ثقافة و فنونعربي حقيقة “العربي” الذي قتله الفرنسي ميرسو في “الغريب” by admin 8 مايو، 2023 written by admin 8 مايو، 2023 27 كاتبة أميركية وراء التفاصيل وأهل باريس لم يولوا عناية للكشف الذي تأخر نحو قرن من الزمن اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب يبدو غريباً أمر الفرنسيين المهتمين بالأدب من الذين لا شك أن نزواتهم ومزاجهم الخاص هي ما يملي عليهم مواقف ترتبط بتلك الغرابة. فعلى سبيل المثال في عام 2013 حين أصدر صحافي جزائري يدعى كامل داوود “رواية” سماها “تحقيق – مضاد حول ميرسو” ملأوا الدنيا ضجيجاً، واعتبروا الكتاب فتحاً مبيناً وأحاطوه بإعلام جعل منه نصاً موازياً لرواية “الغريب” لألبير كامو التي نهل منها داوود ليكتب نصه الذي لم يكن في حقيقته أكثر من مجرد تنويع على الرواية يعيد “كتابتها” من وجهة نظر وطنية جزائرية تحاول في طريقها الرد على “عواطف” كامو “الاستعمارية” ناسباً إلى الكاتب عواطف بطل روايته بشكل تبسيطي لا يضيف إلى الأدب الحقيقي شيئاً ولا يضيف إلى رواية “الغريب” أية نكهة حقيقية. وكما يحدث دائماً حول الفرنسيون كامل داوود إلى نجم في عالم الأدب وراحوا ينشرون له كتباً تالية عجزوا على أية حال أن يحققوا لها الصخب والنجاح اللذين كانا من نصيب “تحقيق – مضاد”. اكتشاف حقيقي في المقابل حين أصدرت ناقدة أميركية هي آليس كابلان، كتاباً عن رواية “الغريب” نفسها وترجم الكتاب إلى الفرنسية لم يحظ باهتمام جدي في هذا البلد، بل لم يصمد في المكتبات طويلاً. ومع ذلك فإن الذين سارعوا إلى قراءته وجدوه واحداً من أهم الكتب الصادرة عن تلك الرواية، بل عن أدب ألبير كامو ككل خلال السنوات الأخيرة مبدين دهشتهم كيف أن هذا الكتاب وعنوانه “تحقيق حول الغريب” لم يحظ ولو بعشر الاهتمام وأرقام المبيعات التي حظي بها الكتاب الجزائري. العربي “القتيل” في الفيلم الذي اقتبسه فيسكونتي عن رواية “الغريب” (موقع الفيلم) ومهما يكن يمكن بسهولة فهم الأسباب التي لعل من أهمها كون كتاب داوود رداً جزائرياً وربماً سجالياً أيضاً، على كامو، والفرنسيون يحبون عادةً السجالات الأدبية، حتى وإن كان سجالاً وهمياً مزيفاً. وعلى رغم ذلك، وعلى رغم الاستنكاف عن إعطاء كتاب كابلان الاهتمام الذي تستحقه، لم يفت الدوائر العلمية والجامعية أن تتوقف مطولاً عند أهمية ما يطرحه. ولعل الأهم في ذلك كله هو أن الكاتبة تمكنت أخيراً من معرفة الاسم الحقيقي للضحية العربية – الجزائرية والاسم الحقيقي لـ”قاتله” بعد أن حمل القاتل في رواية كامو اسم ميرسو واقترف جريمته العبثية دون أن تكون ثمة أية دوافع حقيقية وقد حولته الرواية إلى شخصية وجودية لا تدرك ما تفعل. وهو الأمر الذي تخبرنا كابلان أنه لم يحدث على تلك الشاكلة في الحكاية الحقيقية. قدور بطويل إذا، في كتاب آليس كابلان، ثمة ضحية عربية حقيقي يدعى يدعى قدور بطويل، بينما الجاني المفترض شاب جزائري يهودي يدعى راؤول بنسوسان. وتقول الكاتبة إن راؤول هو الذي مكنها حين التقت به يوماً خلال اشتغالها على ما ستسميه “سيرة أدبية لرواية الغريب”، مكنها من أن تمسك طرف الخيط الذي قادها إلى الحكاية الحقيقية، الحكاية التي لم يكتب ألبير كامو نصه إلا استيحاءً منها، وقد قرأها بتفاصيلها في العدد الصادر آخر يوليو (تموز) من عام 1939 من مجلة “صدى وهران”، أي قبل ثلاث سنوات من إنجازه ونشره روايته “الغريب” عام 1942 في الصحيفة الجزائرية التي كان بدأ حياته الصحافية والأدبية محرراً فيها “الجزائر الجمهورية”. وتكشف كابلان، على أية حال مدى الاختلاف الجذري بين الحادثة الحقيقية وما استخدمه كامو من تفاصيله ليكتب رواية تتلاءم مع فكره الوجودي واكتشافه للكتابة العبثية في ذلك الحين. وهو أمر لا تخفي كابلان عن قرائها كم أنه كان يثير ضحك راؤول وهو يحدثها عن الأمر راوياً لها بلكنته الطريفة الساخرة ما حدث حقاً وكيف كاد يقتل قدور العربي إثر خناقة اندلعت بينهما وشارك فيها شقيق لكل منهما على شاطئ وهران في ما كان يسمى حينها الجزائر الفرنسية. ولنروِ هنا نسخة راؤول من الحكاية كما نقلتها كابلان عنه، ولكن كذلك عبر تنقيبها في أرشيف صحيفة “صدى وهران” التي أفردت في عددها الصادر عام 1939، كما أشرنا، مكاناً بارزاً للحديث عن الحادثة كما حدثت فعلاً. وفي الكتاب تروي لنا كابلان حكايات عن الجهود التي بذلتها للعثور على ذلك العدد من الصحيفة فإذا به يؤكد رواية راؤول الذي كان وأخوه إدغار من معارف ألبير كامو. وكان راؤول روى كيف أنه كان ذات يوم يتمشى مع أخيه على شاطئ وهران حين التقيا شابين عربيين يتمشيان هنالك بدورهما. وسرعان ما راح أحد العربيين يستفز الشقيقين اليهوديين، بحسب رواية راؤول الذي يضيف أن خناقة سرعان ما اندلعت بين الأربعة تمكن خلالها أحد العربيين من إخراج سكين طعن بها راؤول الذي ركض إلى كوخ قريب ليداوي جرحه، ثم عاد منه وفي جيبه مسدس. فاندلعت هنا خناقة جديدة أعنف من الأولى يزعم راؤول الآن أنه لم يمتشق سلاحه خلالها. وحين وصل رجال الشرطة إلى المكان اعتقلوا أحد الشابين العربيين فيما هرب الثاني. هنا توقفت حكاية راؤول تماماً كما ستنتهي الحكاية التي ستنشرها صحيفة “صدى وهران” في اليوم التالي نقلاً عن سجلات الشرطة دون أي ذكر لمقتل عربي، ما يفترض، أن تلك الحادثة كما بات واضحاً هي ما استخدمها ألبير كامو ليبني عليها روايته “الغريب”، وقد أضاف إليها جريمة القتل وعبثية ميرسو وما إلى ذلك. أهمية إضافية مهما يكن من أمر، لا بد من القول هنا إن أهمية كتاب الباحثة الأميركية لا تتوقف هنا، حتى على رغم أهمية الكشف الذي جعل لضحية “الغريب” اسماً ووجهاً، كما جعل للقاتل ميرسو أسباباً منطقية بشكل أو بآخر. فللكتاب أهمية إضافية كونه واحداً من الكتب الأدبية القليلة التي تخوض في نوع نقدي يمكننا أن نسميه “سيرة كتاب” ففي العادة تروي كتب تاريخ الأدب، سيرة الكاتب ومساره، لكنها نادراً ما تقدم سيرة لكتاب معين: من أين أتت جذوره؟ ولماذا كتبه مؤلفه؟ ومدى ارتباطه باهتمامات المؤلف؟ وكيف صار جزءاً من سيرة هذا الأخير دون أن يكن كذلك في البداية؟ ومن أهم ما في هذا الكتاب ما قالته عنه مؤلفته من أنها وضعته سيراً على خطى الكاتب الأميركي هنري جيمس الذي عرف، إضافة إلى كتبه الروائية الكبرى بكتابه الذي شرح فيه وضعه كتاباً عن ولادة روايته “صورة سيدة” بعنوان “سيرة رواية” وألحقه الباحث مايكل غورا بكتاب آخر غير بعيد منه بعنوان “صناعة تحفة أدبية أميركية”، والكتابان ينتميان إلى صنف “سيرة كتاب”. ومن هنا جعلت كابلان كتابها ينتمي إلى النوع الذي تقول كابلان عنه إنه “تماماً كما أن التاريخ يبحث عادةً في أسباب الحرب، ينتمي كتابي إلى سيرة الكتاب وأسباب وجوده”. وهكذا ولد المشروع من هنا لكي تجعل كابلان لكتابها نكهته الخاصة، قررت منذ البداية أن تتحرى الدوافع التي جعلت كامو يكتبه، وما إن وجدت تلك الدوافع حتى راحت تبحث عن الحكاية الأصلية التي كانت واثقة، بل على علم بأن كامو انطلق منها ليكتب نصه، وهو الذي كان في ذلك الحين يعمل صحافياً في صحيفة “الجزائر الجمهورية” لم يكن بعد قد أصبح ذلك المؤلف والمفكر والمسرحي والروائي الذي سيصل للحصول على جائزة نوبل الأدبية، أو رفيق جان بول سارتر، ثم خصمه اللدود. وهي مكانة لا شك أن رواية “الغريب” ستكون منطلقها. أما قبل ذلك فكانت له مصادره الصحافية التي مكنته من أن يجمع حكايات لا تعد ولا تحصى ستكون في خلفية رواياته ومسرحياته. ومن تلك المجموعة من المصادر أدركت كابلان أن ثمة ما يتعلق بجذور رواية “الغريب” فأقدمت بالتالي على الاشتغال على “سيرة ذلك الكتاب” وربما، كما يبدو على أية حال، كنوع من رد الفعل على كتاب الجزائري الذي لم يكلف نفسه، وهو ابن المنطقة الجزائرية نفسها عناء التحري عن العربي الذي استعار ألبير كامو شخصيته ليجعله ضحية تصرف ميرسو العبثي. المزيد عن: ألبير كامو\الغريب\الجزائر\فرنسا\آليس كابلان\النقد الأميركي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post آسيا رائدة المسرح السوداني وزوجة الفيتوري ضحية للحرب next post التونسي يوسف الصديق: فصل الدين عن السياسة خدمة للإسلام You may also like استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024