الأحد, نوفمبر 24, 2024
الأحد, نوفمبر 24, 2024
Home » حازم الأمين: الانفجار الذي قتل ابن عمي وأبقى على وجه الرئيس

حازم الأمين: الانفجار الذي قتل ابن عمي وأبقى على وجه الرئيس

by admin

الانفجار الخبيث أحرق حكايات بيروت كلها عن نفسها وعن أحزابها الفاسدة وعن الرؤساء المراوغين، خدم أسيادهم خارج المدينة وخارج الحدود.

موقع درج / حازم الأمين – صحافي وكاتب لبناني

وفي الصباح بدأنا نعاين منازل الأصدقاء وقد حولها الانفجار إلى ركام. المنازل التي لم يسبق أن زرناهم فيها، ذاك أننا في بيروت كنا نلتقيهم في المقاهي والحانات وأماكن العمل. المنازل هي ذلك المكان الغامض التي يغادر إليه واحدنا حين ينهي لقاءاته، أو حين يُقفل نهاره. كنا نتثاقل حين يدعوننا إليها. ها هي اليوم مشرعة أمامنا وقد تولى الانفجار تحطيمها. منزل محمد نجم كان جميلاً على ما يبدو، ومنزل جود الذي دفع التفجير البراد فيه إلى غرفة الجلوس، ومنزل علي ابن عمي الذي أرسل لي صوره من دبي بعدما وصلته الصور من بيروت، وراح يقول لي إن ديانا زوجته كانت في بيروت قبل أيام وأقامت في المنزل وغادرته على ما تفعل كلما تغادر بيروت.

رينا سركيس، صديقتنا، صاحبة أحد أجمل منازل بيروت، تهاوى منزلها أيضاً، وأصيبت بشظايا وجروح. لم أجرؤ على الاتصال بها، ذاك أن مصابها مضاعف هي العائدة إلى المدينة من سفر متواصل. إياد ابن عمٍ آخر لي قتله الانفجار. كان علي في المساء أن أجعل من هذا الخبر تفصيلاً في مشهد الدمار الهائل، وأن انتظر حتى الصباح حتى أباشر حزني عليه. البقعة الفراغية التي خلفها الانفجار امتدت من رأس بيروت إلى الأشرفية. هذه المساحة هي تماماً مسرح حياتنا اليومية. العمل والحب والغضب والتظاهرة والمقال، وكل قصصنا مع هذه المدينة تدور في هذه المساحة. في ثوان قليلة أحرق الأمونيوم المنفجر الهواء وخلف فضاء فراغياً انهال بعده الضغط الجوي العاصف على المباني والوجوه ونثر الدماء والزجاج في أنحاء المدينة. شطب وجه إياد وحطم منزل رينا وأخذ بطريقة نحو مئة ضحية، وأرسل أكثر من ثلاثة آلاف جريح إلى المستشفيات الفقيرة.

  • في الصباح خرجت بيروت تبحث عن نفسها. أم لم يرد اسم ابنها بين أسماء القتلى والجرحى! لكن أين هو؟ إلى أين أخذه الانفجار؟ بيروت باشرت بتحسس جسمها. خَدَر الأمونيوك متفشِ في وجوهنا. الحكايات التي احترقت ما زالت عالقة في حناجرنا. ننتظر أن ينتحر رئيس أو أن يغادر عبر البحر. لن يفعلوا ذلك من تلقائهم. علينا أن نباشر شيئاً. علينا أن ننتقم لمدينتنا. من تسبب بدمارها له اسم وعنوان.

بيروت لم تعد بيروت. إنها الانفجار الذي أحدثه الفساد والارتهان. إنها بيروت وقد التصقت بوجوه الرؤساء الكالحة. في الصباح كان علي أن أعاود التجول في الأحياء المنكوبة، لكنني لم أقوَ على هذه الخطوة. شرفة منزلي تطل على جنوب المدينة، بينما الكارثة حلت في شمالها وغربها، وهذا ليس كافياً لانفصالي عن نفسي وعن الانفجار. إياد الذي كنت ألتقيه على نحو عابر في الأحياء المنكوبة، وكنا نتبادل الاعتذارات، غادر مخلفاً صورة لرجل كان يصطحب ابن شقيقه ويقول لي بسعادة من استعاد وجه شقيقه الأصغر الراحل: “هذا ابن عبد اللطيف”. لقد أحرق الانفجار حكاياتنا الصغرى، وكشف لنا كم كانت بيروت كريمة معنا، وكم كانت تتسع لمشاعرنا وأهوائنا واختلافاتنا. كانت تتسع لأن يقول لي إياد أنا ابن عمك وما كان يجب أن تسألني قبل أن تكتب مقالك، وكانت بيروت تتيح لي أن أجيبه بابتسامة وبقبلة.

2700 طن من المواد شديدة الانفجار، أحرقت حكايات كثيرة وشطبت، آلافاً من الوجوه ومن المنازل الجميلة. وحدهم الرؤساء والوزراء من نجا من هذه الكارثة، ذاك أنهم محصنون في قصورهم، وهم أصلاً منفصلون عما يحصل في الحمراء وفي مار مخايل والجميزة والأشرفية من حياة عادية. هذه الأحياء التي تكرههم لطالما خرج منها المتظاهرون المطالبون برحيلهم. فالأزقة المؤدية إلى الوسط التجاري هي نفسها التي كان يسلكها أهل الأشرفية متوجهين إلى ساحة رياض الصلح وهم يهتفون “كلن يعني كلن”. الانفجار انتقم من محاولاتنا لانتزاع بلدنا من هؤلاء الفاسدين وهؤلاء الفاشلين والمرتهنين. لقد قتلوا حكاياتنا وذكرياتنا الطازجة، وهذا هو شر الانتقام. أن يصبح لقاء حصل بالأمس في حانة “bread republic” ذكرى لن تتكرر، وأن يشطب الانفجار مبنى عمره أكثر من مئة سنة تقيم فيه رينا سركيس التي كانت مشرعة منزلها للعابرين من مار مخايل.

الانفجار الخبيث أحرق حكايات بيروت كلها عن نفسها وعن أحزابها الفاسدة وعن الرؤساء المراوغين، خدم أسيادهم خارج المدينة وخارج الحدود.

وفي الصباح خرجت بيروت تبحث عن نفسها. أم لم يرد اسم ابنها بين أسماء القتلى والجرحى! لكن أين هو؟ إلى أين أخذه الانفجار؟ بيروت باشرت بتحسس جسمها. خَدَر الأمونيوك متفشِ في وجوهنا. الحكايات التي احترقت ما زالت عالقة في حناجرنا. ننتظر أن ينتحر رئيس أو أن يغادر عبر البحر. لن يفعلوا ذلك من تلقائهم. علينا أن نباشر شيئاً. علينا أن ننتقم لمدينتنا. من تسبب بدمارها له اسم وعنوان.

المزيد عن : انفجار بيروت/حزب الله/فساد/لبنان/ميشال عون

 

You may also like

4 comments

tinder dating 24 يناير، 2021 - 2:08 م

tindr , tinder date https://tinderdatingsiteus.com/

Reply
free christian dating site for marriage 31 يناير، 2021 - 9:08 م Reply
amazon underground lovoo apk 18 مايو، 2021 - 2:22 ص

lovoo hat dir zugelächelt in lovoo nach namen suchen http://lovooeinloggen.com/

Reply
adult dating list 20 مايو، 2021 - 3:48 م

are adult dating sites legitimate
free adult dating apps http://freeadultdatingusus.com/

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00