AFP / نازحون فلسطينيون من بيت حانون يعبرون طريق صلاح الدين نحو جباليا شمال غزة بعد أوامر إخلاء من الجيش الإسرائيلي. ثقافة و فنون شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم by admin 17 نوفمبر، 2024 written by admin 17 نوفمبر، 2024 40 مأساة مستمرة وبحث عن صورة وطن غائب المجلة / حسام معروف غزة: تشكّل مأساة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي المتمادي صورة شديدة الخصوصية للشعر الفلسطيني في الشتات، حيث تتجسّد صراعات الهوية والفقد، والمقارنات بين تجارب معيشة أو متخيلة، وما يعيشه الشعراء في الواقع، كما ترسم أفقا لعلاقة الإنسان الجدلية مع المكان والمنفى والاقتلاع الثقافي. مع مرور الزمن، واختلاف الأماكن، وظروف الحياة، نضجت تجارب شعرية تحمل اختلافا في الأدوات، والتراكيب الشعرية والمشاعر، لكنها تقيم جسرا مع الأرض وأهلها، والحلم باللقاء. لجوء مضاعف يتميّز شعر الفلسطيني السوري رائد وحش المقيم حاليا في ألمانيا، بالهمس والتأمّل الهادئ، فهو لا يصرخ، بل يضع رقائق ناعمة للألم في قصيدته، لا تجرح، لكنها كاوية، وتنم عن تجربة قاسية للنازح عن مكانه، وهي هنا مكانان، سوريا التي غادرها بعد الحرب فيها، وفلسطين التي أجبر أهله على مغادرتها، مؤطرة صراعات الهوية والمكان، وملقية بشباكها حول أزمة المنفى والحرية. فلا يكف رائد وحش عن عرض الصور البشعة التي يواجهها الإنسان، وتجارب الترحال، والفقد والموت والحروب، ولا يتوقف عن تفكيك بنية عالم الشر، وكأنه يقسّمه جرعات تحاول استيعابه. يكتب الشاعر نصّه وكأنه يخفي حزنا لا يفسح الشعر متسعا كافيا له، حيث نرى في قصائده متلازمة الموت والحرية، وأزمة النار التي لا تنطفئ في بلاد العرب، بسبب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والصراعات الدينية والطائفية، التي تبرز على السطح، فتمزّق النسيج الاجتماعي، وتبدد أمان الإنسان. وترمي الصورة عنده إلى مشهدية بصرية، وكأنه ينقل مشهدا كاملا بإكسسواراته ومكانه، فيقدم الى القارئ دعوة مجانية الى قاعة سينما. في قصيدة رائد وحش نتلمّس دوما خطى الغياب والقلق الوجودي والشجن والوحشة. وكأنه يقول إن أزمة الإنسان لا تتوقف مع الوجود يكتب: “أحدنا سينفذ سيناريو تلك القصة، يأخذ أحذية الموتى، يدفن فردة، والثانية يزرعها شهيدة. حذاء الرياضة من قدم مراهق، الجزمة الطويلة لموظفة سقطت على باب منزلها، شحاطة مؤذن الجامع التي طارت فردتها. أحدنا، ذلك الذي نفذ سيناريو القصة، سوف يصرخ. لا تمتلئ الشوارع بأحذية الموتى، إلا لكي يمشي الأحياء حفاة إلى الحرية”. في قصيدة رائد وحش نتلمّس دوما خطى الغياب والقلق الوجودي والشجن والوحشة. وكأنه يقول إن أزمة الإنسان لا تتوقف مع الوجود، سواء بقي أو رحل. صدر لوحش العديد من المجموعات الشعرية، من أبرزها “عندما لم تقع الحرب”، وخلالها يفكك قصة الفلسطيني في المنفى، وقد أرهقه الشتات، باحثا عنه في صورة جماعية للعائلة، وقد اقتص صورته منها حدّ الاختفاء، بسبب الغياب المرير عن وطنه الأول فلسطين، والثاني سوريا، وفي كليهما غصة مختلفة، حتى إنه اعتبر في حوار صحافي أنه “لاجئ بالوراثة”. الشاعر رائد وحش. يكتب: “صورك قليلة، مثل كل من يعرفون أنهم ماضون. لم يكن لديك هاتف لكي تملأه بالألبومات ومقاطع الفيديو. كل ما لدينا أشياء قليلة جدا، عثرنا عليها في موبايلات العائلة وأغلبها صور جماعية، اضطررنا لقصّك منها، لنوهم أنفسنا أن لدينا أثرا منك. لو كنا نحبك حقا، لكانت لدينا ألبومات التصوير على قدر المحبة”. شعر غاضب أما الشاعر غياث المدهون، فيسلك طريقا مختلفا في التعبير عن هويته الفلسطينية في الشتات، فتبدو لغته نقدية للواقع من حوله، محمّلة بالغضب والنقمة على العالم، ممتلئة بالصراخ والتأنيب. نشأ المدهون في المخيمات الفلسطينية بسوريا، وانتقل للعيش بأوروبا وحصل على الجنسية السويدية، فكانت قصته مع الهجرة مركّبة ومعقدة. يعرّف المدهون نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي، بأنه شاعر فلسطيني سوري سويدي يعيش في برلين وستوكهولم، هذا التعريف يحمل شاعرية أيضا، ويلمح إلى حالة التشتت في الهوية التي يحملها الشاعر. لا يمكن إغفال صراعات الهوية في شعر غياث المدهون، فهو في سفر دائم، وعقدة من الطرد، وكأنه يحمل حقيبة مهاجر خفية صدرت له مجموعات شعرية عدة من أبرزها “أدرينالين”، وهو يكتب كأنما يهذي، يصرخ، معترضا على كل شيء، كأي طير وضعوا جسده في مكان، وأجنحته في آخر. وتظهر في شعره أزمة الهوية والمكان والوطن، وتكثر الأسئلة الجوهرية حول الشتات الدائم. فأيّهم في كل ما عاشه من تجارب التنقل هو الوطن؟ وما هو البيت؟ وكيف يكون سكن الراحة؟ وهل وجد في ذلك كله تعريفا للأمان؟ أسئلة كثيرة يطلقها نصه، دون إجابات. الشاعر غياث المدهون. ذلك ما دفعه ليقول: “حزن كبير أن هذه المدينة التي أسكنها، لا تشبه المدينة التي تسكنني”. تعتمد قصيدة المدهون على الربط بين ماضيه وراهنه، وذلك يلقي بتبعاته على النص، ويزيد نبرته العالية. دوما هو ناقد ساخر، يرى العالم من زاوية انعدام المعنى. ويرى أن البارود وأدوات القتل، هي التي تفقد العالم شرعيته، وتحيله صورة غير مستساغة. فيقتصر على تمثيلات للفضيلة والقوانين، بمكاتب وهيئات واجتماعات وربطات عنق وعطور ثمينة، فقط، من أجل تكريس لغة الشر، لا إيقافه. يكتب المدهون: “هذا العالم يسير بخط مستقيم نحو الكوميديا، وأنت تنامين حتى الظهيرة، وكأنّ القذيفة لم تسبق الخبر العاجل، هذا العالم يسير بخط مستقيم نحو تنظيم الدعارة، ـ يا سيدتي الفاضلة، هل جربت أنْ تعملي في الدعارة؟” لا يمكن إغفال صراعات الهوية في شعر غياث المدهون، وعدم ثقته بالقوانين حوله، فهو في سفر دائم، وعقدة من الطرد، وكأنه يحمل حقيبة مهاجر خفية، يخاف أن يكتشفها شرطي المطارات، الذي لا يعترف بجواز سفره الفلسطيني. AFP / نازحون فلسطينيون من بيت حانون يعبرون طريق صلاح الدين نحو جباليا شمال غزة بعد أوامر إخلاء من الجيش الإسرائيلي. وتخبر قصائده عن وحدة وخوف، وانعزال عن العالم. فيما يبدو الفن في نظره سلعة غير مرغوب فيها في عالم يعجّ بالشر والأنظمة الظالمة، التي تكيل بمكيالين، ليعيش شخص بعينه، ويموت الآخر. ففي نظره، لا رواج للشعر بين أصوات الانفجارات التي تهز سماء وطنه الأم فلسطين، ووطنه الثاني سوريا. يكتب: “أمر خفيفا كما تمر دبابة على الإسفلت. حاملا قصائدي مثل بائع متجول. كلما سرْت باتجاه البحر، أكلتني الصحراء التي تخرج من حقائب المهاجرين. ومن جواز سفري الذي لم يعترفْ به أحد سواك. أنا صاحب القصائد التي تتحدث عن الموت وكأنها تتحدث عن الأمل”. صلات أما الشاعرة سمر عبد الجابر فتؤسس في شعرها للصلة التاريخية، ووحدة الدم مع الفلسطيني المقيم داخل الأرض، وتلغي أية أداة للانفصال بحكم الجغرافيا. تبحث عبد الجابر دوما في قصيدتها عما يعيد الحياة، وتتجاهل كل الحواجز والتقسيمات، معلية صورة الأمل يظهر جليا في قصائدها رفض للاعتياد على الغربة، والانشقاق عن الأصل، مبدية تعلقا بأرض عرفتها من شجن الآباء في الوصف، والحكي عنها. كما يمكن أن نلمح في قصيدتها تجريبا للمشاعر والمتخيل، من أجل استحضار صورة الوطن الغائب ورائحته ووصف أحداثه اليومية. فلا تغادرها نبرة الألم، ولا الرعب. فتكتب مثلا ، عن حرب الإبادة: “نخجل منكم بحيواتنا التي تتوقف ولا تتوقف حقا نحن القابعون بخوف أمام الشاشات بانتظار معجزة. نخجل منكم بكلماتنا التي تتبخر في الهواء كأنها لم تكن بأحلامنا التي يسحقها الفوسفور أمام أعيننا بينما صراخكم يدوّي في رؤوسنا ليل نهار”. الشاعرة سمر عبد الجابر. عبد الجابر المولودة في الكويت، وتعيش بسلطنة عمان، صدرت لها مجموعات شعرية من أبرزها “ماذا لو كنا أشباحا”، وتوضح قصائدها، تأثرها برواية الأجداد. فتبدو حاملة حسرة جدها في كل نص، موصّفة مأساته، ومستعيدة ملامسته تراب أرضه. وهذه لحظة يحقق فيها الشعر ما لا تحققه السياسة، فيعود الجد وحفيدته إلى الأرض. تأتي الصورة الشعرية عندها بانورامية، تشمل فلسطين كلها، فتجمع أجزاءها وشتاتها، وترصدها من الاعلى، حيث مكان الحرية التي تحلم بها. وبالرغم من الموت الكثيف، ومعاني الفناء في نصها، فإنها تبحث دوما في قصيدتها عما يعيد الحياة، وتتجاهل كل الحواجز والتقسيمات، معلية صورة الأمل باستعادة فلسطين كاملة. مما كتبت: “تحلّق أعلى ترى المدن والقرى كلّها تحمل صورها وتهتف باسمها تحلّق أعلى فترى الأعلام تغطّي الشوارع محيطة بنعشها تحلّق أعلى وأعلى في كلّ مكان وترى فلسطين كاملة من النهر إلى البحر”. ومن الجليّ تأثرها بتعب الطريق والغربة وتيه الذات. ويطرح نصها حسرة جماعية لشعب مقهور مشتت، وكأن في لغتها كورالاً، بهتاف ولعنة للغربة والتشرد، داخل فلسطين وخارجها. إذ تبدو باحثة عن مأوى سرقته منها أيدي الجنرالات، وأبعدتها عنه قسرا. هذا المكان فيه حلمها، وذكريات الأجداد. لا تتوقف عن رسم آلام الفلسطيني، بفعل الطرد القسري من أرضه، مبدية قهرا وحسرة بسبب ذلك. تتحدث عبد الجابر عن عالمين منفصلين، تنقسم بينهما الذات، يجسدان لعنة الفلسطيني في غربته، ويتسببان في حزن لا يمكن مواراته، وفجوة عميقة للذات مع المنفى. تعبر عن هذا بالقول: “أصل إلى البيت وكل الحكمة التي راكمتها في الغربة تندثر والتوازن النفسي الذي تعبت لأجله يرتجف تحت وطأة المشاعر كأني كنت في غيبوبة واستيقظت أو كأني كنت يقظة ودخلت الآن في غيبوبة. عالمان منفصلان وأنا ما بين هذا وذاك أبحث عن نفسي وأحاول استيعاب موت أبي الذي أصبحت أزور ضريحه عند وصولي بدلا من أن أقبل خدّه”. يعود شعث الى الخريطة، يبحث عن بلاده التي يحب، وحين يسأل سؤال الغياب، يقر بأنه الخاسر في ميزان الوعي والشعور جرس العودة أما الشاعر نصر جميل شعث الذي نشأ في قطاع غزة، وهاجر في بداية شبابه إلى النروج مستقرا هناك، فتبقى تجربته الشعرية دائرة حول الحنين الى الطفولة: “هرمنا في الطريق إلى طفولتنا”. إذ يبرز صوت الصغار في شعره، وسمات الأمهات، وتفاصيل المطبخ وإعداد الطعام. واضعا تلك التفاصيل في مقام شعريّ يجعل من قصيدته بيتا دافئا، بحديقة تكفي لكل أنواع الشجر. الشاعر نصر جميل شعث وفي قصيدته رموز تكشف عن ارتباطه بالمعنى الذي عاشه بفلسطين. فأصوات الأجراس تعبر عن انتظار العودة، وارتهان القلب بذكرى قديمة. أما حواف البيت فكثيرة في نصّه، مما يجعله يبدو مختبئا عن أهله لا المغادر الى أوروبا، طفلا مشاغبا سيخرج عليهم عما قليل. وتشبه فكرة الأم في نصه، حالة ارتواء الشجرة المنقولة من أرض الى أخرى، حيث تبقى ذابلة مهما أنتجت الثمار في المكان البديل. يكتب شعث: “كانت أمّي تقطع قبعات البامياء، وكنت ألصقها كمصفوفة أجراس وخوذ خضراء على جبهتي. تستخدم البشاكير، التي بهتت ألوانها من وجوهنا، مماسك للمواعين الساخنة ومماسح للرخام. وتقلّل الخميرة، لأنّ لديها أعمالا أخرى في البيت. قلبي زائد عـن كفّها تضع الرغيف علـى بياضها”. صدر لشعث العديد من المجموعات الشعرية، من أبرزها “غائبون” وتحمل نصوصه شعورا قارصا بفعل الغربة، فيضع خلالها أدوات التغريب والتنقل، والانسلاخ المؤلم عن الأرض. ويكرر في نصوصه ذكر الحقيبة، مثل من لا يصدق بعد، أنه غادر. يعود شعث الى الخريطة، يبحث عن بلاده التي يحب. وحين يسأل سؤال الغياب، يقر بأنه الخاسر في ميزان الوعي والشعور، حين ابتعد عن الأرض، فمع مرور الزمن، يصير غياب المرء غير مؤثر، وكما يقول: بلا وزن. يكتب شعث: “لا وزن لغيابك هو ليس قاموسا في حقيبة، ولا خارطة أو رأسا في خيال. هو ظلّ كلمة عند البحيرة صارت بيتـا كالمثلّث من خشب، سطحه انْقلاب قارب (هكذا مازحني صديقي العراقيّ)، وصحّحت، رغم غيابك هذه الليلة أيضا: (البيت قارب إذا أتى الطوفان)”. المزيد عن: فلسطين الشعراء غزة اللجوء هجرة الغربة المدن 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post من مول استهداف ملحق سفارة أميركا لدى بيروت عام 1984؟ (2-3) next post تقارير في تل أبيب: خطة جاهزة مع فريق ترمب لإسقاط نظام طهران You may also like في سبعين رحيله… ستيغ داغرمان طفل الأدب السويدي... 18 ديسمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: حُلي من مدافن البحرين... 18 ديسمبر، 2024 الباليه الفرنسي الذي انتظر 60 عاما ليوقظه الحريق 18 ديسمبر، 2024 (23) ممثلا كرهوا أفلاما قاموا ببطولتها 18 ديسمبر، 2024 استعادة فرنسية لإرث ابن خلدون المغاربي في سياقه التاريخي... 17 ديسمبر، 2024 فيصل دراج يكتب سيرة الذات والجماعة في “كأن... 17 ديسمبر، 2024 ما الذي بقي من إرث المسلمين الأفارقة في... 17 ديسمبر، 2024 “الطاولة السوداء”: حوار الألوان والتناقض في رؤية ماتيس 17 ديسمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 16 ديسمبر، 2024 الشاعر المغربي جواد الهشومي يكتب صرخة جيل الشباب 16 ديسمبر، 2024