السبت, فبراير 8, 2025
السبت, فبراير 8, 2025
Home » دستويفسكي يتباهى بـ”اختراعه” كلمة روسية

دستويفسكي يتباهى بـ”اختراعه” كلمة روسية

by admin

 

صاحب “الأبله” و”الإخوة كارامازوف”: أنا هو المواطن الروسي الذي ابتكرت كلمة اضمحلال

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

“في أدبنا (الروسي) هناك كلمة هي “ستوشيفاتسا” يستخدمها الناس جميعاً في بلادنا اليوم. صحيح أنها لم تولد في الأمس القريب لكنها من دون أدنى شك حديثة الولادة نسبياً ولم يكن لها وجود قبل 30 عاماً، ففي زمن بوشكين لم تكن الكلمة معروفة وما من أحد كان يستعملها، أما في أيامنا الآن فإننا لا نلتقيها فقط في الأدب ولا لدى المتأدبين بكل ما تحمله من معنى بدءاً من الممازحين وصولاً إلى الناس الأكثر جدية، بل نجدها كذلك في البحوث العلمية والأطروحات والمؤلفات الفلسفية، بل إننا نعثر عليها مستخدمة في الوثائق الإدارية وفي التقارير وحتى في البيانات الحكومية. كل الناس يستعملونها وكلهم يفهمونها لأنهم كلهم يعرفونها، ومع ذلك ليس ثمة في طول روسيا وعرضها سوى شخص واحد يعرف الأصل المحدد لهذه الكلمة، ويعرف الزمن الذي ظهرت فيه وانضمت إلى عالم الأدب، وليس هذا الشخص سوى أنا نفسي، لأنني أنا الذي أدخلتها عالم اللغة الأدبية للمرة الأولى…”.

الحقيقة إن قائل هذا الكلام لو لم يكن الكاتب الروسي الكبير فيودور دستويفسكي، لاعتبر مجنوناً يرهف بأي شيء ولكن حين يقول قائله هذا الكلام بكل ثقة، يصح التوقف عنده لاستجلاء حقيقة الأمر، بخاصة أنه قاله في مرحلة متقدمة من حياته لم يكن في حاجة فيها إلى اختراع حكايات من هذا النوع. ولقد حدد الكاتب تاريخ استخدامه للكلمة بالأول من يناير (كانون الثاني) 1846 حين وردت لديه للمرة الأولى ضمن إطار نشره في مطبوعة “حوليات الوطن” النسخة الأولى من قصته “القرين، مغامرات السيد غوليادكين”، التي كانت ثاني نص كتبه بعد “الفقراء” التي أنجزها عام 1844، ولقد روى دستويفسكي كيف أنه عندما أنجز “الفقراء” عرضها على بيلينسكي ونكراسوف الذي وافق على نشرها في مطبوعته “مجموعة بطرسبورغ” في العام التالي 1845.

سهرة أدبية وشهودها

ويستطرد دستويفسكي حكايته قائلاً إنه في العام نفسه 1845 كان قد بدأ كتابة “القرين” وقد حدث عنها بيلنسكي الذي شجعه وأبدى للمشروع الجديد حماسته بل حدث عنه بدوره الأديب كرايفسكي العامل في مطبوعة “حوليات الوطن” بدوره فقرر هذا نشرها في مطلع العام التالي، “لكني شخصياً لم أكن راضياً عنها بعد إتمامها” سيخبرنا دستويفسكي لاحقاً، مضيفاً أنه سيعود إلى كتابتها من جديد بعد 15 عاماً كي تنشر في طبعة من أعماله الكاملة، “أما قبل ذلك فقد كنت على يقين من أنها غير مكتملة كما كنت أحب لها أن تكون”، ولكن بما أن هذه حكاية أخرى، نعود معه هنا إلى نهاية عام 1845 يوم أصر بيلينسكي عليه أن يقرأ ذلك النص في سهرة رتبها هذا الأخير خصيصاً لتلك الغاية ودعا إليها عدداً من أدباء تلك الحقبة. ولا يتردد دستويفسكي عن القول بكل تواضع إن بيلينسكي لم يكن يعرف كثيراً عن “القرين” حين فعل ذلك “إذ إنه كان لا يزال واقعاً تحت سحر روايتي الأولى”. والمهم هنا على أية حال أن السهرة أقيمت وكان حتى تورغنيف من بين الحضور “حتى وإن كان قد غادر باكراً إذ كانت لديه ارتباطات أخرى لكنه هنأني بحرارة على ما تمكنت من قراءته قبل مغادرته”، يؤكد دستويفسكي قبل أن يذكر بأن تلك السهرة كانت هي التي شهدت ابتكاره كلمة ستوشيفاتسا التي سينتشر استخدامها انتشاراً عظيماً ولكن بعد زمن من تلك اللحظة.

وهنا يبتسم الكاتب قائلاً: “بصراحة كل الناس نسوا قصتي التي كانت تستحق النسيان، لكنهم جميعاً في المقابل التقطوا الكلمة الجديدة، واستحوذوا عليها ليثبتوها كمصطلح أدبي لا غنى عنه”.

بيلينسكي: اكتشاف كاتب كبير (غيتي)

فما معنى الكلمة إذاً؟

بحسب ما يشرح لنا صاحب “الأبله” و”الجريمة والعقاب” هي لا تعني سوى “اختفاء” لكنه ليس اختفاءً عادياً بل انعدام تام ولكن بصورة تدرجية في نوع من اضمحلال وجودي متكامل يكون بديلاً عن الاختفاء التام المباغت. ويمعن الكاتب في التفسير قائلاً إنه حالة من زوال هادئ بسيط يجعل الشيء أو الشخص المصاب به يذوب في العدم من دون أن ينتبه إليه أحد “يحدث الأمر كما لظل على لوحة مرسومة بالحبر الصيني، حيث يبدأ الظل أسود اللون ثم يبدأ بالامحاء تدريجاً حتى يفتح اللون تماماً ليحل الأبيض من بعده وكأن السواد لم يكن هناك أبداً. وهنا يرى الكاتب أن أفضل ما يفعله هو أن يعيدنا إلى رواية “القرين” نفسها ليحدد لنا أين كان استعماله للكلمة، فيخبرنا أنه قد فعل ذلك عن تعمد مرات عدة في الفصول الثلاثة من روايته التي كانت هي ما قرأه في سهرة بيلينسكي. فيقول لنا إنه إنما “ابتكر” الكلمة متضمنة البعد الكيماوي الذي تحمله وبالتحديد “كي أوصل إلى القارئ البعد الذي أتوخاه وهو كيف أن أمراً صغيراً كريها وذا حيلة يعرف تماماً كيف يخرج من مسرح الأحداث في اللحظة التي يجدها مناسبة تماماً لخروجه – أو شيء من هذا القبيل فالحقيقة إنني نسيت هذا الجانب من الأمر تماماً. ولعلي أقول هذا الآن بعد مرور كل تلك الأعوام انطلاقاً من يقيني من أن هذه الكلمة الصغيرة شبه المجهولة حينها ما كان من شأنها أن تثير لدى الحضور أي ارتباك، بل سيتلقونها كما أريد أنا لهم أن يفعلوا ثم يفكرون فيها في ما بعد ويستطيبونها. وأعتقد اليوم أن ذلكم ما حدث بالفعل… بخاصة أنهم ضمن سياق ما أبتغيه منها، فهموها كما هي واثقين من صواب اختياري لها”، وآية ذلك كما يضيف ديستويفسكي في الفصل الذي خصصه للكلمة واستخدامه لها في كتابه “يوميات كاتب”، أن “بيلينسكي نفسه قد قاطعني عندما ذكرت الاضمحلال للمرة الأولى معلناً إعجابه بهذا التعبير!”… ولا يتوانى الكاتب عن إخبارنا على الفور بأن كورسا من الإعجاب تلي الناقد الكبير في تعبيره عن إعجابه “وأذكر جيداً، يضيف دستويفسكي أن تورغنيف، نفسه قد عبر أيضاً عن إعجابه بالكلمة الجديدة (لكنني واثق أنه قد نسي كل هذه الحكاية اليوم!)”.

آفة كل زماننا النسيان

غير أن دستويفسكي بعدما يروي تلك الحكاية بشكل يكشف عن مدى فخره بها، وبعد أن يستشهد على صحتها ليس فقط بما يرد في روايته “القرين” بل كذلك بتأكيده أن معظم الذين كانوا حاضرين في تلك السهرة لا يزالون، في زمنه طبعاً على قيد الحياة. يستطرد آسفاً أن “الكلمة حتى وإن كانت قد أثارت قدراً كبيراً من الاهتمام لحظتذاك، فإنها لم تلتقط حقاً وتدخل دنيا الأدب الروسي إلا بصورة تدرجية ومن دون أن يشعر أحد بذلك. لذا فإنها استغرقت وقتاً طويلاً قبل أن تفعل ذلك”. ويخبرنا الكاتب هنا أنه بعدما خرج من معتقله السيبيري في عام 1854 “عدت إلى قراءة كل الأعمال الأدبية التي صدرت خلال غيابي خمسة أعوام (ومن بينها “يوميات صياد” وكل ما صدر لتورغنيف ما أدهشني حقاً) ولعل أكثر ما أدهشني في ما رحت أقرأه هو عثوري مراراً وتكراراً وفي كل نص تقريباً على كلمة… ستوشيفاتسا”. ولسوف ترد الكلمة منذ ذلك الحين من دون هوادة، ولكن ليس دائماً بالمعنى الذي جعله دستويفسكي لها ولا سيما في أعوام الستينيات من ذلك القرن. وعلى رغم ذلك وفي ختام هذا الحديث الطريف ها هو الكاتب يعيدنا إلى الوراء ليخبرنا بأنه لئن كان أول من استعمل الكلمة في الأدب فإنه لم يكن مبدعها، فهي في نهاية الأمر موجودة في اللغة الروسية حيث يتعلمها الطلاب منذ الصفوف الابتدائية ولا سيما في حصص الكيمياء بالنظر إلى أنها مصطلح كيماوي، أما فضيلته هو فتكمن في نقلها إلى عالم الأدب والإبداع لا أكثر ولا أقل.

المزيد عن: ألكسندر بوشكينفيودور دستويفسكياللغة الروسية

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili