ثقافة و فنونعربي سيف الرحبي… قصيدة النثر ورهان التجاوز by admin 9 مايو، 2020 written by admin 9 مايو، 2020 123 القدس العربي/ علي حسن الفواز – كاتب عراقي الشعرُ مغامرةٌ ورؤيا، والشاعرُ ساحرٌ مدهش، له شغفُ توريطِ القصيدة بالحياة عبر المغامرة، اللغة بالحرية عبر اللذة، حيث تتبدى تحولات هذه اللغة الشعرية بوصفها مادة للسحر، وحيث تتحول الاستعارات إلى أقنعة للمغامرة، وإلى ومضات لإضاءة المحذوف من العالم. ما بين السحر والمغامرة يتقصى الشاعر سيف الرحبي قصيدته، بوصفها رؤيته للعالم، وخياره الأليف والحميم والصاخب، أو بوصفها حساسيته الفائقة الخطورة لاستدعاء الوجود إلى القصيدة، وإلى ما يستحق الإفصاح عن سرائره وفضائحه، إذ تكون كتابة قصيدة النثر محاولته للتجاوز، ولتدوين رؤياه، والإفصاح عن هواجس الأسئلة، وعن تشكلّات السحر في اللغة، فالقصيدة التي تتوهم وجودها بعيدا عن الأسئلة، وعن ذلك السحر ستكون شبيهة بالحجر الذي لا نراه إلّا ثابتا ومكررا دائما. الشاعر سيف الرحبي لا يرى العالم، إلّا من خلف تلك القصيدة، فهي رهانه، وقلقه، إذ لا منصة أخرى صالحة للاعتراف، ولا قميص آخر يصلح لتوضيح الخطيئة، فالكتابة- هنا- هي لعبة المفارقة والتوحد والاشتباك، هي التوتر الذي يمنح الجملة طاقتها الصورية، مثلما هي الرؤية التي تفتح أنساق المعنى، حيث العالم يحتاج دائما الى صنّاع المعاني المدهشين. من الصعب جدا الحديث عن سيف الرحبي عبر السيرة، وعبر كرونولوجيا تاريخ القصيدة التي كتبها في الثمانينيات، إذ سيبدو الحديث أوتوغرافيا مملا، لكن الحديث سيكون قريبا من الصدق عند رصد لحظته الفارقة في اكتشاف «صدمة القصيدة»، تلك التي أخرجته من السيرة إلى الدهشة، ودعته إلى كتابة قصيدة الاستفزاز، قصيدة الرائي، الباحث عن المحذوف، قصيدة الشاعر الفرد، الشاعر الذي يدرك أنّ لذائذ الجموع مخادعة، وأن رحلة القصيدة منذ ستينيات القرن الماضي كانت رحلة محفوفة بالفراغ، مثلما هي رحلة البدوي للخروج من ذاكرة الصحراء إلى المتاهة.. هو شاعر يُجيد مهارة الخروج على الأشياء والأمكنة، في قصيدته كثير من الهواجس الخبيئة، مقابل ما فيها من التمرد والصخب، تمرد على الانشداد والذاكرة والتاريخ، حيث الذهاب باتجاه الغواية، والتوق للتجاوز، وحيث استيهام معرفة العالم عبر القصيدة، إذ يستدعي روح البحار والعارف والمُنشِد والمسافر، وإذ تتحول تلك القصيدة إلى قرطاس يتسع إلى تدوين ما لا يمكث في المعنى.. تدوين المفارقة منذ «أجراس القطيعة» و«رأس المسافر» و«رجل الربع الخالي» و«يد في آخر العالم» و«قوس قزح في الصحراء» و«أرق الصحراء» و«ذاكرة الشتات» و«رسائل في الشوق والغبار» وغيرها، والشاعر يواصل الملاحقة، حيث ذلك المعنى المُطارَد، وحيث تدوين المفارقة، مفارقة المكان والذاكرة والوعي والسيرة، وعلى نحوٍ يجعل قصيدته الجديدة وكأنها نوع من القطيعة، قطيعة ليس مع البلاغة والفصاحة، بل في المعرفة والرؤية، وفي استدراج اللغة إلى النقض وإلى التعرّي، فحساسية الشاعر للأغطية البلاغية، تجعل قصيدته لا تتسق والرفض والتوتر الذي يتوهج في خفايا لعبته الشعرية، ومع طبيعة أسئلته المتمردة، والنافرة عن تاريخ قد يؤرقه بالتراكم والأسماء والمركزيات الأكثر رعبا من التاريخ ذاته. علاقة تجربة الرحبي بالتحوّل العاصف في الشعرية العربية لها خصوصيتها، فهي تُحيل إلى رهانات وعيه القلق، وإلى هواجسه بالتغيير، حيث تذهب القصيدة إلى مناكدة النمط التجريبي، الذي أشاعه الستينيون، وتحت يافطة اختلط فيها الأيديولوجي بالوجودي والثوري بالسيريالي، وهي اشتباكات جماعوية مغرية، وسط محنة عربية قاتمة، وشعور عميق بالخواء والهزيمة والخوف، حيث لم يعد أمام الشاعر سوى الانهماك باللغة، بوصفها رمز حداثته كما يقول أدونيس، والذهاب الصاخب إلى تعريتها من البيانات والهتافات، إذ تبدو اللغة في نوبة العري، هي الأكثر تحريضا على المراودة، وعلى كسر رتابة الحياة المهزومة. طقس التعرّي في قصائد الرحبي، ليست علامة أيروسية بقدر ما هي علامة معرفية، لها شيفراتها وإحالاتها، ولها طاقتها الباعثة على تشهي التحوّل، والتجاوز، حيث تكون أكثر بواعث هذا الطقس هي الكتابة عند حافة اللذة، ونزع العتمة عن الاستعارة والفكرة، والذهاب إلى حيث ما يجعل اللغة أكثر كثافة وتوهجا، وأكثر تعبيرا عن قلق الشاعر الوجودي، وعن علاقته بالأمكنة، إذ يتحول مفهوم الاغتراب إلى جوهر فاعل في سياق العلامة المعرفية، مثلما تبدو الهجرة عن المكان وكأنها بحثٌ عند ذلك الجوهر، بوصفه تضادا ونقضا- كما يُسمّيه – مع المكوث، وإحالة إلى التطواف فيها، وإلى استكناه ما تُحيل إليه من إشارات رمزية يحملها الشاعر معه لاستدعاء ما هو غائب من المعنى.. بين ليلة وضحاها اكتشفت أنني ما زلت أمشي، ألهث على رجلين غارقتين في النوم، لا بريق مدينة يلوحُ، ولا سراب استراحة. على رجلين ثاويتين في النوم، أنا الذي ظن بأنه وصل، وعند أول مدخل، تنفست رائحة قهوةٍ ونباح كلاب، فكوّمت جسدي، كحشد من المتعبين والجرحى، لكني عرفتُ أن الضوء الشاح، يتسلل من رسغي، خيط دمٍ يصلُ الشعاب بوديانها الأولى. لغة الشاعر هي أفقه المفتوح، هي خاصيته في الرؤية، وفي تشكيل ملامح الكتابة، عبر تقانة النثر المتوتر، وعبر توظيف استعاري يستدعي المعرفي والرؤيوي، ليكون الشاعر- في سياقه- هو الرائي الذي يصنع الرؤية، ويقوّض الذاكرة والتاريخ عبر الوعي، حيث يتحول إلى الظاهراتي الذي يُفكّر بالمدينة، والطبيعة والمرأة، وهي مكونات الوجود عبر اللغة، وإلى التفكير بما يصنعه الوعي من تمظهرات لها آثارها في الجدّة الشعرية، وفي تمثلات وعيه المهجوس بالمغايرة والتحول والنفور. قصيدة النثر هي القرين الشعري للعبة الحرية التي انحاز إليها الرحبي، إذ تمنح الكتابة الشعرية أفقا مفتوحا للتوتر، ولشعرنة مفهوم التجديد، وهذا ما بات مخاضه حاضرا في قصيدته، إذ هي قصيدة الخروج العسير، والتمرد على الذاكرة، فالشاعر لم تغادره الصحراء ولا البحر تماما، لتكون مدينته المُعاشة هي نظيرة لمدينة بودلير، الداعية للسأم والتمرد عليها. إنها لحظة الاكتشاف البكر، اللذة الطازجة، المرأة والحانة والمقهى والشبق الليلي، وهذا ما أسبغ على القصيدة نوعا من الصراع الخفي داخل الشاعر ذاته، حيث الشاعر المُسافر في المكان/ المدينة، والشاعر الماكث/ عند شعاب الأرض، وهي ثنائية تصطنع وعيا حادا بالمفارقة، وحساسية من يشتبك مع تاريخه وذاكرته توقاً لفرادنية وعيه المُكتشَف. بلغةِ مرقاب الرائي، يكتب الرحبي قصيدته الجديدة، القصيدة التي تدفع قارئها للتأمل، وللغوص في حمولاتها الرمزية، وفي بنيتها الاستعارية، حدّ أن الشاعر يجعل من المُعطى رهانا على» ضبط الهيجان» توازنا بين ذاته التي تنصتُ، وشغفه بالتجاوز، وعلى وضع قصيدة النثر – بوصفها وعي مشروعه الشعري- تحت النظر دائما، تمثّلا لكتابة نصٍ مغايرٍ، وشكلٍ يستدعي «ذائقة بصرية» مختلفة، يتجاوز فيها النثر اليومي إلى رؤية تلامس حساسية القراءة المتمردة على ذاكرة الإيقاع ورتابته. من يوقف هذا الهيجان في الأعماق آه، لو صوتك، صوتك فقط خفقة نسيم تصلني عبر المسافة نسيم البحيرة المسحورة التي غرقت فيها أخيرا خفقة الجناح المتعب، لهدأت عواصفي قرب الضفاف.. المزيد عن : سيف الرحبي/علي حسن الفواز/قصيدة النثر 5 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أخطر دفاع عن الأسد بعد تسريبات روسية تحدثت عن مصيره next post واشنطن بوست: روسيا تزيد نفوذها في الشرق الأوسط وتجمع ما خلفته أمريكا من قطع في دول محطمة You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 5 comments Chastity 10 أغسطس، 2020 - 9:42 م I was very happy to find this site. I wanted to thank you for ones time for this fantastic read!! I definitely savored every little bit of it and I have you bookmarked to check out new stuff on your blog. Also visit my web site :: best web hosting sites Reply Kimberley 24 أغسطس، 2020 - 1:45 م What’s up, yes this paragraph is really good and I have learned lot of things from it about blogging. thanks. cheap flights 34pIoq5 Reply Emanuel 25 أغسطس، 2020 - 6:33 م Hey very cool site!! Man .. Beautiful .. Wonderful .. I will bookmark your blog and take the feeds additionally? I am glad to seek out a lot of useful info right here within the put up, we need develop more strategies in this regard, thanks for sharing. . . . . . 3aN8IMa cheap flights Reply Kimberly 25 أغسطس، 2020 - 11:21 م bookmarked!!, I really like your web site! Here is my site; website hosting companies Reply Samuel 31 أغسطس، 2020 - 12:01 ص Ahaa, its nice conversation regarding this article here at this web site, I have read all that, so now me also commenting at this place. Feel free to visit my website black mass Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.