غوستاف ليروج (1867 – 1938) (موسوعة الأدب الفرنسي) ثقافة و فنون رواية فرنسية أسست الموقف العدائي من كل ما هو أميركي by admin 27 يناير، 2024 written by admin 27 يناير، 2024 39 “مؤامرة الأثرياء” لليروج تفتتح القرن العشرين بالترويج لما يشبه “البروتوكولات” اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب لا شك أن من أبقى ما تركته لنا سنوات الحرب الباردة، هو ذلك العداء المستشري لكل ما هو أميركي، عداء وصل بالنسبة إلى المواقف الشعبية بل حتى الشعبوية إلى حد اتهام كثر لما يسمونه “أميركا” بأنها هي التي فجرت نفسها عند بدايات الألفية الثانية بفعل مؤامرة الهجوم الإرهابي على برجي مركز التجارة العالمي حتى ولو أجمع كل ذي عقل على هوية المفجرين وغاياتهم واعترافهم هم أنفسهم بذلك. يومها لم يفت أصحاب فكرة المؤامرة أن يعودوا إلى ممارساتهم في اتهام “أميركا” بكل الموبقات التي تحل بالعالم فيما جلهم يعتقد أنه يواصل تقليداً يعود إلى سنوات الستين من القرن العشرين وهي السنوات التي تتلاءم مع ما اقترفه حكام واشنطن القديمين – أو معظم هؤلاء على أية حال-، في الوقت نفسه الذي كانوا يخلصون العالم من هيمنة الأقوياء على الضعفاء. ناسفين ما كان بناه أساطين الاستعمار القديم الذي خرج مهزوماً من الحرب العالمية الثانية، أي إحلال استعمار جديد محل ذاك القديم. والحال أن الذين تبنوا ممارسة العداء لأميركا خلال الثلث الأخير من القرن العشرين يساعدهم في ذلك ما اقترفه الأميركيون في فيتنام وغيرها وما انحدروا إليه عبر فضيحة ووترغيت، لم يكونوا مدركين تماماً أنهم لا يبدعون في عدائهم لأميركا، جديداً بل يواصلون، كما أشرنا، تقاليد راسخة تنتمي إلى نهايات القرن التاسع عشر. وهي تقاليد أبدعها مثقفون في شتى أنحاء العالم حيّرهم ما جاءت به أميركا وعجزوا عن تفسيره فانطلقت عبر أعمالهم فكرانيات لعلها أتت مستقاة مما حملته نصوص “بروتوكولات حكماء صهيون” التي اشتهرت في ذلك الحين. نموذج فرنسي فصيح ولعل النموذج الذي يخطر في البال هنا هو نموذج الكاتب الفرنسي غوستاف ليروج الذي سيحير تاريخه وممارساته مؤرخي الثقافة من الذين عجزوا دائماً عن تصنيفه، لكنهم يكادون يجمعون على كونه واحداً من الكتاب الذين أبكروا في التعبير عن موقف سلبي من أميركا وقد حيره ازدهارها واستشراء حلمها، من دون أن يكون كاتباً سياسياً حتى وإن كانت رائحة السياسة تفوح من كتاباته التي يمكن اعتبار روايته الأشهر “مؤامرة الأثرياء” نموذجها الأقوى بخاصة أنها صدرت في العام الأخير من القرن التاسع عشر لتختتم فكرانية زمن ينقضي وتفتتح زمناً جديداً يطل سيعتبر بعد ذلك زمن أميركا في العالم. ونعرف طبعاً أن ذلك التوصيف إنما كان سلاحاً ذا حدين. فهو يحمل كل ضروب الإيجابية من ناحية، كما كل معاني السلبية من ناحية أخرى. كان متنوعاً تنوع أدب ذلك الكاتب الذي كان، وعلى رغم كل شيء، ينفي كونه مسيساً مؤكداً أنه يكتب للترفيه عن قرائه. غلاف إحدى الطبعات المبكرة لـ”مؤامرة الأثرياء” (أمازون) اسم يقول أشياء كثيرة غير أن هذا التأكيد كان من الصعب أن ينطلي على أحد. ولا سيما على القراء الذين أقبلوا في ذلك الحين على قراءة روايته “مؤامرة الأثرياء” واجدين فيها جواباً حاسماً على حيرتهم إزاء كاتب قد تبدأ الحكاية كلها مع اسمه: “الأحمر” ما يلونه سياسياً ممعناً في إضفاء تسييس واضح على فكرانيته. وهنا قبل العودة إلى هذه الرواية التي تتوسط، زمانياً مسيرته “الإبداعية” الخصبة هو الذي عاش بين 1867 و1938 قد يكون مفيداً أن مؤرخي الأدب لم يتمكنوا أبداً من الاتفاق على عدد نصوص ليروج التي كتبها قبل الرواية التي نخصها بالحديث هنا وبعدها وكانت أول رواية طويلة له هو الذي كان إنتاجه الإبداعي قبل ذلك يقتصر على القصص القصيرة والمتوسطة الطول تنشر في الصحافة قبل جمعها في كتب. بل ثمة من يقول إن عددها يفوق عدد روايات جورج سيمنون أي المئات. لكنهم يرون أن “مؤامرة الأثرياء” لا يمكن أن تكون أفضلها حتى ولو كانت الأكثر دلالة وأيديولوجية بينها. ومهما يكن، لئن كانت لليروج مساهمات أساسية وتأسيسية في الرواية البوليسية – ما يجعل اسمه يختلط باسم الفرنسي الآخر غاستون ليرو صاحب روايات بوليسية بديعة أخرى من أشهرها “سر الغرفة الصفراء”، فإن المؤرخين والنقاد بعتبرون ليروج أكثر قيمة وجدية في عدد كبير من رواياته ونصوصه الأخرى، بمعنى أنه لم يكن مجرد كاتب روايات بوليسية. فالسورياليون أحبوا مثلاً أعمالاً كثيرة له، واليساريون شاركوه مواقفه المبكرة في عدائها لـ”أميركا”، كما أن ارتباطه بفرلين في آخر سنوات هذا الأخير أمن له مسحة رقي أدبي التقطها بليز سندرارس ليبني عليها مكانة خصّ بها ذلك الكاتب الذي بفضل شعبية أدبه وجماهيريته بدا في نهاية الأمر “محيراً”. أقوى رجل في العالم ولكن بعد هذا كله عمّ تتحدث رواية ليروج “مؤامرة الأثرياء”؟ ببساطة عن مليونير أميركي يدعى وليام بولتين ما إن اكتملت لديه ثروة ضخمة حتى عاوده طموح كبير كان يحمله منذ شبابه المبكر ويقوم على أن يجعل من نفسه أقوى رجل في العالم وتحديداً بفضل ثروة تبدو وكأنها لا تنضب. هو الذي كان يعرف أن كل الثراء الذي حققه إنما حققه بفضل مكانته في بلاده التي راح يمضي وقته ويكرس جهوده وأمواله محاولاً أن يقنعها بأن مكانتها في العالم ستتفاقم وتتفاقم أكثر وأكثر إن هي خاضت الجديد من الاختراعات والصناعات المتآلفة مع ما سماه “الحلم الأميركي” المتجدد على الدوام ولا سيما في تصنيع ونشر كل ما يخطر أو لا يخطر على البال بدءاً من القطار العابر للمحيط الأطلسي واصلاً بين العالم الجديد ومجاله الحيوي الأوروبي، وصولاً إلى العربات “السيكولوجية” والروبوتات (التي لن يأتي زمنها إلا بعد عقود طويلة من السنين في واقع الحال، ما جعل ثمة قدراً كبيراً من التماثل بين مسيرة جول فيرن الفكرية ذات القدرة الابتكارية العظيمة ومسيرة ليروج في المضمار نفسه). وذلك إضافة إلى أعداد هائلة من ابتكارات تمكن أميركا من سحق العالم الأوروبي القديم لمصلحة عالم أميركي جديد يتولى بولتين الهيمنة عليه من خلال هيمنته على مقدرات الأمور في أميركا. المصالحة مع أوروبا مستحيلة والحقيقة أن البعد السياسي الفصيح للرواية والمتلاقي مع استشراء الدور الفردي في صناعة أميركا وتحقيق ذلك الحلم الأميركي، يبدو واضحاً من خلال ارتباطه بالزمن الذي كتب فيه ليروج روايته هذه. فعند مفتتح القرن العشرين بدا صاخباً زمن “التراستات” والاحتكارات الأميركية الكبرى وهو نفسه الزمن الذي سيعرف بحقبة “البارونات اللصوص” الذين لا شك أن بولتين كما وصفه ليروج كان واحداً منهم. وبالتالي فإن الكاتب في توصيفه له لم يكن “اشتراكياً” على غرار كبار الكتاب التقدميين، من أمثال آبتون سنكلير، صاحب “نفط” التي سيقتبس منها بول توماس أندرسون فيلمه الكبير “ستكون هناك دماء” بعد قرن من الزمن. بل كان فوضوياً ذا نزعة محافظة في أيديولوجيته الفوضوية بمعنى أنه لم يسع ليكون مصلحاً اجتماعياً. ومن هنا فإن العداء الواضح الذي عبّر عن معتقدات هذا الكاتب المعادية لأميركا لم ترتبط أول الأمر بمواقف سياسية قد يبررها اسمه، “الأحمر”، بل بفكرانية تبدو حتى معادية للمجتمع. ومن هنا نبعت فكرة أننا لسنا هنا أمام كاتب يتوخى النقد الاجتماعي، بل بالأحرى أمام كاتب يستخدم المجتمع للتعبير عن ولعه بالكتابة حول الاختراعات الجديدة والترويج لضروب التكنولوجيا على طريقة جول فيرن في مزج بين ذلك التوجه والغرائبية مع قدر لا بأس به من ضروب مشاهد الرعب، وهي أمور كانت تلقى قدراً كبيراً من الرواج والنجاح في ذلك الحين. ولعل ما يؤكد على ذلك البعد مبعداً ليروج عن أن يبدو كاتباً مسيساً يكمن في كونه بحسب النقاد الفرنسيين قد “ترك في نهاية الأمر فرصة سانحة للأوروبيين كي يفلتوا من براثن الأميركيين” في شخص المهندس التكنولوجي هاتيسون الذي إذ يشتغل لحساب بولتين، يتطلع إلى تزويج ابنه تيد من أوروبية تدعى أورورا وهو يأمل في أن تمكنه تلك المصاهرة من أن يتجسس، تجسساً صناعياً، على منافسيه الأوروبيين (!). ولكن سيكون من سوء حظ المهندس أن ابنه وعلى رغم كل جهود الأب، سيتزوج في نهاية الأمر من فتاة فرنسية يقع في غرامها فتفسد على حميّها خطته… المزيد عن: مركز التجارة العالميفضيحة ووترغيتالكاتب الفرنسي غوستاف ليروجأوروبا وأميركاالعداء لأميركا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post فهم جديد لأهمية النوم… البحث عن الراحة العميقة next post “ليلى وفرانز” رواية تعيد تفكيك ثنائية الأنا والآخر You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024