلم تشارلز لاوتون الوحيد “ليلة الصياد”، لكنه كان معروفاً في أميركا إلى درجة أنها نسبت الكتاب إليه وحده مع أنه يحمل في حقيقته توقيعين، ثانيهما توقيع المصور الذي كان شهيراً بدوره، ولكن ليس على أغلفة الكتب، واكر إيفانز. والكتاب الذي نتحدث عنه هو بالطبع “فلنثن الآن على الناس الكبار” المعتبر من أعظم الكتب التي تناولت حياة وبؤس المزارعين والعمال الأميركيين البسطاء الذي كانوا الضحايا المعلنين للكساد الذي أصاب أميركا منذ نهاية عشرينيات القرن العشرين، صحيح أن قراء الكتاب قد عرفوا كيف يقرأون الكتاب على ضوء تلك الصور الفوتوغرافية التي واكبت نصوصه ملتقطة الحياة اليومية لعائلات عمالية في آلاباما الأميركية أصاب منها الكساد مقتلاً، وصحيح أن العبارة التي رافقت طبعة الكتاب الأولى وتقول: “من أنتم يا من تقرأون هذا الكتاب وتتمعنون في صوره الفوتوغرافية؟ وما الذي من شأنكم أن تفعلوه بقراءتكم وتمعنكم؟”، غير أن قلة من هؤلاء تنبهت إلى اسم المصور أمام اندهاشها بنص آجي معتبرة الصور جزءاً من عمله. وكان في ذلك ظلم لإيفانز بالطبع، فهو كان مستقلاً ومبدعاً في عمله وكانت له نتاجات سابقة على ذلك الكتاب، ولكن ما العمل وقد حقق نص الكاتب من الشهرة ما طغى يومها على شهرته؟ لعبة الزمن مهما يكن، نعرف دائماً أن الزمن يلعب لعبته، ويلعبها أحياناً مسفراً عن ظلم يأتي مضاداً للظلم الأول، فاليوم ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين، وبعد أن بات آجي منسياً من الجمهور العريض، عاد إيفانز إلى الواجهة، وتحديداً بفضل الصور التي نشرت في الكتاب المشترك، ثم عادت تنشر متفردة وتتحول إلى ملصقات، بل تستخدم حتى في أفلام تفصلها أكثر وأكثر عن نصوص آجي، بل تصل أحياناً إلى حد التعامل معها على قدم المساواة مع لوحات إدوار هوبر رسام العزلة والحياة اليومية الأميركية بامتياز. وفي ذلك السياق عادت كتب عديدة تحمل ألبومات صور إيفانز إلى يوميات الفن الأميركي الفوتوغرافي، وكانت عودتها عالمية أيضا، وأحياناً من خلال التأثير الذي مارسته في فن التصوير الفوتوغرافي في أوروبا وصولاً إلى اليابان، ولا بد من أن نذكر في هذا السياق كيف أن النقد، الفرنسي بخاصة، لم يفته في عام 1952 حين أصدر المصور الفرنسي كارتييه – بريسون كتابه العمدة “صور تلتقط لحظات أنقذت” المليء بصور تعبر عن مشاهد مدهشة من الحياة الفرنسية بعد الحرب، لم يفته التأكيد على أن ألبوماً لإيفانز كان صدر عام 1938 بعنوان “صور فوتوغرافية أميركية” إنما هو الأساس الأسلوبي الذي بنى عليه المصور الفرنسي عمله الأشهر ذاك. واكر إيفانز: التصوير الفوتوغرافي في المعركة (مركز بومبيدو) اهتمام فرنسي متواصل ونعرف على أية حال أن فرنسا كانت وتبقى على الدوام، البلد الأكثر اهتماماً بفن إيفانز بعد بلده الأميركي، ومن هنا لم يكن غريباً أن تصخب الحياة الفنية الأميركية في ربيع عام 2017 بمعرض لأعمال واكر إيفانز أقيم في مركز جورج بومبيدو الثقافي العريق وسط العاصمة الفرنسية، أي تحديداً في القاعات نفسها التي اعتادت أن تشهد الجمهور يتدفق لمشاهدة أروع لوحات ومنحوتات الفنون الحديثة التي يتخصص المركز في عرضها، ما يعني أن هذا المركز يسهم اليوم عبر هذا المعرض الاستثنائي في دمج التصوير الواقعي الاجتماعي في حلبة الفنون التشكيلية التي طبعت القرن العشرين. ويقيناً أن ذلك كان أرفع تكريم يحظى به مصور فوتوغرافي أميركي، ناهيك بأنه كان من اللافت هذه المرة، أن صور إيفانز هي التي ذكرت الجمهور العريض بنصوص جيمس آجي وليس العكس، وكان لافتاً للمناسبة عدد الكتب والكاتالوغات والألبومات التي صدرت للمناسبة، ومن بينها طبعة جديدة من الكتاب المشترك بين الكاتب والمصور، أصدرتها منشورات “بلون” ضمن سلسلتها الأشهر “أرض البشر” التي كانت المبادرة قبل ذلك بثلث قرن إلى ترجمة الكتاب إلى الفرنسية ونشره، كما كان لافتاً كيف أن معرض صور إيفانز شكل مناسبة لإعادة عرض فيلم “ليلة الصيد” في مركز بومبيدو نفسه والعودة إلى تحليلات معمقة له، مع أن لا علاقة لإيفانز به على الإطلاق، ولا بد هنا على أية حال من العودة إلى فن إيفانز نفسه هو الذي كان في الثالثة والثلاثين من عمره حين أصدر كتابه المشترك مع آجي، وكان حينها معروفاً أكثر من هذا الأخير، وهو أمر جعل المتحمسين للمصور يقولون إن الكتاب ما كان من شأنه أن ينتشر كل ذلك الانتشار لولا صور إيفانز! صور للروح الجوانية وربما يكون هؤلاء على حق ولكن إلى حد ما، فالصور التي عرضها مركز جورج بومبيدو تكشف عن حس فني كبير كما عن موهبة هائلة في التقاط الروح الجوانية للناس المصوَّرين، عن نظراتهم وتصميمهم على العيش والبقاء مهما كان الثمن، وعن الصمود في وجه الجوع والبؤس، وفي وجه أزمة اقتصادية عرف التصوير المدهش بالأسود والأبيض طبعاً كيف ينقل تأثيراتها في شحوب الوجوه شحوباً لا يخلو من عزم، كما عرف كيف ينقل من خلالها يوميات قوم كانوا لا يزالون يتمسكون ولو ببقايا البقايا من حلم أميركي كانوا لا يزالون يعدون أنفسهم به، والحقيقة أنه لم يكن بعيداً من الصواب ذلك المؤرخ الذي سيجرؤ على أن يؤكد أن تلك الصور نفسها (ولكن إضافة إلى ألوف الكليشيهات الأخرى لمصورين عاصروا تلك المرحلة بدورهم والتقطوا صورها ولو بنجاحات متفاوتة) ربما تقدر أكثر من أية تعبيرات أخرى على تفسير الكيفية التي تمكن بها الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت حينها من تمرير “الصفقة الجديدة” التي ستتمكن بعد سنوات الكساد الأولى التي تلت انهيار بورصة نيويورك في خريف 1929، من إنقاذ البلد وفرض نفسها، إذ تقول لنا كيف أن تلك الصور، بل حتى الفنون بشكل عام كانت السند الأول للرئيس في محاولته الإنقاذية التي ستسفر عن نجاح أرضى الشعب (كما تشهد على ذلك أفلام فرانك كابرا “الروزفلتية”)، وأغضب اليمين المتطرف والاحتكاريين (كما تشهد على ذلك ممارسات لجنة ماكارثي السيئة السمعة لاحقاً حين راحت تنتقم من الروزفلتيين دامغة إياهم بالشيوعية لمجرد “تلقينهم دروساً ثمينة”). بشكل عام من المؤكد أن فن إيفانز وكما كان في مقدورنا أن نتلمس في المعرض الباريس، قدم إسهام مميز في تحليق القوى الحية في أميركا من حول السياسات الإنقاذية لاجئاً إلى نوع من تعبئة فنية وشعبية لا تزال لها مفاعيلها حتى اليوم. بورتريه لأميركا غير أن فن واكر إيفانز لم يقتصر بالطبع (وهو ما أكده لنا المعرض الاستذكاري نفسه) على التعبير عن تدخل الفنان في روح سنوات الكساد، بل يمكن القول إن هذا الفنان الذي عاش بين 1903 و1975 قدم نوعاً من بورتريه لأميركا القرن العشرين، هي تلك التي قارنها المؤرخون والنقاد بالبورتريه التشكيلية التي رسمها إدوارد هوبر لتلك الـ”أميركا نفسها”، وانطلاقاً من ذلك الجهد أحب الجمهور النخبوي بشكل عام، ولكن الشعبي إلى حد ما أيضاً صور إيفانز، بل أحبها النخبويون إلى درجة أكدوا معها أن فن صاحبها التصويري كان من المراجع الأساسية في ما سيسمى في حينه “البوب آرت”، ومن هنا لم يكتف معرض بومبيدو بالعودة إلى سنوات الثلاثين من القرن الفائت والتي شهدت بدايات المكانة الكبيرة التي احتلها فن إيفانز، بل قدم استعراضاً لحياته منذ طفولته وصباه وحتى أيامه الأخيرة مركزاً على تحقيقاته الأولى المصورة في كوبا، كما على تصويره في مراحل مختلفة من حياته للمارة المجهولين في شوارع نيويورك وأزقتها، وكذلك على كونه أحدث ثورة حقيقية في عالم النشر الأميركي حين كان من أوائل الفنانين الذين أصدروا ألبومات لصورهم تكاد تخلو من أية نصوص، ومنها تحديداً كتابه الأشهر “صور فوتوغرافية أميركية” الذي أشرنا إليه أعلاه والذي صدر قبل سنوات من صدور كتابه المشترك مع جيمس آجي والذي سيعد مرآة حقيقية لأميركا الكساد و…الأمل. المزيد عن: المصور الأميركي واكر إيفانزالتصوير الفوتوغرافيالرسام الأميركي إدوار هوبرمركز جورج بومبيدوفرانكلين روزفلت 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كتاب “هوية مربكة” يطرح مشكلة الانتماء المزدوج next post دراسة: مادة في العرقسوس كفيلة بقمع سرطان خطير You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024