الاحتفال بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد، اللاذقية، سوريا، ديسمبر 2024 (رويترز) بأقلامهم سام هيلير يكتب عن: كيف يمكن الحفاظ على وحدة سوريا؟ by admin 24 ديسمبر، 2024 written by admin 24 ديسمبر، 2024 32 في أعقاب سقوط الأسد، التهديد الأكبر هو الفوضى اندبندنت عربية / سام هيلير سام هيلير هو محلل وزميل في ” سانتشوري إنترناشيونال”، في مركز “مؤسسة سانتشوري” للأبحاث والسياسات الدولية. قبل فرار بشار الأسد من سوريا في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، لم ترغب سوى قلة من الدول فعلياً في سقوط حكومة الديكتاتور السوري. ولم يكُن السبب وراء ذلك أن الحكومات الأجنبية تحب الأسد أو توافق على الطريقة الوحشية التي حكم بها سوريا، بل لأنها كانت تخشى مما قد يحلّ محله: حكم الجماعات المسلحة المتطرفة والصراعات الطائفية والفوضى التي قد تبتلع سوريا لا بل معظم الشرق الأوسط. كانت هذه الرؤية المخيفة أيضاً هي حجة نظام الأسد للبقاء، إذ كان يدّعي أن استمراره في الحكم يمنع الفوضى والمجازر، وكان كثير من الناس، بمن في ذلك صناع السياسات الدوليون، مقتنعين بذلك. فعام 2015، عندما اقتربت المعارضة المسلحة من الإطاحة بالأسد، اعتبر المسؤولون الأميركيون احتمال انتصار المعارضة بصورة كاملة وسقوط النظام بمثابة “نجاح كارثي”. والآن، رحل الأسد. والسوريون يحتفلون في شوارع دمشق، وجماعات المعارضة تحاول تنظيم انتقال سياسي، والعالم على وشك اكتشاف ما سيحدث بعد سقوط النظام. لقد بقي الأسد قاسياً وظالماً حتى النهاية، على رغم أنه كان يدير دولة تزداد فقراً واختلالاً. ترك الأسد وراءه بلداً محطماً، وأي حكومة جديدة – ناهيك عن ائتلاف من جماعات المعارضة المسلحة المتناحرة – ستواجه تحديات جسيمة في هذه الظروف. ومع ذلك، فإن السجل السيئ للجماعات المتمردة السورية عندما سيطرت على مساحات كبيرة من الأراضي يجعل التفاؤل أمراً صعباً أيضاً. مع ذلك، فإن نجاح سوريا يصب في مصلحة الجميع. فالسوريون لا يريدون مزيداً من المعاناة والدمار، والمجتمع الدولي لا يستطيع أن يقف موقف المتفرج أمام تفكك سوريا. والآن على الدول المعنية أن تبذل قصارى جهدها، بما في ذلك تشجيع انتقال سياسي سلمي وشامل، وتقديم مساعدات إنسانية واقتصادية سخية، لضمان عدم تحقق أسوأ المخاوف في شأن سوريا ما بعد الأسد. سقوط الأسد عام 2011، حاول نظام الأسد قمع حركة احتجاجية وطنية في جميع أنحاء البلاد. فتحولت هذه الاحتجاجات إلى تمرد مسلح، واجهه الأسد بعنف متصاعد ووحشي. وفي مراحل عدة من الحرب التي تلت ذلك، بدا أن حكومة الأسد كانت في خطر حقيقي من أن تدحرها قوات المعارضة المسلحة. ولكن التدخلات العسكرية من حليفَي الأسد، إيران وروسيا، أدت إلى استقرار الحكومة عسكرياً ومكنتها من استعادة السيطرة. بين عامي 2015 و2020، قصف الأسد المعاقل التي سيطرت عليها المعارضة في جميع أنحاء سوريا لإخضاعها، واستعاد معظم البلاد. ثم دخلت الحرب في حال جمود لفترة مطولة. فعززت تركيا سيطرتها على معاقل المعارضة الباقية في شمال سوريا، في حين بسطت “قوات سوريا الديمقراطية” “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة نفوذها على شرق سوريا، بما في ذلك على الموارد الزراعية والبتروكربونية [المركبات العضوية المشتقة من البترول أو الغاز الطبيعي] الأكثر قيمة في البلاد. وبسبب العقوبات الأميركية الجديدة وانهيار الاقتصاد في لبنان المجاور، غرقت سوريا بأكملها، خصوصاً المناطق الخاضعة لحكم النظام، في أزمة اقتصادية عميقة. ومع ضعف مؤسسات الدولة السورية وجيشها تدريجاً، ظهر عجز الحكومة، بسبب ندرة الموارد، عن تحقيق الاستقرار وإعادة إعمار المناطق التي استعادتها من المعارضة. لكن هذا العام، ومع انشغال إيران وروسيا في نزاعات أخرى، اغتنمت بقايا المعارضة السورية المسلحة هذه الفرصة. كانت “هيئة تحرير الشام” وغيرها من فصائل المعارضة تنظم صفوفها لأعوام في معقل محمي من تركيا في محافظة إدلب شمال غربي سوريا. وفي الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شنت هذه الفصائل هجوماً على مدينة حلب الشمالية. وعندما اخترقت دفاعات الجيش السوري واستولت على المدينة، أدى ذلك إلى انهيار متسلسل للجيش السوري على مستوى البلاد. وبقيادة “هيئة تحرير الشام“، تقدمت القوات جنوباً من حلب باتجاه العاصمة دمشق، في وقت انتفض السوريون في المناطق الوسطى والجنوبية من البلاد، بما في ذلك المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة سابقاً. وفي الثامن من ديسمبر الجاري، مع تقدم فصائل المعارضة نحو دمشق من الشمال والجنوب، فر الأسد إلى روسيا. وبعد أكثر من 13 عاماً من الحرب الأهلية الطاحنة، انهار نظام الأسد في أقل من أسبوعين. والآن، في دمشق ما بعد الأسد، تولت “هيئة تحرير الشام” زمام الأمور في محاولة لإدارة عملية انتقال سياسي منظمة، ونصّبت “حكومة الإنقاذ السورية” الموقتة التي أنشأتها سابقاً في إدلب، كسلطة انتقالية وطنية. علاوة على ذلك، نشرت قواتها الأمنية في العاصمة، وأقامت نقاط تفتيش على الطرق الرئيسة في جميع أنحاء البلاد، وحذرت بصورة متكررة مقاتلي المعارضة المنتصرين من إساءة معاملة المدنيين أو نهب ممتلكاتهم. المتمردون في الحكم يفترض كثيرون في الأوساط الإعلامية والسياسية الغربية الآن أنه من الواضح أن “هيئة تحرير الشام” ستتولى حكم سوريا. ومع ذلك، هناك أسباب تدعو إلى الشك في أن الأمور ستكون بهذه البساطة. فحتى أسابيع عدة مضت، لم تسيطر “هيئة تحرير الشام” سوى على ثلثي إحدى المحافظات الواقعة في الأطراف الريفية السورية. وإدارة سوريا بأكملها ستشكل تحدياً مختلفاً تماماً. “هيئة تحرير الشام” هي النسخة الأحدث من “جبهة النصرة” التي كانت في الأصل تمثل الطليعة السورية [الجناح السوري] لتنظيم “داعش”، ثم تحولت إلى فرع لتنظيم “القاعدة” في سوريا. وعام 2016، أعلنت الهيئة عن قطع علاقتها بتنظيم “القاعدة” والجهاد العابر للحدود الوطنية، على رغم أنها لا تزال تضم بعض المتشددين المخضرمين والمقاتلين الأجانب في صفوفها. وقد صنفها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والولايات المتحدة وحكومات وطنية أخرى كمنظمة إرهابية. خلال الأعوام الأخيرة، عملت “هيئة تحرير الشام” بصورة دؤوبة على تحسين صورتها وضمان إزالتها من قوائم الإرهاب الدولية. ومع تقدم قوات المعارضة نحو دمشق، حاولت الهيئة وقائدها “أبو محمد الجولاني” تقديم صورة تتسم بالجدية والاعتدال. وأصدرت الهيئة بيانات تطمئن المكونات العرقية والطائفية المتنوعة في سوريا، وكذلك الأطراف الدولية المختلفة، في حين أجرى الجولاني مقابلات مع وسائل إعلام غربية أكد خلالها تاريخ التعايش في سوريا والتزامه الحكم القائم على المؤسسات. مع اجتياح “هيئة تحرير الشام” لدمشق، أظهرت قواتها نسبياً درجة من الانضباط. وكانت التقارير عن عمليات الإعدام الفورية [من دون محاكمة] والانتقامات الطائفية محدودة، وربما يرجع هذا جزئياً إلى الطريقة التي سلّم بها جزء كبير من الجيش السوري الأراضي من دون مقاومة. ولا شك في وقوع بعض أعمال العنف الانتقامية وفرار آلاف السوريين الخائفين من سيطرة المتشددين إلى لبنان. ولكن في الوقت الراهن، لم تشن المعارضة المنتصرة حملة انتقامية ضد أعدائها السابقين، أو ضد المجتمعات المرتبطة بصورة واسعة بالنظام السابق. لا يستطيع المجتمع الدولي تحمل رؤية سوريا تتفكك للأسف، لا يبشر سجل “هيئة تحرير الشام” على المستوى المحلي بالخير في ما يتعلق ببناء حكومة وطنية تراعي التنوع الديني والعرقي والسياسي في سوريا. فقد أظهرت الهيئة في إدارتها لإدلب انعداماً حقيقياً لالتزام التعددية السياسية. ونظمت بعض الإجراءات الشكلية لإضفاء الشرعية على حكومة الإنقاذ التابعة لها في إدلب، بما في ذلك مؤتمر دستوري يفترض أنه شامل، لكنها لم تكُن عمليات ديمقراطية مفتوحة أو تشاركية. كان الجولاني دائماً المسيطر، على رغم أنه لم يكُن يشغل منصباً حكومياً رسمياً، وكان ينظر إليه ببساطة على أنه الزعيم الفعلي لإدلب. وقبل بضعة أشهر فحسب قمعت أجهزة الأمن التابعة لـ “هيئة تحرير الشام” بعنف الاحتجاجات في إدلب التي طالبت بالإفراج عن المعتقلين الذين تحتجزهم الهيئة وإنهاء حكم الجولاني. تمكنت “هيئة تحرير الشام” من فرض النظام والاستقرار نسبياً في إدلب. ومع ذلك، يبدو من غير المرجح أن تتمكن الهيئة من تكرار نموذج سيطرتها على إدلب في جميع أنحاء سوريا. فقد كان ترسيخ سيطرة “هيئة تحرير الشام” في إدلب عملية استغرقت أعواماً طويلة وشهدت عنفاً متكرراً، فقامت الهيئة بسحق الفصائل المعارضة المنافسة والقضاء على المنشقين والمخالفين من داخلها. ويبدو من الوارد أن باستطاعة “هيئة تحرير الشام” توسيع أجهزتها الإدارية والأمنية من إدلب إلى حلب المجاورة بعد بسط سيطرتها هناك. لكن تعميم هذا النموذج على سوريا بكاملها يبدو مستحيلاً. فسوريا من الناحية الجغرافية أكبر بكثير، وتضم عدداً من السكان يوازي 10 مرات عدد سكان إدلب، وهي أكثر تنوعاً، كما أنها تعج الآن بالمسلحين الذين لا يخضعون لسيطرة “هيئة تحرير الشام” بصورة فاعلة. وعلى رغم أن “هيئة تحرير الشام” نجحت في ترسيخ ثقافة قوية من الانضباط الداخلي، فإن عدد مقاتليها الذي يقدر بنحو 30 ألفاً، لا يبدو كافياً لحكم سوريا بأكملها أو السيطرة على الجماعات المسلحة المتعددة التي قد تظهر أو تعمل في ظلها. في الواقع، إن “هيئة تحرير الشام” ليست الممثل الوحيد للمعارضة المسلحة في سوريا، وهي لم تكُن حتى الممثل الوحيد للمعارضة المسلحة في إدلب نفسها، حيث جمعت الهيئة فصائل حليفة عملت كقوات مساندة لها. ولا يمكن للهيئة السيطرة على جميع الجماعات المسلحة النشطة الآن في أنحاء البلاد. ومن المؤكد أن الفصائل التي أعادت حشد قواتها في وسط البلاد وجنوبها خلال الأسابيع الماضية لا تخضع لأوامر الجولاني. عندما سيطرت مجموعات المعارضة السورية سابقاً على أجزاء أخرى من البلاد، بما في ذلك جنوب سوريا وريف دمشق وبعض المناطق الشمالية التي احتلتها الفصائل المدعومة من تركيا، غالباً ما كانت النتيجة حكماً تعسفياً من الميليشيات واقتتالاً داخلياً بين أفراد الجماعة نفسها. وفشلت محاولات توحيد الفصائل المحلية وبناء مؤسسات موحدة مراراً وتكراراً. ولم تتمكن “هيئة تحرير الشام” من تحقيق النجاح في إدلب إلا بفضل الصبر لفترة طويلة والمثابرة والأساليب القسرية الدموية. في الوقت الحالي، يتطلع كثيرون إلى تركيا لاستخدام نفوذها على “هيئة تحرير الشام” والفصائل المعارضة الأخرى للمساعدة في توجيه عملية انتقال السلطة في سوريا. مع ذلك، وعلى رغم أن تركيا لديها بعض النفوذ على “هيئة تحرير الشام”، فيبدو أنها لا تسيطر بصورة كاملة عليها. فالهيئة أثارت على سبيل المثال استياء الحكومة التركية في السابق عندما استولت على الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المدعومة من تركيا في حلب. فحتى الفصائل المعارضة في شمال سوريا الخاضعة لتركيا بصورة كاملة – أي التي تتلقى تمويلاً كاملاً من أنقرة وتعمل في المناطق التي تحتلها تركيا وتديرها مؤسسات مرتبطة بأنقرة – لم تظهر تركيا أي قدرة على فرض الانضباط عليها أو الحد من انتهاكاتها. وفي الغالب، أطلقت أنقرة العنان لهذه الفصائل ضد “قوات سوريا الديمقراطية” الخاضعة لقيادة الأكراد والتي تعتبرها أنقرة ذراعاً لحزب العمال الكردستاني، وهو جماعة كردية مسلحة محظورة. وحتى بعد سقوط الأسد، استمرت الفصائل المدعومة من تركيا في مهاجمة “قوات سوريا الديمقراطية” في شمال سوريا. هناك أسباب تدعو إلى الشك في مصداقية تحول “هيئة تحرير الشام” إلى الاعتدال. لكن الخطر الأكثر إلحاحاً الذي يهدد سوريا ليس التطرف الإسلامي، بل الفوضى التي قد تنجم عن انتصار المعارضة. وهناك خطر حقيقي يتمثل في خروج الوضع في سوريا ما بعد الأسد عن السيطرة، وفي انجرار البلاد إلى صراع مفتوح بين الجماعات المسلحة، بل أيضاً إلى أعمال انتقامية فردية لا حصر لها وتصفية حسابات دموية. محكوم بالفشل أياً كان النظام الذي سيحل محل الأسد، فإن الحكومة الجديدة لن تواجه ظروفاً مواتية لتحقيق الاستقرار والتعافي. ويبدو من المرجح أن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الخانقة بالفعل في سوريا ستتفاقم أكثر. ووفقاً للأمم المتحدة، كان هناك 16.7 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية عام 2024، أي ما يمثل أكثر من 70 في المئة من سكان البلاد وهو أعلى رقم سُجّل منذ بداية الحرب في سوريا. كما يعتقد بأن نحو 12.9 مليون سوري يعانون انعدام الأمن الغذائي. في الواقع، كانت الخدمات الحكومية انهارت بالفعل قبل سقوط الأسد. وفي المناطق التي كانت تحت سيطرة نظام الأسد خصوصاً، أدت انقطاعات الكهرباء إلى تعطيل الحياة اليومية والخدمات العامة مثل التعليم وتوفير المياه الجارية. ويُذكر أن “هيئة تحرير الشام” نفسها لديها موارد محدودة. لقد تمكنت المجموعة من الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي في إدلب بفضل المساعدات الإنسانية المدعومة دولياً التي تتلقاها عبر تركيا. ولا تزال “هيئة تحرير الشام” مصنفة كمنظمة إرهابية، وقد تتولى الآن السلطة في سوريا المنهارة اقتصادياً والمثقلة بالفعل بعقوبات واسعة. وليس من الواضح كيف سيعمل الجهاز الحكومي والاقتصاد السوريين الخاضعين لأنظمة عقوبات عدة ومتداخلة، أو ما إذا كان تدفق الدعم الدولي اللازم من الجهات المانحة سيتحقق. ولا يمكن توقع أن يُبقي حلفاء الأسد القدامى سوريا واقفة على قدميها، إذ يبدو أن إيران أوقفت بالفعل شحنات النفط التي كانت ضرورية لتوليد الطاقة. وأبلغت وكالات الإغاثة الإنسانية عن نقص في السلع الأساسية وزيادات حادة في أسعار المواد الغذائية في المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد. ويشير بعض المراقبين إلى أن سقوط نظام الأسد قد يمهد الطريق لعودة اللاجئين السوريين. ومع ذلك، ربما تكون النتيجة خلاف ذلك، أي تدفقات جديدة من الهجرة إلى خارج سوريا. وكان من الخطأ تبسيط الأمور بالادعاء أن جميع اللاجئين الذين غادروا سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 2011 كانوا يفرون من اضطهاد نظام الأسد، كان هذا صحيحاً بالنسبة إلى بعضهم، لكن كثيرين آخرين كانوا يحاولون الهروب من حال انعدام الأمن والعنف بصورة عامة، والتجنيد العسكري الإجباري في الجيش السوري، أو الانهيار الاجتماعي الاقتصادي. ولكي يتمكن اللاجئون من العودة بطريقة مستدامة ومجدية، يجب أن تكون سوريا مكاناً يمكن للناس أن يعيشوا فيه فعلياً، مكاناً آمناً يوفر خدمات عامة ووظائف موثوقة. حتى اللاجئين السوريين الذين يشعرون بالفرح لسقوط الأسد لن يتمكنوا من العودة لوطنهم إذا انهار القانون والنظام، أو إذا لم يتمكنوا من إيجاد سبل لإعالة أسرهم. وقد يؤدي الحرمان الاقتصادي إلى زيادة المنافسة العنيفة بين الجماعات المسلحة السورية على الأراضي والموارد. فبعد أكثر من عقد من الحرب، طورت هذه الجماعات مصالحها وحاجاتها المستقلة. ولن تختفي الأسواق السوداء التي ظهرت في ظل اقتصاد الحرب السوري بمجرد رحيل الأسد. لقد كانت الجهات المرتبطة بالأسد، بما في ذلك الجماعات التي كانت تعارضه ذات يوم، تجني مئات ملايين الدولارات من خلال تهريب الأمفيتامينات غير المشروعة (كالكبتاغون). وقد يؤدي الصراع على السيطرة على هذه التجارة الآن إلى تأجيج العنف بين الفصائل المتنافسة. كذلك، ستترتب على الهجرة الجديدة من سوريا واستئناف الصراع الداخلي آثار مزعزعة للاستقرار على جيران سوريا، وكذلك احتمال أن يقوم هؤلاء الجيران أنفسهم بدور مزعزع للاستقرار داخل سوريا. فمن جهة، تستمر تركيا في تبني خطاب متشدد ضد “الإرهابيين الانفصاليين” التابعين لـ”قوات سوريا الديمقراطية” وتشجع وكلاءها المحليين على مواصلة الهجمات ضد القوات التي يقودها الأكراد. وبطريقة موازية، قصفت إسرائيل ودمّرت منشآت عسكرية سورية في جميع أنحاء البلاد واستولت على مزيد من الأراضي على طول مرتفعات الجولان. ومن المحتمل أن بعض الدول في المنطقة، بما في ذلك مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة، تشعر بالقلق من احتمال وصول جماعة إسلامية متشددة إلى السلطة في دمشق. وهناك خطر حقيقي الآن يتمثل في أن تلجأ الدول الإقليمية إلى تجنيد فصائل محلية لتأمين مصالحها في سوريا، وربما من خلال الاستيلاء على مناطق عازلة على طول الحدود السورية. ويبدو من المستبعد أن تكون كل هذه الظروف مواتية لتحقيق انتقال سياسي ناجح. تجنّب الكارثة لن يفتقد أحد بشار الأسد. فقد ارتكب النظام السوري تحت حكمه وحكم والده حافظ فظائع مروعة للحفاظ على السلطة، فتعامل بوحشية وبطش مع الشعب السوري وأدخله في دوامة من البؤس. ولا يخفى شعور الارتياح الذي انتاب معظم السوريين بعد رحيل الأسد، متجلياً في الاحتفالات التي عمت شوارع دمشق ومدن أخرى، وفي المشاعر الجياشة التي صاحبت فتح شبكة السجون التابعة للنظام وإطلاق سراح المعتقلين. الآن يتعين على جميع الأطراف أن تضمن عدم تحقق أشد التوقعات قتامة في شأن سقوط الأسد، وألا يكون البديل عنه مجرد فوضى وعنف. لا شك في أن السوريين أنفسهم سيقومون بالدور الرئيس في تقرير مستقبل البلاد. ومع ذلك، يمكن للدول الخارجية أن تساعد أيضاً من خلال تشجيع “هيئة تحرير الشام” وغيرها من الجماعات السورية على انتهاج انتقال سياسي سلمي وشامل إلى أقصى حد ممكن. وبالتوازي مع ذلك، يتعين على الدول المانحة أن تعمل على إطلاق برنامج كبير للمساعدات الإنسانية والاقتصادية لسوريا، بما في ذلك المساعدات للسوريين الأكثر ضعفاً ودعم الخدمات الأساسية في جميع أنحاء البلاد. وينبغي لها أن ترفع فوراً العقوبات المفروضة على حكومة الأسد السابقة، بما في ذلك إصدار الإعفاءات أو التراخيص التي تحيّد العقوبات المفروضة على مؤسسات الدولة مثل البنك المركزي السوري وعلى القطاعات الاقتصادية بأكملها. ويتعين على الجهات الخارجية أن تثبط بقوة أي صراع فصائلي جديد وأن تقاوم إغراء تعزيز مصالحها الخاصة من خلال دعم مجموعة على حساب أخرى. وعلى رغم أن بعض الدول قد تكون لديها تحفظات مفهومة تجاه “هيئة تحرير الشام”، فإنها يجب أن تسعى إلى إنجاح عملية الانتقال في سوريا وألا تتدخل لإفشالها بأي حال من الأحوال. فانهيار سوريا سيكون أسوأ، سواء بالنسبة إلى السوريين أو إلى المنطقة بأسرها. وإذا غرقت سوريا في الفوضى، فلن يكون ذلك مجرد كارثة إنسانية، بل سيكون أيضاً بمثابة تبرير للحكم الديكتاتوري الأسدي. مترجم عن “فورين أفيرز” 16 ديسمبر (كانون الأول) 2024 المزيد عن: سقوط النظام السوريبشار الأسدسورياالمساعدات الإنسانية لسورياالتطرف الإسلاميتركياهيئة تحرير الشامأبو محمد الجولانيفورين أفيرزاقرأها واسمعها 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مايكل ماكفول يكتب عن: كيف يمكن لترمب إنهاء الحرب في أوكرانيا next post نهاية رعب الحواجز وجمع الإتاوات على طرق سوريا You may also like طارق الشامي يكتب عن: هل تضبط واشنطن إيقاع... 24 ديسمبر، 2024 مايكل ماكفول يكتب عن: كيف يمكن لترمب إنهاء... 24 ديسمبر، 2024 حسام عيتاني يكتب عن: جنبلاط في دمشق.. فتح... 23 ديسمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: جنبلاط والشرع وجروح الأسدين 23 ديسمبر، 2024 مايكل شيريدان يكتب عن: الجاسوس الصيني الذي حاول... 22 ديسمبر، 2024 أساف أوريون يكتب عن: إسرائيل وسقوط الأسد.. احتفاء،... 22 ديسمبر، 2024 هارون ي. زيلين يكتب عن: واشنطن تعود إلى... 22 ديسمبر، 2024 دينس روس يكتب عن: يجب على الولايات المتحدة... 22 ديسمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: في أنّنا بحاجة إلى... 22 ديسمبر، 2024 ماثيو ليفيت يكتب عن: كيف أُدرِجت هيئة تحرير... 20 ديسمبر، 2024