موهبة متفردة في التصوير الفني لنصوصها القصصية ثقافة و فنون ‘راقصة الباليه’ القصة الحزينة لكارميلا مينينو by admin 7 سبتمبر، 2024 written by admin 7 سبتمبر، 2024 112 على الرغم من قصرها، رواية الكاتبة الإيطالية ماتيلدى سيراو تفتح نافذة على عالم مظلم وقذر يبرز خلف أضواء المسرح الساطعة وتلفت انتباهه إلى الصراع الأبدي من أجل البقاء بين الطبيعة الساذجة للإنسان والسياق الذي يحيط به. The Middle East Online – محمد الحمامصي على الرغم من قصر رواية “راقصة الباليه” للكاتبة الإيطالية ماتيلدى سيراو لكنها رواية مكثفة ومؤثرة جدا، وتعد اختبارا قويا للقوة والكثافة العاطفية، حتى أنه تم اختيارها من قبل علماء النفس والاجتماع باعتبارها ذات أهمية ثقافية، وجزء من قاعدة المعرفة للحضارة الغربية، تتناول القصة الحزينة للراقصة كارميلا مينينو، هذه القصة التي تفتح للقارئ نافذة على العالم المظلم والقذر الذي يبرز خلف أضواء المسرح الساطعة، وتلفت انتباهه إلى الصراع الأبدي من أجل البقاء بين الطبيعة الساذجة للإنسان والسياق الذي يحيط به. تستغل الروائية ذلك لتكشف التناقض بين المظهر والوجود، بين الصدق والكذب، وخيبة الأمل الشخصية التي لا يمكن إلا أن تتبع تجارب مأساوية مماثلة. “راقصة الباليه” التي ترجمها وقدم لها مينا شحاته وصدرت عن دار يسطرون بجدة، كتبتها ماتيلدا سيراو عام 1899 وفيها تتبع حياة الراقصة النابولية، كارميلا مينينو، التي تناضل من أجل تحقيق أحلامها بتصميم وشغف. وتلقي الضوء على وحشية تناقضات الحياة في نابولي في القرن التاسع عشر، وتستكشف الصعوبات والفرص التي تعاني منها الراقصات في عالم الترفيه في ذلك الوقت. يتجلى في الرواية ما امتلكته سيراو من موهبة متفردة في التصوير الفني لنصوصها القصصية، وعكسها الفئات المهمشة في المجتمع الإيطالي، عبر فنيات إبداعية تتشكل في التقاط الحياة في جزيئاتها بصورة مؤثرة مدهشة، وعذوبة مشوقة في السرد رشحت لجائزة نوبل للاداب سنة 1926. وافتها المنية في 25 يوليو 1927. يقول شحاته في مقدمته للرواية موضحا أنه من خلال قصة كارميلا مينينو، ترسم لنا ماتيلدى سيراو نمط حياة إحدى راقصات الباليه في القرن التاسع عشر، تلك التي دائما ما تؤدي عروضها في الصفوف الأخيرة، وتكشف لنا أتعاب وظيفتها رغم قلة أجرها. تروي لنا ماتيلدى كيف تتعرض الراقصات لعديد من أشكال المضايقات والإزعاج من قبل جموع الرجال الآتين لمشاهدتهن لغرض واحد وحسب، وسرعان ما يصبحن ضحايا لنميمة المجتمع آنذاك، ذلك الذي يتفنن في إصدار الأحكام السابقة حول أخلاقهن. تكشف الرواية صراع الرغبات المستمر الذي يحيط بالفتيات الراقصات، إذ تمضي كل منهن حياتها بين محاولة الحفاظ على أصولها وعاداتها وأخلاقها، وبين الطموح المستمر في الثراء والظهور في أبهى صورة حتى يلتف الرجال من حولهن، لتفاضل هي بين كل منهم حسب حجم ثروته ومقدار وسامته. ويرى شحاته أن ماتيلدا سيراو قدمت شخصية كارميلا، الراقصة المسكينة، كفتاة صالحة، تفيض بأصدق المشاعر، ولكنها لا تملك عديدا من مقومات الجمال والإغواء، حتى إنها استمرت تكافح من أجل كسب قوت يومها. مضت كارميلا أيامها في حياة منعزلة، وأصبح الرجال لا يمثلون سوى تهديد لفضيلتها، وخطر لعفتها، ولم يستطع أي منهم أن يلعب دور المحب الذي يريدها لنفسها رغم قبح ملامحها. ربما لهذا السبب ظلت كارميلا تقاوم في صمود محاولات بعض الرجال إلغوائها والإيقاع بها، حتى جاء ذلك اليوم عندما سخر أحدهم من عذريتها ليحتدم الصراع بين الرغبة في الحفاظ على أخلاقها وعفتها، وبين كبريائها المجروحة وحاجتها إلى الظهور في صورة أجمل من جموع تلك الراقصات من حولها. ببراعة تجعلنا ماتيلدى نتساءل: هل تستطيع كارميلا الحفاظ على طهارتها وسط مجتمع فاسد؟ هل ستحافظ على إخلاصها ونزاهتها كفتاة دفعتها ظروف الحياة إلى الانخراط في هذه المهنة؟ أليس من حقها أن تمضي في سبيلها وتفعل كما يفعل أولئك الراقصات؟. وسط هذه الأسئلة، ورغم التركيز المكثف على شخصية كارميلا مينينو، بطلة العمل، لم تتوان الروائية في رسم شخصيات الرواية الأخرى بدقة وعناية، مع إبراز نمط حياتهم وطريقة عيشهم، إلى جانب الوصف الدقيق للمدن والأماكن والشوارع، ولاسيما وصف الملابس في أثناء العروض المسرحية الراقصة التي تظهر حجم الجهد المبذول والتعب الشديد الذي تتعرض له الراقصات خلال وظيفتهن. مقتطف من الرواية في طريقها إلى ساحة دانتي، حدث أن اعترض صوت لطيف طريق كارميلا. على عتبة أحد متاجر جوتردج الإنجليزية سألها شاب قائلا: ـ آنسة مينينو، مساء الخير! ألن تحييني على الأقل؟ توقفت كارميلا وانتابها الاضطراب حتى إنها ندمت لوقوفها وغمغمت تقول: مساء الخير، مساء الخير. أفسح الشاب الطريق من أمامها وأردف يقول: ادخلي قليلا يا آنسة. ـ لا أستطيع سيد جارجولو، أنا في عجلة من أمري. ـ دائما في عجلة هكذا! من أين تأتين؟ من بروفة الرقص؟ آه، دائما ما تبدين كل ملامح اللطف واللؤم معي في الوقت نفسه. لم تكترث لمجاملته وتمتمت تقول: ـ بروفة في هذه الساعة؟ أنا عائدة من القبر. انزعج جارجولو وقال: معذرة حسنا، هل أنت عائدة إلى البيت؟ هل لي أن أرافقك قليلا؟ ـ لا، لا، شكرا لك، اعتن بعملك. ـ آه، لقد حل المساء، ولن يأتي أي أحد بعد الآن، سأخبر رفيقي أن يحل محلي ويقف على الخزانة. هل تسمحين لي؟ ـ لا يا سيدي، عمت مساء سيد جارجولو. اختتمت كارميلا الحديث وبالفعل كانت قد بدأت في الرحيل مسرعة. بق ي موظ ف الخزانة مرتبكا بعض الشيء، وظلت تلك الابتسامة الباهتة ترتسم على شفتيه من دون أن يكف عن النظر ناحية الراقصة التي كانت قد ابتعدت بالفعل، كان نحيفا، طويل القامة، ذا وجه زيتوني وشارب بني يفرط في الاعتناء به، ويداعبه باستمرار، يعلو رأسه شعر أسود قصير مقصوص بعناية منسدل على جبهته، فلم يعوزه أي ملمح من الأناقة رغم نحافته. كان ثرثارا كسائر باعة المتاجر، تفيض عبر كلماته ملامح من الأخلاق الزائفة، ذا أظفار طويلة يعتني بها بشدة وخاتم يلمع في خنصره. بالكاد يستطيع العيش براتب موظف الخزانة الذي يجنيه، ورغم ذلك دائما ما يظهر في صورة لائقة ويرتدي ثيابا أنيقة كسائر الباعة الشباب، وهو محب لارتداء البدلة الرسمية، وكثير التردد على المسارح والعروض البرجوازية الراقصة. اعتاد الذهاب مجانا إلى المسرح من خلال أحد أصدقائه الصحفيين، خصوصا في سان كارلو، وأحيانا كان يقف منتظرا خروج الراقصات برفقة صديقه بعد انتهاء العروض. رأى هناك، في أمسيات عديدة، كارميلا مينينو في أثناء خروجها بمفردها، فتوجه إليها ببعض الكلمات حتى يصبح، هو الآخر، مريدا لإحدى الراقصات. حينها، تمتم صديقه الصحفي قائلا:ً ـ دعها وشأنها؛ إنها قبيحة المنظر، وعلى خلق. ـ هل أنت واثق بما تقول؟ ـ بالطبع. هناك نحو ثماني أو عشر فتيات عانسات في سان كارلو، ومينينو من بينهن. ـ حسنا، تبدو صفقة خاسرة في رأيي. ـ لا شك فيما تقول. لم يحدث أي شيء آخر، رغم ذلك، كلما كان يقابلها روبيرتو جارجولو، يتقرب إليها، وينهال عليها بأطيب المجاملات والتلميحات المستترة. لم تكن تجيب بشيء يذكر، بل استطاعت أن تحمي نفسها قدر المستطاع، وسرعان ما تمضي في طريقها بعيدا. زعم جارجولو الذي حقق بضعة انتصارات معقولة في العالم البرجوازي الصغير الذي يحيا في جوانبه، أن بإرادته ومغازلته الدؤوبة وإحضار بعض الهدايا التافهة، سينتهي األمر بكارميلا مينينو بالوقوع في حبه. هل رأى أن من المناسب مواصلة إصراره ما دامت الراقصة كانت طيبة الخلق؟ هل زعم ضرورة أن يتحمل نتائج ما يفعل، وأن يمضي في درب لعلاقة مماثلة؟ من يدري؟ وربما يحدث ذلك لاحقا. رغم ذلك في كل مرة تمنعه من استكمال حديثه، يحتفظ بابتسامته الحمقاء كمريد أنهكه الإصرار. أخذت كارميلا تسرع من وتيرة خطواتها باتجاه شارع بينياسيكا، تاركة روبيرتو جارجولو من خلفها. لم تكره ولم تحبه، كل ما في الأمر أنها استعانت أمامه بالأسلحة الدفاعية المعتادة لأي فتاة تخشى من الحب ومن الوقوع في الخطيئة، ونظرا لمزاعمها بأنها أشد قبحا مما يراه الآخرون، اجتاحها شعور فطري وحشي من عدم الثقة أمام أي تلميح غزلي؛ افترضت أن هناك دائما خداعا ذكوريا ومؤامرة ما، يدفعانها للسقوط في الإثم، وأنه سيهزأ بها في أقرب فرصة. من دون سبب واضح، تنامى في داخل وعيها كخادمة مسكينة مجتمعيا من نسل فقير، من دون قوة أو شجاعة إحساس بأن مزاعمها ستتحقق فقير، من دون قوة أو شجاعة، إحساس بأن مزاعمها ستتحقق ذات يوم. هكذا، ومع كل حرصها اليومي الدقيق، كانت تدفع ذلك الأمر بعيدا عنها، وترفض بصورة عمياء كل من يجسده، وتستعين بكل الأسلحة الدفاعية البريئة التافهة، فتهرب من المحادث ات، والاتصالات، وتتجنب أي مناسبة، الأمر الذي زاد من قرويتها وغلاظتها. حقا لم يتودد إليها كثيرون، فكانت قبيحة الملبس، في عزلة دائمة، ترقص في الصفوف الأخيرة على الدوام، من دون حلي، أو وردة تضعها بين خصلات شعرها. لم يتودد إليها سوى روبيرتو جارجولو أو السيد الفارس جابرييل سكونياميليو، الصيدلي الثري المعهود له بإدارة سان كارلو الذي يقطن في ساحة بينياسيكا، أو ابن مدير المسرح. كان يتعقبها أي منهما ليومين أو ثلاثة، أو لأسبوع بأكمله، يرددان العبارات نفسها، ويرغبان في الأمر ذاته؛ خداعها، حسبما كانت تظن، والإيقاع بها في الإثم، ليتخليا عنها في الحال. كلا، كلا. اعتادت أن تثبط من عزيمتهما، وتظهر نفسها في أقبح صورة، وتنكس عينيها، وتقتضب الكلام بعد أن تلوذ بالفرار. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post محطات تاريخية في طريق رونالدو نحو الهدف 900 next post ‘الجميع يحب تودا’ ينافس على الأوسكار You may also like “الذراري الحمر” يحصد جائزة “أيام قرطاج” وضجة حول... 23 ديسمبر، 2024 أوديب: الأسطورة المتجددة عبر العصور 23 ديسمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: مشير عون يكشف ركائزه... 23 ديسمبر، 2024 سينما “متروبوليس”… صرح ثقافي يعيد الحياة لبيروت 23 ديسمبر، 2024 محمد علي اليوسفي: كل ثورة تأتي بوعود وخيبات 22 ديسمبر، 2024 سوريا والمثقفون الانتهازيون: المسامحة ولكن ليس النسيان 22 ديسمبر، 2024 حين انطلق “القانون في الطب” غازيا مستشفيات العالم... 22 ديسمبر، 2024 “انقلاب موسيقي” من إيغور سترافنسكي في أواخر حياته 21 ديسمبر، 2024 الإرهابيون أرسلوا رأس الصبي إلى أهله في “الذراري... 21 ديسمبر، 2024 “هند أو أجمل امرأة في العالم” لهدى بركات:... 21 ديسمبر، 2024