فيرجينيا وولف بريشة كريستيان تونيس (صفحة الرسامة - فيسبوك) ثقافة و فنون روائية استرالية تحاكم فيرجينيا وولف في لعبة تخييلية by admin 14 مارس، 2025 written by admin 14 مارس، 2025 14 رواية “النظرية والتطبيق” تطرح قضية تعقيدات الحياة وموقع الكاتبة فيها اندبندنت عربية / سناء عبد العزيز تستهل الروائية ميشيل دي كريتر روايتها السابعة بقصة في أواخر الخمسينيات عن عالم جيولوجيا أسترالي يسافر عبر جبال الألب السويسرية، ويسترجع على خلفية من “الشاليهات والأبقار والبحيرات الزرقاء الجليدية وتلال الزهور الملونة” بدايات شغفه بمعلم موسيقى إسباني وإحدى زيارته إلى مزرعة جدته عندما كان طفلاً، وكيف تورط في إدانة خادمة من السكان الأصليين بسرقة خاتم، وما إن نتهيأ لمتابعة الأحداث يتوقف السرد فجأة، كاشفاً عن راوٍ متعثر في قصة لم تكتمل، فإذا بالحكاية المتخيلة تتحول إلى ما يشبه السيرة الذاتية تحت تأثير جملة واحدة “عند هذه النقطة توقفت الرواية التي كنت أكتبها”. رواية “النظرية والتطبيق” (أمازون) بهذه التقنية الميتا أدبية تنتقل دي كريتر إلى ضمير المتكلم، مستعرضة مشاركتها في دراسة نقدية نشرتها مجلة “لندن ريفيو أوف بوكس” عام 2021 تناولت تطبيق نظرية الوضعية على غارة عسكرية إسرائيلية أودت بحياة 70 شخصاً. ومن خلال هذا التأمل تشاركنا لحظة وعي بالكتابة “لقد راودتني ذكريات عن تجاربي مع النظرية والممارسة… بينما كنت أستعيد التخبط في المسافة المربكة بينهما، أدركت أن روايتي توقفت لأنني كنت أكتب الكتاب الخطأ. كان عليّ أن أكتب عن الهوة الواسعة بين النظرية والتطبيق”. وهذه التقنية السردية ليست جديدة تماماً على الرواية، فسبق أن قرأنا ما يشبهها عند الكاتب المصري إبراهيم أصلان حين كشف في نهاية “مالك الحزين” عن نفسه كراوٍ واعٍ بالفجوة بين ما أراد أن يكتبه وما انتهى به المطاف إلى كتابته بالفعل. وعلى نحو مماثل تعيد ميشيل دي كريتر التفكير في شكل الرواية ذاته، إذ تقول عن هذا الهجين من المقالة والخيال والسيرة الذاتية “لم أعُد أرغب في كتابة روايات تبدو وكأنها روايات. فبدلاً من الشكل المتناسق والتمويه، أردت شكلاً يسمح بعدم وجود شكل، وخطر ببالي أن إحدى الطرق للعثور على هذا الشكل قد تكون قول الحقيقة”. فهل يمكن للكتابة أن تتجاوز نوايا خالقها؟ أم أن الكاتب، في نهاية المطاف، لم يكُن يصغي إلى نواياه الحقيقية؟ وإذا ما أصغى، فهل بوسع أي إنسان أن يقول الحقيقة من دون أن يشوبها شيء من الانتقائية وربما التحيز؟ أليست الحقيقة، كما يرى نيتشه، ليست سوى “مجموعة من الاستعارات التي نسينا أنها استعارية”. فرجيينا وولف في محكمة الحاضر الروائية الأسترالية ميشال دو كريتر (صفحة الكاتبة – فيسوبك) تسترجع الراوية بعد أن استردت ذاتيتها قصة حياتها بدءاً من طفولتها في سريلانكا ثم شابة في ملبورن تعمل على رسالة ماجستير عن روايات فرجينيا وولف التي تعلق صورها على جدران حجرتها البائسة، في ضاحية سانت كيلدا الصاخبة. وعلى رغم افتتان الباحثة بشخصية وولف وصورتها المثالية كرائدة في الفكر النسوي إلى حد أن اعتبرتها أمها الروحية، لم تستطع أن تغض الطرف عن التناقضات حين راحت تتكشف كلما تعمقت في أطروحتها. لقد دافعت وولف عن استقلال المرأة الاقتصادي في “غرفة تخص المرء وحده”، لكن مجهر البحث كشف لبطلتنا عن حقيقة أن الأم وولف ليست سوى برجوازية بمعنى أنها لم تختبر معاناة النساء الكادحات على أرض الواقع، مما خلق فجوة بين خطابها المتعاطف والتجربة الحقيقية بكل مرارتها. وإذا كنا لا نشك في صدق وولف حين تنتقد الطبقية، فهذا لا يجعلنا نغض الطرف عن امتيازاتها الاجتماعية ونظرتها إلى الطبقات العاملة من برجها العاجي وكأنها مجرد وقود للكتابة. ولعل أكثر ما يثير الجدل في صورة وولف المنعكسة على مرآة دي كريتر المصقولة بالبحث تأثرها العميق بالنظرة الأوروبية إلى العالم، مما أوقعها في فخ العنصرية. وتتأمل دي كريتر في مذكراتها ورسائلها فإذا بها تقع على وصف لناشط سيلاني “شخص ضئيل بائس بنيّ اللون”، وتتحدث عن اليهود بوصفهم “بخلاء ومتغطرسين”، من دون اعتبار لمشاعر زوجها ليونارد وولف اليهودي الأصل. وفي الصدد نفسه تنبهنا دي كريتر ذات الأصول السريلانكية إلى مدى تناقض وولف بين نقدها للإمبريالية وانتمائها إلى منظومتها المتغطرسة من خلال مقتطفات من أعمالها قد لا تسترعي انتباه القارئ العادي. وتبرز هذه الازدواجية في مشهد من روايتها الأمواج “كان بيرسي يشعر بالرضا. إنهم هناك، الجنود والموظفون البريطانيون، يفرضون النظام والعدالة، بينما يرفع الأهالي رؤوسهم في دهشة وخضوع”. أوقدوا شمعة للأمهات من السهل دحض آراء دي كريتر عن وولف، ولكننا لا نعدم دفاعاً عنها عند دي كريتر نفسها حين يتداخل السرد بمقتطفات من رسائل أمها الغاضبة، مما يغري الكاتبة بالحفر عميقاً في طبقات الأمومة والتنقيب بين طياتها عن الطبيعة المهيمنة لنموذج الأم التي لم تتمكن من الفكاك منه مهما تبدد يقينها حول الأمومة. وبينما تتشابك صورتا الأم في حياتها سواء الحقيقية التي تحاول قلب الأدوار بين الأم وابنتها، أو تلك التي تتبناها كأم روحية، تجد الكاتبة نفسها في علاقة مع شخص يدعى كيت، على رغم أنه صديق امرأة أخرى. فإذا بمشاعر الغيرة والحقد والصغار تباغتها تجاه الأخرى المنافسة، والأنكى، تضبط نفسها متلبسة بالتفكير في النيل من غريمتها على نحو لا يليق بمبادئها النسوية التي استقتها من وولف. ألا يعني هذا أنها انزلقت بدورها في الفخ وأن النسوية التي تشوهت عند وولف هي ذاتها ما جعلت دي كريتر تتعثر أمام رغباتها الشخصية وحاجات الجسد الملحة؟ يعتمد الكتاب منهجاً تفكيكياً في رسم شخصياته، كاشفاً عن ذوات متشظية تتأرجح بين ما تؤمن به وما تمارسه وبين مثالياتها ورغباتها المتناقضة، وكأنها عالقة في دوامة من الأسئلة من دون إجابة حاسمة، فتتحول فكرة الكمال وسط هذا التيه إلى ضرب من العبث تماماً كما فعل دون كيخوته مع طواحين الهواء. ويتجلى الدفاع الأبلغ عن وولف في الطريقة التي توظف بها دي كريتر تيار الوعي بكل ما يترتب عليه من تشظٍ وتلاعب بالزمن السردي، ليصبح ذلك برهاناً على حضور وولف الطاغي في السرد حتى يومنا هذا، مما يعني ضمناً أن نزع الهالة عن الشخصيات التي نحبها لا ينقص من فرادتهم الفنية. ألم يكُن إزرا باوند مناصراً للفاشية على رغم دوره الرائد في تجديد الشعر؟ ولم يُعرف عن دوستويفسكي تحامله على بعض الأقليات على رغم دعوته الدائمة إلى المثل العليا؟ تُرى إلى أي مدى يمكن الفصل بين الفنان وأفكاره الشخصية؟ وهل ينبغي أن تؤثر أخطاء الفنانين البشرية في طريقة تلقينا لإبداعهم؟ اللعب في الظلام يحمل عنوان الكتاب “النظرية والتطبيق” تساؤلات حول طبيعة الرواية نفسها، هل تكتفي بالحبكة والشخصيات، أم أن قدرتها على الاستيعاب تؤهلها للتأمل في ماهية الأدب، فيتحول النص إلى مختبر لنفسه؟ يرى ميلان كونديرا أن الرواية “لعبة عظيمة”، تماماً كما فعل ديدرو في “جاك القدري” وبرع الكاتب الأرجنتيني خوليو كورتاثر في قصة قصيرة لا أتذكر عنوانها، تبدأ برجل يجلس على كرسي بقطيفة خضراء في غرفة هادئة، مستغرقاً، وظهره لباب مفتوح، في قراءة رواية عن زوجة خائنة وعشيقها يخططان لقتل الزوج. وبينما يتقدم السرد ننغمس معه في سير الخطة، حابسين أنفاسنا مع اقتراب القاتل من هدفه، ثم نتفاجأ بالزوج قتيلاً على كرسي بقطيفة خضراء مديراً للباب ظهره، مما يحول السرد إلى لعبة شيقة تطمس الحدود بين الواقع والخيال. وعلى وتيرة مشابهة تتلاعب ميشيل دي كريتر بالبناء الروائي انطلاقاً من رؤيتها للكتابة بوصفها “بحثاً ومزاحاً واختباراً”، إذ تزعزع الحدود بين الأنواع الأدبية، بين ما صيغ في نظرية محكمة وما أفصحت عنه التجربة. وربما تكشف هذه النزعة الطفولية عن جوهر الفنان الذي لا نخجل من مطالبته بالكمال؟! المزيد عن: روائية أوستراليةفيرجينيا وولفمحاكمةالتخييل السرديتعقيدات الحياةالكتابةشخصياتالعلاقات 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سوريا تبدأ مرحلة جديدة بتوقيع الشرع على الإعلان الدستوري next post الطائفة الدرزية… محنة الجزيرة المنعزلة You may also like بعد 25 عاما من “أسنان بيضاء”… زادي سميث... 14 مارس، 2025 توماس مان يتلمس صعود الفاشية بين زعيم مخادع... 14 مارس، 2025 الرسامة رباب نمر رحلت في غيوم الأبيض والأسود 14 مارس، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: ثلاث قطع نحتية من... 12 مارس، 2025 الجزار فقأ عين كبير مستشاريه حاييم اليهودي خوفا... 12 مارس، 2025 مخرج “ميلانكوليا” الدنماركي “انتحر” سياسيا وعاش إبداعيا 12 مارس، 2025 الإنجليزي ستيفنسون في “أدغال فرنسا”: مغامرات العمر 12 مارس، 2025 كوميديا رمضان… ضحك طازج وآخر منتهي الصلاحية 12 مارس، 2025 أركون و«الحفر الأركيولوجي» في الأعماق 11 مارس، 2025 ريتشارد باورز في جحيم عالم الذكاء الاصطناعي 10 مارس، 2025