ثقافة و فنونعربي صراعات فرنر هرتزوغ المهلكة من “فيتزكارالدو” إلى “عبء الأحلام” by admin 26 أبريل، 2023 written by admin 26 أبريل، 2023 9 كل أنواع الجنون ودماء حقيقية في فيلم يعالج حلماً مستحيلاً بفيلم أكثر استحالة اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب لعل ليس ثمة في عالم النشر السينمائي، مشروع يبدو في نهاية الأمر صورة مصغرة لسيزيفية السينما التي كان ولا يزال يصنعها ذلك المخرج الألماني الطليعي فرنر هرتزوغ بأكثر مما يفعل كتاب أصدره قبل سنوات الكاتب الناقد البحريني أمين صالح، وموضوعه هرتزوغ نفسه! صحيح أن هذه السيزيفية طبعت معظم الكتب المتميزة عادة، التي يخوض بها صالح تأليفاً وترجمة، تلك المواضيع السينمائية التي يتطرق إليها بشغفه المعهود دون أن يسأل نفسه، حتى عمن سيقرأها في مجتمعات عربية جدباء فقدت حتى حس الفضول لأي شيء لا تعرفه، ويقيناً أن ما يكتب عنه أمين صالح ينتمي في معظمه إلى سينمائيين لا يعرفهم أحد عندنا، وبالكاد سمعت النخبة عن بعض أفلامهم، مهما يكن، هناك اثنان أو ثلاثة من أفلام هذا المبدع الألماني اشتهرت، ولكن شهرة سلبية أي تأتي من خارج سياق الفيلم نفسه متناولة إما فضائح أثارها أو غرائب صادفت وواكبت إنتاج الفيلم وربما عرضه بعد ذلك، ومن هذه الأفلام بل من أكثر أفلام السينما الأوروبية امتلاء في الحالين “فيتزكارالدو” (1982) الذي ارتبطت سمعته بكونه “مشروعاً مجنوناً عن بطل لا يقل عنه جنوناً”. بالتالي كان لا بد للسينما نفسها أن تقترب منه من خلال فيلم عنوانه “عبء الأحلام” حقق بعد إنجاز “فيتزكارالدو” مباشرة حاكياً حكايته وحكاية جنونه بشكل أخاذ، ولنشر منذ البداية إلى أن هذا الفيلم قد حقق من الشهرة والنجاح ما يضاهي ما حققه “فيتزكارالدو” نفسه، وكانت شخصياته الرئيسة، في لعبته الوثائقية، هي بالطبع الشخصيات التي لعبت الأدوار الأساسية في الفيلم الروائي، لكنها هنا هذه المرة لتروي حكاية إنتاج الفيلم التي بدت مشوقة وغريبة تشويق الفيلم نفسه وغرابته. فيلم الجنون المخيف ونعرف أن “فيتزكارالدو” كما كتبه هرتزوغ وحققه، وسط جنون مخيف ومغامرات دامية وصراعات مهلكة لا سيما بين المخرج وبطل فيلمه كلاوس كنسكي، وكلاهما مجنون على طريقته، هو فيلم عن حلم مجنون يداعب خيال ثري إيرلندي يدعى بريان فيتزجيرالد، ويعيش في البيرو حيث يسمى فيتزكارالدو وعمله إمبراطور المطاط، أي إنه يجمع المطاط في غابات أميركا اللاتينية ويصنعه في العالم ويبيعه، ما جمع له ثروة خيالية وجعل لقبه “ملك المطاط”. وذات يوم فكر فيتزكارالدو صاحب الأفكار المجنونة دائماً، بأن ينقل عبر الوديان والتلال والغابات سفينة بخارية ضخمة من الساحل إلى منطقة حوض الأمازون حيق سيستخدمها في نقل كميات هائلة من المطاط يعرف أنها منتشرة على أشجار الغابات هناك، وهكذا انطلق حلم مجنون، لكن الأكثر جنوناً منه كان الفيلم نفسه الذي كان عبارة عن رحلة السفينة عبر تلك المناطق محمولة على سواعد الرجال تحيطهم باليأس والموت في كل لحظة وتواكبها قسوة العمل تحت إدارة فيتزكارالدو، في الفيلم، وهرتزوغ في صناعة الفيلم، ولسوف يرينا فيلم “عبء الحلم” كيف أن صناعة الفيلم كانت أكثر صعوبة وجنوناً وقتلاً مما يحدث في الفيلم نفسه وذلك في مزج مرعب بين ثلاثة من ضروب الجنون: جنون فيتزكارالد من ناحية – وهو ما سعى الفيلم إلى تصويره في كل لحظة – وجنون كنسكي القائم بالدور – وهو ما يلوح في كل لحظة من خلال أدائه للدور – لكن بينهما جنون هرتزوغ وجنون الظروف المناخية وتلكؤ أموال المنتجين في الوصول والأمراض الاستوائية – وكل هذا سيتسبب في ميتات حقيقية لعاملين في المشروع أين منها موتات العمال الحقيقيين الذين قتلتهم في الرواية الصعوبات الحقيقية التي واجهها مشروع الثري الإيرلندي في حينه. فرنر هرتزوغ: سينما الجنون لعالم لا يقل جنوناً (غيتي) عداء استشرى بين المخرج والنجم والحال أنه يمكن لكثر من المؤرخين والمتابعين أن يروا الآن أن ما من فيلم في تاريخ السينما الحديثة يضاهي “فيتزكارالدو” ليس فقط في صعوبات إنتاجه، وليس فقط في الصراعات التي راحت تدور في كل لحظة وعند تصوير كل لقطة بين هرتزوغ، و”نجمه المفضل” عادة كلاوس كينسكي، وهي صراعات دخلت تاريخ السينما العالمية، بل حقق عنها هرتزوغ لاحقاً وثائقياً عنوانه “عدوي اللدود”، ناهيك بأنها شكلت عصب فيلم “عبء الحلم” الذي حققه لس بلانك عن تصوير “فيتزكارالدو” وصعوباته القاتلة شارك فيه نجوم الفيلم أنفسهم من كينسكي إلى كلوديا كاردينالي ومن مايك جايغر (مغني فريق رولنغ ستون الشهير) إلى جيزون روبارتس وطبعاً هرتزوغ نفسه. إذ روى كل واحد حكاية مأساته الخاصة ورعبهم الجماعي في الغابات الاستوائية وهم ينتظرون استكمال فيلم “أحببناه جميعاً ولو يقبل أي منا بالتخلي عن استكماله ومن المؤكد أننا دفعنا الثمن غالياً” كما قال مايد جير في حوار مخرج “عبء الحلم” معه. والحقيقة أننا حتى لو استندنا إلى شهاداتهم وما يروونه لوجدنا أنفسنا أمام صورة بالغة السواد، وكذلك لا بد من أن نذكر في هذا السياق أن المخرج نفسه سيعود دائماً إلى هذه الحكاية يرويها كدرس “في حسن اختيار الممثلين” رداً بالطبع على تصريحات كبنسكي المعادية له ولفيلمه، متناسياً على أية حال أن كبنسكي نفسه كان بطل عديد من أفلامه السابقة التي أوصلت شهرتهما معاً ومكانتهما في تاريخ السينما إلى أعلى الذرى! نهضة سينما ألمانية والحقيقة أن فرنر هرتزوغ، كان في الأصل، واحداً من عدد من سينمائيين شبان ألمان غاضبين، ألقت بهم الفورة الاقتصادية والاجتماعية التي ارتبطت باسم المستشار إديناور، إلى السينما بدلاً من أن تلقي بهم إلى أتون الاحتجاج السياسي. وكان ذلك خلال الستينيات ثم السبعينيات من القرن العشرين يوم أفاقوا على هجينية “النهضة” الألمانية التي تلت الهزيمة الكبرى في الحرب العالمية الثانية وتمت تحت الرعاية الأميركية، وعلى أيديهم ولدت، انطلاقاً من ذلك، تلك الثورة السينمائية المدهشة في ألمانيا التي حملت تواقيعهم: من فاسبندر إلى فيم فندرز، ومن شلوندورف إلى سيبربرغ وهلما ساندرز وفون تروتا… إلى فرنر هرتزوغ. والأخير كان الأكثر عصامية من بينهم، ولعله الوحيد الذي لم يدرس فن السينما في معهد، وكل علاقته بالمعهد السينمائي كانت سرقته لآلة تصوير منه، حيث كان بالكاد تجاوز الرابعة عشرة من عمره، واليوم بعد كل تلك العقود والظروف التي مرت، يكاد يكون الوحيد الذي لا يزال يعمل بكثافة وينتج من دون توقف من بينهم، لا سيما في السنوات الأخيرة، أي منذ انتقل ليعيش نهائياً في لوس أنجليس، وصار لا يمضي عام إلا ويعرض له عمل جديد، ومع هذا، حتى وإن كانت قد باتت له شعبية راسخة، بما لا يقل عن دزينتي أفلام، فإنه لا يزال على دأبه: هامشي هو كان منذ البداية، وهامشي لا يزال حتى اليوم، لديه تختلط الأنواع ومصادر الإلهام، وأعماله تبقى على احتكاك بكل أنواع الفنون والمعارف، لديه لا تفريق بين الروائي والوثائقي، بين السينمائي والتلفزيوني، بين الكلاسيكي والمنتمي إلى أجدد الحداثة التقنية. وقد لا يكون ثمة شاهد على هذا، بقدر واحد من أفلامه الأخيرة، “كهف الأحلام المنسية” الذي صوره في تلك المغاور الفرنسية، حيث ثمة رسوم ومحفورات تعود إلى عشرات آلاف السنين واكتشفها الفرنسي شوفيه قبل عقد ونصف العقد من السنين، تلك الكهوف شاء هرتزوغ أن يقوم برحلة – مع الكاميرا – فيها، فوجد أن من الأنسب له أن يصورها بالتقنية الثلاثية الأبعاد ففعل، مع أنه كان قبل أشهر قليلة يهاجم تلك التقنية. آخر أبناء التيار هذا شيء… وذاك شيء آخر، يقول ويضيف: الحاجة هي أم الاختراع. إذ لولا استخدام هذه التقنية لما تمكن من أن يصور المحفورات والرسوم على الألق والقوة اللذين ظهرا في الفيلم فاجتذبا ملايين المتفرجين، هكذا هو فرنر هرتزوغ دائماً، هكذا هو الوحيد الذي خرج من بين صفوف ذلك التيار الألماني الخجول ليواكب نهاية القرن العشرين والعقد الذي تلاه، بكاميراه وأفكاره… ولكن أيضاً بشخصياته لا سيما في الأفلام الروائية التي تعيش مشاريعها الجنونية، نقول هذا ونتذكر طبعاً أفلاماً مثل “فيتز كارالدو” و”آغويري غضب الآلهة” و”نوسفيراتو” وغيرها. المزيد عن: فرنر هرتزوغ\كلاوس كنسكي\السينما الألمانية\كلوديا كاردينالي\مايك جايغر\فاسبندر\فيم فندرز 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مع تفشيها عالميا… متحورة “أركتوروس” تسجل 5 وفيات في بريطانيا next post كيبيك تستعد للتراجع عن إصلاحات سابقة كي تحتفظ بمزيد من الخريجين الفرنكوفونيين You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024