بأقلامهم رضوان السيد يكتب عن: فلسطين وأخطار الحرب الدينية؟! by admin 12 نوفمبر، 2023 written by admin 12 نوفمبر، 2023 408 عندما أغارت «حماس» على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، نبّهنا الانحياز الغربي القاطع أكثر من الهياج الإسرائيلي، إلى أنّ الإسلاموفوبيا لا تزال قوية في سائر الأوساط، وبخاصة في أواسط السياسيين المخضرمين. وليس من الممكن التفريق القاطع بين السياسات والآيديولوجيات. الشرق الاوسط / رضوان السيد كاتب وأكاديميّ وسياسي لبناني وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية يتجنب كثيرون منا الحديث عن الحرب الدينية وأخطارها؛ لما في ذلك من آثار على الدين وفي العلاقة مع العالم. لكننا، عرباً ومسلمين، متهمون منذ القرن التاسع عشر بشنّ حربٍ دينيةٍ على العالم وحضارته. الاتهام جاء من الإنجليز والفرنسيين المستعمرين، عندما اعتبروا حركات مقاومة الاستعمار تحت عنوان الجهاد حروباً دينيةً، في حين كان المسلمون يعتبرون الاستعمار حرباً صليبية جديدة. وذكّرنا صمويل هنتنغتون صاحب نظرية «صدام الحضارات» في التسعينات بالاستمرار في شنّ حربٍ دينيةٍ على العالم عندما قرر في أطروحته أنه في مواجهة الحضارة اليهودية – المسيحية المنتصرة في الحرب الباردة؛ فإنّ الإسلام يمتلك «تخوماً دموية». وبين سوء التقدير وسوء التدبير جاءت السنوات اللاحقة على الأطروحة بما بدا كأنما يدعم دعاوى هنتنغتون في برامج وتصرفات «القاعدة» و«داعش»، وبخاصة بعد هجمات عام 2001 واجتياحات سورية والعراق. بذل العرب والمسلمون جهوداً كبيرةً في العقود الأخيرة ومن خلال الدول والهيئات الدينية؛ لمكافحة التطرف والإرهاب باسم الإسلام، ولإجراء إصلاحٍ إسلامي جديد من خلال نقدٍ جذريٍّ للمفاهيم والمقولات التي تُوهم اتفاقاً مع العنف أو نُصرةً له. بيد أنّ الموجة الإسلاموية التي تصاعدت في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وصارت في التسعينات مقولةً للأحزاب في تطبيق الشريعة، و«الدولة الإسلامية»، إضافةً إلى ضغوط المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، جعلت الرياح تستمر في الهبوب في أشرعة الإسلامويين. وترافق ذلك مع بداية فشل اتفاق أوسلو (1993) باغتيال إسحاق رابين (1995)، وتصاعد الهجمات الانتحارية بالداخل الإسرائيلي من جانب «حماس» وبدعم سوري فإيراني. كما ترافق ذلك مع الصعود التدريجي لليمين الإسرائيلي، بما في ذلك يمين المستوطنات واليمين الديني. وإلى هذا وذاك، إعلان بن لادن عن تشكيل جبهة لمصارعة «اليهود والصليبيين» ليصبّ الزيت على النار (1998). لقد وصل العنف باسم الدين إلى ذروته في هجمة «القاعدة» على الولايات المتحدة عام 2001 واستمرار الهجمات الإرهابية في مختلف البلدان الأوروبية. فاجتمعت عوامل عدة خلال عقد لصعود تيارات الإسلاموفوبيا على وقع صعود الإرهاب باسم الجهاديين والمصالح الكبرى من ورائهم. تيار العنف الديني باسم الإسلام سابق على صعود التيار الديني العنيف في إسرائيل. فالعنف ضد العرب كانت تمارسه السلطة الإسرائيلية وحزب العمل وتمارسه حركات وأحزاب اليمين القومي المغلَّف برداء ديني خفيف من التاريخ والذكريات والوعود والعهود التي كانت حاضرةً منذ تكوُّن الحركة الصهيونية في تسعينات القرن التاسع عشر. بيد أنه بعد منتصف التسعينات من القرن الماضي، صار هناك تقارب بين اليمين القومي واليمين الديني، كما صار هناك تنافس في الدعوة للعنف، وممارسته على المواطنين الفلسطينيين، وبخاصة من جانب غُلاة المستوطنين. وصار السياسيون يبحثون عن ناخبين لهم عند اليمين الديني ويمين المستوطنات. إنني أحاول هنا عقلنة التطورات وذكرياتها خلال عقدين وأكثر. فقد حصل افتراق وتفاوت ونمو في الأهداف. فمع فشل اتفاقيات أوسلو ضعفت منظمة التحرير، ثم مرض ياسر عرفات ومات أو اغتيل. في حين ازدادت شعبيات «حماس» و«الجهاد» وبعض التنظيمات المعادية لـ«فتح»، وتصاعدت الآمال لديهم بعد الاستيلاء على غزة عام 2007 بإمكان الاستيلاء على الضفة، ووراثة منظمة التحرير و«فتح». ولذلك؛ وقد صاروا حلفاء لإيران، تصاعدت دعايتهم الدينية أو أنهم يحاربون للتحرير من النهر إلى البحر باسم الجهاد. وهذا كلُّه زاد من عمقه – كما سبق القول – التحالف مع إيران التي تعتنق آيديولوجيا إسلامية تحدد سياساتها الداخلية وعلائقها بالعالم، وبخاصةٍ عداوتها مع الولايات المتحدة الأميركية. عندما أغارت «حماس» على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، نبّهنا الانحياز الغربي القاطع أكثر من الهياج الإسرائيلي، إلى أنّ الإسلاموفوبيا لا تزال قوية في سائر الأوساط، وبخاصة في أواسط السياسيين المخضرمين. وليس من الممكن التفريق القاطع بين السياسات والآيديولوجيات، لكن على كل حال كان المنطق السائد أنّ «حماس» وأحياناً العرب والمسلمين يكرهون «اليهود» ويريدون اقتلاعهم من الجذور؛ وهذا ما يأمر به دينهم أو على الأقلّ فئة منهم تعتقد ذلك. في الداخل الإسرائيلي يسود خوفٌ شديدٌ على الكيان، ويعود اليمين الديني إلى نُذُر التوراة وبشاراتها، والبشارات الدينية هي التي تظهر على ألسنة السياسيين أكثر من العسكريين. ومن ضمنها أوامر التوراة بالقتل ونبوءات أشعيا وغيره. وفي المقابل، تسود لدى «حماس» آيديولوجيا الاستشهاد، لكنها عادت لتختلط بقوميات ووطنيات التحرير. هل كان ذلك يكفي للقول بأنّ هناك مساراً نحو الحرب الدينية من الطرفين، وبخاصة أنّ «صوفة الإسلام حمراء» كما يقال (!). أم أنها ظروف الحرب وحسب، والتي تقود كل النزعات إلى نهاياتها القصوى؟! كلا الطرفين لدى العرب والإسرائيليين دنيوي جداً إن كان لجهة «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وإن كان لجهة الأحزاب الدينية الإسرائيلية. وصحيح أنّ «حماس» جمعت شعبية لدى العامة بسبب القتال، لكنّ الغالبية لدى الطرفين لا تفكر في الحلّ الديني للنزاع والذي يعني إبادات باسم الدين لا يمكن ولا يسمح العالم بالقيام بها، كما لم يسمح بسيطرة «القاعدة» و«داعش»! هناك ثلاثة أمور، واحد منها ديني والاثنان استراتيجيان. أما الديني، فيتمثل بالاستمرار في حركة الإصلاح الجذري ونقد المفاهيم والعمل من جانب المرجعيات الدينية والسياسية والثقافية على رفض العنف بأي ثمن، وبخاصة باسم الدين. أما الأمر الثاني، فالمصير إلى إجماعٍ عربي على الوصول إلى حلٍ للقضية الفلسطينية بالدبلوماسية وبالسياسة وبالدولتين لكي لا يظل الفلسطينيون عرضةً للإبادات، ولكي لا يظلّ الجمهور واقعاً تحت وطأة المرارات والابتزاز والسخط على النفس والعالم. كل ذلك يجعل الحياة الطبيعية صعبةً حتى في دول الاستقرار والازدهار. أما الأمر الثالث، فضرورة الخروج من هذا الاستقطاب الإيراني بأي ثمن. فهؤلاء لا يملكون التبرع إلا بالحروب والاضطرابات في شتى الأنحاء حتى في ما لا علاقة له بفلسطين من قريب أو بعيد. هم ليسوا مسؤولين وحدهم عن الإسلامويات، لكنهم يكادون يكونون متفردين بنشر الاضطراب في البلاد العربية. لا حرب في فلسطين من دون إيران، ولا حرب باسم الدين اليوم من دون إيران. ولا حول ولا قوة إلا بالله. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عقل العويط يكتب عن: روضةُ فلسطين next post حازم صاغية يكتب عن: حروب مكروهة وحلول مطلوبة! You may also like فرانسيس توسا يكتب عن: “قبة حديدية” وجنود في... 24 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: وقف النار في الجنوب... 24 نوفمبر، 2024 مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: حين ينهار كلّ شيء... 19 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: ماذا جرى في «المدينة... 15 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: ترمب ومشروع تغيير... 15 نوفمبر، 2024 منير الربيع يكتب عن..لبنان: معركة الـ1701 أم حرب... 15 نوفمبر، 2024 حميد رضا عزيزي يكتب عن: هل يتماشى شرق... 15 نوفمبر، 2024