عرض لـ"أوبرشنيك" في مسرح ميخايلوفسكي بسانت بطرسبورغ عام 2021 (موقع العرض) ثقافة و فنون تشايكوفسكي وأوبرا “أوبرشنيك”: عمل ملحمي بين النجاح والانتقاد by admin 29 أكتوبر، 2024 written by admin 29 أكتوبر، 2024 45 رسالة نادرة تسلط الضوء على مسيرة الموسيقي الروسي المبكرة ورغبته في تجاهلها اندبندنت عربية/ إبراهيم العريس باحث وكاتب “هأنذا أرفق لك هنا الأغنية التي كنت وعدتك بها… فإذا لم تجدها مناسبة للعمل، تذكر أرجوك أنني إنما لحنتها لمجرد أن أسدي إليك خدمة، لأنني في هذه الفترة بالذات لست أبداً في مزاج يؤهلني كي ألحن. وأعلمك أن الأغنية تتألف من مقطعين، ويجب إدخالها بعد الأغنية التي ينشدها الكورس ويقول فيها: إن خفته تحلق من فوق رؤوسنا. وهي واردة في الصفحة 110 من النص الغنائي العام، السطر الأول وحتى السطر الرابع، أي قبل أغنية أندريا في الفصل نفسه…”. جاء هذا الكلام في رسالة بعث بها الموسيقي الروسي بيتر تشايكوفسكي إلى المغني الأوبرالي الشهير في زمنه بوغومير كورسوف. أما العمل المشار إليه هنا فهو أوبرا يمكن اعتبارها أول عمل أوبرالي لتشايكوفسكي، حتى وإن كان قد استبقها بعمل سابق هو في الحقيقة أوبراه الأولى تاريخياً، وهي “فوييفودا“. والحكاية أن تشايكوفسكي، الذي كان أنجز سيمفونيته الأولى، وكان آنذاك في الـ28 من عمره، وشرع يكتب السيمفونية الثانية، كتب تحت إلحاح أستاذه في معهد “موسكو” برنشتاين تلك الأوبرا الأولى التي قدمتها فرقة البولشوي في عام 1869. لكن هذه الأوبرا لم تلق من النجاح ما كان تشايكوفسكي يأمله، ومن هنا وضعها جانباً في صورة نهائية ليستخدم بعض مقطوعاتها الموسيقية وجملها التعبيرية في أوبرا أخرى شرع يلحنها، منذ ذلك الحين، وهي بالتحديد “أوبرشنيك” حارس القيصر التي – منذ أنجزها – صارت تعد الأوبرا الأولى له. هي التي حلت في ذلك نهائياً محل “الفوييفودا” وحققت نجاحاً لا بأس به منذ قدمت للمرة الأولى، حتى وإن كان الناقد بلاكيريف قد قسا في انتقادها إلى درجة أنه تساءل عن ضرورتها، بل عن ضرورة أن يقوم تشايكوفسكي بكتابة أعمال أوبرالية. والحقيقة أن نقد بلاكيريف هذا، حرك موهبة تشايكوفسكي في صورة جدية، مما جعل ألحانه، منذ ذلك الحين، أكثر قوة، وذلك بدءاً من تلحينه افتتاحية “فانتازيا روميو وجولييت” التي تقول الحكاية إنه كتبها، مرات ومرات، لمجرد أن تلتقي مع التوجيهات التي عبر عنها بلاكيريف في نقده. تشايكوفسكي (غيتي) عمل تاريخي اقتبس تشايكوفسكي أوبرا “أوبرشنيك” من مسرحية درامية بالعنوان نفسه كتبها إيفان لاغيشنيكوف 1792-1869. وتدور أحداثها التاريخية خلال عهد القيصر إيفان الرهيب وتحديداً سنوات 1565-1573، التي تعرف بسنوات “الأوبريشينا”. وتقول سيرة الموسيقي إنه اشتغل على هذه الأوبرا التي جعلها من أربعة فصول خلال إقامته في عزبة صديق له يدعى كوندراتييف، ثم في منزل تلميذ له يدعى شيلوفزكي غير بعيد من مدينة كييف الأوكرانية. ويبدو أن المناخ الأوكراني هناك، ولا سيما في تلك المنطقة الريفية قد أثر فيه كثيراً، إلى درجة أنه ضمن ألحان الأوبرا عدداً لا بأس به من الألحان الشعبية الأوكرانية الراقصة. وتقول الحكاية أيضاً إن تشايكوفسكي خلال عمله على الفصل الثاني في منزل شيلوفزكي، طلب من هذا الأخير أن يساعده بمده ببعض ألحان وجمل موسيقية من إبداع التلميذ ضمها إلى فترة الاستراحة التي تسبق الفصل الثاني. ويبدو أن تشايكوفسكي أعلن عن هذه الإضافة بنفسه منوهاً بعمل تلميذه حين قدمت الأوبرا للمرة الأولى. وهنا لا بد من القول إن “الأوبرشنيك” قدمت للمرة الأولى بالصورة الأولي الذي أنجزه تشايكوفسكي في حينه، لكن هذا الأخير عاد بعد فترة أمضاها في موسكو، وبعد أن عمل لبعض الوقت ناقداً موسيقياً، عاد واستكمل الأوبرا في شكلها النهائي عام 1872. كتب تشايكوفسكي النص الشعري للأوبرا بنفسه. وهو نص يكاد يكون متطابقاً مع المسرحية الأصلية التي اقتبست منها الأوبرا. أما الحكاية فتدور حول المقاتل الشرس أندريه موروزف، الذي نشاهده أول الأوبرا وهو ينضم إلى حرس القيصر إيفان، والمسمى “أوبرشنيك”، في وقت كانت قوات النخبة من هذا الحرس تتجمع كي تقاتل ضد “البويار”. وحقيقة الأمر أن أندريه نفسه ولد ابناً لأب من هؤلاء “البويار”. وهو انخرط في قوات الحرس القيصري وغايته محددة: التمكن، ذات يوم، من الانتقام لأسرته وشرفها، من الظلم الذي حل عليهما على يد قائد الحرس الأمير جيمشوزني، لكن الذي يحدث بعد ذلك، والذي سيعقد الأمور بالطبع، هو أن أندريه سرعان ما يقع في غرام ناتاليا، ابنة الأمير الحسناء. وإذ تكتشف أم أندريه هذا، وهي التي تعرف هنا بالأرملة موروزخا، ترتجف غضباً وتلعن ابنها لأن حبه لابنة العدو، في رأيها، خيانة ما بعدها من خيانة، ودفن جديد للأب الذي عانى الويلات من الأمير. وأمام هذا الموقف، من الأم، الذي لم يكن تتوقعه في البداية، يؤثر أندريا الاستقالة من الحرس القيصري موجهاً استقالته إلى إيفان نفسه، ورداً على هذا الطلب يبلغ الناطق باسم القيصر، أندريا، أن القيصر استجاب إلى طلبه، كما يبلغه، في الوقت ذاته، أن القيصر يوافق على زواجه من ناتاليا، بل يشجعه على خطوته هذه أيضاً. طبعاً كل هذا يسر أندريه ويريحه. لكن الحقيقة ستنكشف لنا لاحقاً، مغايرة تماماً لأماني البطل الشاب، فالقيصر، في حقيقة الأمر، غضب غضباً شديداً إزاء الأمر كله، وما الموافقة الهادئة التي طلب من الناطق باسمه إبلاغها إلى أندريه، سوى جزء من خطة لئيمة أعدها والغاية منها جعل أندريه يترك الخدمة، وقسمه عليها، قبل أن يحل الوقت الحقيقي لإعفائه منها. ولما كان أندريه غير عارف بهذا، يتم القبض عليه ويحاكم بسرعة، حتى يحكم عليه بالإعدام. وبالفعل ينفذ فيه الحكم أمام عيني أمه الأرملة، التي ما إن تشاهد ما يحدث لابنها حتى تموت بدورها. إضافة بعد عقود إذاً على خلفية هذا الموضوع لحن تشايكوفسكي هذه الأوبرا، التي كانت، بعد كل شيء، أول عمل كبير له يقدمه إلى الجمهور العريض. ولئن كانت هذه الأوبرا قد انتقدت من جانب كثر، فإن الجمهور تجاوب معها إلى حد بعيد. ومع هذا لم يرض الموسيقي عن هذا العمل كما كان يمكن أن نتوقع، ومن هنا عودته إلى العمل عليه. ومن هنا تردده حين طلب منه أن يكتب ألحاناً إضافية، ومنها خصوصاً ذلك اللحن الذي جرى الحديث عنه أول هذا الكلام. أما السبب الذي جعل تشايكوفسكي لا يترك العمل بأسره في مهب النسيان كما كانت حاله مع أعمال أخرى، وكما هو حال كثير من الفنانين الذين لا يرضيهم عمل لهم يهجرونه تماماً، السبب هو أن تشايكوفسكي كان باع حق تقديم العمل إلى المنتج بيسيل، الذي كان سيقدمه، سواء رضي عنه الموسيقي أو لم يرض. وهكذا، حرصاً على فنه ومكانة موسيقاه، آثر تشايكوفسكي أن يظل مرتبطاً بهذه الأوبرا، محسناً لها بين الحين والآخر، راضياً عن تقديمها، حتى وإن كان آثر دائماً ألا يشجع أحداً على هذا التقديم. وبالفعل يمكن القول اليوم إن أوبرا “الأوبرشنيك” تعد من أقل أوبرات تشايكوفسكي تقديماً، حتى وإن كان معروفاً أن عدداً كبيراً من أغنياتها الشعبية وألحانها يقدم ويغنى بمفرده. وبقي أن نذكر هنا أن مدونة نوتة الأغنية التي لحنها تشايكوفسكي لاحقاً للمغني كورسوف، كانت قد اختفت تماماً. وظلت الأوبرا تقدم من دونها حتى عام 1986، حين أعيد اكتشافها من جديد، بين أوراق قائد الأوركسترا إدوار نابرافنيك، فأضيفت إلى العمل لتسجل، للمرة الأولى، في تقديم جرى عبر إذاعة الـ”بي بي سي” ولتصبح منذ ذلك الحين جزءاً أساسياً من هذه الأوبرا. حتى وإن كانت “الأوبرشنيك” تعد الأولى، منطقياً وتاريخياً بين أوبرات تشايكوفسكي، فإنها، زمنياً، الثالثة التي لحنها هذا الأخير، بعد “فوييفودا” ثم “أوندينا” التي لحنها، في العام نفسه، الذي لحن فيه الأوبرا التي نحن في صددها. وقد ترك بيتر تشايكوفسكي (1840-1893) ثمانية أوبرات أخرى لحنها بين 1876 “فاكولا”، و1892 “يولانتا”، ومن أهمها بالطبع “يوجين”، أو “نيغين” المقتبسة عن بوشكين. المزيد عن: تشايكوفسكيبوغومير كورسوفأوبرا أوبرشنيكبلاكيريفإيفان لاغيشنيكوففوييفودا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مصائر غامضة لنساء جزائريات في رواية “خط الرمل” next post 24 مدينة مغربية تكرم محمد برادة ناقدا وروائيا You may also like اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024