ثقافة و فنون رشا الأمين تكتب عن : مشروع شهيد by admin 27 أغسطس، 2024 written by admin 27 أغسطس، 2024 77 درج ميديا رشا الأمين لأحدهم صخرةٌ عُلّقَتْ بالنجم يسكنها، أما أنا فكان لي جار “شهيد” معلّق على المبنى المقابل لشرفتي في منزل عائلتي، جاري لا يفرح ولا يحزن، فقط ينظر إلي وعلى وجهه ابتسامة خجولة، كنت أحييه كل صباح: “السلام عليكم”، لا يجيب، ألحّ في التحية، لا من مجيب. مرّت على لقائنا الأول أشهر، لست أدري في ثرى أي قرية أو دسكرة واروه، ولكن، في شتاء العام الحالي، علقوه ــ علقوا صورة له ــ على الواجهة الزجاجية اللصيقة بالمبنى المقابل لشرفتنا في الضاحية الجنوبية لبيروت… وللمبنى المذكور قصة تُروى، ففي أول عهده زُين بلافتة يستدل منها بأنه يضم داراً للنشر اسمها “دار المعارف الإسلامية الثقافية”، لم يخالطني شك بأنها دار “إلهية” بمعنى ما، ولكن سرّني ذلك. في العام 2013 خلع المبنى قناع الثقافة، وكشف عما أفترض أنه وجهه الحقيقي… بين ليلة وضحاها تحول المبنى إلى منشأة عسكرية، بشهادة ما أُحيط به من مكعبات إسمنتية ضخمة وكاميرات، ومن يتناوب على حراسته من شيب وشبان…اليوم أصبح مركزاً للجيوش الألكترونية التابعة لـ”حزب الله”. لا تختلف الصورة عن صور باقي زملائه التي أخذت بالانتشار في حيّنا مع اندلاع الحرب مع إسرائيل على الحدود، كل ما في الأمر أنها، لقربها من شرفتنا، كانت تبدو لي أكبر من كل الصور الأخرى، وكل ما في الأمر أنها حاضرة ليل نهار… تماماً كالحرس المحيطين بالمبنى الذي تتدلى منه. رائف في الصورة، يبدو في آخر العشرينيات، لا أعرف متى التقطت له هذه الصورة، أو لماذا اختيرت لتخليده دون سواها، فالجزمة البيضاء التي ينتعلها تبدو لي ضخمة جداً قياساً بالصورة نفسها، والسلاح الذي يحمله مصوب نحو الأرض، وليس صوب السماء، أو أي اتجاه آخر أكثر إيحاء ودلالة، أما قامته؛ في الصورة على الأقل، فمديدة تكاد تطاول قبة المسجد الأقصى خلفه، أما العلم الأصفر في أعلى يمين الصورة، فوق القبة وفوق الشهيد، فيبدو كستارة مسرح توشك على الانسدال عليهما وعلى المشهد برمته، في كل حين. لم تكن التلة التي يرابط عليها مركزاً متقدماً، ولأنها كذلك، فلم يقتض شباب “الهيئة الصحية” بذل الكثير من الجهد لـسحب الجثة ــ جثته التي لم تشوه رصاصةُ القَنْصِ القاتلةُ سوى أعلى الصدر منها ــ وللعودة بها إلى نصابها من “الموت العادي”. ثلاث سيناريوهات عن حياة رائف الأرجح أنني أفكر برائف أكثر مما يفكر به الكثيرون من زملائه ومن إخوانه، فرائف، دون كل “الشهداء” الذين ألتقي بهم على الطرقات، كان جاري، وكان كتوماً ومثيراً للفضول، ومتى ما وصل الفضول إلى حائط مسدود لا يبقى إلا الخيال: سيناريو 1: لسبب ما لم يكمل رائف دراسته بل التحق بسوق العمل باكراً، ومن ورشة غيار الزيت، إلى المسجد، إلى أول معسكر، إلى أسابيع الخدمة في الجنوب، إلى سوريا، إلى “الشهادة” دارت الحياة دورتها. سيناريو 2: أكمل رائف دراسته المتوسطة والتحق بـ”معهد الآفاق” لدراسة المحاسبة، وخلال دراسته التحق بكشافة المهدي، ثم بدأ بارتياد المساجد والمشاركة في تنظيم المسيرات الحزبية، ثم تابع أول دورة عسكرية، وما إن أنهى دراسته في المعهد حتى عُرضت عليه وظيفة في مؤسسة “القرض الحسن”، وهكذا مرت عليه سنوات كانت خدمته فيها تقتصر على أسابيع معدودة يغيب فيها، من دون أن يعرف أحد أين هو، ذات يوم ودّع العائلة، ولم تمض أسابيع حتى تحققت نبوءة مارسيل خليفة فيه “وعاد مستشهداً”. سيناريو 3: رغم أن رائف من سكان الضاحية، وأنه أنهى دراسته الثانوية في إحدى مدارسها، فلقد حرص أهله على الحيلولة بينه وبين تأثيرات المحيط، كان يحز في نفسه أنه “محروم” من متابعة أترابه، سواء ابن جارهم العامل في ورشة غيار الزيت، أو ابن جارهم الذي ترك المدرسة والتحق بـ”معهد الآفاق”. لم يخذل رائف أهله، فترقى عاماً بعد عام من صف إلى صف إلى أن التحق بالجامعة، في الجامعة التقى بشاب ملتزم ذي لحية خفيفة، لم يعرف رائف بداية أن الشاب ذا اللحية الخفيفة ليس طالباً عادياً، إنما حزبي متفرغ برتبة طالب، ساعده الشاب ذو اللحية الخفيفة في كل ما احتاج إليه للتأقلم مع الجامعة وجوها، ولكن المساعدة لم تقتصر على ذلك فقط، فيوم أنس الشاب ذو اللحية الخفيفة أن رائف قد نضج، دعاه إلى مرافقته إلى جامع “سيد الأوصياء” في برج البراجنة، ومن هناك كانت البداية…وهناك كانت النهاية! في شتاء 2024 بدأت الحرب على غزة، وكغيره من “الإخوان” فرح رائف فرحاً عظيماً، صحيح أن كفاءات رائف العسكرية خلال أسابيع التدريب القليلة التي تلقاها، لم تبهر أحداً من مدربيه، فبعد تلك الأسابيع بات رائف جزءاً من “التعبئة”، وكان فرحه بتلك “الانتصارات” مساوياً لشعوره بـ “الانتماء”، أكثر منه لحُسْن ظنه، هو نفسه، بقدراته العسكرية، ثم كان اليوم الذي دعي فيه رائف، بوصفه “احتياط” إلى اجتماع عاجل. لم تكن التلة التي يرابط عليها مركزاً متقدماً، ولأنها كذلك، فلم يقتض شباب “الهيئة الصحية” بذل الكثير من الجهد لـسحب الجثة ــ جثته التي لم تشوه رصاصةُ القَنْصِ القاتلةُ سوى أعلى الصدر منها ــ وللعودة بها إلى نصابها من “الموت العادي”. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “فضائيون” جيمس كاميرون وأعظم تتمة في تاريخ الخيال العلمي next post جون بولتون يكتب عن: من قتل هنية بوسعه اغتيال خامنئي You may also like “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024 أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لنوفمبر 2024 15 نوفمبر، 2024