يخشى سوريون من أن يكون القرار تمهيداً لقرارات أخرى تمعن أكثر في السيطرة على يومياتهم (أ ف ب) عرب وعالم توجس في سوريا من فرض اللباس الشرعي والحد من الحريات by admin 14 مايو، 2025 written by admin 14 مايو، 2025 14 قرار الأوقاف أجج صراعاً كبيراً بين الناس متهمين إياه بـ”أسلمة الدولة” اندبندنت عربية / طارق علي صحفي سوري @TarekAli1917 أصدر مدير أوقاف دمشق أمراً يطالب فيه خطباء المساجد كافة بالتأكيد خلال خطبهم الأسبوعية على ضرورة الاحتشام بالملابس، لمراعاة حرمة الطريق والآداب العامة. وبحسب متابعين، فإن التعميم جاء في غير موعده ومكانه وضرورته، في عاصمة تمثل انفتاحاً كبيراً، لا سيما بانتشار الملاهي والنوادي والمطاعم والتحرر والسهر والحريات الشخصية، بما فيها حرية الملابس للذكور والإناث، بارتداء القصير والفساتين والشورتات وغيرها، مما رآه قسم كبير من الناس انتهاكاً لحقوقهم وحرياتهم، خصوصاً في العاصمة والساحل، مع مراعاة خصوصية تحرر هذه المناطق تاريخياً قبل الحرب وخلالها. اتهامات بـ”أسلمة الدولة” قرار الأوقاف أجج صراعاً كبيراً بين الناس، متهمين إياه بـ”أسلمة الدولة” من خلال فرض اللباس الشرعي القسري غير المتعارف عليه، حتى من الإسلام الوسطي الأكثري نفسه، الذي جاء به المتشددون خلال أعوام سابقة. وكذلك التعدي على الأفكار الشخصية التي ترتبط بصورة وثيقة بما قد ينتج منها كمقدمات تبريرية للاعتداء على ذوي الفكر المتحرر، كما حصل في حادثة الاعتداء على مطعمين في دمشق الأسبوع الماضي. ووفق المعترضين على القرار إياه، فإن هذا الإجراء قد يضر بقطاع السياحة الذي يترقبه السوريون مع عودة الاستقرار ليعيد لسوريا وجهها الحضاري، ولترفد خزينتها بالقطع الأجنبي المطلوب، متسائلين كيف سيجري التعاطي مع لاجئي أوروبا المشبعين بالأفكار التحررية التي تمنع على أحد التدخل بهم ما داموا لم يقدموا على المساس بالأمن العام؟ هناك من يعتبر أن هذا القرار قد يضر بقطاع السياحة في سوريا (وسائل التواصل) احتكار الشارع ميخائيل متى شاب مسيحي سوري رأى أن هذا القرار يمس المسيحيين كما المسلمين، وأعرب لـ”اندبندنت عربية” عن رفضه الشديد لما سماه “توجهاً متشدداً في إطار فرض وصاية على الحريات الشخصية”، مذكراً بأن أحداً لم يعترض طريقه يوماً لأنه يلبس تي شيرت وشورت متنقلاً في أنحاء العاصمة، وقال “احتكار الشارع أمر خطر للغاية، أخشى أنه مقدمة لما هو أخطر، ولما نشاهده من دعوات توعوية لا تشبه واقع الحال السوري الذي كثيراً ما عاش فيه كل إنسان كما يريد وبالطريقة التي يريدها. الآن نراعي الحرمات بالطرقات من وجهة نظرهم، وغداً نرتدي اللباس الشرعي على الشواطئ”. حراس الأخلاق تروي ميرنا، وهو اسم مستعار لفتاة من الطائفة المرشدية في مدينة حمص، أنها تعرضت لتعنيف لفظي من عناصر تجهل تبعيتهم، رددوا على مسمعها كلمات قاسية حول أن الحجاب ما لم يكن باللين فسيكون بالإكراه قريباً، “تداعى قلبي تحت هول الكلمات المخيفة تلك، كانت تصاحبني زميلتي، لم نستوعب للوهلة الأولى ما قيل لنا، نحن طائفة أقلوية، لنا عاداتنا وتقاليدنا المتوارثة من جيل لآخر، لم نكن نرتدي لباساً فاضحاً، ولم نعتد على حرية أحد، ولم نمثل تهديداً لآخرين، نحن كما نحن بلباسنا إياه الذي اعتدنا عليه. ذلك كله يحصل في وقت نبحث فيه عن دولة مدنية ديمقراطية تراعي حقوقنا بعد انتصار الانتفاضة، لا أن تكبلنا بأفكار لا تشبه معتقداتنا التي يجب أن تحترم التنوع الثقافي والمذهبي المحمي في دساتير الجمهورية منذ نشوئها. تلك التعليقات القاسية في الطرقات أحياناً، وعلى مواقع التواصل كثيراً، ما هي إلا بداية تفكيك نسيج ظل متماسكاً لقرون”. خشية في سوريا من أن تصير تلك الأدبيات سلوكاً يجري تعميمه على محافظات اتسمت بالانفتاح (وسائل التواصل) على النقيض في حين أثيرت عاصفة من القبول والامتعاض والصراع المتبادل على وسائل التواصل الاجتماعي، برزت شريحة تؤيد فكرة الاحتشام التام كنمط وأسلوب حياة، معللة ذلك بأنه “سيعيد للمكونات السورية وقارها وهيبتها، ولا يقود بها نحو التسليع الاستهلاكي على صعيد المنظر”، ويرون أيضاً أن بعضاً منهم تخطى في حدود جرأة ملابسه المستوى المقبول والذوق العام، مبررين قرار الأوقاف بأنه “ضرورة مرحلية في سياق ضبط السلوك لا التأثير في المعتقدات”. سليمة قباني سيدة خمسينية من دمشق، ترى في القرار صوابية ضرورية أمام سيل ما يمكن مشاهدته من مظاهر “العري” في الطرقات، مؤكدة أن دمشق لم تكن كذلك قبل عقود، “بينما اليوم نرى فتيات صغيرات في العمر يتجولن في الطرقات وكأنهن في سهرات ملاه، القرار لن يفرض الحجاب قسراً، لكنه يفرض الموعظة والعادات والتقاليد من باب التنبيه والحفاظ على صورة المرأة الشامية”. وهو ما يرد عليه الباحث في التاريخ جمال الصفي باقتضاب “دمشق في خمسينيات القرن الماضي كانت أكثر انفتاحاً منها في عام 2010 قبل الحرب، كانت النساء يتمتعن بحريات لا حصر لها، وكن سيدات صالونات الأدب والثقافة والاحتفالات، ويمكن مراجعة أرشيف صور تلك المراحل”. بدوره يرى الشيخ عبدالرحمن المفتي أن “قرار الأوقاف ليس مصادرة الحقوق والحريات بالإكراه، بل هو محاولة لضبط حالة تفلت لا ترتقي لتحمل وجهين في بلد واحد”، مركزاً على أن “الحرية حق إنساني، لكن الشارع له حرمته ويجب مراعاة أصول توازنه، لئلا يصبح مكاناً لممارسة كل شكل مفترض من التسيب الأخلاقي”. ضياع الهوية يرى مراقبون أن قرار مدير الأوقاف كان يمكن أن يمر بسلاسة أكبر، لكنه جاء ليضيف فوق ممارسات سابقة كثيرة ما أضافه، ممارسات تتعلق بسوق الدولة نحو توجه واحد، وهو ما أعاد فتح جرح جديد لم يتوقف نزفه بعد، جرح مرتبط بمحاولة طرف يتمتع بالقوة فرض سطوته الدينية الوصائية على الحرية الشخصية، في مجتمع يعتقد اختصاصيون نفسيون أن تحرر اللباس المتزايد فيه قد يكون شكلاً من أشكال الرد على الحرب والضغوط النفسية التي خلفتها. وفي الإطار، فإن ما ينظم من مؤتمرات وخطابات دينية متشددة وتفكير دخيل على المجتمع السوري، تجاوز مسألة الفستان القصير والشورت الصيفي، حتى بدت القصة كأنها عراك على الهوية المجتمعية نفسها ما بين طرف يدعو ويريد ويعمل لرسم سلوكيات الناس وتأطير أفكارهم وتوزيع نمط ملابسهم ضمن عقائد تفرض ذلك، وبين مجتمع متسامح يريد أن ينسى ويعيش ويحتفل ويقول: انتصار الثورة للجميع. يخشى سوريون كثر من أن يكون هذا القرار تمهيداً لقرارات أخرى تمعن أكثر في السيطرة على يومياتهم، معتبرين أن بعض المناطق التي كانت خرجت عن سيطرة النظام السابق، بنت لنفسها كينونة منعزلة وغارقة في الشأن الديني، مع كل تلك التأثيرات التي ألقاها “داعش” و”النصرة” من أدبيات تتعلق بالحريات العامة، فيخشى أن تصير تلك الأدبيات سلوكاً يجري تعميمه على محافظات سورية اتسمت بالانفتاح على الدوام. الصراع الدائم يتضح من تحليل سلوكيات القائمين على أكثر من موقف في المشهد الروحي السوري ما بعد الانتفاضة، توجههم نحو استخدام الدين كأداة لضبط السيطرة على حساب الحريات الشخصية، ولو كان على حساب خنق الناس، في محاولة واضحة لتحقيق حضور واسع يعيد تشكيل الأخلاقيات العامة بما يتلاءم مع الأفكار المجهزة مسبقاً. بالتزامن كان أورد تقرير حديث لـ”يورو نيوز” معلومات استقصائية تتحدث عن ممارسات قمعية ينفذها أشخاص محسوبون على السلطة، مستهدفين أصحاب المطاعم والمقاهي في حي باب توما الشهير بدمشق. وبحسب التحقيق، فإن “الحملة لا ترتبط جوهرياً بمزاعم دينية مباشرة، إنما تأتي في سياق الابتزاز والترهيب بغية الضغط على أصحاب هذه المنشآت لبيعها قسراً لتجار قادمين من أماكن بعيدة من فكر ونمط ونسيج وعرف تلك المناطق، وباب توما مع باب شرقي المتلاصقان يعتبران أشهر أحياء العاصمة وأكثرهما استحواذاً على الملاهي، والمقصد الأول والأبرز للسياح والمقيمين، يقطنهما غالبية مسيحية، لم تنج من مرور سيارات ’الحسبة‘ غير مرة لدعوتهم إلى الهداية”. ممارسات أثارت قلق شرائح مختلفة بدءاً من سيارات “الحسبة” وصولاً إلى فرض الوصاية الدينية (وسائل التواصل) “شرطة الأخلاق” “من يضمن غداً ألا تصبح لدينا ’شرطة أخلاق‘؟”، يتساءل أيمن دكاك أحد سكان الساحل السوري، فيما تقول راما عبود إحدى القاطنات في حي باب توما: “لم تعد هناك خيارات، إما مجتمع منفتح كما كان على الدوام حين كنا ننزل للسهر تحت القذائف والرصاص باللباس الذي نريده، أو أن ننساق خلف الاختيارات الأخلاقية البعيدة من روح عاصمتنا، وفي هذه الحالة ستمارس ضغوط اجتماعية تولد كبتاً يليه انفجار”. الممارسات المتنوعة تلك أثارت قلق شرائح مختلفة، بدءاً من سيارات “الحسبة”، مروراً باستهداف الأقليات، وصولاً إلى فرض الوصاية الدينية، مع منع بيع الكحول والمراهنات، إضافة إلى ذلك التدخل في الحرمة المعنوية للأشخاص كتفتيش هواتفهم الخلوية. ويجدر بالذكر التنويه لما حصل مع الناشط عبدالرحمن كحيل في الثاني من الشهر الجاري، حين أوقفت جهة أمنية في حمص سيارته لتسأله عن الفتاة التي برفقته، وهي خطيبته، مطالبين إياه بإثبات ذلك، وبالطبع فالخطوبة لا تنضوي على أوراق إثبات، مما أدى إلى مشادات بين الطرفين انتهت باقتياده لفرع الأمن الجنائي، إذ تعرض لضرب مبرح أفضى لكسر في يده وثقب في غشاء أذنه وكدمات في فخذيه، قبل إطلاق سراحه مع تهديده بعدم التقدم بشكوى. ماذا يقول القانون السوري؟ بحسب المحامي زياد البر فإن المادة 517 و208 من قانون العقوبات السوري، يعاقبان بالسجن كل من قام بفعل مناف للآداب العامة في مكان عام. إلا أن القانون نفسه ترك تفسير “مناف للآداب” مطاطاً من دون تحديد واضح، مما يعطي السلطات القضائية هامشاً واسعاً للتأويل وفرض قيود اجتماعية بحسب طبيعة الجرم الذي لم ينضو في أي من بنوده على منع ارتداء أزياء محددة أياً كان نوعها، ما لم يكن في ذلك جرم واضح يؤذي المجتمع، كافتعال أمور مخلة بإثباتات عرضت الآخرين لإيذاء مباشر. المزيد عن: سوريادمشقاللباس الشرعيالتحررالانفتاحالأوقاف الدينيةالآداب العامةالمطاعمالنوادي الليلية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الذهب من طهران إلى بيروت: هل بدأ تفكيك اقتصاد “حزب الله” السري؟ next post “كان” السينمائي 78… أزياء محتشمة واحتجاجات سياسية You may also like الذهب من طهران إلى بيروت: هل بدأ تفكيك... 14 مايو، 2025 الـ” يونيفيل” في جنوب لبنان… معضلة التجديد والصلاحيات 14 مايو، 2025 رحلة صعود وسقوط «غنيوة» أحد أمراء الحرب في... 13 مايو، 2025 ترمب يتوعد إيران بـ«ضغوط هائلة» إذا رفضت «غصن... 13 مايو، 2025 القوة الأممية: عثرنا على 225 مخبأ سلاح في... 13 مايو، 2025 تحذيرات من عودة شبح الحرب الأهلية لليبيا 13 مايو، 2025 دلالات تزوير جوازات سفر جزائرية لسوريين 13 مايو، 2025 “طالبان” تمنع لعبة الشطرنج في أفغانستان 13 مايو، 2025 مصادر لتايمز أوف إسرائيل: وسيط سري ساعد في... 13 مايو، 2025 «العمال الكردستاني»… من التأسيس إلى الحلّ في نصف... 13 مايو، 2025