السبت, يناير 11, 2025
السبت, يناير 11, 2025
Home » “سبينوزا” المعركة الأكثر ضراوة التي خسرها بن غوريون في حياته

“سبينوزا” المعركة الأكثر ضراوة التي خسرها بن غوريون في حياته

by admin

الدولة وسياساتها في الخلفية الحقيقية لقضية فيلسوف أمستردام الأكبر

اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب

يروى في الأوساط اليهودية الإسرائيلية عادة، بشيء من التندر كما ببعض المبالغة أن ديفيد بن غوريون كان يقول بمرارة خلال سنواته الأخيرة، إن أكثر ما يسبب له المرارة أن المعركة الكبرى التي خسرها في حياته لم تكن ضد أعدائه الخارجيين ولم تكن معركة سياسية، بل كانت معركة يحب أن يطلق عليها اسم “معركة سبينوزا“. والحقيقة أن هذا الاسم لم يكن رمزياً بالنسبة إلى ذاك الذي كان يعتبر أقوى رئيس وزراء مر على الدولة العبرية، وربما أيضاً الرئيس الذي يمكن اعتباره المؤسس الحقيقي لذلك الكيان إذ تحول إلى دولة. كان الاسم مباشراً ومنطقياً بالنظر إلى أن تلك المعركة كانت تهدف إلى السعي لرفع حظر كان الحاخاميون اليهود في معبد أمستردام قد فرضوه على الفيلسوف المنشق قبل مئات السنين وظل ساري المفعول ولا يزال حتى اليوم رغم كل الجهود التي بذلها كثر من مفكري اليهود ووصلت إلى ذروتها مع تدخل بن غوريون الذي انتهى إلى الفشل بدوره.

مطرود وملعون من يقترب منه

يعود الحظر الذي يسمى في العبرانية، كما حاله في العربية تقريباً “حُرماً” إلى السابع والعشرين من يوليو (تموز) عام 1656 حين اجتمع حكماء المعبد اليهودي البرتغالي في أمستردام، مسقط رأس المفكر الشاب باروخ سبينوزا، ليعلنوه خارجاً عن الدين في عبارات لم يجابه بمثل قسوتها أي مفكر آخر في تاريخ ذلك المعبد. في ذلك الحين كان سبينوزا يدنو من الرابعة والعشرين من عمره. ومع ذلك عومل من قبل الحكماء كما يعامل مفكر عتيق خائن افترض أنه أضر المعبد وسدنته بشكل لا براء منه. وحكم عليه بالنفي خارج الجماعة وبألا يقترب أحد منه أو يقرأ كتاباته أو يقدم له أي مساعدة، بما في ذلك أهله الذين لا بد من القول هنا إنهم سوف يكونون في مقدمة الذين التزموا بالحرم وطبقوه. كان الحرم يقول بكل وضوح وبحكم ذي لغة مبرمة: “إننا بعون الحكم الصادر عن الأولياء والملائكة، نعلن استبعاد وطرد باروخ دي سبينوزا ونلعنه ونفرض عليه الحرم. (…) ألا فليشعل القدير ضد هذا الرجل آيات غضبه كله وليصب عليه كل أنواع الشرور المذكورة في كتاب الشريعة”. وإثر ذلك يمنع الحرم أياً كان من الاقتراب من سبينوزا “أقل من أربع أذرع”، أو أن “يقرأ أي حرف من كتاباته” وطبعاً “أن يطعمه أو يسقيه…”.

بقايا عصر الأندلس الذهبي

لقد كان ذلك أقسى وأقصى حكم يمكن أن يصدره الحكماء على يهودي في وسط تلك الأقلية البرتغالية المتشددة التي كانت قد انتقلت حديثاً لتعيش في البلاد الواطئة هاربة من محاكم التفتيش الكاثوليكية التي كانت تمارس شتى أنواع الإكراه على قوم كانوا قد اعتادوا أن يتعايشوا مع الأقوام الأخرى خلال العصر الذهبي للأندلس الإسلامية وها هم يجدون أنفسهم اليوم مهددين ومرعوبين إلى درجة اقتصاصهم ممن يحاول في أوساطهم التفكير بشكل مختلف عنهم. ولكن ما الذي فعله ابن الرابعة والعشرين يومها لكي يثير ثائرة رجال الدين ويجعلهم يجمعون على طرده ولعنه؟ بالتحديد: فكر على غير الشاكلة التي كانوا يفكرون بها قائلاً بشكل أساسي إنه ليس في حاجة إليهم كي يقر بوجود الله والعناية الإلهية. بالنسبة إليه كان عقله وعلمه يؤديان به إلى ذلك الإقرار. وهكذا بكل بساطة نفى سبينوزا الحاجة إلى أولئك البشر بين البشر، معلناً أنه لا هو يحتاجهم ولا الرب يحتاجهم حقاً! صحيح أن ردهم الفكري عليه سيكون مختلفاً عما جاء في الحرم إذ اعتبروه مارقاً ملحداً لا يؤمن بأن لهذا العالم خالقاً. أما هو فإنه، إضافةً إلى مواقفه المعلنة وبخاصة في رسائله كما بعد ذلك بسنوات عديدة، في الكتاب الأساسي المعنون “دراسة لاهوتية – سياسية”، سوف يضع لاحقاً واحداً من كتبه الأساسية وهو كتاب “الأخلاق” لكي يبرهن فيه هندسياً ومنطقياً، وبالتالي بشكل قاطع بالنسبة إليه، على وجود الخالق الذي ترك للآخرين أن يطلقوا عليه الاسم الذي يناسبهم.

تفسير لا اعتذار

أما بالنسبة إلى رد فعله المباشر على “الحرم” فإنه، إذ دعاه بعض الوسطاء للتقدم باعتذار يتراجع فيه أمام الحكماء، اكتفى بإصدار بيان “تفسيري” يبرر فيه خروجه عن المعبد وعدم اعترافه بأحكامه. وهكذا حدثت القطيعة التي لا تزال قائمة حتى اليوم والتي كان بن غوريون من أشهر محاولي إيجاد نهاية لها تعيد باروخ سبينوزا إلى الصراط المستقيم… وربما رغماً عن هذا الأخير الذي تقول لنا سيرته إنه لم يسع في حياته إلى ذلك. بل أمضى تلك الحياة بين أناس يفكرون مثله مصدراً كتباً غفلة من التوقيع وكاتباً رسائل محملة بأفكار مشاكسة، صابراً على ظلم الأهل والأقربين معتداً بفكره الحر وإيمانه العميق الخارج عما يفرض عليه من خارج ضميره.

خلفية حقيقية ومفترضة

منذ البداية إذا سجل سبينوزا تلك القطيعة مع الكهنوت، وهو أمر تحدث عنه تقرير قدم إلى محاكم التفتيش في مدريد رصد “موبقات” المفكر الشاب وفي مقدمتها “اختلاطه بالكفرة الملحدين” و”زعمه أن التوراة كتاب غير صحيح، وأن الروح تفنى بفناء الجسد” ناهيك بأن “الخالق لا يمكن البرهنة على وجوده إلا فلسفياً”. ويقول التقرير إن “تلكم هي الأفعال الوحشية التي اقترفها هذا المارق”. ولكن في الحقيقة، من الواضح هنا، لا سيما على ضوء قراءة كتب سبينوزا التي سينجزها متكاملة خلال المراحل التالية من حياته لكن معظمها لن ينشر إلا بعد رحيله عام 1677، بخاصة أن ما من ناشر رضي بأن يجازف بإصدارها، من الواضح أن تلك التهم لئن كانت صحيحة في الشكل فإنها كانت مبالغة في المضمون. ومن المؤكد أن القراءة الدقيقة والموضوعية لتلك الكتابات ستجعلنا نقر بأن معركة سبينوزا لم تكن مع الإيمان نفسه، ولكن مع الكهنوت الذين كان يرى أنهم يحتكرون الدين دون وجه حق ولمصالح سياسية خاصة بهم تتنافى على الأرجح مع صدقية الدين وتسعى إلى الاحتفاظ بأرجحية سياسية بمعنى أن الدولة وسياساتها هي المستهدفة في الحقيقة.

السياسة أولاً وأخيراً

فلئن كانت مواقف سبينوزا من المسألة الإلهية قد شوهت من قبل الذين حكوا عليه بالحرم، لا بد هنا من أن نختم بأن ذلك التشويه إنما كان مقصوداً للتعمية على مواقف أكثر سياسية عبر عنها ذلك المفكر حين رسم للدولة مهمات تتناقض مع المهمات الثانوية التي كان الكهنوت يرسمها لها بغية الحفاظ على مكاسبه. وحسبنا للتدليل على ذلك الأمثلة التالية المستقاة من كتابات سبينوزا نفسها. فبالنسبة إلى سبينوزا، ليس من مهمات الدولة أن تحول المواطنين من كائنات عاقلة إلى بهائم أو جماد، بل عليها أن تسعى إلى تمكينهم من أن يطوروا أجسادهم وعقولهم بطمأنينة وأمان، وأن يستخدموا عقولهم بكل حرية وألا يتنافسوا فيما بينهم في مجال الكراهية والغضب والمخادعة، وألا ينظر واحدهم إلى الآخر بعين الغيرة والحسد والظلم. أما الدولة فلا بد أن تبقى ضامنة لذلك كله. فإن كان لها أن تزول فإن الحرية المطلقة وحدها هي التي تحكم عليها بالزوال…”.

أيها الغر قد خُصصت بعقل

إذاً، بالنسبة إلى سبينوزا وكما أكد مرات عديدة لا سيما في كتابه الرئيس “دراسة لاهوتية – سياسية” طالما أن الخالق قد زود كل مخلوق بعقل يفكر به، فإن لكل إنسان الحق في أن يفكر بحرية وأن يحكم على الأمور ويقول ما يشاء. وكمثال على هذا يقول سبينوزا: “مثلاً، إذا رأى مواطن ما أن قانوناً من قوانين الدولة يتنافى مع العقل السليم، ويرى أن من الواجب تغييره لهذا السبب، وإن أبلغ حكمه هذا إلى سيد البلاد (الذي يعود إليه وحده وضع القوانين ومحوها)، لكنه في تلك الأثناء لم يفعل ما يخالف ذلك القانون، سيكون ذلك المواطن جديراً بمواطنيته في الدولة، أما إذا في المقابل، اتهم القاضي الأعلى بالظلم وإذا عمد إلى تشويه صورته في نظر الجماعة ووصمه بالسوء، ساعياً إلى مخالفة القانون رغم أنف القاضي، فلن يكون سوى مشاكس على النظام العام ومواطن متمرد”.

المزيد عن: ديفيد بن غوريون\باروخ سبينوزا\المعبد اليهودي\حكم الحرم\عصر الأندلس

 

 

You may also like

17 comments

Locksmith Putney 30 سبتمبر، 2021 - 3:07 م

Helpful info. Fortunate me I found your web site by accident, and I am shocked why this twist
of fate did not took place earlier! I bookmarked
it.

Reply
kumpot.com 30 سبتمبر، 2021 - 3:29 م

kumpot.com

Reply
185.250.149.169 30 سبتمبر، 2021 - 4:03 م

Please let me know if you’re looking for a writer for your blog.
You have some really great posts and I feel I would be a good asset.

If you ever want to take some of the load off, I’d love to write some articles
for your blog in exchange for a link back to mine.
Please send me an e-mail if interested. Many thanks!

Reply
write my essay for me free 13 نوفمبر، 2021 - 5:23 م

Sustain the good work and generating the group! http://multiessay.com/

Reply
admiral online casino 15 نوفمبر، 2021 - 10:58 ص

Great looking site. Think you did a great deal of your very
own coding. https://casinogamesmachines.com/

Reply
admiral online casino 15 نوفمبر، 2021 - 10:58 ص

Great looking site. Think you did a great deal of your very own coding. https://casinogamesmachines.com/

Reply
female sex games 18 نوفمبر، 2021 - 1:44 م

Great looking site. Assume you did a bunch of your very
own html coding. https://winsexgames.com/

Reply
female sex games 18 نوفمبر، 2021 - 1:44 م

Great looking site. Assume you did a bunch of your
very own html coding. https://winsexgames.com/

Reply
adults sex games 19 نوفمبر، 2021 - 5:01 م

The knowledge is very significant. https://sexygamess.com/

Reply
keto salad dressing recipe 20 نوفمبر، 2021 - 10:26 ص

Great Web page, Keep up the great job. Thanks for your time! https://ketogendiet.net/

Reply
cream cheese keto 20 نوفمبر، 2021 - 3:55 م

I delight in the details on your web site. Thanks for your time! https://ketogenicdietinfo.com/

Reply
how to start a keto diet 20 نوفمبر، 2021 - 11:45 م

Cool web-site you have here. https://ketogendiets.com/

Reply
keto diet recipes 21 نوفمبر، 2021 - 11:27 ص

How goes it, neat websites you have got in here. https://ketogenicdiets.net/

Reply
online casino real money paypal 9 يناير، 2022 - 9:58 م

Sustain the awesome work !! Lovin’ it! online casino real money paypal

Reply
white gay liberal dating interracial to avoid being seen as racist 12 يناير، 2022 - 2:31 ص

gay dating in little rock gay dating kingston ny
gay dating show youtube white gay liberal dating interracial to avoid being seen as racist

Reply
social problem essay topics 13 يناير، 2022 - 6:25 ص

synthesis essay essay on current events sat essay examples social problem essay topics

Reply
free gay bear dating 14 يناير، 2022 - 12:36 ص

names.of gay dating sitesfree gay bear datinggay mature dating gay dating sites yahoo answers gay conservative dating

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00