مشهد من فيلم "كاباريه" لبوب فوس (موقع الفيلم) ثقافة و فنون حكاية من برلين حول صعود النازية وهبوط العالم إلى الجحيم by admin 11 أبريل، 2024 written by admin 11 أبريل، 2024 187 “كاباريه” فيلم عن اللقاء في المدينة الصاخبة بين المغنية الأميركية والفتى الإنجليزي اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب المكان برلين عاصمة ألمانيا. والزمان عام 1931 قبل نحو عقد من اندلاع الحرب العالمية الثانية. كان ذلك قبل عامين من وصول هتلر ونازييه إلى السلطة فهم لن يستولوا على تلك المدينة وعلى ذلك البلد إلا في عام 1933. وبالتالي كان لا يزال ثمة متسع من الوقت وإمكانية تتيح لصاحب واحد من الكاباريهات الصاخبة التي تضج بها المدينة أن يطرد مجنداً نازياً من ملهاه إذا وصل هذا إلى المكان ليجمع التبرعات. صحيح أن ذلك التصرف سيكلف صاحب الكاباريه حياته لكن ذلك النمط من المقاومة الذي مارسه كنوع من التصدي لصعود النازية وانتشار فتيانها في كل مكان، كان لا يزال ممكناً في بلد تهزه الشوفينية والتعصب. برلين بدايات تسلط النازيين تشكل إذاً خلفية بنى عليها الكاتب الأميركي كريستوفر آشروود واحدة من “قصص من برلين” المجموعة التي صور فيها وإن بلغة روائية، بعض ما عاشه وعايشه هو نفسه في العاصمة الألمانية خلال مرحلة مفصلية من زمن ما بين الحربين. وهي القصة التي بعدما كانت قد اقتبست في مسرحية حققت نجاحات كبيرة في باريس ولندن ولاحقاً في برلين نفسها وصولاً إلى برودواي النيويوركية، رأى المخرج الهوليوودي بوب فوس في بدايات سبعينيات القرن العشرين أن الأوان حان لنقلها إلى السينما ولكن على شكل “كوميديا موسيقية” من نمط كان يستهوي عدداً كبيراً من الهواة، وهكذا ولد في عام 1972 ذلك الفيلم الذي بعنوانه “كاباريه”، شكل تجديداً كبيراً في مضمار السينما الموسيقية التي شهدت خلال تلك المرحلة نفسها ظهور روائع في هذا النوع السينمائي تحمل عناوين مثل “سيدتي الجميلة”، و”ويست سايد ستوري” و”لحن السعادة” وغيرها. ولعل ما يجمع “كاباريه” على أية حال بهذا الفيلم الأخير إنما هي المرحلة التي تدور فيها أحداث كل منهما وتصويرهما نوعاً من مقاومة الفن والحب لتلك النازية المستشرية. الفن يواجه العنف ولئن كان الموضوع واحداً هنا بشكل أو بآخر فإن بوسعنا القول إن “كاباريه” أتى أكثر جرأة وتحديداً بالنسبة إلى حكاية تدور أساساً عن الفن في لعبة المقاومة وارتباطه بالحب، وذلك من خلال قصة العلاقة بين طالب الدكتوراه الإنجليزي الذي يدرس في برلين، والمغنية الأميركية الشابة التي تعيش وتعمل في تلك المدينة التي كانت تعتبر عاصمة نور وفن وجمال وتعيش الآن في انتظار النازية، كما لو كانت تودع النور والفن والجمال. وهذا ما يجعل الفيلم يبدو إلى حد ما شبيهاً بأفلام كثيرة كان همها أن تصور الهبوط إلى الجحيم في عالم كان يتدهور من دون هوادة. ومن هنا من المؤكد أن ما في الفيلم من استكمال لحكاية الحب في الخلفية الحقيقية للصورة سيبدو أكثر أهمية مما ترويه الحكاية التي يرويها الفيلم في ما يبدو عليه للوهلة الأولى. وبالتالي فإن ما يجري في الخلفية ليس سوى تفاصيل ذلك الصعود العنيف ثم المخيف للنازية، ذلك “التنين اللابشري” بحسب آشروود الذي صوره وهو يعيش عشية استشرائه الرهيب كوحش صحيح أنه لم يكن قد سحق أوروبا كلها بعد، فهذا أمر يمكنه أن ينتظر، لكنه في الفيلم سحق على سبيل البداية الإنسان الألماني نفسه. ففجأة مع انطلاق النازية صعوداً يتحول العنف والقتل والتعصب الأعمى ليصبح سيد الموقف. فالنازية لا يمكنها أن تقدم أي خيار آخر. ومن هنا فإن فيلم بوب فوس يمكنه هنا أن يرسم صورة واضحة حيوانية لذلك الخيار الوحيد. ولنقل إنه رسمه بالتحديد من خلال حالة فردية يصورها مشهد الضرب المبرح على يد عصابة النازيين لصاحب الملهى؛ ومن خلال الأغنية الجماعية التي يغنيها رواد أحد المطاعم الريفية الذين يسيطر عليهم جو مشحون بالعداء لعالم آمن لا يريدون أن يروه إلا مسجى تحت أقدامهم؛ ورسمه كذلك من خلال العقاب الذي ناله الفتى الإنجليزي حين حاول – ولدوافع شخصية بحتة على أية حال – أن يتصدى لبعض الفتية النازيين. بوب فوس (1925 – 1987) (غيتي) مشاهد – مفاتيح من خلال هذه المشاهد – المفاتيح إذاً، ومن خلال تصوير الفيلم عموماً لجو خانق، تمكن المخرج من أن يصور الصعود الحتمي للنازية في عالم كان لا مفر له من سلوك درب الانهيار تسلكها كل تلك القيم الإنسانية التي عاش على أوهامها طويلاً. غير أن فيلم “كاباريه” وكما يمكننا أن نستشف في قصة آشروود على أية حال، في الوقت الذي رسم فيه ذلك الجو المعبأ، رسم نقيضه أيضاً، رسم العديد من أشكال التصدي له حتى وإن كنا نعرف تاريخياً أنها – وإن من الناحية التاريخية – أثبتت أنها كانت بلاجدوى: فالكاباريه نفسه في رقصاته وفي اللقطات المكبرة للمغني المتبرج بشكل نسوي فيه كان نوعاً من الرد الساخر إنما الحنون على العنف النازي المستشري. وهنا قد يكون في مقدورنا أن نتساءل عما إذا لم يكن من الطبيعي أن يعلق في ذاكرة جمهور الفيلم العريض وجه ذلك العامل الذي ارتسمت عليه كل دلالات الخوف والاحتقار والاستياء خلال استماعه إلى تلك الأغنية النازية الجماعية في المطعم الريفي؟ من المؤكد أن تلك اللقطة كانت في حد ذاتها هي الأخرى فعل مقاومة صورته كاميرا الفيلم بكل قوته وفاعليته. توازن وقسوة في الحقيقة أن أغنيات الكاباريه ورقصاته قد شكلت، إلى كونها بعداً ترفيهياً وجمالياً في الفيلم، قسماً ثانياً بالغ الأهمية في محتواه معطية بعد العنف فيه مزيداً من قوة التوازن والقسوة والتمرد أي الفعل المضاد بصورة عامة. غير أن هذه الحقيقة لن تمنعنا من أن نلاحظ أن هذه المشاهد بفنونها وألحانها وديكوراتها حتى وإن كانت قد أدت مفعولها السياسي والأيديولوجي في الفيلم، لم تتمكن من الناحية الفنية البحتة أن تتجاوز الفقر الإنتاجي الذي طبعها وعلى الأقل مقارنة بما تحمله هذه الفنون نفسها إذ وسمت أفلاماً كوميدية موسيقية تنتمي إلى “النوع المقاوم نفسه” (على سبيل المثال فيلم “سيدتي الجميلة” في تعبيرها عن التناحر الطبقي ودور المعرفة واللغة في تصويره بل حتى تصوير الفيلم للصراع بين الجنسين؛ وربما أكثر من ذلك حتى في “ويست سايد ستوري” حيث للموسيقى والرقص والغناء دور أساسي في التعبير عن جوهر الصراعات العرقية والاجتماعية التي يحملها الموضوع…). المهم على أية حال أن “كاباريه” أتى حتى من هذه الناحية “أميناً” لما يمكن أن يُتصور أنه غناء ورقص في كاباريه لا بد منه في أي فيلم من هذا النوع حتى وإن كان يمكن لرد مضاد لهذا الكلام أن يذكرنا بالدور العظيم الذي لعبه غناء الكاباريهات في التاريخ الاجتماعي والسياسي لألمانيا ما بين الحربين، علماً بأن برتولد بريخت نفسه وفي العديد من مسرحياته العظيمة نهل حتى الارتواء من ذلك الغناء العظيم الذي قد يمكننا القول إن برلين كانت من المدن الأساسية التي عرفته وصنفته وتعاملت معه كفن كبير وكاد الفيلم نفسه أن يصوره في بعده الفني – الأخلاقي – السياسي لو أنه كان فيلماً ألمانياً. وربما يبدو أن الفيلم كان في أوله وفي عنوانه كثير الوعود في ذلك المجال ما برر لاحقاً القول بأن لايزا مينيللي ابنة جودي غارلاند وفنشنتي مينيللي في قيامها بدور المغنية قد ذكرت المشاهدين رقصاً وغناءً وأداءً بمارلين ديتريش حين مثلت الدور الرئيسي في فيلم “الملاك الأزرق” – عن رواية هاينرش مان– الذي لا شك أنه ذُكر حين عرض “كاباريه” بوصفه واحداً من مرجعياته الأساسية. غير أن هذه الاعتبارات الفنية لا يمكن أن تمنعنا بعد نصف قرن من ظهور هذا الفيلم من التخلي عن بعض الأحكام الفنية “المتشددة” للنظر إليه بعد كل شيء بوصفه عملاً يبقى ولو في جزء أساسي منه على الأقل، ولو في سلبية شخصياته تجاه الانتشار الطاعوني للنازية والعنف ولو في لا جدوى المقاومة التي أظهرها، يبقى فيلماً بالغ الأهمية شديد المعاصرة. يبقى وثيقة في إدانته النازية والفاشية حيثما وجدتا. وثيقة لا يتعين علينا أقل من أن نحفظ خطوطها الرئيسية الهامة في ذاكرتنا الجماعية. المزيد عن: برلينالنازيةالحرب العالمية الثانيةالكاتب الأميركي كريستوفر آشروودالمخرج بوب فوسفيلم كاباريه 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تحذير: إليكم الفواكه والخضراوات الأكثر تلوثاً بالكيماويات الأبدية next post وكالة مهر الإيرانية تحذف تقريرا عن إغلاق المجال الجوي فوق طهران You may also like أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024