الروائية البريطانية كيت موس (أ ب) ثقافة و فنون “خريطة العظام” ملحمة روائية بريطانية توجز مسار المرأة by admin 29 أكتوبر، 2024 written by admin 29 أكتوبر، 2024 29 “سجلات” كيت موس في جزئها الرابع والأخير تشرع الحقيقة على أفق الخيال اندبندنت عربية / سناء عبد العزيز بدأت سلسلة “سجلات عائلة جوبير” في الظهور منذ ست سنوات تقريباً، وتحديداً في عام 2018 حين صدر الجزء الأول بعنوان “الغرف المحترقة”، وفيه يعود الزمن إلى الوراء حتى عام 1562 في كاركاسون، ليرصد إحدى صور البربرية جراء التعصب الديني في تاريخ الإنسان. وعلى رغم غلبة تلك الآفة عبر العصور، فإن استشراءها في الألفية الثالثة يطيح تماماً فكرة تقدمنا على سلم الحضارة، بل ويحولها إلى مزحة بقدر ما تثير الضحك تدعو إلى البكاء. في الجزءين الثاني والثالث “مدينة الدموع” 2020 و”سفينة الأشباح” 2023 (رشحت الأخيرة في القائمة النهائية لجوائز الكتاب البريطاني)، تبلور هدف موس في تخليص المرأة من شوائب التاريخ من طريق المزج بين الوقائع التاريخية والخيال الجامح، ليصبح الناتج مركباً مختلفاً عن العناصر المشاركة في تكوينه. حول هذا المعنى كتبت أليكس بريستون على صفحات “الغارديان” البريطانية تقول “ظللت أفكر في محاضرات هيلاري مانتل أثناء قراءتي رباعية جوبيرت. لقد تحدثت مانتل عن خلط الحقيقة بالخيال في عملها مثل خلط زيت الزيتون وصفار البيض بالمايونيز ـ لا يمكنك إعادتهما إلى حالتهما الأصلية. هنا، تقدم لنا موس التعقيد المرضي للوقائع التاريخية والسرد الخيالي الذي يحملنا معه في إيقاع سريع… حيث يشعر القارئ بالماضي متجذراً في عظامه”. محاولة لاستنطاق الماضي اشتهرت كاثرين لويز موس (مواليد 1961)، المعروفة باسم “كيت موس”، بكتابة المغامرات وقصص الأشباح المستوحاة من التاريخ الحقيقي، لكن اهتمامها امتد إلى المسرح والتمثيل وكذلك الكتب الفكرية، نذكر منها على سبيل المثال “أن تصبحي أماً”، “الملكات المحاربات والثائرات الهادئات: كيف بنت النساء ’أيضاً‘ العالم”، وهي عناوين تفصح عن مدى انشغالها بالأنثى كنوع. لا غرابة إذناً أن تشارك موس في تأسيس جائزة المرأة للخيال رداً على قائمة البوكر التي صدرت عام 1991 من دون أن تتضمن عنواناً واحداً لكاتبة من أي جنسية، ثم تتبعها بجائزة المرأة للكتب الواقعية التي انطلقت نسختها الأولى هذا العام، لتطوق كل نتاج المرأة بالرعاية والاهتمام. الجزء الرابع من الرباعية الروائية (أمازون) ترجمت أعمال موس إلى 38 لغة ونشرت في أكثر من 40 دولة، وتشمل ثلاثية لانغدوك (المتاهة، القبر، القلعة)، المستوحاة من تاريخ المقاومة في كاركاسون خلال الحرب العالمية الثانية، في قصة تدور أحداثها حول مجموعة من النساء قمن بتشكل وحدة مقاومة في المشهد المقتصر على الرجال، وهي القصة التي ابتاعت حقوقها شركة روبي فيلمز، وحققت لموس أعلى المبيعات. لقد ظهر اهتمام موس البالغ عبر أعمالها بالكشف عن دور المرأة في قصص التاريخ، بما يتناسب وإمكاناتها الحقيقية التي تتجاوز منظور المؤرخين الذكور حسب قولها، لذلك تعتمد في بناء عوالمها على الوثائق القديمة في المكتبات والأرشيفات بصورة جزئية، تحرص على أن تستكمله بزيارة البلد الذي ستجري فيه الأحداث والتجول في شوارعه. تقول في حوار سابق: “أعتمد على الملاحظة المباشرة كمصدر إلهام لكتاباتي، إذ تتكون القصة في ذهني خلال تجولي في المكان، وأحاول أن أتخيل معالمه في القرنين الـ16 والـ17، وبمجرد أن أحدد مكان ونوع القصة التي أريد سردها، أشرع في الكتابة”. بالطريقة نفسها تخرج الشخصيات من بطون التاريخ بكامل ملابسها، مزدانة بأكسسواراتها ومزودة بأسلوبها في الحياة بما يتلاءم مع الحقبة الزمنية التي عاشت فيها. إن القدرة على استنطاق ماضي المكان ومن ثم ابتعاثه في الشخصية واللغة والحوار هي أهم خصيصة في سرد موس المطعم دائماً بالمناظر الطبيعية والمفعم برائحة المكان، والذي لم يترجم إلى الآن – على حد علمي – إلى العربية. على طريق الرجاء وصفت خريطة العظام بأنها “ملحمة متعددة الأجيال، سريعة الحركة ومفجعة للقلب، مليئة بالمغامرة والحب والحرمان، والظلم والأمل”، وتقع في 480 صفحة، بما يؤهلها لأن تكون ملحمة عن شجاعة النساء وكفاحهن للبقاء في أرض معادية استوجبت عليهن المقاومة وتجرع المرارة على طول الحياة. لو شملنا تاريخ المرأة بنظرة واحدة، لبدت لنا أحداثه بأكملها تدور في أرض لم تحمل لها يوماً إلا العداء، مهما اختلفت الظروف والأسباب، أو غمضت في كثير من الأحيان. ويمكننا أن ندرج المقطع الزمني، أو العينة التي اقتطعتها موس من التاريخ في هذا الإطار الأبوي المحكم الذي يجعل من نساء جوبير خطراً لا بد من اجتثاثه، فمن هن نساء جوبير ولماذا يتوحش المجتمع الأبوي في قمعهن؟ تمتد الرباعية على مدى ثلاثة قرون، بحيث ينفرد المجلد الأخير وحده بنحو قرنين، بدءاً من عام 1688، إذ تستأنف الكاتبة قصة لويز جوبيرت، القبطانة الماهرة في سفينة الأشباح، التي عرفت ببطولتها وصلابتها وعزمها الذي لا يلين، لولا أن اختفت فجأة منذ 60 عاماً على طريق رأس الرجاء الصالح. تبدأ الحكاية مع وصول حفيدتها سوزان جوبير، اللاجئة الهوغونوتية، التي هربت من موطنها على متن سفينة متجهة إلى جنوب أفريقيا بعد أن تعرضت هي وجدتها فلورا للاضطهاد باعتبارهما من البروتستانت في فرنسا. وكما تميزن نساء عائلة جوبير، تتمتع سوزان بالصلابة والعزم والعناد في رفض الهوية المفروضة عليها والانطلاق في رحلة محفوفة بالأخطار للنبش في الجذور ومعرفة ما حدث للويز التي طرحت قصتها في الجزء الثالث “سفينة الأشباح”، لذا يتسع فضاء الرواية ليشمل فرنسا وأمستردام وجنوب أفريقيا ثم إنجلترا. داخل هذا الإطار الزمكاني تقدم موس ثلاثة نماذج من النساء القويات المستقلات كان لهن أكبر الأثر في تاريخ البشرية على رغم إغفال إدراجهن فيه، وحقيقة كونهن نساء متخيلات ولسن جزءاً من التاريخ الحقيقي. إنه الخيال الذي شطح بذهن معظم “الجنس الثاني” لتأدية مهام لا توكل إليهن أبداً، فترسبت في الوعي لتنطلق في الخيال. في عام 1862 تظهر إيزابيل جوبيرت، حفيدة سوزان، لتكمل مشوارها في تتبع خطى من سبقنها في محاولة لاستكمال السجل التاريخي لآل جوبير الذي يمتد ليشمل نساء أخريات من خارج إطار العائلة، مثل اليتيمات اللاتي تربين في كنف المستوطنين الهولنديين والقابلات والخادمات في مستعمرة جنوب أفريقيا الجديدة وغيرهن من النساء الرائعات في ظل بيئة معادية ومجتمعات تسيء معاملتهن مثلما تسيء معاملة العبيد وتستهين بضربهن واغتصابهن. وسط هذا العنف المؤثر تتبدى موهبة موس في رسم المناظر الطبيعية بطريقة درامية، والتقاط بكارة البراري وحرارتها قبل أن تدوسها قدم بشرية. تصف موس بمزيج من السعادة والأسى رباعية جوبير قائلة: “قصة تجمع 300 عام من التاريخ، وتكرم قوة النساء وشجاعتهن، والريادة والعائلة، وإمكانية بناء حياة جديدة في أرض معادية، وهي قبل كل شيء قصة تحتفل بقوة الكلمات والحكايات التي تنتقل من جيل إلى جيل. لن أنكر أنه كان من الصعب أن أقول وداعاً للشخصيات التي أبقتني برفقتها لفترة طويلة، لكنني آمل أن يستمتع القراء بقراءة هذا الجزء الأخير من سلسلة ’سجلات عائلة جوبيرت‘ بقدر ما استمتعت بكتابته”. المزيد عن: روائية بريطانيةروايةرباعية روائيةملحمةالسردالمرأةالخيالالتاريخوقائعالزمن 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الفرنسيون حيروا ريتشارد فاغنر مرتين next post العودة إلى اكتشاف العمارة القديمة ليس نوستالجيا You may also like ندى حطيط تكتب عن: فريدريك جيمسون… آخر المثقفين... 1 نوفمبر، 2024 هدى بركات تروي العلاقة المعطوبة بين أم وابنتها... 1 نوفمبر، 2024 “أوديب” في حلة سياسي معاصر في لندن 1 نوفمبر، 2024 المفكر مارسيل غوشيه يفكك عقدة المجتمعات الديمقراطية في... 1 نوفمبر، 2024 جون ستيوارت ميل: عبقري باكر بين تأثير الأب... 1 نوفمبر، 2024 اليابانية التي تلعب بالكرات في محطة ليفربول بلندن 31 أكتوبر، 2024 باحثون عالميون يرصدون تجليات الحداثة في تجربة الفاشية... 31 أكتوبر، 2024 “تخطيطات نيو أورلينز” لفوكنر كتابان في واحد خارج... 31 أكتوبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: نسور الدُّوْر من معبد... 29 أكتوبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: صُور مدينة الأرجوان والأساطير... 29 أكتوبر، 2024