ثقافة و فنونعربي صاحب “ثلاثية بورن” السينمائية كان ممثلا مسرحيا تتلمذ على ستانسلافسكي by admin 1 مارس، 2023 written by admin 1 مارس، 2023 23 روبرت لادلام ثالث ثلاثة صنعوا روايات ما بعد الحرب الباردة مع لوكاريه وإيان فليمنغ اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب حين رحل الكاتب الأميركي روبرت لادلام عن عالمنا أوائل عام 2001، لم يتنبه أهل السينما وهواتها كثيراً لرحيله، على عكس أهل أدب التجسس والأدب البوليسي الذين كانوا يعرفونه جيداً. ومع هذا، فإن فيلمين سينمائيين على الأقل كانا حتى ذلك الحين قد اقتبسا من روايتين له، أحدهما حقق نجاحات كبيرة في زمنه وهو “إجازة أوسترمان”. غير أنه في زحمة أفلام التجسس، وفي زحمة زمن النجوم وجمهور الترفيه لم يلق أحد بالاً لاسم الكاتب. ومنذا الذي كان يمكن لاسمه في ذلك الحين، أن يشتهر شهرة اسم إيان فيلمنغ (صاحب روايات جيمس بوند) أو حتى شهرة اسم جون لوكاريه (صاحب “الجاسوس الآتي من الصقيع”)؟ مهما يكن لن يلبث لادلام ولو متأخراً أن ينضم إلى اللائحة التي تضم هذين الكاتبين الناجحين بوصفهم معاً أهم من كتب روايات تشويق عن جواسيس وأبطال ما بعد الحرب الباردة مطبوعة حيناً بنزوات وخوارق لا تضاهى (روايات جيمس بوند)، وحيناً بأبعاد نخبوية ذاتية (روايات لو كاريه) وصولاً إلى الأبعاد الدرامية الإنسانية (لدى لادلام)، كما سنرى. روايات عميقة ولكن بعد عام واحد من موت لادلام تبدل الوضع تماماً. صار اسمه على كل شفة ولسان، وصار كثر يقولون إن أعماله، في عمقها، تبدو أفضل من أعمال فيلمنغ. وإن أفلمة هذه الأعمال، أسهل من أفلمة أعمال لوكاريه… ومن هنا راح السينمائيون ينكبّون على رواياته، بحيث أنه ما إن مضت سنوات قليلة حتى حُول نصف دزينة من هذه الروايات إلى أفلام سينمائية. ولعله يكفينا هنا أن نشير إلى أن ثلاث روايات متصلة ببعضها للادلام، كانت في أساس ثلاثة من أشهر أفلام عالم العملاء السريين خلال السنوات الأخيرة. ونتحدث هنا، طبعاً، عن ثلاثية “بورن”: “هوية بورن” و”تفوق بورن” وأخيراً “إنذار بورن الأخير”. ونعرف أن هذه الأفلام التي قام مات ديمون بالدور الرئيس فيها (دور “جايسين بورن”)، حققت، من ناحية نجاحات جماهيرية ونقدية باهرة، ومن ناحية ثانية استعادة لروايات لادلام في طبعات شعبية بيعت بملايين النسخ. إذاً، مع عرض أفلام لادلام الثلاثة هذه المتحدثة عن العميل بورن ومغامراته القاتلة وتنقله هارباً من بلد إلى بلد، ومجابهته رؤساءه وفقدانه ذاكرته، اكتشف الجمهور العريض نوعاً جديداً من العملاء السريين، نوعاً قد لا يكون أكثر إنسانية ومعاناة من النوع الذي تحدث عنه لوكاريه في رواياته الكبرى، لكنه – على الأقل – يقف في تناقض تام مع نوعية العميل جيمس بوند الذي يحيط نفسه بالشراب والنساء والآلات الخارقة إلى درجة لا يبقى معها للإنسانية أو المعاناة مكان. روبرت لادلام (1927 – 2001): أنسنة أدب الجاسوسية (غيتي) سياسة واقتصاد للهيمنة ومن المعروف بشكل عام أن أصحاب البطولة في روايات لادلام بشكل عام، هم بطل فرد أو مجموعة أفراد يخوضون صراعاً مريراً ضد خصوم يحركهم الشر، خصوم يستخدمون سلطتهم السياسية وقوتهم الاقتصادية لتدمير الأفراد والهيمنة على العالم. ومن هنا فإن نظرة لادلام إلى العالم تجعل هذا يبدو قرية واحدة، لها سادة متحالفون في ما بينهم تبعاً لمصالحهم السياسية والاقتصادية، فيما يتصدى لهم أفراد همهم الدفاع عن الإنسان والخير. ومن اللافت أن الخير ليس هو دائماً من ينتصر لدى لادلام، خصوصاً أن هذا الأخير غالباً ما يستلهم رواياته من غوصه في ما يسمى بنظرية المؤامرة. وهذه المؤامرة قد تفشل في معظم الأحيان، لكنها أبداً لا تكون الأخيرة. فطالما هناك سياسة واقتصاد ومصالح، هناك مؤامرات ومؤامرات مضادة. ومن هنا أطلق على أدب لادلام اسم “أدب العولمة” لأنه يتناسب كثيراً مع هذا الزمن الذي تعولم فيه كل شيء! وروبرت لادلام، الذي ولد عام 1927 في نيويورك مات بعد ذلك بما يقرب من 73 سنة في ولاية فلوريدا. أما عدد الروايات التي كتبها خلال حياته فبلغ 25 رواية بيع منها ما مجموعه 290 مليون نسخة، وترجمت إلى 32 لغة. علماً بأن لادلام نشر بعض رواياته تحت أسماء مستعارة منها جوناثان رايدر ومايكل شيبارد. وهذا الكاتب الذي درس الأدب في جامعة ميدل تاون، عمل ممثلاً مسرحياً ومنتجاً قبل أن تبدأ رواياته بالظهور متأثرة بنظرية هيمنة الطاقة وفهمها التي كان يبشر بها. على الضد من بوند إذا كانت بعض الشخصيات في روايات جون لوكاريه الجاسوسية قد عُرِّفت دائماً انطلاقاً من تناقضها التام مع شخصية جيمس بوند التي ابتكرها إيان فيلمنغ (ما يعني أنه إذا كان بوند بطلاً، فإن “البطل” لدى لوكاريه بطل – مضاد) فإن كل أبطال روايات روبرت لادلام أبطال إشكاليون في معنى أنهم ليس جيمس بوندات، ولا أبطالاً مضادين. هم بالأحرى مخلوقات من لحم ودم، تقوم بمغامرات تبدو قابلة للتصديق، وتعيش مشكلات قابلة للحل من دون معجزات. ولئن كان من سوء حظ فليمنغ أنه مات وأسطورة بطله السينمائية لا تزال في أولها، فإن لادلام كان أكثر حظاً: شهد البدايات المجيدة لتحول معظم رواياته إلى أفلام أو مسلسلات. غير أن هذا لا ينطبق على “بطل الأبطال” لديه، المدعو جازون بورن، ذلك أن بورن هذا لم يبدأ طلته السينمائية، في الحلقة الأولى من الثلاثية التي قام ببطولتها مات دامون، سوى بعد عام من موت لادلام. غير أن هذا لم يغير من الأمر شيئاً، حيث من دون صخب أو معجزات حققت الأفلام الثلاثة (“هوية بورن”، و”تفوق بورن”، و”الانذار الأخير لبورن”) نجاحاً فائقاً في شباك التذاكر، قد لا يقارن عملياً بنجاحات جيمس بوند، لكنه أفضل من النجاحات التي حققها أي فيلم أخذ عن رواية لجون لوكاريه. من هنا قد يصح دائماً، لدى أي حديث عن لادلام، التوقف عند الأرقام. ويمكننا هنا أن نكتفي بالأرقام القياسية الثلاثة المذكورة أعلاه. فهل من فصاحة أكثر من هذا تكشف موقع هذا الكاتب في عالم أدب الجاسوسية؛ ولنضف هنا أنه حدث للادلام، ما كان حدث لإيان فليمنغ بعد موته: انكب كاتب آخر على تأليف روايات عديدة جعل البطولة فيها لجازون بورن نفسه. وهذه الروايات ستتحول تدريجاً إلى أفلام، بعد أن استُنفد مخزون لادلام من روايات كتبها بنفسه عن بورن. تأثير ستانسلافسكي روبرت لادلام، الذي ولد في مدينة نيويورك وترعرع فيها، بدأ حياته العملية ممثلاً مسرحياً ومنتجاً، وهو ظل طوال حياته يفخر بماضيه كممثل ويقول إن هذا الماضي هو الذي خلقه حقاً… بل أنه عزا قوة التشويق والدراسة العميقة لشخصيات رواياته، إلى ذلك التكوين المسرحي قائلاً: “ربما تكون قراءتي المبكرة لما كتبه ستانسلافسكي عن فن الممثل، هو الذي مكنني من ابتكار شخصيات جوّانية التفكير تخرج عن المألوف، وعلى رأسها أوسترمان وبورن”. غير أن منهج ستانسلافسكي لم يكن، بالطبع، مسؤولاً عن التسييس الذي غلب على معظم روايات لادلام، ولا سيما في ما يتعلق بأجواء الحرب الباردة التي رسمها، ثم خاصة بأجواء وخلفيات “اللجنة ثلاثية الأطراف” التي نهضت في السبعينيات لمحاربة الاتحاد السوفياتي، في روايته الأقوى “حلقة ماتاريزي”. غير أن ما يبدو جديراً بأن يذكر هنا هو أن أدب لادلام يبدو أكثر آداب الجاسوسية في القرن العشرين ارتباطاً بما يسمى “نظرية المؤامرة”، حيث أن هذه النظرية تلوح من خلال معظم تلك الروايات، ولا سيما خلال الحقبة الأخيرة – أي بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط المنظومة الاشتراكية – حين صار هم لادلام في رواياته أن يشير إلى “المؤامرات التي تنسجها حكومات عديدة، ولا سيما منها الحكومات الغربية، من طريق نشر الرعب والعمليات الإرهابية قصد السيطرة وقمع الحريات باسم محاربة الرعب والإرهاب”. ومن هنا يرى كثر من الذين كتبوا عن لادلام، أنه لو عاش شهوراً أخرى، هو الذي رحل في ربيع عام 2001، في فلوريدا، وشهد العمليات الإرهابية التي أدت إلى إسقاط برجي مركز التجارة، وإسقاط طائرة فوق مبنى البنتاغون يوم 11 أيلول (سبتمبر) 2001، لكان من شأنه، من ناحية، أن يكتب استلهاماً من هذا كله، أقوى ما كتب طوال حياته، حول نظرية المؤامرة، ومن ناحية ثانية، أن يشعر بأن ما حدث، لا يخرج، في جوهره عن سياق ما كان كتبه في العدد الأكبر من رواياته. المزيد عن: روبرت لادلام\سلسلة أفلام حايسين بورن\الأدب البوليسي\إيان فيلمنغ\مات ديمون 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أندرو غريفين يكنب عن : عالم فضائي “ممنوع” قد يغير فهمنا لتشكل الكواكب next post هل على العرب أن يصدقوا مقولات المستشرقين بلا شك؟ You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024