قال لنا، فيما كان تجهّم وجهه يتعاظم، إنّ دواخلنا تكهّنٌ لا يقاربه يقين، وإنّ مدننا سوف تبقى شيئاً ينبثق من الرأس، في انتظار أن ينفجر الرأس وتسلك المدن طريقها إلى الحفرة
حازم صاغية/صفحة الكاتب facebook
نعزف عن الكلام. نؤجّله على الأقلّ، كي نستمع إلى أشعيا يهدر بنا غاضباً.
قال النبيّ: استقيلوا. انزلوا عن صهوات أحصنتكم، واعلموا أنّ أحصنتكم تموت، أمّا أحصنة الآخرين فاحذروها. ففي واحد منها قد يختبىء أعداء يخرجون عليكم على حين غرّة وهم يشهرون سيوفهم. إقرأوا قصّة طروادة.
البدايات لم تعد تحتملها نفوسكم، ولم تعد أجسامكم تحتملها، أمّا تلويح السيوف في الهواء فصار مضحكاً للبعض، مثيراً لأسى البعض الآخر.
فاستقيلوا. مأساتكم صارت تقضّ مضاجع الأطفال، ولن يأتيكم مسيح بعد اليوم، لن يأتيكم مخلّص. خلّصوا أنفسكم، لكنّني أرجّح أنّكم لن تفعلوا.
لقد كفّت أرضكم عن الدوران، وباتت أشجاركم منحنية الظهر، ووحده الماضي يلازمكم على هيئة مستقبل.
تسيرون تائهين في تلك الغابات وتسمعون صراخ المتألّمين وعويل المحزونين.
قال أيضاً: إنّ العالم لا يزال كثيراً جدّاً في الخارج، في خارجكم، لكنّه عندكم وحدكم قليلٌ جدّاً، يمضي في أكل نفسه الضئيلة. وتيقّنوا من أنّ ما يوجد على السطح هو كلّ شيء. لهذا يُستحسن أن لا تتوقّعوا. سلّمونا قدرتكم على التوقّع.
قال لنا وقد قطّب العبوس وجهه: صرتم بحاجة إلى عشرين حاسّة كي تجيدوا التعرّف إلى أنفسكم. فبعد اليوم، لن يأتي صباح يُعلمكم أنّ الأشياء قد بدأت، ولسوف تنسون أنّ الطيور تطير.
قال لنا، فيما كان تجهّم وجهه يتعاظم، إنّ دواخلنا تكهّنٌ لا يقاربه يقين، وإنّ مدننا سوف تبقى شيئاً ينبثق من الرأس، في انتظار أن ينفجر الرأس وتسلك المدن طريقها إلى الحفرة.
وأضاف أنّنا لو استيقظنا صباحاً أدركنا أنّ الأشياء قابلة لأن تتغيّر، لكنّنا لن نستيقظ صباحاً. ذاك أنّ ثمرات بطون نسائنا ليست مباركة، والحياة الكاملة لن تتّسع لإنسان قليل.
وأكّد لنا، على نحو لا يقبل الشكّ، أنّهم سجنوا بروميثيوس إذ اعتبروه سخيفاً. فالهضاب المرتفعة انخفضت من تلقائها وصار طولها يعادل طول طفل رضيع. أمّا النار ففقدت كلّ قيمة منذ أن اخترعوا الكبريت. فأيّ جنون يرتكبه هذا المجنون؟
ثمّ حذّرنا من أن نغدو أقرب إلى طبيعة تعصف وتهدر ولا يسمعها أحد فلا يبقى منها سوى أغصان تتمايل كأنّها تولول. ولأنّ فصول السنة كثيرة جدّاً فليس علينا، كما قال، سوى أن نختبىء في أحدها.
لكنّه حين غادرنا كتب على جدارنا: إن لم تفعلوا ما أمرتُكم به فسوف أقتلكم كوحش يأكل منكم واحداً كلّ يوم، يأكله في البرّ ويأكله في البحر، ويأكله في الغابة ويأكله في الموجة، وفي الواقع يأكله وفي الأحلام كذلك. ولن يعفو الله عنكم قبل أن يسخن الثلج وتشرق الشمس في منتصف الليل ويهطل المطر بلون أسود. لن يعفو عنكم الله قبل أن تحترق مياه البحار.