الخميس, أبريل 24, 2025
الخميس, أبريل 24, 2025
Home » بيلاسكويث رسم لوحته الأكثر إنسانية بعد 10 أعوام من أحداثها

بيلاسكويث رسم لوحته الأكثر إنسانية بعد 10 أعوام من أحداثها

by admin

 

استسلام بريدا” المتأرجحة بين حضور ختام المعركة أو استلهام مسرحية لكالديرون

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

إذا كان مؤرخو الفن وبخاصة منهم متابعو أعمال الرسام الإسباني الكبير دييغو بيلاسكويث (1599 – 1660)، قد عَدوا دائماً لوحته الضخمة “استسلام بريدا” والمعلقة في متحف برادو المدريدي، واحدة من أعظم أعماله، فإن المفكرين والفنانين المهتمين بالتاريخ الأخلاقي والإنساني للفن قد نظروا إلى هذه اللوحة نفسها باعتبارها اللوحة الأكثر إنسانية في تاريخ الفن، وليس فحسب، بالطبع، لكونها تصور لحظة انتهاء واحدة من أقسى الحروب الدينية التي عرفتها أوروبا في تاريخها، وبداية زمن من السلم أسعد الأوروبيين جميعاً، بل لأن المشهد الذي تصوره اللوحة جاء متسماً، من خلال سيماء وجوه شخصياته الرئيسة، بقدر هائل من التسامح والود كما سنرى بعد سطور. أما هنا فلا بأس من أن نتوقف بعض الشيء عند سؤال كثيراً ما حير المؤرخين بصدد هذه اللوحة. ويتعلق السؤال تحديداً بالطول الاستثنائي للفترة الزمنية الفاصلة بين الحدث الذي تصوره اللوحة، وهو 10 أعوام كاملة، واللحظة التي اشتغل فيها بيلاسكويث على لوحته وأنجزها ليعيد من خلالها استذكار تلك اللحظة المميزة في التاريخ الأوروبي، ولكن أي استذكار!!. فلحظة استسلام بريدا أتت تحديداً عند بداية يونيو (حزيران) من عام 1625 بمعنى أن العالم يجدر به أن يحتفل بالذكرى المئوية الرابعة لذلك الحدث الاستثنائي خلال الأسابيع المقبلة، وليس فقط لأهمية الحدث التاريخية، بل لأهميته الأخلاقية الإنسانية، كما تتجلى في هذه اللوحة في الأقل. وهذا بالنسبة إلى الحدث، أما لوحته التي احتفظ بها الفن بوصفها تسجيلاً مدهشاً لما حدث يوم الثاني من يونيو (حزيران)، فقد أنجزها الرسام في عام 1635.

المسرح كان هناك

غير أن الأهم من ذلك إنما يكمن في مكان آخر. مكان يفيدنا بأن بيلاسكويث الذي قد توحي اللوحة، بقوة تعبيريتها وواقعية شخصياتها ناهيك بالدروس، الرسائل، التي يمكن بالضرورة استخلاصها منها، أن الرسام كان حاضراً كشاهد عيان في تلك اللحظة التاريخية، لكن بيلاسكويث لم يكن حاضراً حتى وإن كان عدد من شخوص اللوحة الثانويين ينظرون في اتجاه ما يفترض أنه المكان الذي منه ترصد عين الرسام ما يحدث وتسجله لتطبعه ولو لاحقاً على مسطح “شاشة” كبيرة لا يقل عرضها عن 370 سم وارتفاعها عن 307 سم. والحال أن استخدامنا كلمة “شاشة” هنا ليس افتئاتاً بل مقاربة لفن آخر ولو بالمواربة كما سنذكر هنا بصورة مباشرة. وهذا الأمر يضعنا على أية حال على تماس مباشر مع الإجابة التي تفسر ذلك الفارق الزمني بين الحدث والتعبير الفني عنه مع المرور على كون الفنان نفسه كان بالضرورة غائباً عن لحظة الاستسلام ومكانه. ففي نهاية الأمر ما يصوره بيلاسكويث هنا إنما هو مشهد مسرحي وبالمعنيين، الفني من جهة والحقيقي من جهة ثانية. والمشهد الذي يصوره الفنان هنا لم يصله من طريق كتب التاريخ أو من طريق شهود عيان أو أي شيء من هذا القبيل، بل من طريق مشهد مسرحي. نعم ما رسمه بيلاسكويث هنا ليس في حقيقة أمره سوى مشهد من مسرحية قدمت على الخشبة الإسبانية في مدريد تحديداً بعنوان “كيف تم استسلام بريدا” وكانت المسرحية من تأليف كالديرون ديلا باركا الذي عد من أخصب المؤلفين المسرحيين في تاريخ هذا الفن وليست مسرحية “استسلام بريدا” سوى واحدة من نحو 400 مسرحية اشتهرت له في حياته ولا تزال كذلك حتى الآن.

دييغو بيلاسكويث (1599 – 1660) موقف فنان (الموسوعة البريطانية)

 

بيلاسكويث بين الجمهور

كالديرون من ناحيته لم يحتج إلى أكثر من أربعة أشهر لكتابة مسرحيته فهو أنجزها وقام بتحضيراتها التقنية وقدمها على الخشبة المدريدية بدءاً من أواسط نوفمبر (تشرين الثاني) من عام الاستسلام نفسه. ولم يكن الأمر معجزة بالنسبة إليه فهو الذي عرف بكونه واحداً من أسرع المؤلفين في التاريخ. ولا شك أن بيلاسكويث الذي كان بالكاد تجاوز الـ25 من عمره يوم تقديم المسرحية، كان بين الحضور من دون أن يفكر على أية حال بأنه سيقدم بعد ذلك بـ10 أعوام على رسم لوحة حول الموضوع نفسه، ستفوق شهرتها وبمسافات شهرة مسرحية كالديرون بحيث يندر أن يتذكر أحد أنها استوحيت منها. بل استوحاها بيلاسكويث تحديداً من جملة ينسبها كالديرون إلى القائد سبينولا ذهبت مضرب مثل بعد ذلك في اللغة الإسبانية، “إن قيمة المهزوم هي التي تعطي المنتصر قيمته”. ومن الواضح في اللوحة أن الفنان يبدو وكأنه رسم هذه الأخيرة لمجرد التعبير عن هذا القول لأن في طياته ذلك البعد الأخلاقي والإنساني الذي ارتبط دائماً بعد ذلك بلوحة حرص معظم المعبرين عنها على التوقف عند مضمونها حتى وإن كان شكلها قد بهرهم إلى درجة أنهم دائماً، أيضاً، ما عدوا الشكل والمضمون هنا شيئاً واحداً. ولربما يكون في مقدورنا أن نضيف هنا أن ذلك التضافر بين الشكل والمضمون إنما كان سلاح الفنان في الرد على البابا أوربان الثامن في روما الذي ما إن بلغته أنباء انتصار القوات الكاثوليكية الإسبانية بقيادة الجنرال سبينولا حتى هلل لهذا الأخير معلناً أنه قد غسل له بمباركة باباوية يديه من اصطباغهما بدماء “الهرطوقيين”، أي الجنوبيين الهولنديين بقيادة الدون جوستينوس دي ناساو الذين كانوا هم المهزومين في تلك المعركة الفاصلة. ومن الواضح أن الفنان كان له رأي آخر في القضية برمتها. وهو الرأي الذي عبر عنه في لوحته التي يبدو أنه أمضى الأعوام التالية لحضوره عرض مسرحية كالديرون وهو يشتغل عليه انطلاقاً من فكر إنساني أخلاقي عميق.

أعوام من الجهود الفكرية

صحيح أن تاريخ بيلاسكويث المهني والحياتي يخبرنا أنه لم يشتغل بالفعل على تلك اللوحة سوى خلال عامي 1634 و1635، غير أن ثمة مؤشرات تاريخية كثيرة ومعلومات في أوراق تركها بيلاسكويث تخبرنا بأنه طوال أعوام سابقة، وفيما كان يحقق مئات الإسكتشات التمهيدية الممهدة لإنجاز تلك اللوحة الضخمة، كان لا يتوقف عن التعديل في وجوه الشخصيات بل حتى فيما يمكن أن نصفه، بلغة حداثتنا، بلغة الجسد في اللوحة وهو يتوخى من كل تعديلاته وإعادات النظر الوصول إلى التعبير بصورة خاصة عن المقولة التي كان انطلق منها في تحقيق تلك اللوحة أي كما نوهنا أعلاه بالمقولة المتعلقة بقيمة الهازم وقيمة المهزوم كما جاءت في مسرحية كالديرون. ولعل تعمقاً يتوقف عند شخصيتي اللوحة الرئيستين: سبينولا نفسه، وجوستينوس دي ناساو يفيدنا عن هذا الأمر وما استقاه منه فن بيلاسكويث يفيدنا حول الجهود التي بذلها الرسام في هذا المضمار بأكثر مما تفيدنا عشرات الصفحات التحليلية، وهو ما قام به على أية حال عشرات الدارسين الكبار الذي استهوتهم لوحة “الرماح” ودائماً من منطلقاًت ثلاثة: الشكل المسرحي الذي اتخذه “توقيع” اتفاقية الهدنة بن سبينولا وجوستينوس دي ناساو، والملامح المغرقة في إنسانيتها وبعدها الأخلاقي، التي إن كانت قد تجلت على وجوه وملامح معظم الحضور، وباستثناء لافت لمن يفترض أنهم الحراس الذين من الواضح من خلال نظرتهم الغاضبة باتجاه “الجمهور المتفرج على ما يحدث ومن بينه الرسام المفترض” أنهم ليسوا راضين عن مضمون تلك اللحظة، وثالثاً الخروج من ذلك كله بما يناقض فرحة البابا في روما بانتصار جماعته! لا سيما أن قائد القوات الباباوية التي ألحقت “الهزيمة” بالهرطوقيين البروتستانت كان… إيطالياً وليس إسبانياً رغم أن اسمه نفسه (الجنرال سبنيولا) يوحي بعكس ذلك!

مهزوم ومنتصر

وبقي أن نذكر هنا أن بيلاسكويث قد التقى سبينولا خلال أول زيارة قام بها الرسام إلى إيطاليا خلال اشتغاله على اللوحة. ومن هنا تمكن عبر دراسته لشخصية ذلك القائد النبيل من أن يشتغل بدقة ميدانية على ما يعد اليوم أهم ما في اللوحة وهو تحديداً نبل ذلك العسكري وسماته الإنسانية وهو يتحدث عن قيمة عدوه دي ناساو بحيث تمكن الفنان من ضخ لوحته بملامح ذلك البطل “الأسطوري” وهو يتلقى استسلام خصمه بكل تواضع تعبر عنه ملامحه ولكن أيضاً يده المربتة على كتف دي ناساو كتعبير عن التآخي بين البشر غير مبال بأن الحدث المادي في المشهد هو في الأصل تسلم المنتصر مفتاح مدينة بريدا من المهزوم الذي لم يعد في المشهد التاريخي مهزوماً بل بات… أخاً في الإنسانية.

المزيد عن: دييغو بيلاسكويثفن تشكيليمتحف برادوالحروب الدينية الأوروبية

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili