السبت, نوفمبر 23, 2024
السبت, نوفمبر 23, 2024
Home » بودلير رمز الحداثة كان من منتقدي الثورة الفرنسية إلى حد رفضها بالمطلق

بودلير رمز الحداثة كان من منتقدي الثورة الفرنسية إلى حد رفضها بالمطلق

by admin

 

صاحب “أزهار الشر” لا يؤمن بالإنسان معتبراً فولتير وروسو وهوغو مخدوعين وخادعين

اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب

غالباً ما ارتبطت فكرة الحداثة بمفهوم التقدم وجرى اعتبار كل من ينادي بها داعياً إلى تغيير المجتمعات نحو الأفضل ضمن إطار فكر تغييري يعمل في سبيل خير الإنسان وتحسن أوضاع تلك المجتمعات. ومن هنا، لم يكن غريباً أن يتم التعامل مع الكاتب والشاعر شارل بودلير الذي يعد من أساطين الحداثة الأدبية والفكرية في فرنسا أواسط القرن الـ19، بوصفه من العلامات الفارقة دعماً لمفهوم التقدم في بلاده؟ أفلم يكن بودلير واحداً من زعماء الحداثة؟ إذاً فهو بالضرورة من زعماء التقدم، هذا ما كان يقال دائماً، وعلى هذا الأساس جرى التعامل معه ليس في فرنسا وحدها، بل في أوروبا كلها وفي العالم العربي الذي عرفت حداثته كيف تترك مكاناً فسيحاً لصاحب “أزهار الشر” ومعرف العالم غير الأميركي على أدب وشعر إدغار آلان بو الذي كان في بلاده الأميركية رمزاً كبيراً من رموز التقدم، ولكن هل كان بودلير نفسه تقدمياً وتغييرياً؟ كان الجواب البديهي الدائم على هذا السؤال، الذي بالكاد كان يطرح على أية حال بالنظر إلى أن الأمر بديهي: بالتأكيد، فشاعر الحداثة ما كان في مقدوره أن يكون رجعياً.

نظرة جديدة

“لكن بودلير كان رجعياً” بحسب تأكيدات الأستاذ في جامعة “بال” السويسرية روبرت كوب الذي كتب في هذا الاتجاه في ملف كرسته مجلة “ماغازين ليترير” الفرنسية في واحد من ملفاتها العديدة حول بودلير، في أكتوبر (تشرين الأول) سنة 2015. وينطلق كوب في تأكيداته من فكرة في منتهى البساطة تريد أن تقول لنا إنه إذا كان إميل زولا، وفي زمن لاحق على زمن بودلير، قد جعل من الموقف من الضابط الفرنسي ألفريد دريفوس “الذي اضطهد بسبب يهوديته واتهم بالتجسس لصالح الأعداء الألمان”، مقياساً للتقدم والرجعية، فإن المقياس في زمن بودلير كان الموقف من الثورة الفرنسية.

غافروش في رواية “البؤساء” لفيكتور هوغو (أمازون)

 

ومن هنا كان كثر قد وقفوا موقف العداء من تلك الثورة، ولا سيما في أزمنة لاحقة عليها على خطى جوزيف دي مايستر، وربما فرنسوا رينيه دو شاتوبريان وغيرهما من الذين اعتبروا نابليون بونابرت امتداداً للثورة فعادوها وعادوه. وفي السياق نفسه، لم يكن متوقعاً من كاتب ثوري في حداثته مثل بودلير أن يقف ضد تلك الثورة، فالمنطق يرفض ذلك، لكن بودلير وقف ضد الثورة، أو في الأقل، وفي رأي كوب تحديداً، وقف ضد الفكر المزدوج الذي أشعل شرارة تلك الثورة: فكر فولتير وفكر جان جاك روسو، والحقيقة أن الموقف من فكر هذين كان يعد مقياساً حقيقياً للتقدم والرجعية أواسط القرن الذي عاش فيه بودلير وكتب.

هوغو كبش محرقة

فبالنسبة إلى بودلير عرف باكراً كيف يتهم “حواريي جان جاك المتحمسين” كما “مريدي فولتير المتشددين” بأنهم جميعاً قد “أسهموا وبتعنت بين في اندلاع الثورة الفرنسية”، وكانت تلك المساهمة في رأي بودلير تهمة ضمن الظروف التي تحدث فيها عن الأمر. ومع ذلك، تبدى “نفاق” بودلير واضحاً من خلال المديح الذي كان قد كاله لرواية فيكتور هوغو “البؤساء” في مقال كتبه عنها في صحيفة “البوليفار” في ذلك الحين. ولكن، يقول كوب، اليوم، إن ذلك المقال لم يكن يعبر في حقيقته عن قناعات بودلير الحقيقية التي جعلته لا يكتفي بأن يسخر من الثورة من خلال سخريته من “حواريي روسو ومريدي فولتير”، بل إنه لا يخفي في مجالسه الخاصة أنه في حقيقة الأمر يعتبر “البؤساء” “كتاباً قاصراً ويقف خارج الزمن”، “كتاب بر وإحسان لا أكثر” إن لم يكن مجرد “مرافعة لصالح البؤساء لا الذين يعانون البؤس ويأتي البؤس ليذلهم”، بالتالي، قد تكون رواية هوغو نافعة في هذا الإطار، و”لكنها ليست عملاً إبداعياً كبيراً”، والحقيقة أن التفاوت في الموقف بين ما كان بودلير يقوله وما كان يكتبه لم يكن منطقياً من جانب حداثي مثله.

وما هو أكثر من هذا هو أن بودلير لم يصدر في مواقفه عن رؤية ترى مثلاً أن الثورة الفرنسية تستحق كتابة تكون أكثر تقدماً من رواية هوغو وأقل “إدراراً للدموع منها”، بل عن رؤية تعطف رأي بودلير في “البؤساء” على رأيه في مفكري الثورة المبكرين. ورأى كوب في هذا المجال أن بودلير وجه سهام نقده، في مجالسه وليس في كتاباته، بشكل خاص إلى إيراد هوغو في روايته تلك الأبيات من الأغنية التي ينشدها غافروش واعتبرت نشيداً أساسياً من أناشيد الثورة والتي يقول غافروش فيها، وهو يخر صريعاً تحت رصاص الحرس الوطني المناهض للثورة: “ها أنا أسقط أرضاً/ والخطأ في هذا خطأ فولتير، وها هو أنفي يتمرغ في الساقية/ والخطأ في هذا خطأ روسو”. وكان من المعروف أن هذه الأغنية على لسان غافروش إنما ترد هنا لتسخر من القوى الرجعية المناهضة للثورة، والتي لم تنظر إلى هذه الأخيرة كحركة مطالب يعبر عنها شعب محروم، بل كـ”استجابة حمقاء لأفكار فلاسفة ومفكرين كانوا قد رحلوا منذ زمن”.

حماقات

وهنا تابع كوب تأكيداته قائلاً إن بودلير كما هاجم الثورة من خلال هجومه على روسو وفولتير، توسع في هجومه ليشمل التنديد بالثورة من خلال تنديده بفيكتور هوغو وروايته معتبراً هذا الأخير “كاتباً خدعته وحركته كل حماقات القرن الذي عاش فيه والأحداث التي كتب عنها”، ولم يفت بودلير هنا أن يعدد بعض تلك “الحماقات” التي حركت هوغو فجعل منها آيات نضالاته وعلامات أدبه: إلغاء الحكم بالإعدام وإزالة البؤس من المجتمع ونشر أفكار التنوير، ناهيك بالبحث عن المسيح الحقيقي، وليس ذلك الذي أعاد رجال الدين اختراعه لما فيه مصالحهم.

ونعرف طبعاً أن هوغو فعلاً قد جعل من تلك المطالب عناوين لنضالاته العملية والفكرية التي قادته إلى المنفى، لكنها جعلت له مكانته الكبيرة التي لا تزال قائمة حتى اليوم، لكن ما لم نكن نعرفه أو نتوقعه هو أن يرى كاتب حداثي من طينة بودلير أن تلك العناوين ليست أكثر من “حماقات” ورثها هوغو عن الثورة الفرنسية التي ورثتها بدورها عن روسو وفولتير ومريديهما. ولنضف إلى هذا أن بودلير، وفي سياق موقفه المزدوج من هوغو، كتب معترضاً على ما كان هذا الأخير يراه من أن “الإنسان في جوهره طيب، يولد طيباً ثم يدفعه المجتمع إلى الابتعاد عن طيبته”، ليقول إن هذا الاعتبار يتناقض مع فكرة “الخطيئة الأصلية”، وهو بالتالي مسؤول عن “إفساد عقول تبعت هوغو في نظرته تلك”، معطياً الكاتبتين مدام دي ستايل وجورج ساند مثلين على ذلك الإفساد، والاثنتان كانتا مؤمنتين بالثورة الفرنسية طبعاً وكل منهما على طريقتها التي تضعها في صف هوغو.

طبيعة الإنسان

بالنسبة إلى بودلير إذاً، فإن المسألة ليست سياسية على الإطلاق، بل تمت بصلة وثيقة إلى طبيعة الإنسان نفسه، تلك الطبيعة التي “لا يمكن لكاتب فاعل خير مثل فيكتور هوغو أن يدركها ويعبر عنها، هو الذي لا يمكنه على أية حال أن يفهم أن الطبيعة لا يمكنها أن تخلق سوى أكثر الوحوش ضراوة”، وهو كلام يورده بودلير في نصه المعنون “ملاحظات جديدة على إدغار آلان بو” ليضيف إليه في نص آخر له عنوانه “رسام الحياة الحديثة” قائلاً “إن الطبيعة نفسها هي التي تدفع الإنسان إلى قتل أخيه الإنسان وإلى التهامه وتعذيبه”، مؤكداً أن ثمة فكرة وصلت إلينا من القرن الـ18، أي من زمن التنوير، لا بد من وضعها في أذهاننا على الدوام، وهو أمر لم يفعله لا هوغو ولا أسلافه من مفكري التنوير، بحسب بودلير، وهي فكرة تقول لنا أن البعد المخطئ للأخلاق هو الذي جعلنا ننسى أن “الجريمة التي نهل الكائن البشري مذاقها وهو لا يزال في بطن أمه، أمر طبيعي إلى أبعد الحدود. أما الفضيلة فمصطنعة، غير طبيعية، بالنظر إلى أن الأمر قد احتاج لدى كل الأمم وفي كل الأزمنة، إلى آلهة كما إلى أنبياء يعلمونها للبشرية المتحيونة بالنظر إلى أن الإنسان لم يكن أبداً بقادر على اكتشافها بنفسه”.

المزيد عن: شارل بودليرإدغار آلان بوالبؤساءأزهار الشرالثورة الفرنسيةفكتور هوغوفرانسوا رينيه دو شاتوبرياننابليون بونابرت

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00