الإثنين, أبريل 21, 2025
الإثنين, أبريل 21, 2025
Home » “صمت مثير للقلق”… متى يدرك البيض أن السود ليسوا حيواناتهم الأليفة؟

“صمت مثير للقلق”… متى يدرك البيض أن السود ليسوا حيواناتهم الأليفة؟

by admin

 

عن رواية أندريه برنك الكاتب “الأفريقي” الذي أسهم في توعية الغرب على حقائق أغضبته

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

كان من فضائل انتهاء الشكل الأعنف للصراع العنصري في جنوب أفريقيا، وحصول السود على حقوقهم وعلى السلطة في ذلك البلد الذي كانت العنصرية فيه وصمة عار حقيقية على جبين القرن الـ20، أن كشف للجمهور العريض بعدما كان كاشفاً للنخبة قبل ذلك، عن وجود أدب رائع يكتبه مؤلفون من البيض، أخذ على عاتقه في معظم الأحيان الدفاع عن السود والتنديد بكل ما يتعرض إليه أصحاب البلد الأصليين في بلدهم من قمع واضطهاد وتمييز.

ومن هنا لم يكن صدفة أن ينال عدد من هؤلاء الكتاب، شهرة عالمية خلال العقدين الأخيرين، ناهيك بجائزتي نوبل مُنحتا، إحداهما لنادين غورديمر، والثانية للكاتب الذي كان يقل عنها شهرة غويتزه، لتليهما بعد حين ثالثة للكاتبة الروديسية- الإنجليزية دوريس ليسينغ في الإطار نفسه. غير أن الأولين لم يكونا من بين الكتاب الجنوب أفريقيين البيض الذين ناضلوا وكتبوا إلى جانب قضية السود، انطلاقاً من مواقفهم العادلة، ولكن أيضاً انطلاقاً من الأساليب الإنسانية التي اتبعها السود في نضالاتهم، تحت زعامة بطل استثنائي يدعى نيلسون مانديلا. فهناك آخرون أيضاً، منهم برايتن برايتنباخ، وأندريه برنك الذي كان على الأرجح وحتى رحيله المؤسف، أصغرهم سناً وأكثرهم راديكالية، من الناحية السياسية… ولكن خصوصاً من الناحية الفنية.

في صف الكبار

إذا كان أندريه برنك قد كتب كثيراً من الروايات التي لم تضعه فقط في صف أول بين الكتاب الملتزمين، بل كذلك في صف الكتاب الكبار، وحول بعضها إلى أفلام سينمائية مثل “موسم أبيض وجاف” من إخراج السينمائية أوجان بالاشي وتمثيل الراحل مارلون براندو، فإن روايته الأشهر والتي أثارت أكبر قسط من السجال هي “صمت مثير للقلق” التي صدرت للمرة الأولى عام 1982.

والحال أن السجال الطويل والحاد الذي دار من حول هذه الرواية لم يكن فقط بسبب النظرة الحادة التي ألقاها برنك من خلالها على قضية الاستعباد واسترقاق السود، بل كذلك بسبب الشكل الروائي الطليعي الذي اختاره الكاتب لعمله وبدا بالنسبة إلى البعض محملاً بشيء من الالتباس.

وهذا الالتباس، وفق ما جاء في مقال نقدي نشر على الأرجح في ملحق “التايمز” الأدبي، تجاوز رغبات الكاتب نفسه، “مما جعل موضوعه يفلت من يده بعض الشيء”. ولعل ما يجدر قوله هنا هو أن هذا الحكم النقدي عاد النقاد واستنكروه تماماً بعد ذلك، رغم ما فيه من نيات طيبة تجاه الكاتب، حتى وإن لم يكتب هذا النقد ضمن إطار رفض للمضمون النقدي للرواية بل على العكس من هذا كتب كنوع من التنبيه إلى خطر التعبير عن قضايا برسم أناس يصعب عليهم فهمها.

رواية تفتح العيون

المهم في الأمر أن “صمت مثير للقلق” أتت في ذلك الزمن الصاخب لتفتح العيون مجدداً على ما كان يعد “قضية القضايا” في ذلك الحين وهي قضية السود والتمييز العنصري والعبودية، في جنوب أفريقيا هنا، ولكن كذلك في أماكن عدة من العالم كان يمارس فيها مثل هذا النوع من التمييز ولتقول إن الأدب الملتزم صاحب القضية يمكنه أن يكون أدباً غير ممل وغير محشو بالأفكار والشعارات أيضاً في رد موارب على الذين كانوا يرون أن الالتزام والضحالة الشكلية يجب أن يتقدما سوياً وأن في الأدب النضالي لا مكان للترف الشكلي!

إحدى طبعات كتاب برنك (أمازون)

 

ومن الناحية الفنية وإلى حد ما يشبه أسلوب “صمت مثير للقلق” هناك فيلم “راشومون” للمخرج الياباني آكيرا كوروساوا المأخوذ أصلاً عن قصتين متوسطتي الطول للكاتب آكاغاوا. ولدينا هنا في فيلم كوروساوا، حدث أساسي، لكن الرواية، ثم الفيلم بالطبع، ترويه لنا في شكل متعدد الأصوات، إذ إن كل فصل من فصولها يقدم الحدث، ولكن في كل مرة في شكل مختلف جذرياً، وبالتحديد على لسان ومن وجهة نظر شخصية مختلفة من شخصيات العمل… مما يدفع القارئ إلى التساؤل في نهاية الأمر عما إذا كان الجميع يروون الحدث نفسه حقاً أم إن ما أمامنا إنما هو مجموعة أحداث عاش كل شخص واحداً منها وأتت متزامنة ومتشابهة في مجرياتها في نهاية الأمر؟

ما حدث ذلك العام

موضوع رواية “صمت مثير للقلق” وجوها في شكل عام يدوران من حول “ما حدث حقاً” عام 1824، حين قامت حفنة من العبيد السود بمهاجمة معلميهم من الأفريكانر (الجنوب أفريقيين من ذوي الأصول الهولندية أو الألمانية)، وقد سئموا انتظار تطبيق قوانين حظر الرقيق التي كان أسياد البلاد الإنجليز قد وعدوا بتطبيقها.

وهكذا تبدأ الأحداث الروائية وسط الصمت المطبق في منطقة ريفية… وتطالعنا الشخصيات المختلفة واحدة بعد الأخرى، نساء ورجالاً، سوداً وبيضاً، وهم من أفراد جماعة واحدة كانت تعيش في تآلف، سندرك لاحقاً أنه كاذب، بين السادة والعبيد. وهنا، إذ تندلع تلك الثورة، تتصاعد ردود الفعل عليها وتوصيفها، والتعبير عن التعايش معها متفاوتة بين كل شخصية وأخرى… لتروح كل شخصية راوية لنا وجهة نظرها وكيف ترى هذه الأحداث نفسها.

ومن بين هذه الشخصيات يبرز خصوصاً نيكولا وبارند، وهم سيدان، والعبد غالنت أخوهما في الرضاعة، ثم ماما روزا العجوز وإستر البيضاء المتمردة… هذه الشخصيات وغيرها تعيش الأحداث، كبيرة كانت أم صغيرة، وترصدها بأعين متنبهة معنية، ثم تروح كل شخصية متحدثة عما تعيش، فإذا بنا أمام رهط من الأحداث، وأمام تنوع في الرؤى لا يكشف الأحداث نفسها بمقدار ما يكشف توجهات الشخصيات وعواطفها الحقيقية. وكل هذا يكشف لنا نحن القراء ما يراه الكاتب نفسه من استحالة التوفيق بين كل مكونات هذا المجتمع، بين السود والبيض، بين النساء والرجال، بين الكبار والصغار، بين المتعلمين والأميين.

كائنات بشرية؟!

لعل المفتاح الأساس في هذه الرواية ككل، هو تلك العبارة التي تطلقها إستر عن قصد، إذ صارت بفعل التقارب زوجة لبارند، حين تقول “الحقيقة أن ليس ثمة ما يقلقكم في واقع اعتاق عبد من العبيد، إلا حين تكتشفون مدهوشين أن هذا العبد إنما هو كائن بشري أولاً وأخيراً… كينونته الإنسانية هذه وقد أصبح حراً، هي ما يرعبكم… وفي مثل هذه الحال أتساءل: كيف سيمكن الرجال أن يفكروا بالعبيد بهذه الطريقة، أي بكونهم كائنات بشرية، إذا كانوا عاجزين حتى اليوم عن أن يتصوروا أن النساء أنفسهن، كل النساء، كائنات بشرية؟”.

أندريه برنك (1939- 2015) (غيتي)

 

ومن هذه المواقف، كما دونها قلم أندريه برنك، سنتذكر أن تفوق الرجال على النساء، لم يأت دخيلاً على مثل هذا المجتمع، بل هو أمر يتعلمه نيكولا وبارند منذ طفولتهما، عبر صفحات الكتاب المقدس الذي يقرأه عليهما والدهما. وانطلاقاً من هنا، ألا يصبح خارجاً عن المألوف، كما يتساءل برنك في روايته، إبداء الدهشة أمام “علقة” بالسوط ينالها العبد غالنت حين يبدي من الاحتجاج على سلطة السادة عليه، إلى درجة أنه يبدي رغبته بدوره في انتعال حذاء مثل الذي ينتعله “أخواه” الأبيضان في الرضاعة؟

صورة لبيض متخلفين

من خلال مثل هذا الرصد، وعبر مثل هذه التفاصيل، يرسم أندريه برنك بكل جرأة، صورة لمجتمع البيض المتخلفين، صحيح أن الأحداث تدور خلال النصف الأول من القرن الـ19، لكن هذا الابتعاد في الزمن لا يمكنه أن يخدع أحداً، فبرنك يتحدث عن الحاضر لا عن الماضي بكل تأكيد، وهو يرسم في طريقه صورة لعيش البيض خوفهم في شكل دائم، هم الذين يدهشهم ما يحل بهم… ويدهشهم بخاصة أن يكتشفوا أن عبيدهم السود ليسوا تلك “الحيوانات الهادئة الأليفة” التي كانوا يعتقدون.

وبقي أخيراً أن نذكر أن هذه الرواية قد حققت لأندريه برنك الذي يحتفل قراؤه هذا العام بمرور 10 أعوام على رحيله (1939 – 2015) شهرة كبيرة، لكنها سببت له مشكلات أكبر مع أبناء جلدته من البيض الذين صعب عليهم تحمل راديكاليته، مثلما كانوا فعلوا مع روايات أخرى له مثل “أسود من الليل” و”جدار الطاعون” و”شائعة المطر” وغيرها من أعمال لا شك في أنها أسهمت في تعزيز الوعي الغربي العام بمأساة السود في جنوب أفريقيا، مما أسهم بالتالي في السعي لإنهاء تلك المأساة.

المزيد عن: أوروباأفريقياأندريه برنكالعنصريةالعبيدالنساءالبيضالسودرواية صمت مثير للقلق

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili