رمزية رمضان بريشة الرسام التونسي صفون ميلاد (صفحة الرسام - فيسبوك) ثقافة و فنون رمزية التزامن بين صوم المسلمين والكاثوليك والأرثوذكس by admin 1 مارس، 2025 written by admin 1 مارس، 2025 74 الأمين العالم للأمم المتحدة وصف هذا اللقاء بـ”الأيام المباركة” اندبندنت عربية / موسى برهومة لعل هذا التزامن المدهش في شهر رمضان من شأنه أن يرسخ سلطة الأديان كقوة تحويلية في المجتمعات، كما أنه يوفر فرصة للإصغاء إلى المقدس وإعادة الاعتبار إلى سلطته وتفعيلها، على نحو يجسد أشواق عائلة الإيمان الواحدة، ويسمو بها. هذا التزامن المثقل بالحمولات الرمزية المفتوحة على التأويل يحفز الفاعلين الدينيين والاجتماعيين على “تفجير” طاقة الدين، بما يضمن محاصرة الشرور، والتعالي على التناقضات، والالتفاف حول المشترك الذي يستبطن روح الأديان جميعها، لناحية جعل السلام الوجهة الوحيدة الممكنة للتعايش، بالتالي هزيمة اليأس وما يحمله من تصورات ظلامية منغلقة على نرجسيتها العمياء. ويبقى العالم في كل حين في انتظار ضياءات “النار المقدسة” التي يؤمن المسيحيون بأنها ستشع من قبر المسيح بكنيسة القيامة في القدس المحتلة، لتعلن دائماً انتصار الخير، والتبشير بسيادة العدل، والقضاء على الكراهية وإنصاف المظلومين، وهي عناصر يفيض بها الدين الإسلامي، وخصوصاً في رمضان بحيث تكون “الزكاة” أوسع الأبواب للإطلالة على أوجاع المحرومين والرفق باليتامى، كما حضت الآية القرآنية (19) من سورة الذاريات “وفي أموالهم حق للسائل والمحروم”. الصوم يمثل بُعد المحبة في المسيحية التي ترى أن “الفقراء هم الشفعاء”، وكما أن الجسد من دون روح ميت، فإن الإيمان من دون عمل ميت أيضاً. والمحبة في الأديان تعني التجاوز والغفران، وتضييق مساحات الخلاف، والتوجه إلى الغاية القصوى المنوطة بالإنسان والمتمثلة في إعمار الأرض وتأثيثها بالطمأنينة والصلاح وبالأمل. من جو الصوم الغربي بريشة الرسام بروغل (متحف بروغل) في كلمته المؤثرة أخيراً دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى أن يكون الصوم تجسيداً لقيم التراحم والتعاطف والسخاء. وبعث برسالة دعم خاصة إلى جميع أولئك الذين سيقضون هذه الأوقات المباركة وسط أجواء النزوح والعنف، معرباً عن تضامنه مع “كل أولئك الذين يعانون في غزة والمنطقة بأسرها، إلى السودان ومنطقة الساحل وما وراءها”. ظاهرة كونية الأوقات المباركة الآن يتعين أن تمتد وتتأصل وتنتج مفاعيلها، وهذا من التحديات الكبرى التي تقع على كاهل الأديان باعتبارها “ظاهرة كونية”، بحسب تعبير عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم (1858 – 1917) الذي تحدث عن “الخشية الموقرة” في الأديان بحيث تجسد المثل العليا في المجتمع، فتعاقب المخطئين، وفي الوقت نفسه تحتضنهم إن هم عادوا إلى رشدهم الاجتماعي. وللأديان سلطة رمزية تعكس الوعي الجمعي للبشر المؤمنين بها. وفي ضوء ذلك يغدو الدين هو الروح التي توحد الجميع معاً في المشروع الاجتماعي نفسه. وقد أثارت القوة التحويلية للدين ذهول دوركايم “الملحد” بعد دراسته الآثار التي تركها الدين على القبائل البدائية، حيث يقدم في كتابه “الأشكال الأولية للحياة الدينية” (The Elementary Forms of The Religious Life) سنة 1912، رؤية للدين تحاول أن تقبض على حقيقته، وتعتبره ظاهرة اجتماعية مؤسسة لكل الظواهر الاجتماعية الأخرى، التي انبثقت منها بصورة أو بأخرى. كان هدف دوركايم الأول هو تحديد الأصل الاجتماعي ووظيفة الدين لأنه شعر أن الدين هو مصدر الصداقة الحميمية والتضامن. وكان هدفه الثاني هو تحديد الروابط بين أديان معينة في الثقافات المختلفة وإيجاد قاسم مشترك. لقد أراد أن يفهم الجانب التجريبي والاجتماعي للدين المشترك بين جميع الأديان، والذي يتجاوز مفاهيم الروحانية والألوهية. لقد كان عالم الاجتماع الفرنسي ينظر إلى قوة الأفكار والمعتقدات والمشاعر في التغيير، وهو ما نعول عليه في “الأيام المباركة” التي نحياها الآن، من أجل وقف الحروب، ومواساة الضحايا، والانتصار للحق، وهي دعوة يتعين أن يتردد صداها في سائر أنحاء العالم الذي يحاول مجموعة من “المقامرين الجشعين” إلى إطفاء مشاعل الخير فيه، وتحويله إلى مشاريع عقارية، من دون اكتراث بعذابات البشر، ومن دون إصغاء لدروس التاريخ وعواقب المستقبل. السلطة الرمزية ولا تحد التطورات التكنولوجية من قدرة الأديان على أن تستثمر في سلطتها الرمزية المؤسسة على القداسة، فالأديان شأنها شأن المعتقدات، تحض دائماً على الأفعال الأخلاقية حتى لو كانت في إطار “الدين المدني الخاص”، فالخير، ونبذ الاستيلاء على مقدرات الآخرين بالقوة الغاشمة، وإنصاف الضحايا، كلها قيم تنبع من جذر الروح الإنسانية التي أدركت منذ فجر وعيها أن الشر انحراف عن السليقة وتشويه للطبيعة. في هذه “الأيام المباركة” التي تشهد الصيام المتزامن لأكثر المؤمنين في الأرض، نستذكر “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك” التي وقعها في أبوظبي البابا فرانسيس والشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، في الرابع من فبراير (شباط) 2019، والتي حضت على أن “العدل القائم على الرحمة هو السبيل الواجب اتباعه للوصول إلى حياة كريمة، يحق لكل إنسان أن يحيا في كنفها”. كما أن “الحوار بين المؤمنين يعني التلاقي في المساحة الهائلة للقيم الروحية والإنسانية والاجتماعية المشتركة، واستثمار ذلك في نشر الأخلاق والفضائل العليا التي تدعو إليها الأديان”. ربما، بل من الضروري، أن تكون الأديان حافزاً على التقارب لأنها بطبيعتها متقاربة وتنهل من ينابيع الخير، فما مزقته الحروب، ربما تتكفل بالتئامه الموعظة الحسنة، ومن عاش بلا غطاء أو كساء أو دواء، ربما يحيا بروح التكافل الذي ينقذ حياة ملايين الأطفال الذين لا ذنب لهم، ولا حول ولا قوة لأبدانهم الضئيلة وارتعاشاتهم المخنوقة. “أيام مباركة” كما قال الأمين العام للأمم المتحدة، ونأمل ألا تقتصر على فترة الصوم فحسب، بل أن تمتد وتتغلغل في عروق السنة، والزمن المستقبلي القادم. المزيد عن: شهر رمضانالصومالدين المسيحيالكاثوليكالأرثوذكسالروحانيةالصلواتالثقافة الدينية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أبو قردان… صديق الفلاحين المطرود من أرض مصر next post ماريا كالاس تحت ملامح الفاتنة أنجلينا جولي You may also like “6 أيام” فيلم استثنائي لكنه مصاب بلوثة الاقتباس 27 أبريل، 2025 هل ما زال فن الغرافيك صوتاً للجماهير كما... 27 أبريل، 2025 الياباني إيبوزي يستجمع أصوات ومصائر ضحايا حروب الآخرين 27 أبريل، 2025 إدوارد مونخ: وجوه بين العزلة والجنون 26 أبريل، 2025 رحيل محسن جمال رائد الأغنية المغربية العصرية 25 أبريل، 2025 شعر تحذيري للإنجليزي سوينبرن في معمعان السياسة الأوروبية 25 أبريل، 2025 “نافذة على الشعر الصيني” مختارات من الحقبات القديمة... 25 أبريل، 2025 أكثر اللحظات الصادمة التي غيرت مجرى الأفلام عبر... 25 أبريل، 2025 بيلاسكويث رسم لوحته الأكثر إنسانية بعد 10 أعوام... 24 أبريل، 2025 مهى سلطان تكتب عن: حادثة واحدة وحروب كثيرة... 24 أبريل، 2025