ج. ر. ر. تولكاين (1892 – 1973) (غيتي) ثقافة و فنون صاحب “سيد الخواتم” جمع العقلانية بالخيال والعلم by admin 23 فبراير، 2024 written by admin 23 فبراير، 2024 118 تولكاين تنبأ بإعصار ضرب بريطانيا قبل 40 سنة من وقوعه وقابل تجاهل محكمي جائزة نوبل بلا مبالاة مبررة اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب من المؤكد أن الرؤيوية التي كان يتمتع بها الكاتب البريطاني (من أصل أميركي) تولكاين بدت أمام اختبار عسير بالكاد يمكن معجبوه أن يجتازوه وتجتازه معهم مكانته وصدقيته لديهم، خلال الأشهر الأخيرة من عام 1987. فتولكاين وفي نص له نشره في عام 1946 كان وربما على سبيل المزاح قد أعلن “متنبئاً” أن في 12 يونيو (حزيران) 1987 سيضرب إنجلترا إعصار اعتبره “إعصار القرن الـ20”. والحقيقة أن هذه النبوءة إنما أتت في سياق نص خيال- علمي يتضمن رحلة عبر الزمن. ومن الطبيعي القول إن الكاتب الذي تبقى روايته الضخمة “سيد الخواتم” وملحقاتها مثل “الهوبيت” “سيمارليون” وألوف غيرها من الصفحات التي، كما حال “سيد الخواتم“، تقرأ في طبعات وترجمات لا تتوقف عن الظهور، منذ الصدور المدوي لمعظمها، علماً أن ” سيد الخواتم” عمله الكبير الأول، رفض من الناشر حين عرضه عليه أول الأمر في عام 1954. ولعل اللافت هنا بالنسبة إلى موضوع “النبوءة” التي افتتحنا بها هذا الكلام هو أن أدب تولكاين، واسمه الكامل الذي يغيب عن بال حتى كبار المعجبين به من قرائه هو جون رونالد رويل تولكاين إذ كان يفضل أن يوقع كتبه بحروف اسمه العلم الأولى ج. ر. ر. تولكاين، أن هذا الكاتب خصب الخيال لم يكن من النوع الذي يتنبأ بل يعتبر تلك الممارسة نوعاً من النصب والاحتيال. لكنه بالنسبة إلى الإعصار المذكور وجد نفسه يخوض اللعبة لضرورات تتعلق بنصه الروائي نفسه مراهناً كما يبدو على أن تحديده موعد الإعصار بعد كتابته النص بـ40 سنة سيعفيه من أي مساءلة بل سينظر قراؤه إلى الأمر بوصفه مزحة عملية. لكن الذي حدث بالفعل هو أن الإعصار الموعود قد ضرب بريطانيا بالفعل وفي موعد يختلف عن الموعد المضروب بـ40 يوماً فقط. بفارق 4 أشهر فـ”الإعصار الحقيقي الذي دمر أرجاء واسعة من هذا البلد حدث حقا يوم 15 أكتوبر من العام الموعود نفسه! واعتبر أضخم إعصار عرفته الجزر البريطانية في تاريخها ليعيد إلى الذاكرة حكاية قارة أتلانتيك التي اندفع كثر إلى الاعتقاد أنها قد حدثت في التاريخ القديم المفترض في مكان المحيط لا شك أنه يبدو الآن أقرب جغرافياً إلى البر الإنجليزي”. ولنا أن نتخيل مدى الإثارة التي انتابت قراء تولكاين طول الأشهر الأربعة التي انقضت بين الموعد الذي كان حدده لحدوث الطوفان وتاريخ حصوله الحقيقي. مهما يكن سيقول باحثو أدب تولكاين إن الرجل لو كان حياً عند ذلك لكان أول الرافضين لفكرة التنبؤ وهو الذي بنى أدبه كله على العقلانية والمقارنات التاريخية وما كان من شأنه أن يكون من الحمق إلى درجة يدعي معها مسبقاً أنه على علم بالأحداث المقبلة. فهو وفي نصوصه كلها إنما كان يستخدم مخيلته ولكن أيضاً العلوم العديدة لا سيما اللغوية، التي يتبحر فيها لخلق نصوص همها الأول الترفيه عن القارئ وضخه بأفكار أخلاقية وقدرة على النظر إلى تاريخه الخاص نظرة مختلفة عن النظرات الرسمية. وإلا، قال باحثوه “لكان من شأنه أن يتنبأ بالانطلاقة الجديدة التي عرفها أدبه لا سيما بعد موته في عام 1973 مرة أولى ومرة ثانية إثر النجاحات الهائلة للأفلام الثلاثة التي حققها الأسترالي بيتر جاكسون أواخر القرن الـ20 وبعد ربع قرن من رحيله لتحقق من الأرقام القياسية في أعداد المشاهدين وفي حجم التجارة التي أحاطت بكل ما له علاقة بالروايات وأفلامها. ومع ذلك لا بد من القول إن “سيد الخواتم”، في الأقل، لم تكن في حاجة حقيقية لذلك النجاح التجاري الاستثنائي. فمنذ زمن بعيد كان معروفاً أن الرواية التي يزيد عدد صفحاتها على ألف صفحة وأكثر تعتبر ثاني أكثر الروايات المكتوبة بالإنجليزية مقروئية وصدوراً في طبعات متلاحقة. بوستر أحد أجزاء “سيد الخواتم” (موقع الفيلم) محكمو نوبل وتولكاين ومع ذلك قد يكون من المفيد هنا أن نذكر أن كل ذلك لم يبدُ مقنعاً لمحكمي جائزة “نوبل” الأدبية في عام 1961 حين تغاضوا تماماً عن ترشيح تولكاين لجائزتهم، ولربما كانوا محقين في ذلك من ناحية مبدئية من منطلق أن منافسيه كانوا من عمالقة الأدب ليس في ذلك الحين فقط، بل في النصف الثاني من القرن الـ20 في الأقل. فكيف كان في إمكان تولكاين عامذاك أن ينافس غراهم غرين وألبرتو مورافيا وروبرت فروست والبارونة الدنماركية كارين بليكسن؟ لكن المشكلة كمنت يومذاك في أن الكاتب الفائز لن يكون، لا تولكاين ولا أياً من أولئك الكبار، بل اليوغوسلافي إيفو أندريتش (المشهور خاصة بروايته الفذة “جسر على نهر الدرينا”). ولا نقول هنا إن هذا الأخير لم يكن يستحق الجائزة، بل من المدهش أن اختيار المحكمين ذهب إليه مع أن عدد قرائه في العالم أجمع لا يعتبر أكثر من قطرة في بحر قراء “سيد الخواتم”. ومهما يكن في هذا المضمار فلا بد أن نذكر أن المعايير التي تسلكها نوبل لا تقاس بعدد القراء. ولا شك أن تولكاين لم يكن من شأنه الاعتراض على ذلك. بل إنه لم يعد يتطرق إلى الموضوع خلال الدزينة من السنوات التي انقضت بين “عجز أهل نوبل عن مكافأة أديب استثنائي” ورحيله عن عالمنا مكللاً بنوع من مجد مختلف تماماً يتراوح بين ألوف الأشجار التي تحولت إلى صفحات كتب تضخ السوق بملايين النسخ من رواياته، وبين الدروس الجدية والعقلانية التي يلقيها على تلامذته من أجيال متلاحقة، لا سيما في جامعة أوكسفورد التي ارتبط بها معظم سنوات حياته. يومها، وحده صديقه الشاعر كليف ستابل لويس الذي ارتبط به منذ عام 1926، وسيظل من أوفى أصدقائه حتى رحيلهما تباعاً، احتج على ما سماه “تجاهل أهل نوبل” لتولكاين وبخاصة في مقالة نعي كتبها في عام 1963 لصديقه معلقاً فيها على… رحيل هذا الأخير ناعياً فيها تجاهلهم لأدبه الكبير الذي يحمل من الخيال والعلم ما يفوق ما يحمله عشرات الروائيين الذين ترد أسماؤهم في سجلات الترشيح لنوبل كل عام. والحقيقة أن المشكلة مع هذا النص الذي كتبه لويس نعياً لصديقه، بطلب من صحيفة “التايمز” اللندنية هو أن أحداً لم يقرؤه لسبب بسيط وهو أن الصحيفة لم تنشره إلا غداة وفاة تولكاين لأنه كان من نوع النصوص – البورتريهات التي تكلف الصحف الكبرى كبار الكتاب بكتابتها احتياطاً لموت مبدعين كبار، كي تعود وتنشرها يوم يحدث ذلك الموت، مع بعض التعديلات طبعاً. ونعرف أن ذلك الحدث الذي برر نشر النص متأخراً 10 سنين قد فاجأ العالم يوم الثاني من سبتمبر (أيلول) 1973. آل سمبسون يتدخلون والحقيقة أن نعي “التايمز” لم يكن لا يومها ولا بعد ذلك، “التكريم” المعنوي الكبير الوحيد الذي سيسبغ على تولكاين، وهو أمر سيتكرر في كل مرة يستعاد فيها تكريم هذا الكاتب المبدع لمناسبة من المناسبات. أما المرة الأكثر طرافة فكانت في الذكرى الـ40 لرحيل تولكاين، في عام 2013، حين كرَّس له منتج سلسة حلقات “سمبسون” التلفزيونية التي تساوي في شهرتها العالمية شهرة تولكاين و”سيد الخواتم” وربما تزيد، ماثيو غرونينغ، حلقة خاصة باتت منذ عرضها الأول تعتبر واحدة من أشهر حلقات هذا البرنامج الذي عاش أطول مما عاش أي برنامج تلفزيوني آخر. وفي تلك الحلقة التي تدور كلها من حول تولكاين ورواياته وأحداث رئيسة من تلك الروايات، لعبت ماردج دور غاندالف، وهومر دور جيملي، فيما لعب أطفالهما أدوار جماعة الهوبيت لينطلق الجميع في الحلقة بحثاً عن الغرض الأكثر قيمة بالنسبة إلى تلك العائلة: أي الكنبة المريحة. يومها حصد الفيديو الذي بث على اليوتيوب يوم 30 أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، أكثر من ثلاثة ملايين مشاهدة في ثلاثة أيام فقط… أما المخرج بيتر جاكسون الذي كان قد حصد تلك النجاحات الهائلة التي حققتها ثلاثية “سيد الخواتم” فقد انتهز تلك المناسبة نفسها للكشف عبر شتى الوسائل، عن الصورة التي أنجزها لشخصية العفريت ترويل التي أضافها من عندياته إلى شخصيات فيلمه عن “الهوبيت” الذي كان يتهيأ لعروضه الأولى. المزيد عن: الكاتب البريطاني ج. ر. ر. تولكاينرواية سيد الخواتمالأدب والعلمجائزة نوبل للآداب 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أبرز إصدارات الكتب في بريطانيا لشهر فبراير next post “الملكة الغامضة” سيرة جديدة لماري أنطوانيت التي أشعلت الثورة الفرنسية You may also like أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024