الخميس, مايو 8, 2025
الخميس, مايو 8, 2025
Home » دلال البزري تكتب عن: الكنديون يصوّتون مباشرة ضدّ ترامب

دلال البزري تكتب عن: الكنديون يصوّتون مباشرة ضدّ ترامب

by admin

 

مع مراسيم ترامب الجديدة، ساد شعار واحد، أولوية واحدة في هذه الانتخابات؛ كيف نواجه ترامب؟

العربي  الجديد / دلال البزري – كاتبة وباحثة لبنانية

قبل الإعصار الترامبي، كان الكنديون يسخرون من علاقة ساستهم بالولايات المتحدة، من انبهارهم بها وضعفهم حيالها. تروي إحدى نكاتهم: رئيس الوزراء يحمل كوباً من الماء، فيطلب منه الرئيس الأميركي أن يسقيه منه. ماذا يفعل؟… يعطيه الكوب بأكمله. في البدء، لم يصدقّوا ترامب عندما قال، في إحدى الولائم في ناديه الخاص، إنه سيضمّ كندا إلى الولايات المتحدة. قالوا إنه يمزح، أو يتباهى، كعادته. وبعدما أعلنها رسمياً، وكرّر أن كندا ستكون الولاية الأميركية الواحدة والخمسين، بأنه سيفرض التعرفات الجمركية على صناعاتها ومواردها، وبعدما قلَّل من احترام رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، وقدّمه إلى الصحافة بصفته “حاكم ولاية كندا”… انقلب المزاج الكندي رأساً على عقب. وخرج الكنديون عن هدوئهم الخرافي، وامتلأت الأجواء بالظواهر الجديدة؛ الأغاني التي تتغنّى بكندا، بكندا وحدَها وبما يميّزها عن الولايات المتحدة؛ المقاطعة السريعة للبضائع الأميركية وسحبها من الرفوف، خصوصاً الكحول؛ الحملة في المحالّ التجارية بالملصقات على البضائع “صُنع في كندا”؛ واللافتات في الشوارع، فيها قلوبٌ كبيرةٌ مضاءة بألوان الزهر، وتحتها عبارة “محلّي”؛ صفير صاخب ضدّ فريق الهوكي أثناء مباراة كانت تُعتبَر ودّيةً في السابق، وإطلاق أغنية من وحي صرخاتهم على المدرّج “فلنُخرِج قوّتنا”، التي تحوّلت أغنيةَ “مقاومة جماعية وطنية” ضدّ الإجراءات الأميركية؛ انتشار القمصان، المكتوب عليها “ليس للبيع”، أو “أبداً 51″؛ ذيوع مقالات وتصاعد أصوات تنادي بـ”المقاوِمة” ضدّ ترامب في الإعلام ومواقع التواصل مثل “لن نكون أبدا الولاية الواحدة والخمسين”، و”قرارات غبيّة”، أو “هراء كبير”؛ تظاهرات واعتصامات في أنحاء المدن والضواحي، أشهرها تظاهرة مونتريال أوائل إبريل/ نيسان الماضي؛ مقاطعة الرحلات إلى الولايات المتحدة، إلغاء حجوزات الإجازات والصيف، إلغاء إقامات “طيور الثلج” في كاليفورنيا، الخاصّة بالمتقاعدين الكنديّين الميسورين.

الحكومة والمعارضة والمؤسّسات الرسمية كلّها وقفت ضدّ مراسيم ترامب، من المحافظين إلى الليبراليين إلى اليساريين الديمقراطيين والخضر… غالبيتهم أعلنوا: “دولار ضدّ دولار”، وناشدوا بالدفاع عن “سيادة كندا واقتصادها” في وجه التهديد الأميركي، ووعدوا بمساعدة القطاعات التي ستتضرّر بنتيجة التعرفات، وبإيجاد بدائل عن البضائع الأميركية المستوردة. وتجد قوّة ردّة فعلهم في كلمة “خيانة”. يشعر الجميع بأن أميركا خانتهم؛ الصداقة والجيرة القديمتَين، والتقارب أو التماهي الثقافي، والثقة بالنيات، بل أحياناً، كما تدلّ سالفة “كوب الماء”، التنازل عن بعض الحقوق في مقابل الاطمئنان. فالكنديون لا يحبّذون الصراعات ولا يغضبون ولا يتوتّرون، ويعشقون هُويَّاتهم وبيوتهم وعائلاتهم، بل قليلاً ما يبالون بالانتخابات. من أتى من بلاد مثل بلادنا يُدهَش من هذا التسليم بالمستقبل.

ثمّ تقرّرت الانتخابات. قبلها كان الليبراليون أصحاب السلطة في تراجع حسب الاستطلاعات. جاستن ترودو، بدا مرشّحاً ضعيفاً، فأقاله حزبه وبدّله بمارك كارني، وهو رجل متخصّص بإدارة الأموال (حاكم سابق لكلّ من المصرفَين المركزيَّين في كندا وبريطانيا)، فصار هو المرشّح الليبرالي لرئاسة البلاد. قبل هذه الانتخابات أيضاً، كان المرشّح المحافظ، بيار بواليافر، (الأوفر حظّاً) نسخةً مخفّفةً من ترامب على قدر ما يتحمّله الكنديون؛ يحبّه، يقلّده في شعوبيته وهندامه وشعاراته ونبراته، وعلاقته بالإعلام ومواقع التواصل، ببرامجه في خفض ميزانية الدولة، برفضه حملات التطعيم ضدّ كوفيد 19، نكرانه أزمة المناخ، وشتائمه ضدّ خصومه… إلخ.

لكن الآن، الوضع يختلف مع مراسيم ترامب الجديدة. بلمحة بصر، ساد شعار واحد، أولوية واحدة في هذه الانتخابات؛ كيف نواجه ترامب؟ ومع مرشّحهم الجديد ارتفعت حظوظ الليبراليين، وانخفضت حظوظ المحافظين. كانت انتخابات حامية بلغت نسبة المشاركة فيها 68.65%، وطرح فيها مارك كارني (الليبرالي) رؤيته الأخلاقية والسياسية، فشدّد على التضامن الوطني، ورفع من قيم التواضع والطموح والوحدة، ودعا إلى بناء كندا “قويةً حرّةً مستقلّةً”، وإلى حماية القطاعات التي سوف تتضرّر من إجراءات ترامب. أما بيار بواليافر (المحافظ)، فطبعاً ابتلع ريقه بعدما شاهد الحماسة الوطنية الأنتي ترامبية، أخذ مسافةً واضحةً من مثله الأعلى ترامب. وعندما تدخّل هذا الأخير في الانتخابات الجارية ودعا الكنديين إلى التصويت لمن يقرّبه من الولايات المتحدة، اعترض عليه بيار بواليافر، فاستدرك واستعار شعارات منافسه (كارني) وأكّد أن كندا “ستبقى أبية سيّدةً ومستقلة”. إذاً، ربح الليبراليون من دون أن يشكّلوا أغلبيةً مطلقةً. المحافظون خسروا، لكنّهم نالوا مقاعدَ جديدة في البرلمان. ومع ذلك، فإن رئيسهم (شبيه ترامب) خسر مقعده الذي جلس فيه 25 عاماً.

بقيت القوة البرلمانية الثالثة (اليسارية)، أي الحزب الديمقراطي الجديد بقيادة جاغميت سينغ. في حملته الانتخابية استمرّ هذا الحزب في التمسّك بأولوياته القديمة، أي الصحّة للجميع، وحماية العمّال، والضريبة على أصحاب الثروات الطائلة. فيما غالبية الناخبين في مكان آخر، مهما كانت همومهم المعيشية يرون في ترامب الخطر الأكبر، وكانت السخرية بأولئك اليساريين أن مارك كارني، المصرفي، مرشّح الليبراليين، أصبح ممثّلاً لليسار! كيف يمكن تصديق هذا التحوّل؟ خسر هذا الحزب 72% من المقاعد، ولم يتبقَّ له غير سبعة مقاعد.

الكنديون بعد ترامب (الثاني)، يشعرون بأنهم طُعنوا في الظهر، بأن “خيانة” أميركا لهم تدفعهم إلى الدفاع عن أنفسهم

رغم تمايزهم عن الأميركيين بلباقتهم ومدنيتهم، وبالتعارض الدائم مع شراسة الأميركيين، إلا أن الكنديين معجبون بالولايات المتحدة، يعتبرون أنفسهم “أصدقاء” تاريخيين لها، وقد يدعم هذا الشعور أن كندا كانت دائماً أرض لجوء من العبودية، أو لرفض الخدمة العسكرية في حرب فيتنام، كما تبدو الآن حاضنةَ الهاربين من الحروب كلّها. ولكنّ الكنديين بعد ترامب (الثاني)، يشعرون بأنهم طُعنوا في الظهر، بأن “خيانة” أميركا لهم تدفعهم إلى الدفاع عن أنفسهم، عن مواردهم الطبيعية الهائلة، عن أراضيهم القطبية الشمالية، عن مستوى حياتهم واستقرارهم، عن ذاك التنوّع الهائل بينهم. وسيكون على كندا أن تتعسكر بالتالي، وأن تخصّص أرقاماً عاليةً في ميزانياتها للتسلّح، وأن تتكوّن في هذه المعمعة هُويَّة كندية جديدة، ستفتح على كندا أبواباً لم تطرقها من قبل.

إنها أوّل دولة تُخاض فيها الانتخابات بأولويات مضادّة لترامب. الشعب الأميركي انتخبه، والشعب الكندي أسقطه، رغم تدخّله بها. الانتخابات الأسترالية، بعد أيّام على الكندية، لم يكن ترامب هدفاً مباشراً فيها، إنما كان شبحاً يحوم حولها. سقط فيها قائد الائتلاف اليميني بيتر دوتون، شبيه نظيره الأميركي؛ يقلّده في أسلوبه وتوجّهاته، ويصفه بـ”المفكر الكبير”. وفاز الحزب العمّالي بقيادة اليساري أنطوني ألبانيز، الذي لم يهاجم ترامب مباشرة، ولكنّ برنامجه “أنتي” ترامبي بامتياز. قال محلّلون بأن هذه الانتخابات، كانت استفتاءً غير مباشر ضدّ ترامب، مقارنةً بالكندية التي كانت “استفتاءً مباشراً”.

بأي أصوات سيسقط ترامب بعد ذلك؟ وأيّ هُويَّات سيُحيي؟ وأي هُويَّات سيخنق، وبأيّ سلاح؟

المزيد عن: ترامبجاستن ترودوالرسوم الجمركية

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili