أرنولد شونبرغ (1874 – 1951) (غيتي) ثقافة و فنون شونبرغ وصف نفسه بأبشع ما يكون ليبرر تعدد إبداعاته by admin 14 مارس، 2024 written by admin 14 مارس، 2024 167 الموسيقي النمساوي الألماني مارس التأليف والتنظير الموسيقيين وحاول الرسم وانتهى كاتباً لحكايات الأطفال اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب نعرف في تاريخ الإبداع أنه كثيراً ما جعل مبدع ما من نفسه متعدد الاهتمامات، لكن غالباً في مجال معين كأن يكون روائياً وقصاصاً وناقداً أدبياً في الوقت عينه، أو مخرجاً سينمائياً وكاتب سيناريو وممثلاً وناقداً. وكان ذلك سائداً على أي حال في عصر النهضة بل حتى في أزمنة أكثر قدماً حيث قد يكون الفيلسوف طبيباً وعالماً في الكيمياء ومفكراً وما إلى ذلك. وفي المقابل نعرف أنه من الأكثر ندرة أن يكون مبدع ما مبرزاً في أصناف إبداعية بعيدة عن بعضها البعض، كأن يكون مؤلفاً موسيقياً ورساماً وباحثاً في تاريخ الموسيقى لينتهي الأمر به في السنوات الأخيرة من حياته مؤلفاً لحكايات كتبها للصغار من دون أن يكون في تاريخه ما يتنبأ له بذلك. والحقيقة أن من غرائب الأمور في هذا السياق أن هذه التصنيفات الأخيرة تبدو منطبقة على الموسيقي النمسوي/ الألماني آرنولد شونبرغ رغم أنه لم يعرف عنه أنه درس في الجامعة أو في أي مكان آخر أياً من ضروب الإبداع أو حتى البحوث المعمقة التي مارسها طوال حياته. ولعل آخر “المكتشفات” في هذا المجال كانت تلك التي أضافت كتابة الحكايات للصغار إلى جملة نشاطاته الإبداعية هو الذي كان طوال العقود الأخيرة من حياته قد حاول كذلك أن يخوض كتابة السيرة الذاتية فحفظ قراؤه من إبداعاته في هذا المجال، تلك العبارات التي وصف بها نفسه قائلاً “إنني ضحل القامة، قصير الساقين، أصلع الشعر على رغم هالة من بعض الشعر الأسود تحيط برأسي. أنفي كبيرة ومدببة. عيناي سوداوان كبيرتان وحاجباي كثيفان. ربما كان فمي أفضل ما لدي. معظم الوقت أسير ويداي متشابكتان وراء ظهري، فيما كتفاي منحنيتان من دون تواضع كاذب”. المبدع “ناقداً” يسخر من ذاته والحقيقة أن هذا الوصف الذي يرسم به الموسيقي أرنولد شونبرغ سماته الخارجية ربما يكون نوعاً من التفسير لتضخم مواهبه الفنية والكتابية كنوع من التعويض على ذلك “القبح” الذي اعتبر دافعه للتعويض عبر خوضه طوال حياته (1874 – 1951) عديد من صنوف الإبداع من دون أن يكون قد درس في الجامعات أياً منها ومن دون أن يعترف بأنه حظي بمعلمين كبار خلال سنوات مراهقته. كل ما في الأمر أن ابن البقال الذي ولد وترعرع في فيينا نهايات القرن 19، كان يستمتع بأمسيات يمضيها وإخوته من حول مائدة الطعام حيث تتولى أمه ذات الثقافة العريضة والحس الموسيقي المرهف التسرية عنه وعنهم بحكاياتها التي لا تنضب كما بدروس موسيقية تلقيها عليهم. والحقيقة أن تلك الأمسيات ستكون معلمه الحقيقي وتدفعه حيناً إلى الرسم ثم إلى العزف الموسيقي وفي خضم ذلك إلى التأليف الموسيقي من دون أن ننسى هنا، وربما يكون هذا أعجب ما في الأمر، كتابته لاحقاً دراسات موسيقية معمقة من أبرزها دراستاه المبكرتان عن غوستاف ماهلر ويوهان برامز، أو الدراسات الـ10 التي ترد تحت عنوان “موسيقى حديثة” أو “الموسيقى الفولكلورية والنزعة القومية”، ثم خصوصاً “القلب والعقل في الموسيقى”، وتلك الدراسة الخاصة التي كتبها بالفرنسية تحت عنوان “نعود دائماً”… والحال أن مراجعة تلك الدراسات ترينا أن الرجل كان ينظر بجدية مطلقة إلى كتاباته الموسيقية، بل يعتبرها في بعض الأحيان جزءاً أساسياً من إبداعه الموسيقي نفسه، ولعل خير مثال هنا هو ذلك النص الذي أعطاه عنوان “موسيقى جديدة، موسيقى بائدة، الأسلوب والفكرة”، ففي هذه الدراسة التي كتبها شونبرغ في عام 1946 لتكون بهذا أحد آخر نصوصه، حرص على أن يصفي حسابه مع كل أولئك الذين وقفوا ضد تجديداته منذ بدايات القرن، معتبرين الموسيقى التي يبدعها، وكذلك موسيقى رفاقه في حركته التجديدية من ألبن برغ إلى أنطون فيبرن وحتى سترافنسكي، “فناً بارد الأحاسيس يبتدعه مدعون يلحنون من دون أن يتركوا مكاناً للقلب والعاطفة في أعمالهم”. من رسوم وضعها بيتر شوسوف لحكاية الأميرة (موقع الفنان) نزعة أكاديمية مخادعة غير أن ذلك كله وتلك الموهبة الكتابية العلمية التي عرفت على أي حال كيف تؤسس للموسيقي مجالات تحوله إلى رفد موهبته الإبداعية الخلاقة بتنظير يبدو وكأنه آت من تعمق أكاديمي في البحوث العلمية الموسيقية، تلك الموهبة لم تعد أبداً بإبداع سيبدو مفاجئاً لديه في مرحلة متأخرة من حياته في مجال لا نجد له وجوداً في سيرته إلا بالعودة إلى طفولته المبكرة حين كانت أمه كما أشرنا تجمعه وإخوته في تلك الأمسيات لتقص عليهم حكايات الأطفال التي كانت تسحره بالتأكيد. والحكايات لئن كانت تفعل ذلك فإن ذلك السحر سيختفي في مجريات حياة ليعود إلى الظهر عند نهايات تلك الحياة كما سنرى، من دون أن يلوح أي أثر لها طوال المراحل المبكرة من تلك الحياة. وهي ظهرت بالتحديد مع اكتشاف عدة حكايات يبدو أنه كان يدونها بين الحين والآخر ثم يضعها جانباً كما يمكننا أن نستنتج بعد سطور، ومن دون أن تكون غايته نشرها على أي حال. ولعل الأشهر الآن بين تلك الحكايات حكاية “الأميرة” التي اكتشفت ونشرت لاحقاً بل سنوات بعد موته لتنضاف إلى حكايات مشابهة كانت بدورها مجهولة يستعيد فيها تلك الأمسيات من حول أمه. ففي نهاية الأمر كان شونبرغ عائلي الهوى على عكس معظم مجايليه من بناة الحداثة والذاتية المطلقة في فيينا “الكابوس السعيد” التي كان من أبرز مبدعيها. فهو كان شديد التعلق بصغاره لا يتوقف عن جمعهم من حوله في الأمسيات ليقص عليهم تلك الحكايات التي يبدو أنه كان يعود لاحقاً لتسجيلها بصوته. وتلك التسجيلات التي عثر عليها لاحقاً ستكون مرجع الناشرين في استعادة الحكايات ونشرها. وهذا ما ينطبق في الأقل على “الأميرة”. غلاف كتاب الأميرة (أمازون) سياسة بشكل موارب؟ ولعل الطريف هنا هو أن شونبرغ الذي كتب حكاية “الأميرة” تحديداً وهو في الـ75. واللافت هنا أن تعمق القارئ اليوم سيبدو من خلال تحليل ذلك النص، سيبدو هنا شديد الذاتية وبأكثر كثيراً مما فعل في كتبه الموسيقية بل حتى أكثر ذاتية مما يبدو في رسومه أو حتى في كتاباته النظرية في الموسيقى وغيرها، وذلك رغم أن موضوع الحكاية نفسها لا يوحي بذلك. وقبل الإشارة إلى هذا البعد بشيء من التفاصيل لا بد من سرد الحكاية ولو في سطور قليلة عابرة. فالبطلة التي يجري الحديث عنها في العنوان، أي الأميرة، تصاب بجرح فيما كانت تمارس هوايتها في لعب كرة المضرب، وكرة المضرب كانت واحداً من ضروب شغف شونبرغ نفسه، فلا يكون منها إلا أن تأمر مندوباً يعمل في خدمتها، هو ذئب أخرق، بأن يسرع للبحث لها عن ترياق قبل أن يستفحل الجرح ويقضي عليها. وتلكم هي ببساطة، الحكاية التي تروى في “الأميرة” حكاية كان أولاد شونبرغ وأحفاده من بعدهم يتحلقون حوله كي يرويها ويستعيدون روايتها، حتى انتهى به الأمر إلى تسجيلها بصوته لتكتشف لاحقاً وتكتب بلغة بسيطة تكاد تكون موسيقية. والحقيقة أنه لئن تلقى الصغار تلك الحكاية في بعدها التشويقي القائم على البحث الطويل الذي يخوضه الذئب للوصول إلى الترياق في الوقت المناسب، من دون أن تفيدنا نهاية الحكاية عما إذا كان تمكن من ذلك، فإن مغزاها الاستفزازي لم يفلت من رصد معلقين وجدوا، في ما هو خلف ما يصل منها إلى الصغار، أبعاداً سياسية تنم عن مواقف أيديولوجية تفيد بكم أن شونبرغ عرف كيف يضم إلى مجموعة فنونه الشغوفة ذلك الاهتمام غير المتوقع بالسياسة وأيديولوجيتها. ولا شك أن ذلك الاهتمام يمكن العثور عليه في ثنايا عديد من كتابات شونبرغ الموسيقية، وغير الموسيقية، التي ربما كانت هي إلى جانب مؤلفاته الموسيقية ومحاولاته في الفن التشكيلي الدافع لأن يوسم إبداعه بالانحطاط من قبل النازيين مما تسبب في نزوحه من أوروبا إلى العالم الجديد ما إن كشرت النازية عن أنيابها! المزيد عن: آرنولد شونبرغإيغور سترافنسكيالتجديد الموسيقيعصر النهضة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post وفاة أميركي عاش 70 سنة داخل رئة حديدية next post فرنسا تحتفل بالذكرى 150 لولادة الانطباعية التي مهدت للحداثة التشكيلية You may also like “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024 أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لنوفمبر 2024 15 نوفمبر، 2024