رئيس يعلن بأنه 'عبقري مستقر'، يتصرف على هواه (Getty) بأقلامهم دلال البزري تكتب عن: دونالد ترامب وذكاء الطاووس by admin 3 مايو، 2025 written by admin 3 مايو، 2025 11 “الطاووس ليس معروفًا بذكائه. فهو لا يستطيع التعرّف على نفسه من خلال مرآة، وترامب مثله، لا يستطيع أن يعرف نفسه” العربي الجديد / دلال البزري– كاتبة وباحثة لبنانية دونالد ترامب تغنى مبكرًا بذكائه. منذ السبعينيات، وفي مقابلات مع أي صحيفة، يؤكد بأن مستواه في “الآي. كيو.” (I. Q) مرتفع. وبأنه طول عمره هو الأول في الصف، وأن نتائجه في الجامعة تدل على هذا الذكاء. وبعد هذه المقابلة، سلك طريق مديح ذكائه في معظم المقابلات والمنشورات. وبعدما أصبح رئيسًا، أعلن بأنه “عبقري مستقر”، وأثار بذلك قلق موظفي البيت الأبيض الذين اشتكوا، تحت أسماء مستعارة، من هذا التباهي وعبروا عن انزعاجهم بأن ذلك قد يشير إلى اضطراب نفسي. وأحدهم حاول تحليل “الظاهرة”، فقال إن ترامب يعاني من الخوف من أن لا يكون فعلًا ذكيًا، فيغالي بنسب هذه الصفة لنفسه، وبتعظيمها إلى حد “العبقرية”. وكونه “عبقري مستقر” يستطيع ترامب أن يصف أي أحد بانعدام ذكائه، أكان من خصومه الدوليين أو منافسيه المحليين. وزير خارجيته السابق الذي عارض سياسته الكورية، “أحمق”، والأوكرانيين “أغبياء”، ومنافسته الأخيرة كمالا هاريس سوف تخسر حتمًا لو قامت باختبار “الآي. كيو.” العائد لها. ونيكي هالي منافسته في تمهيديات الجمهوريين صاحبة “رأس عصفور”. أما باراك أوباما وجو بايدن فهم “أقل ذكاء” منه… مساعد ترامب في تحطيم المؤسسات الفدرالية بـ”المنشار”، إيلون ماسك، يزايد عليه. “أغنى رجل في العالم” يقول عن أحد الموظفين الكبار في الإدارة الترامبية بأنه “أغبى من كيس حجر”. وبأن مسؤولًا آخر “أحمق، معتوه، مثل رجليّ”. وماسك يسير على خطى ترامب، يضع “الآي. كيو.” دائمًا في الصدارة؛ بأنه أجرى اختبار “الآي. كيو.” الخاص به، وبأن فلانًا، خصمه، حصل على نقاط أقل، وبأن معدله تجاوز المائة والأربعين، أي أنه قريب من معدّل أينشتاين، “أذكى رجل في العالم”. وجوقة الكورال كلها، المتعاونة مع ترامب أو المعجبة به بشدة، تتصرف وتتكلم وتقرر، أو لا تقرر… وكأنها مثله، تتمتع بمنتهى الذكاء. خصوصًا نائبه فانس، أو وزير دفاعه، أو مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط… أو حتى نائبة هذا المبعوث، مورغان أورتاغوس، التي تزور لبنان وهي مفْعمة بالروح الترامبية “الذكية”. ولكن خصوم ترامب أصابتهم العدوى أيضًا. لا يتباهون بذكائهم الخاص. فقط يردّون على ادعاء ترامب وجوقته بأنه ليس ذكيًا، إنما “غبي”. هيلاري كلينتون هي ربما أول من دشن الحملة المضادة. بعد أيام قليلة على تنصيب ترامب، كتبت مقالًا مطولًا في “نيويورك تايمز” تبرهن فيه “الحماقة التي يتمتع بها الرئيس الجديد”. مؤرخ يقول بأن الرؤساء السابقين كانوا يخطئون أحيانًا، ولكنهم كانوا عمومًا “أذكياء”، فيما ترامب، “يرتكب الكثير من الحماقات”. محلل اقتصادي يصف سياسة التعريفات الترامبية مع الخارج بأنها “غبية”. لماذا؟ لأنها تعتمد على فرضيات خاطئة، ولا تملك أية دلالة أو حجة متماسكة، ولا أي برهان علمي؛ لأنها لا تتمتع بأي دعم من خبراء، “سواء كانوا من اليمين أو اليسار أو الوسط”، ولأنها أخيرًا المثال الحيّ على العبثية. “الذكاء اليوم مدعومًا بالذكاء الاصطناعي الصاعد، أكثر من أي “موهبة” أخرى، قادر على إقناع جمهور جاهل بقدرته على الحكم” باراك أوباما بدوره يقارن بين ذكاء ترامب وذكاء زعماء المافيا الإيطالية: “إنه ذكاء الزعران”. توماس فريدمان، صاحب الرأي شبه اليومي، يشيد بقدرة ترامب على “قلب قواعد اللعبة رأسًا على عقب”. ويتابع بأنه لا يستطيع التحكّم بما يحدثه لأنه “في الوقت نفسه، هو إنسان أبْله”. إلى ما هنالك من مفردات تعجّ بها الشبكة والحياة المرئية والمسموعة في أميركا والعالم. وتبقى الخلاصة، أو خلاصة النقد الصادر عن كذا جهة أميركية، أولًا، هوَس ترامب بذكائه، وبالـ”أي. كيو.” الخاص به. علمًا بأنه لم يعرف مقربوه عنه تلك الصفة لا في الطفولة ولا الشباب. وحتى الآن، يتّسم “نهجه” بانعدام الحكم السليم على الأشياء، بانعدام الدراية والعقلانية والبصيرة. بل يذهب المغالون إلى الشك بأن ترامب قد يكون في أولى مراحل الخرف، ويستدلون على ذلك بإشارات، منها: أحاديثه المتقطّعة، جمله المبعْثرة والمكرّرة، قراراته المشوّشة والمتخبّطة، رغم عنفها، ميْله إلى استخدام العبارات المطلقة مثل “أبدًا” أو “دائمًا”، وخطبه التي أصبحت أطول مما سبقها، أكثر فظاظة وتوترًا.و”ذكاء الرئيس” هو موضوع جديد في أميركا: فليس معروفًا عن الرؤساء الأميركيين تبجّحهم بذكائهم. مع أن كثيرين منهم كانوا لامعين ومثقفين وخريجي أرقى الجامعات. ولا واحد منهم قدم نفسه بصفته “ذكيًا”. وبالمقابل، لم يتعرّض أي رئيس جمهورية أميركي للصفات المضادة من قبل نقاده وخصومه، كما هو حاصل اليوم. ولا رئيس جمهورية أُخذ على نظيره “قلة كفاءته”، “قلة ثقافته”، أو “حماقته”. لم يتصدر “الذكاء” أو “الغباء” صدارة السجال السياسي الناشئ، كما هو حاصل اليوم. الآن، ماذا يعني كل ذلك؟ الذكاء سلاح ترامب منذ الشباب. يردّد أن “نجاحه” أي ثرائه يعود إلى ذكائه. ذكاؤه وحده هو المَلَكة التي تستحق التسويق، كما كان يفعل في برامج الواقع التي كان نجمها الأوحد. التلفزيون والمال أعطياه ما يريد، ضخّما أناه، فبالغَ هو في التضخيم. كراهية ترامب للعلم والثقافة والفن تتجلى في حربه على المؤسسات المعنية بها. ومن يكره هذه المجالات، يحرم نفسه من الفضول والنقد، من معرفة نفسه، أو الاقتراب منها. أغنى رجل في العالم يزايد على ترامب، يقول عن أحد الموظفين الكبار في الإدارة الترامبية بأنه “أغبى من كيس حجر”! (Getty) ذاك العجز عن لمسْ ثغرات “عبقريته”، بناه ترامب على امتداد عقود من دون فتح كتاب واحد، إلا كتابه عن نجاحاته العقارية؛ عقودٌ من غياب البراهين على أقواله و”حقائقه البديلة”؛ وتلك الخصْلة التي عرف بها منذ عهده الأول، الكذب، وقد وضعه في “خدمة” هذا “الذكاء”. أما هوَسه، أو مرجعه، دليل ذكائه، فهو ليس من اختراعه؛ “الآي. كيو”، هو اختبار ذكاء شارك في صياغته النهائية علماء نفس أوروبيون، وصار هو القياس الوحيد لتعريف الذكاء، يعتمد على الثقافة والبيئة الغربية في ذروتهما خلال القرن الثامن عشر. وقد تحول هذا العلم إلى خدمة علم “التحسين الوارثي”، استثمرته كل تيارات وأحزاب اليمين المتطرف، والنازية ذروتها، بغية إقامة فاصل بين “البيض” الأوروبيين وغيرهم من الأمم الأدنى، “الأقل ذكاء منهم”. ثم إنه ليس هناك دليل واحد على قيام ترامب أو إيلون ماسك بهذا الاختبار. أكثر من ذلك: ليس هناك من دليل واحد على قيام أينشتاين بهذا الاختبار. فأينشتاين كان يرفض وصف نفسه بـ”الذكي”. ويقول بأنه يتمتع بالفضول والخيال والشغف والتساؤل المستمر. ويعلي من شأن الخيال على ما تبقى من ملَكَات الذهن. ومن أقواله المأثورة: “لا يوجد سوى شيئين لا نهائيين: الكون والغباء الإنساني. أما بالنسبة للكون فليس عندي يقين مطلق…”. بماذا يساعده “ذكاؤه”؟ يساعده في السيطرة على من يصدّقه. الذكاء اليوم مدعومًا بالذكاء الاصطناعي الصاعد، أكثر من أي “موهبة” أخرى، قادر على إقناع جمهور جاهل بقدرته على الحكم. الذكاء مثل مورفين الدين عند جماهير أخرى. يخلق موالين، يطمئن، يلْهب، يخيف… ليس الجمهور الجاهل وحسب؛ إنما كبار رجالات “وول ستريت” صدّقوه، آمنوا به. درجة الذكاء التي يتمتعون بها، لم تحمهم من الانضمام إلى قطيع الآخذين ذكاءه بجدية مطلقة. تصوَّروا أن ترامب في آخر لحظة سوف يتراجع عن تهديداته الاقتصادية، و”يعود إلى العقلانية والحكمة”. اطمأنوا إلى ذكائه، فخسروا الملايين من الدولارات. كما تبيّن، بعد حين، أن ذكاء ترامب يخدمه في إطلاق العنان لنزواته، مثل طفل مدلّل؛ أي التحلّل من القيود “الفكرية”، والإسهاب في تصوراته الخيالية عن كيفية إيقاف الصين عند حدودها، قبل أن تسبق أميركا إلى حكم العالم. فيتصرف على هواه: بلا فلاتر ولا قفزات، يبهدل الرؤساء الضيوف، يشتم الصحافيين والمشاهير ومعاونيه وخصومه، يعلّق بابتذال بالغ على هنْدام أو شكل أو هيئة مسؤول أو مواطن بسيط، يسخر من ذوي الاحتياجات الخاصة، يحتقر الأعراف الديبلوماسية، يقرر حقائقه “البديلة”، أي المفبْركة. ملاحظة: الطاووس ليس معروفًا بذكائه. فهو لا يستطيع التعرّف على نفسه من خلال مرآة، خلافًا لأذكى الطيور، مثل الغُراب أو الببغاء الرمادي. ما يعني ضعف وعيه بنفسه. وترامب مثله، لا يستطيع أن يعرف نفسه، لأنه طاووس. وذكاؤه ذكاء طاووس. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ديفيد شينكر يكتب عن: ليس هناك وقت أفضل لنزع سلاح “حزب الله” next post إيهود يعاري يكتب عن: تجنّب المواجهة بين “إسرائيل” و”سوريا” (الجزء الثاني): فرصة لفتح مفاوضات جديدة You may also like نعومي نيومان تكتب عن: ضمان تجاوز اجتماع “منظمة... 4 مايو، 2025 غيث العمري يكتب عن: هل تجاوزت جماعة الإخوان... 4 مايو، 2025 ديفيد شينكر يكتب عن: تجنّب المواجهة بين “إسرائيل”... 3 مايو، 2025 إيهود يعاري يكتب عن: تجنّب المواجهة بين “إسرائيل”... 3 مايو، 2025 ديفيد شينكر يكتب عن: ليس هناك وقت أفضل... 3 مايو، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: ماذا لو عاش... 2 مايو، 2025 رضوان السيد يكتب عن: «فتح» و«حماس» والجمهور الغفور! 2 مايو، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: هل يوجد توقيت... 2 مايو، 2025 دلال البزري تكتب عن: …ولكن ما هو المجتمع... 2 مايو، 2025 جهاد الزين يكتب من بيروت عن: الرافض للدوغمائية... 2 مايو، 2025