ثقافة و فنونعربي سلسلة “ميلينيوم”: 170 مليون نسخة لستة كتب و3 مؤلفين لبطلين غريبين by admin 28 مارس، 2022 written by admin 28 مارس، 2022 28 الأدب البوليسي السويدي يقلب اللعبة الطبقية والطاولة على جيمس بوند اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب لم يعد غريباً في أزمنتنا هذه أن تصل مبيعات عدد من الروايات المتلاحقة التي يقوم ببطولتها نفس الأشخاص إلى ملايين النسخ، لا سيما حين تكون الروايات بوليسية أو روايات مغامرات خيالية أو ما يشبه ذلك. ولكن أن يباع من روايات بوليسية ذات فكر اجتماعي لا بأس بعمقه 170 مليون نسخة خلال عدد قليل جداً من السنين ولا يزيد عدد تلك الروايات على ست موزعة على مؤلفين لمجرد أن أولهما قد مات حتى قبل أن يرى كتبه منشورة، فأمر يستدعي التفكير. ونتحدث هنا بالطبع عن سلسلة روايات “ميلينيوم” وعلى الأقل في أجزائها الأولى التي كتبها السويدي ستيغ لارسون مكتملة قبل رحيله المبكر في عام 2004 من دون أن يوفق عند بداية الأمر في إيجاد ناشر لها طوال سنوت تلت كتابته أول أجزائها، لكنها عرفت منذ عام 2005 أي منذ بدأ نشر الأجزاء الثلاثة الأولى تباعاً: “الفتاة ذات وشم التنين” أولاً ثم “الفتاة التي لعبت بالنار” عام 2006، فـ”الفتاة التي ركلت وكر الدبابير” عام 2007، نجاحاً مذهلاً أدى على الفور إلى تحويلها إلى ثلاثية سينمائية عرضت في عام 2009 تباعاً، لكن نجاحها أول الأمر لم يكن ضخماً إذ كانت سويدية الممثلين واللغة ما استتبع إعادة إنتاجها لاحقاً في ثلاثية أميركية فاق نجاحها هذه المرة كل التوقعات… ولكن ليست تلك الاقتباسات السينمائية موضوعنا هنا رغم أهميتها وكونها شكلت بدورها ظاهرة. حكاية الحكايات ما يهمنا هو تلك العناصر التي كمنت خلف الطابع الاستثنائي الذي اتخذته هذه السلسلة على يد مبتدعها ستيغ لارسون أولاً ثم على يد الكاتب دافيد لاغركزانتز من بعده، حيث كان لا بد للناشرين من البحث عن كاتب يستكمل المشروع بعد رحيل لارسون. وهو ما حدث مرة أخرى في عام 2021 حين تمت صياغة مشروع جديد لكتابة ثلاث روايات أخرى ورفض لاغكركرانتز أن يخوض التجربة من جديد فتم التعاقد مع كاتبة سويدية أخرى هي كارين سميرنوف التي يبدو أنها شرعت في إنجاز العمل. ولئن وفق لاغركرانتز في روايته الثلاث فإن روايات لارسون تبقى هي الأساس والمرجع. بل تبقى تلك التي نظر إليها الباحثون بعين الجدية النقدية وراحوا يدبجون تحليلات علمية سياسية وتاريخية لتفسير استثنائيتها والعناصر التي جعلتها ما– بعد حداثية تكاد تتمايز عن مجمل الأدب البوليسي المعاصر الذي يكتب بلغات عديدة في العالم. ومن بين هؤلاء الباحثين الأكثر جدية الناقد الإنجليزي أندرو براون الذي، وربما على غرار ما فعل الإيطالي أمبرتو إيكو الذي كتب واحدة من أعمق الدراسات التي كتبت عن “ظاهرة” جيمس بوند، نشر في مجلة “بروسبكت” منذ عام 2010 دراسة كان فيها أول من لفت إلى أن شخصية ليزبيث سالاندر خارقة الذكاء ونابغة شؤون الكمبيوتر التي تقوم بالعمل البحثي التحقيقي الأهم في الروايات هي سر نجاح هذه الأخيرة، حتى ولو نافسها الصحافي ميكائيل بلوكفيست البطولة وهو المحقق العامل في مجلة “ميلينيوم” التي تسمى السلسلة باسمها بشكل عام، الذي سيستعين بها وبعقلها في تحقيقاته. فليزبيث ليست حتى في شكلها وتصرفاتها امرأة عادية. هي هيبية وعاشت مأساة اغتصاب واعتداءات وقد حجز عنها ميراثها قضائياً بسبب سوء سلوكها. ويحذرها الناس بسبب سلوكها الخشن ويخشاها الرجال لعنفها تجاههم واحتقارها لهم. وهذا ما يجعل منها بطلة ما بعد حداثية واستثنائية ويعطيها قوتها. وكلها أمور عرف ستيغ لارسون منذ البداية كيف يؤسس عليها خالقاً نوعاً جديداً من البطولة يتكامل على أي حال مع بطولة بلوكفست الذي يكاد يكون كلاسيكياً مقارنة معها. الكاتب السويدي ستيغ لارسون (أمازون) عودة إلى الجذور مهما يكن من أمر، بعدما رحل لارسون، وفي غمرة النجاح المتأخر الذي حققته رواياته، بل بشكل أكثر تحديداً، في غمرة الجاذبية التي لوحظت لدى شخصية ليزبيث التي بدت مزيجاً من متمردات سنوات الستين وهيبيات السبعينيات ولا مباليات نهايات القرن العشرين، اشتغل كثر من الباحثين على تحري الجذور التي استقى منها لارسون هذه الشخصية، وكيف ولدت لديه. والطريف أن الحكايات الأكثر تواتراً حول هذا كله أتت من معارف الكاتب الذين روى بعضهم، واستناداً إلى ما كان لارسون يرويه لهم أنه حدث له ذات مرة في شبابه المبكر أن كان في صحبة عدد من رفاقه “الزعران” حين التقوا مراهقة في أول صباها وراحوا يتتابعون على اغتصابها فيما وقف هو جانباً غاضباً غير قادر على إنقاذها. ولاحقاً حين توسل إليها أن تسامحه رفضت ذلك بشكل قاطع ما جعل ضميره يؤنبه حتى تمكن من رسم شخصية ليزبيث على الورق فأحس بالراحة. غير أن عدداً من الكتاب نفوا هذه الحكاية جملة وتفصيلاً، أو على الأقل نفوا حدوثها مع لارسون نفسه مؤكدين أنه سمعها تروى له فتبناها وكأنها حدثت معه. وفي صيغة أخرى أن تلك الفتاة لم توجد أصلاً وأن لارسون إنما بنى بطلته على صورة ابنة أخت له هيبية ومتمردة قيل إنه خلال دبجه رواياته كان يهاتفها سائلاً إياها عن تفاصيل تفيد عمله. ضد جيمس بوند ولكن سواء كانت الأمور كهذا أو كذلك، يبقى أن الكاتب عرف كيف يطلع من خياله بتلك الشخصية التي دعمت توجهاته الفكرية اليسارية التي أعطت الرواية نكهة خاصة أتت مضادة للجيمس بوندية كما لنكهة هاري بوتر الما- ورائية، لكي لا نذكر سوى شخصيتين روائيتين عرفت شخصية “ميلينيوم” كيف تبزها خلال فسحة ضيقة من الوقت وتبيع من النسخ ما يساويها. وهو أمر يتوقف الباحث البريطاني براون عنده مطولاً لأنه يعتبره حجر الرحى. فبراون يفيدنا بأن أدب لارسون إنما ينهل، أيديولوجياً على الأقل، من تراث فورة الأدب البوليسي السويدي الذي وصل إلى ذروته بعيد سنوات الثورات الشبابية أواخر سنوات الستين، وكان لارسون من المشاركين فيها ضمن إطار نضالات الجماعات التروتسكية. وكان الثنائي ماي سجويل وبير فاهلو، وهما الآخران تروتسكيا التوجه، من أبرز أقطاب تلك الفورة، فاستفادا من تعمقهما في الأفكار الطبقية ومواقف الشبيبة المناهضة للفساد الرأسمالي، وبخاصة للأخلاقيات المهيمنة على أرقى طبقات السلم الاجتماعي العليا، ليشتغلا حبكات الروايات من حول مواضيع تلامس في نهاية الأمر تلك الأخلاقيات المغلفة بقشرة المال والمستندة إلى إعلام مناصر لها تشتريه فيخفي فضائحها بل جرائمها. وعلى هذا النحو وبجودة كتابية تغور في التفاصيل وتبدو غالباً أشبه بتنويعات على الأدب والصحافة الفضائحيين، عرفت أبرز نتاجات ذلك الأدب البوليسي ليس فقط كيف تكون حداثية ومسلية مشوقة بل كذلك كيف تكون سياسية ونضالية تكاد تبدو جزءاً من نضال متواصل ضد الفساد والفاسدين. وهو ما سيبدو كأنه يشكل رداً مفحماً على تراث الجيمس بوندية الذي جعل الشر من نصيب الغرب والخير من نصيب الشرق وأسهم في حرب أيديولوجية بين الاشتراكيين والرأسماليين معطياً النصر والتعاطف للغرب ورأسماليته على مساوئ “الشرق” واشتراكيته في نهاية المطاف. منشق شرير وقبيح وعلى خطى الثنائي سجويل- فاهلو إذا أتى ستيغ لارسون حاملاً تراثه النضالي العقائدي ليكتب تلك الروايات التي يمكننا أن نلاحظ فيها نزوع الطبقات العليا إلى الفساد والشر والجريمة ولو وجدت في صفوفها شخصيات تتسم بالخير والإنصاف، من دون أن يفوتنا أن نلاحظ هنا كيف أن ستيغ لارسون نفسه قد جعل من شخصية العميل السوفياتي الذي هرب من الكي جي بي، ليلتحق بالغرب منشقاً، في واحد من كتب ثلاثيته، الرجل الأكثر شراً وقبحاً بين شتى الشخصيات التي رسمها. ولعل هذه الإشارة تكفي وحدها لقول كل شيء! ففي نهاية الأمر ليست الأمور أسود وأبيض لدى كاتب “ميلينيوم”، وهو ما تابعه من بعده زميله الذي كتب الروايات الثلاث التالية “الفتاة في شبكة العنكبوت” و”الفتاة التي قاومت العين بالعين” وأخيراً “الفتاة التي عاشت مرتين”، وليس ثمة ما يفيد بأن كارين سميرنوف ستشذ في الروايات التالية عن القاعدة نفسها. المزيد عن: سلسلة روايات ميلينيوم \ أوسع الكتب انتشارا \ سينما \ ستيغ لارسون \ رواية الفتاة ذات وشم التنين \ جيمس بوند 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الكبار يغيبون عن دراما رمضان next post الألماني جوزيف بويس يعتمد الفن وسيلة لإيقاظ الذاكرة You may also like بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024