بأقلامهم بول شاوول يكتب عن: المسرح والتكنولوجيا by admin 17 مارس، 2025 written by admin 17 مارس، 2025 16 كثير من أهل المسرح رفضوا استخدام التكنولوجيا في اللعبة المسرحية المجلة / بول شاوول ما زال هناك حتى اليوم صراع بين المسرح الذي يستخدم التكنولوجيا، ومَنْ يرفضونه؛ وإن الثورة التكنولوجية مجسدة في اختراع الكهرباء. لكن هذا الهاجس، يعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، حيث بدأت ملامح المخرج في إطلالته نحو الاهتمام بالمنظور المشهدي، عندما كان المسرح سمعيا، بلا إقحام الآلات فيه. أي انتقل الأمر من سلطة الكاتب إلى سلطة المخرج، ومن دور السمع إلى دور السينوغرافيا، وحدث ذلك في إسبانيا عام 1683، وفي عام 1670 أدخلت في بعض الأعمال رسوم في مسرحية “الوحش” و”الصاعقة والحجر”. من هنا كانت مشاركة “الماكينة” في الإخراج بمثابة تحول جذري في بناء الإخراج في المسرح الباروكي الإسباني، والإيطالي… لكن في القرن التاسع عشر بدأت بعض الاختراعات تصب في هذا المنحى البصري: اكتشاف ألغاز الضوء، الذي حل محل الشموع والمصابيح النفطية، وهكذا تم تنويع نقاط الضوء وأسفرت عن تغييرات في الإخراج. وفي عام 1849 بدأت التجارب الأولية لإدخال الإضاءة الكهربائية؛ ورائدها الأخصائي الفرنسي في البصريات چول نيو ديبوسك. وخصصت ظواهر مادية في المسرح، وهكذا صار من أوائل تطبيقات العلوم على المسرح في الضوء الكهربائي وتم الاستغناء عن المصابيح والمشاعل والشموع؛ وقد حل هذا الاختراع مشاكل كبيرة في الإخراج. من ناحية أخری سمح تركيب الكهرباء بأن يصبح إظلام القاعة أمرا معتادا، وبذلك غیرت الكهرباء أسس المنظور في المسرح. وأول مسرح تمت فيه أوبرا بودابست عام 1884، الذي شهدت مرحلته ترسيخ المخرج المعاصر النقيض للموروث، (الذي أدخل الموسيقى) كنواة أساسية للحدث وللتنقل المشهدي. وأثر الضوء الكهربائي في طرق المرحلة الثالثة بمسارات تكنولوجية حديثة إلى مجموع الأدوات الحديثة في عام 1896 باختراع أول خشبة دوارة تحرکها الطاقة الكهربائية، وتجسد ذلك في مسرحية “حلم ليلة صيف” لشكسبير في برلين، وهكذا تم إدخال آليات متحركة ومصاعد وبعض خشبات المسارح، وكذلك إدخال عناصر هيدروليكية في بناء مصاعد أو منصات متحركة، وصولا إلى دراجات نارية وإدخال عناصر فيلمية تصويرية. وأسفر كل ذلك عن تقدم في عالم الإخراج لم يحدث من قبل، وقام المخرجان ماير خولد وتشكاتو مفهوم الإخراج والتصميم في العروض. وهذا يعني أن الجمالية التي طرحاها بهدف عدم استمرار الخطاب انطلاقا من وجهة نظر روائية في الإخراج. كانا يريدان جعل خشبة المسرح مكانا استعراضيا… لا مجرد عنصر سمعي. لكن في القرن العشرين، ومنذ بداياته، بدأت ظاهرة تتلمس استخدام التكنولوجيا المحدودة في القرن السابق، إلى موجة ما زالت مستمرة حتى اليوم، مرتبطة بتنامي التكنولوجيا وصولا إلى الإنترنت، فبات جزء كبير من الأعمال المسرحية منوطا بالآلة، تؤلفها سلسلة من العناصر التعبيرية؛ وأشكال هيكلية الفضاء المسرحي المعماري، سواء بالإضاءة (التي تنامت قوتها)، في المسرحيات التي اختارت هذه “الاختراعات الآلية” عند كثير من الرواد العالميين، والعرب، من خلال تشكيل علاقة متبادلة بين العناصر المسرحية التي تنبع من التنافس المكتوب والدرامي وكافة أنواع المواد التي تشكل وتجسد الإخراج. فالماكينات المسرحية هي أدوات أو أجهزة (فرضيات تقنية، خطوط بصرية)، مؤهلة لتنظيم كافة المؤثرات التشكيلية البصرية وتحديد السينوغرافيا في بناء معماريات متنوعة… فبالنسبة إلى المنتمين إلى هذه الأدوات تجاوز العرض المسرح السمعي إلى ما هو بصري؛ وتغيرت علاقات المؤلف بالمخرج، صاحب الرؤية التي توجه مجمل المواد التركيبية، والإضاءة، والتشكيلات اللونية، والجمالية. بالرغم من الاستخدامات الباهظة، والأعمال الجيدة أو السيئة، فإن كثيرا من أهل المسرح، العرب وسواهم، رفضوا استخدام التكنولوجيا في اللعبة المسرحية قبل ذلك، كان المؤلف هو سيد العرض، وعرفنا كتابا كبارا، من العصور اليونانية إلى القرن العشرين، في العالم. من هنا، فالنص نفسه خضع لمخيلة المخرج، وتفسيره وتأويله، بهذه الوسائل التقنية. فاختراع الكهرباء أدى إلى اختراع سلطة المخرج، ورؤاه الخاصة: أي تفكيك النص، وجعله- بواسطة التقنيات والتمثيل والفضاء السينوغرافي- فنا جديدا في معانيه التي تلمع خلف ما تقدمه “التكنيات”. بل إن نصوص الكتاب الكبار في التاريخ ابتداءً من الإغريقيين إلى أوروبا، وصولاً إلى شكسبير، مواد مفتوحة، بل أحيانا كثيرة تم اختزال هذه النصوص والممثلين إلى مونودرامات، وهذا ما فعله المخرج الأميركي الكبير بوب ويلسون، وكذلك عمد بعض المخرجين إلى اختزال بعض شخصيات المسرح اليوناني إلى شخصيتين، أو أكثر. فالنص بات مادة مفتوحة لمجمل المضامين التي يطرحها المخرج. وقد شاهدنا في مسرحيات عديدة في المهرجانات المسرحية العربية إدخال “تكنيات” وآلات إلى خشبة المسرح مثل السيارات، والدراجات والمصاعد واللوحات الهيدرولوكية من شرائط ممكننة، وقد اعتمدها عدد من المخرجين الكبار مثل بسكاتور، أو تصويرات بالفيديو. فالماكينات المسرحية وتطويرها كما أسلفنا لا نهائية، مما سمح للعاملين في مجال الإخراج بتحولات مهمة ليس فقط في بناء الحدث المسرحي بل جماليته وتشفير الإدراك والتلقي. فقد شكلت هذه الآلات السينوغرافية، عناصر تشكيلية بصرية وسمعية (ولا ننسى الموسيقى في هذا الإطار)، تعزز العلاقة المتبادلة بين التجديدات المسرحية والتحولات الجمالية في الإخراج. لكن في المقابل، ينبغي القول إن “التكنيات” وحدها لا تصنع مسرحا، (كما أن النص وحده لم يصنع مسرحا جديدا)، وقد تابعنا هذه النواحي في كثير من المسرحيات العربية والأجنبية (في المهرجانات العربية)، فهذه الآلات إذا خرجت من سياقات العمل، وغردت وحدها، تفترس النص والمخرج.. وتعطل أنساق المسارات، ووجهتها. تماما كالقصيدة التي تفترسها الفصاحة والجماليات الشكلانية وأنواع البلاغة المجانية، وقد شاهدنا أن بعض المسرحيات هي مجرد تراكيب ومشهديات سينوغرافية فارغة، هدفها مجرد الإبهار، والصدمات الجوفاء.. وفي هذا الإطار تراجع النص، والإخراج، أمام الفرجة، المليئة بالصخب، وتضارب العناصر التقنية. لكن بالرغم من الاستخدامات الباهظة، والأعمال الجيدة أو السيئة فإن كثيرا من أهل المسرح، العرب وسواهم، رفضوا استخدام التكنولوجيا في اللعبة المسرحية، ومنهم مَنْ لجأ إلى الموروث المسرحي معتبرين أن التكنولوجيا تُشيئ الأعمال المسرحية، بل تُلحقها بفنون أخرى كالتلفزيون، والإنترنت والفيديو.. أي يعدمون “خصوصية” المسرح أبي الفنون وأقدمها.. معتبرين أن هذه التكنولوجيا جعلت السينوغرافيات هي بطلة العرض، وأنها على الرغم من سلطة المخرج، فقد وقع في أسرها وسهولتها مما أدى الى إشكاليات بين الممثل والنص والمخرج والجمهور؛ وطرحوا بديلا هو مفهوم “الاحتفالية المسرحية”. في كوريا الجنوبية مسرح كامل جاهز للمسرحية الرقمية التي تعتمد على الحاسوب، ويتوقع أثناء العرض من كل مشاهد أن يستخدم المحمول ويتحكم في الحركة على الشاشة بل راح بعض المسرحيين الاحتفاليين يقول إن التكنولوجيا لم تخدم المخرج بل هيمنت عليه وبات أسيرها، صحيح أن التكنولوجيا تساعد، لكنها أيضا تدمر هوية المسرح، فالسحر المصطنع للمسرح هو علامة من علامات الفشل. حيث إن التمادي في استخدام الإبهار البصري يخلق بلادة في الذهن وصمتا في اللسان، بل يشوش الذهن، ويبعثر الانتباه. فالإبهار الشكلاني يعطل المشاهد… ومن ناحية أخرى رأى بعضهم أنه يجب العودة إلى الموروث المسرحي والنص، باعتبار أن هذه الأدوات هجينة غربية على الموروث وعلينا الاستغناء عنها، وهذا ما عبرت عنه جماعة المسرح الاحتفالي وعلى رأسها عبد الكريم برشيد، الذي تطرق في رأيه إلى أن علينا التخلي عن كل ما هو غربي، من ماكينات ووسائط، ونعود إلى ما ورثنا من الأدوات كالشمع والقناديل والمشاعل… هذا التطرف يعزل المسرح عن نفسه وهويته التاريخية، خصوصا وأن كبار المسرحيين العرب لم يبالغوا في استخدام “التكنيات”، بل ركزوا على النص والإخراج بطريقة مقتصدة كالطيب الصديقي، أو الحديثة كروجيه عساف، ويعقوب الشدراوي، وريمون جبارة. والمسرح الخليجي عموما (البحرين، الإمارات، الكويت والسعودية). وبرغم تأثرهم بالمسرح الغربي، كالبرشتية، والعبثية، والآرتوية، والوثائقية، أمثال سعد الله ونوس، وجواد الأسدي، وسعد أردش، وعصام محفوظ، وشكيب خوري، كل هؤلاء وسواهم، قدموا روائع في المسرح العربي بين الخمسينات وأواخر القرن العشرين بوسائل تقنية محددة. يعني أن دور المخرج الذي تهدد في المبالغة بالتقنيات، قد برز بقوة كعنصر أساسي في صنع المسرح. لكن قد لا يتوقف الأمر عند هذه الحدود الفنية في علاقة المسرح بالتكنولوجيا، فالأمر مرتبط بعوامل أخرى طالعة من هذه المسألة، فقد كتبت مقالات ودراسات عديدة حول تغلغل التكنولوجيا الجديدة في الحياة الاجتماعية وداخل العمارات والمنازل. لقد قال جون بيرك (أحد كبار الموظفين في موتوروللا التي تصنع الهاتف المحمول) عن أن المنزل الرقمي بات مهيأ تكنولوجياً بأحدث الاختراعات: الفيديو، النقال. ويمكن أن يتحول أوتوماتيكيا من غرفة إلى غرفة إلى السيارة من دون أن تنقطع متابعة الساكن لبرنامج ما. فإذا أضفنا الإنترنت فإن احتمالات الأرباح للشركات تبلغ حوالي 250 مليار دولار سنويا في الولايات المتحدة الأميركية. أي إن المسرح في المستقبل القريب أو البعيد، سيدخل إلى غرف النوم أو الصالونات أو أي مكان آخر: أي إن الابتكار المسرحي يكون جماعيا (وربما غير محدود). وفي كوريا الجنوبية مسرح كامل جاهز للمسرحية الرقمية التي تعتمد على الحاسوب، ويتوقع أثناء العرض من كل مشاهد أن يستخدم الهاتف المحمول لكي يخاطب حاسوبا ثم يكتب بلوحة الحروف كلمات يتحكم بها في الحركة على الشاشة، وفي لحظة تظهر ربة منزل عادية على الشاشة من مطبخها وتتفاعل بواسطة الحاسوب مع الممثلين والممثلات على الخشبة، كمشاركة متفاعلة في العمل! 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post بادية فحص تكتب عن: لبنان والمعارضة الشيعية… ذاكرة النبذ والإقصاء next post مظلوم عبدي لـ”المجلة”: الشرع هو الرئيس… ولن يكون في سوريا جيشان You may also like وليد الحسيني يكتب عن: الدستور الغائب والديمقراطية المهاجرة 17 مارس، 2025 غسان شربل يكتب عن: إيران و«المشاهد المؤلمة» وساعة... 17 مارس، 2025 بادية فحص تكتب عن: لبنان والمعارضة الشيعية… ذاكرة... 17 مارس، 2025 حازم صاغية يكتب … عن «المشرق العربي» و«العالم»... 16 مارس، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: الدروز بين الشرع... 16 مارس، 2025 رضوان السيد يكتب عن: السياسات الأميركية… خطوط متداخلة... 14 مارس، 2025 دلال البزري تكتب عن: سورية ما بعد الأسد... 13 مارس، 2025 بول سالم يكتب عن: ديناميتان تعيدان تشكيل الشرق... 10 مارس، 2025 غسان شربل يكتب عن: سوريا العادلة أفضل بيت... 10 مارس، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: كيف يوقف الشرع... 10 مارس، 2025