مشهد من فيلم "صمت القصور" للراحلة مفيدة التلاتلي (موقع الفيلم) ثقافة و فنون سؤال جوهري طرحته التونسية مفيدة التلاتلي في “صمت القصور” by admin 16 يوليو، 2024 written by admin 16 يوليو، 2024 70 حققنا الاستقلال ونلنا الحرية وحصلت المرأة على حقوقها القانونية… فماذا بعد؟ اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب الاثنين 15 يوليو 2024 14:30 لم يكن فيلم “صمت القصور” الذي حققته التونسية الراحلة بعد ذلك مفيدة التلاتلي في عام 1994 وكان إلى فضائل أخرى كثيرة قد شهد الظهور الأول لتلك المراهقة الحسناء هند صبري التي كانت حينها في الـ14 من عمرها لتصبح بعده في مصر واحدة من أبرز نجمات السينما العربية، لم يكن الفيلم التونسي الأول الذي تحققه امرأة عن وضع المرأة في تونس بعد عقود من الحريات الواسعة التي منحها لها نظام بورقيبة الاستقلالي في بلد لا تزال المرأة تتمتع فيه حتى اليوم بمكانة اجتماعية وحقوقية تحسدها عليها حتى مجتمعات كثيرة في أكثر بلدان العالم تقدماً. فقبل التلاتلي كان ثمة نساء تونسيات كثيرات خضن مغامرة الإخراج السينمائي، لكنها أوصلت “المغامرة” إلى ذروة من النجاح والتقدم غير مسبوقة، لا سيما في هذا الفيلم. قوة الفيلم الأول ونعرف طبعاً أن “صمت القصور” كان أول فيلم روائي طويل لمفيدة التلاتلي التي لم يكن كثر يتوقعون أن يكون أول فيلم تخرجه على مثل تلك القوة، ومن هنا حين عرض تباعاً في “كان” ثم “قرطاج” ثم مهرجان السينما العربية في باريس، أحدث صدمة إيجابية مدهشة. وهو لا يزال يعد حتى اليوم واحداً من الأفلام العربية التأسيسية. فعم يتحدث؟ عن حكاية مغنية لكن من خلالها عن حكاية وطن واستقلال، وقبل ذلك عن القهر الذي تتعرض له المرأة التونسية خصوصاً والمرأة العربية عموماً. وهو بصرف النظر عن الأسئلة التي طرحت دائماً من حول الهوية الحقيقية للمغنية التي استوحت تلاتلي من حياتها سيناريو الفيلم، قهر يلوح في ثنايا “صمت القصور”، بل يشكل موضوعه الرئيس، حتى خارج إطار أحداث الفيلم التي سيبدو للوهلة الأولى أنها تحمل خصوصياتها التي تحول بينها وبين أية إمكانية للتعميم. بين البيئة والعلاقات أجل للوهلة الأولى تبدو الحالة خاصة، خصوصية الديكور والفترة الزمنية، لكن أيضاً خصوصية العلاقات التي يرسمها الفيلم، والبيئة التي توضع فيها شخصياته. فنحن هنا في قصر فخم، يعيش فيه سادة تونسيون كبار عشية الاستقلال. والكاميرا في هذا القصر تتجول كالمكوك بين النقيضين اللذين يجمعهما القصر: السادة الذين تجري حياتهم على منوالها الطبيعي: حفلات، سهر، علاقات غامضة، علاقات مرضية، تطلع مبهم نحو الاستقلال وسط التعاون التام مع المحتل، والأبوية التي يعامل بها السيد الكبير “سي علي” أهل الدار، بمن فيهم الخدم. والخدم هؤلاء هم المحور الثاني لحياة القصر، يقومون بأعمالهم كما يتعين عليهم أن يفعلوا، وفيما يجتمعون إلى بعضهم بعضاً يسمحون لأنفسهم بقدر من الحرية اللفظية التي تتيح لهم أن يرووا لنا خفايا القصر. وهكذا، ضمن إطار العرف القائم، تسير الحياة في هذا القصر، وكان يمكن لها أن تسير إلى الأبد لولا أن ذلك الزمن المفصل شهد تضافر حدثين لا علاقة لهما ببعضهما بعضاً: فمن ناحية كانت تونس تعيش زمناً انعطافياً هو زمن الانتفاض ضد المحتل الفرنسي بقيادة الحزب الدستوري. ومن ناحية ثانية، كانت أروقة القصر تشهد ولادتين: في الطوابق العليا ولادة سارة ابنة الباي سيدي علي، وفي الطوابق السفلى ولادة عليا، ابنة الخادمة خديجة. ولئن كنا عارفين أن سارة هي ابنة رب القصر، فإننا سنجهل من هو والد عليا، لأن عليا، طفلة الخادمة خديجة تأتي، كما ينبغي للوضع أن يكون في تلك الأمكنة، من اللامكان، من العلاقة الجنسية التي يسمح لسادة القصر الذكور بإقامتها مع الخادمات، علاقة تظل مستورة بالتكتم، محاطة بالغموض لا يجرؤ أحد، ولا حتى صاحبة العلاقة نفسها، على البوح بها. السيد وابنته “السرية” كل ما في الأمر أننا نفترض أن عليا يمكن أن تكون ابنة السيد علي، وثمة لمسات حنان أبوية من هذا الأخير وبوح صامت في عيني خديجة يقترحان علينا مثل هذا المنطق. وعلى خلفية هذه العلاقات ترسم مفيدة التلاتلي حكاية فيلمها، وتسير قدماً في الكشف عن الشخصيات وللعلاقات بينها، وتدع لنا بين الحين والآخر حرية أن نعثر إذا شئنا على ترميز يضع كل شخصية وحادثة في إطار تاريخي ومنطقي يكاد في فخ الترميز هذا، يكون من شأنه لو أوصل إلى منطقه، أن يفقد الفيلم بعضاً من سحره. لكي يظل السحر قائماً يجب على عليا أن تظل عليا، ويجب على حياتها أن تسير تحديداً على الطريق الذي رسمته لها المخرجة مع شريكها المميز في كتابة السيناريو المخرج نوري بوزيد. وحياة عليا هي الحياة الوحيدة في القصر التي تخرج عن إطار العلاقات النمطية القائمة منذ أبد الآبدين. لماذا اختارتها مفيدة التلاتلي هي بالذات؟ أمر قد لا يهم التوقف عنده كثيراً، لكن لا بأس من الإشارة إلى المنعطف التاريخي الذي تطابق مع ولادة عليا وكان هو الدافع الأساس، لأن فتاة مثلها تولد في منعطف تلك الظروف ستكون هي أداة خرق اللعبة، وعلى يديها سينكسر صمت القصور، وليس من قبيل المصادفة هنا أن تصبح عليا مغنية وأن يحررها الفن من مصير أمها. حرية الحركة ونعود هنا قليلاً إلى الوراء: خلال بحثها المضني والصامت عن أبيها، وبسبب وضعيتها الخاصة تتمكن عليا من التنقل بحرية بين طوابق القصر جميعاً، وتحظى بلفتات حائرة من السيد الكبير، وتعامل من قبل سارة وكأنها أخت لها. وكل هذا يعدنا بمصير لعليا يختلف عن مصير أمها، فالأم خادمة ابنة خدم جاءت إلى القصر وهي في الـ12 ولا ترى أن لها أي مكان آخر خارج القصر، رحلتها الوحيدة ستكون تلك التي تقودها من صمت القصور إلى صمت القبور. غير أنها بصمتها، بكلام عينيها، بخضوعها، ستسهم في زرع بذرة التوق إلى الحرية في نفس ابنتها، تلك البذرة التي سينميها حب الفن، واكتشاف عليا باكراً لوضعيتها المميزة. مفيدة التلاتلي (1947 – 2021) (غيتي) صحيح أن شقيق السيد الكبير، سيحاول “ممارسة حقه” الطبيعي في الاعتداء عليها حين سيكتشف أنها أضحت مراهقة ناضجة، غير أن خديجة ستقف لتقول لا، للمرة الأولى. صحيح أن الـ”لا” التي تقولها لا تحمل سوى الرفض أي إنها لا توفر لابنتها أي حل منطقي، لكن عليا ستلتقط الكرة، وتتفتح في الوقت نفسه على الحب عبر تعرفها إلى الشاب لطفي، ابن مدرس الموسيقى المختبئ في غرفة مديرة الخدم لأنه مطارد من قبل قوات الاحتلال. هذه العناصر كلها ستشتغل في حياة عليا منذ تلك اللحظة. وهي التي ستدفع بها إلى مصيرها الجديد: مصيرها المتحرر من القصر بعد زوال الاحتلال، فهل أوصلها هذا المصير الجديد إلى الانعتاق الكلي الذي كانت تتطلع إليه. وهل هي الآن، خارج القصر، سعيدة كما كانت تريد أن تكون؟ نقطة مفصلية قوة فيلم مفيدة التلاتلي تكمن عند تلك النقطة المفصلية بين المصيرين: عند ذلك التوازي بين حياة خديجة وحياة عليا. فهذه الأخيرة إذ تنال حريتها بعد “فضيحة” تسببها في القصر حين يطلب منها أن تغني في فرح سارة، فإذا بها توقف الأغنية الغرامية فجأة لتبدأ بإنشاد أغنية وطنية تونسية تنادي بسيادة الشعب واستقلال البلد. إذاً، إذ تنال عليا حريتها، وتهرب من القصر مع لطفي ستصبح مغنية شهيرة، وستصبح رفيقة حياة لطفي، لكنه لن يتزوجها، وهو كذلك سيطالبها بألا تحتفظ بالطفل الذي تحمله في أحشائها منه. وهذا مما إذ يرمي عليا في وهدة مصيرها الجديد، يدفع المتفرج لأن يقول مدهوشاً: لكن السيد علي سمح لخديجة بأن تحتفظ بجنينها في الأقل. القصر والذكريات هنا يقع المتفرج في إغراء الترميز من جديد. ومن جديد تأتي قوة التعبير لدى مفيدة التلاتلي لتبعد عن فيلمها “هذا الخطر”، وتعيدنا إلى خصوصية الحالة. وهي خصوصية يركز عليها أسلوب التراجع الزمني، إذ ينطلق الفيلم من معرفة عليا الناضجة الناجحة الآن بأن السيد علي مات. فتتوجه إلى القصر لتقديم واجب العزاء، وهي هناك تستعيد ذكريات طفولتها، عبر ما تحكيه لها “خالتي حدة”، كما عبر ما تتذكره هي نفسها. لقد تبدلت أمور كثيرة: انتصر الوطنيون، ألغيت مكانة السادة، لم يعد الصمت سيد اللعبة في القصر، لكن هل اختفى الخدم كخدم والسادة كسادة؟ ذلكم هو السؤال الأساس في “صمت القصور” على أية حال. المزيد عن: تونسمفيدة التلاتليقرطاجباريسهند صبريصمت القصورالمرأة العربيةحرية المرأة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سحب ملابس مسرطنة من أسواق الجزائر next post إريش كستنر يرصد الواقع الألماني المعطوب ما بين الحربين You may also like فيلم عن مأساة الأجيال الفلسطينية يفتتح “أيام قرطاج... 19 ديسمبر، 2024 الروائية الإيطالية المجهولة إيلينا فيرانتي تكشف آراءها للقراء 19 ديسمبر، 2024 فروسية رولان في حروب شارلمان الملحمية 19 ديسمبر، 2024 “مائة عام من العزلة”… ماكوندو ماركيز على الشاشة... 19 ديسمبر، 2024 سجالات بيرانديللو المسرحية الأخروية عند بوابة المقبرة 18 ديسمبر، 2024 في سبعين رحيله… ستيغ داغرمان طفل الأدب السويدي... 18 ديسمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: حُلي من مدافن البحرين... 18 ديسمبر، 2024 الباليه الفرنسي الذي انتظر 60 عاما ليوقظه الحريق 18 ديسمبر، 2024 (23) ممثلا كرهوا أفلاما قاموا ببطولتها 18 ديسمبر، 2024 استعادة فرنسية لإرث ابن خلدون المغاربي في سياقه التاريخي... 17 ديسمبر، 2024