الأحد, مارس 16, 2025
الأحد, مارس 16, 2025
Home » روبير جولان يسترجع تاريخ الإبادة العرقية ليدين الغرب

روبير جولان يسترجع تاريخ الإبادة العرقية ليدين الغرب

by admin

 

بعد جولاته البحثية عبر غابات الأمازون ووسط قبائل أفريقيا استخلص الوجه النقيض للحضارة الغربية

اندبندنت عربية / أنطوان أبو زيد

روبير جولان صاحب كتاب “الغرب نقيضاً للحضارة، نصوص مختارة” (ترجمة مراد دياني – المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – بيروت) واحد من المفكرين والعلماء والكتاب، صنف لا تنفصل بحسبه حياتهم الخاصة عن أعمالهم وكتاباتهم التي تحفر عميقاً بدورها في السياق العلمي والمعرفي الإنساني. روبير جولان هو من هذا الصنف، فهو المولود في الألب بفرنسا عام 1928، والشغوف بالإطار الريفي، وما يميزه من عادات وتقاليد ولغات محلية قيد الاختفاء لمصلحة الإطار المديني الزاحف مع حضارته المادية الأحادية. ولما شب اختار، أول الأمر، أن يكون عالم رياضيات لشغفه بهذه المادة، ولكنه سرعان ما عدل عن التبحر فيها، ومال إلى دراسة الإثنوغرافيا، أو علم الإثنيات، فكان من رواد العلماء الملتزمين، علمياً وسياسياً، الدفاع عن وجود قبائل الباري، وهم من الهنود الأميركيين الجنوبيين الأصليين، ممن أقاموا على تخوم البرازيل وكولومبيا. وكان يرى أن خير الوسائل لوصف هذه القبائل، والتعرف إلى تقاليدها وتدوين عادات أهلها، هي الإقامة لديها بمعية زوجته.

ولا عجب، إذ اندرج منهجه في البحث في سلك آخرين سبقوه، من مثل مالينوفسكي وكلود ليفي-ستراوس، وغيرهما ممن أسهموا في إرساء علمي الإناسة والأنثروبولوجية المتداخلتين مع علم النفس وعلم الاجتماع والاقتصاد، وبينوا وجود أنماط من التفكير الديني والأسطوري، وأشكال من التجمعات والمصالح واللغات ما لا يتفق، غالباً، مع أنماط المجتمعات الحديثة وطرائق تفكير المرء في عصر الحداثة والاستهلاك.

ما الحضارة؟

الكتاب بالترجمة العربية (المركز العربي)

 

ماذا يعني مصطلح الحضارة حتى يجعل الباحث روبير جولان الغرب نقيضاً له؟ يقول بطرس البستاني في معجمه محيط المحيط “الإقامة في المدن والقرى” (ص:145)، وفي الكافي لمحمود خليل الباشا هي “الإقامة في الحضر، ضد البداوة” (ص:374). ولمصطلح الحضارة باللغات الأجنبية، موضوع المعالجة الدلالة نفسها، وإن بإضافة أبعاد مرتبطة بالمدينة، ففي قاموس روبير نجد أن الحضارة تعني: “مجموع الخصائص المشتركة للمجتمعات البشرية، الدينية منها والأخلاقية والجمالية والعلمية والتقنية”، وبهذا المعنى تنسب الحضارة إلى تعدد مظاهرها في المجتمع المعني، في حين تنسب ضآلة الخصائص ومحدوديتها في مجتمع ما إلى البداوة، أو إلى نقيض الحضارة، لذا فإن كل فعل تقوم به الدولة أو المؤسسات الرسمية فيها لا يقيم اعتباراً لتعدد مظاهر المجتمع ومكوناته الكثيرة، بحسب جولان، إنما يكون فعلاً نقيضاً من الحضارة، وكيف إذا كانت هذه الحضارة حديثة؟

الإبادة العرقية

ومن أجل أن يسوق الحجة الدامغة على ازدواجية الغرب في التعامل مع الآخرين، ولا سيما الدول والشعوب التي احتلت بعضاً منها أو استعمرتها، بدءاً من القرن الـ15 مع اكتشافات كريستوف كولومبس، ودخول البريطانيين والفرنسيين والإسبان إلى أميركا الشمالية، يقول الباحث جولان، في كتابه “الإبادة العرقية، عبر الأميركتين” بأنه، وإن اقتبس مصطلح الإبادة العرقية من باحث آخر يدعى جان مالوري (1922-2024)، فإنه انطلق من وقائع عاينها، في رحلاته العديدة إلى أميركا الوسطى، وإقامته وسط القبائل في أفريقيا، ومن أخرى تبينها في دراساته الإثنية والاجتماعية، ليخلص إلى أن الغرب، بما يعنيه من فلسفة حكم ورؤية إلى العالم ثابتة وجاهزة وأحادية وتتنكر لوجود أي حضارة أخرى، جعل “يدمر نمط تنظيم علاقات الاستهلاك والإنتاج” (ص:132)، بعدما يكون قد دمر وجودهم البشري، بالقتل المباشر حيناً، وبنشر الأوبئة بين القبائل والسكان الأصليين وغيرهم أحياناً أخرى.

روبير جولان في فيلم وثائقي لباتريك ديزايه (ملف الفيلم)

 

وهذا ما حصل للشعب الهندي الأميركي غداة دخول المستوطنين الإنجليز والفرنسيين والإسبان البلاد المكتشفة في القرن الـ16، فقضى ما يقارب 150 مليون شخص من هذه الجماعات، ولم تحترم أي من مئات الاتفاقات بين الهنود الأميركيين الأصليين وسلطات الدولة المستوطنة، “التي بلغت 371 اتفاقاً تهدف بغالبيتها العظمى إلى تخلي الهنود الأصليين عن ملكياتهم، في مقابل أن يعيشوا وفقاً لقوانينهم، باعتبارهم أمماً ذات سيادة” (ص:74)، ثم إن السلطات عينها، وفاقاً للمدونات من القرن الـ17 التي استحضرها الباحث جولان، عمدت إلى القضاء على “طريقة (الهنود) في الأكل والسكن واللباس، وإطلاقهم الأسماء والمعالجة والإدارة وتنظيمهم الأسري ولغاتهم وتقاليدهم الروحية…” (ص:70-71)، كما يبين فيها كيف أن الهنود الأميركيين من السكان الأصليين خضعوا، وبالمقدار نفسه من القسوة، لحملات من تأديب المظهر وقص الشعر وأكل حساء الخضراوات والركوع أمام صورة السيد المسيح، وغيرها من الأمور.

ومن ثم لاحظ الباحث جولان أن هذا المنهج نفسه، الذي اتسم بالإقصاء العنيف لكل ما يخالف صورة الحضارة الغربية الرسمية، ذات الطابع الأحادي بمثالها الأميركي، هو ما جعل ينطبق على كل جماعة تخالف الصورة المشار إليها، دليله في ذلك ما حصل للحضارة الجزائرية، والحضارة الفلاحية أو البريتانية أو الأوكسيتانية، وغيرها من الحضارات على امتداد القارات التي خضعت لاحتلال الدول الغربية واستعمارها ما يقارب ثلاثة قرون، وذلك كله لأن هذه الحضارة الغربية مريضة، بحسبه، مع أنها في حال تمدد، وتقوم على التناقض الحاد بين السيد والعبد، بين صاحب الامتياز الغربي بالتكوين الفكري والبنيان الحضاري الحديث، وبين كل المجتمعات وسائر شعوب العالم الواقعة في الطرف النقيض والمنجذبة إلى الطرف الأول.

النظام الاستعماري والخرافة النقابية  

وفي سياق الفصول الأربعة التي يتألف منها كتاب “الغرب نقيضاً للحضارة” والتي تتشكل بدورها من مقالات بحثية للباحث روبير جولان، ولباحثين آخرين يندرجون في الاتجاه العلمي نفسه، من مثل روجيه رونو، ودارسي ريبيرو، وفيليب لوكاس، وآخرين، يبين الباحثون كيف أن الحضارة الغربية تقدم نفسها، في الكتب المدرسية، على أنها نظام متقدم تقنياً فحسب، وبهذا يمكن لها أن تعاير المجتمعات الأخرى، فيما يكمن معناها (الحضارة) الحقيقي في رفض أي جسم غريب، أو حضارة، أو كيان بشري جمعي له سمات وتقاليد خاصة، وفولكلور خاص، واعتبارها كناية عن “لعثمات، ومرحلة بدائية من الحضارة” (ص:187)، طبعاً بالقياس إلى النموذج الغربي الأكمل والأرقى.

ولعل الاعتبار المذكور أعلاه هو ما حدا بالباحثين، ومنهم جولان، إلى التنبيه من اعتماد المقاييس النقابية والسياسية الغربية (اليمين/ واليسار) للحكم على تعامل الدولة (الغربية) مع المهاجرين الأفارقة والعرب والأكراد، وكل الداخلين حديثاً إلى “جنة” الغرب للعمل فيها – بعدما أسهم هذا الغرب في تجفيف مصادر الاقتصاد، ونهب الثروات الوطنية التي كانت كفيلة بتوظيفهم في بلادهم – ذلك أن النظام الغربي ينظر بعين متعالية وفئوية واستعمارية وعنصرية، بحسب هؤلاء الباحثين، إلى المهاجرين، وليس بوصفهم عمالاً متنوعي المهارات ومندمجين في الأطر النقابية ذات الفاعلية المقدرة.

صورة الاستعمار في الكتاب المدرسي

وفي الفصل الأخير من الكتاب، دراسة تحليلية شيقة قام بها الباحث روبير جولان بمفرده، وفيها يستقرى صورة السلطات السياسية في الاستعمار، من خلال كتاب مادة التاريخ الفرنسي الذي يدرس في الصفوف التكميلية، فتبين له أن ثمة فئات ثلاثاً لهذه الكتب المدرسية: فئة تمثل التوجه الجمهوري وهي فئة تضفي قيمة عالية على الجمهورية الثالثة، وأخرى تمثل التوجه المحافظ وتناصر الملكية، وثالثة تمثل الفئة الوسيطة وتنظر إلى الأنظمة الملكية نظرة إيجابية، لأن مبادرة الاستعمار تعود إليها، وبالمحصلة الأخيرة تبين أن الفئات الثلاث ترى في الاستعمار فرصة لاستعادة مجد فرنسا، وازدهارها الاقتصادي، ونشر الحضارة حيثما تحل قواها، ثم إن الاستعمار يحصل، بحسب استخلاصات الباحث جولان، “ضمن روح (مسيحية) من الإيمان والإخلاص” (ص:194).

ويتصدى الباحث في كتابه، أخيراً، لظاهرة الفولكلور، من ضمن الرؤية الإثنية-الاجتماعية التي يطرحها في مباحثه، ويرد أولاً على الناظرين إليه نظرة جامدة، إذ يعتبر أنه وإن يكن ما نسميه الفولكلور “زياً محلياً أو أداة أو رقصة أو موسيقى أو طقوساً أو حفلاً أو حتى إيماءة تعبر استخداماتها عن علاقة السكان بذواتهم”، (ص:156) فإن تعاطي الجمعيات والمؤسسات والمجتمع الغربي مع ظواهره على نحو مزيف يبقيها علامة على اندثار وموت ماثلين.

ولا يزال حتى يقدم طرحاً بديلاً لإحياء الفولكلور، وجعله نقطة مضيئة في حياة المجتمع والناس، بأن تحول بعض طوابق الجامعات إلى “أسواق لمنتجات الزراعة النوعية والعائلية، ثم لتحول المحيط الخارجي في الهواء الطلق إلى أكشاك للحرفيين”، وعلى هذا النحو يتخلص الفولكلور من جموده، ويصير عاملاً لإحياء الروابط الاجتماعية وإضفاء بعض المعنى على انتماء الفرد إلى محيطه القريب.

ومن المعلوم أن للباحث روبير جولان العديد من الأعمال مثل: الموت سارا، والسلام الأبيض: مدخل إلى الإبادة العرقية، وألعاب ولعبات، وقلب الأشياء، وغيرها.

ولكن هذا التصور السياسي المغرق في تطرفه – برأينا – للباحث روبير جولان، الذي ينم عن التزام سياسي واضح، بدا متناقضاً في خلاصاته، ولا سيما ظاهرة انجذاب الأجيال المتعلمة من دول العالم الثالث من قبل الغرب ومن مختلف القارات، ومع ذلك فإنه يترك لنا سجلاً حافلاً عن التباين لدى الباحثين في الأنثروبولوجيا وعلم الإثنيات وعلم الاجتماع بما خص ظاهرة الحضارات والأعراق والفولكلور، وغيرها.

المزيد عن: العنصريةالغربغابات الأمازونأفريقياالحضارة الغربيةالاضطهادالإبادةشعوب العالمباحث

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili